تتعدد أوصاف يسوع في العهد الجديد. ومما وصف به يسوع روايةً عنه هو (أنه نور العالم)، فنقرأ في العهد الجديد: “كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. هذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ، لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ”. (يوحنا 1 :6-9).

كما نقرأ: “ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلاً:’ أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ’”. (يوحنا 12:8).

كما نقرأ أيضا: “أَنَا قَدْ جِئْتُ نُورًا إِلَى الْعَالَمِ، حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لاَ يَمْكُثُ فِي الظُّلْمَةِ”. (يوحنا 46:12).

ونقرأ أيضا ما يلي: “هُوَذَا أَنْتَ تُسَمَّى يَهُودِيًّا، وَتَتَّكِلُ عَلَى النَّامُوسِ، وَتَفْتَخِرُ بِاللهِ، وَتَعْرِفُ مَشِيئَتَهُ، وَتُمَيِّزُ الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، مُتَعَلِّمًا مِنَ النَّامُوسِ. وَتَثِقُ أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ، وَنُورٌ لِلَّذِينَ فِي الظُّلْمَةِ” (رومية 2 :17-19).

ولكن ما المقصود بوصف يسوع بنور العالم؟ وهل هذا الوصف على حقيقته أم على سبيل المجاز؟

بادئ ذي بدء، لا شك في أن الله تعالى وحده هو نور العالم الحقيقي وهو مصدره ومانحه لغيره من مخلوقاته تعالى بما فيهم يسوع نفسه. وذلك ثابت بنص العهد الجديد نفسه وعلى لسان يسوع وحوارييه.

فنحن نقرأ ما يلي في العهد الجديد: “وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ”. (1 يوحنا 1 :5-6).

ويؤكد العهد القديم أن الله تعالى وليس غيره هو من صور النور وخلق الظلمة. فنقرأ في العهد القديم: “لِكَيْ يَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ”. (إشعياء 45 :6-7).

ونقرأ أيضا: “أَنْتَ فَجَّرْتَ عَيْنًا وَسَيْلاً. أَنْتَ يَبَّسْتَ أَنْهَارًا دَائِمَةَ الْجَرَيَانِ. لَكَ النَّهَارُ، وَلَكَ أَيْضًا اللَّيْلُ. أَنْتَ هَيَّأْتَ النُّورَ وَالشَّمْسَ”. (مزمور 74 :15-16).

كما نقرأ أيضا في العهد القديم: “اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟” (مزمور 1:27).

كما يعلمنا العهد الجديد أن الله تعالى له نور لا يستطيع أحد من خلقه الدنو منه. فنحن نقرأ: “أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ”. (1 تيموثاوس 6 :14-16).

كما يخبرنا العهد الجديد أن الله تعالى هو الذي ينير ويُضيء الأشياء على سبيل الحقيقة ويسوع المشار إليه بالخروف ما هو إلا سبب في هذا النور وسراجه الذي يستمد هذا النور من الله. فنقرأ: “وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْخَرُوفُ سِرَاجُهَا. وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا، وَمُلُوكُ الأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا”. (رؤيا يوحنا 21 :23-24).

كما نقرأ أيضا: “وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ”. (رؤيا يوحنا 5:22).

ويوضح يسوع نفسه لحوارييه أن الله تعالى هو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور. فنقرأ في العهد الجديد: “فَلاَ تَكُونُوا شُرَكَاءَهُمْ. لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً، وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ. اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ”. (أفسس 5 :7-8).

ويؤكد العهد القديم أن نور الله هو الذي يهدي إلى الحق. فنقرأ فيه: “اِقْضِ لِي يَا اَللهُ، وَخَاصِمْ مُخَاصَمَتِي مَعَ أُمَّةٍ غَيْرِ رَاحِمَةٍ، وَمِنْ إِنْسَانِ غِشٍّ وَظُلْمٍ نَجِّنِي. لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهُ حِصْنِي. لِمَاذَا رَفَضْتَنِي؟ لِمَاذَا أَتَمَشَّى حَزِينًا مِنْ مُضَايَقَةِ الْعَدُوِّ؟ أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ، هُمَا يَهْدِيَانِنِي وَيَأْتِيَانِ بِي إِلَى جَبَلِ قُدْسِكَ وَإِلَى مَسَاكِنِكَ”. (مزمور 43 :1-3).

ويبين العهد الجديد أن يسوع ليس له نور ذاتي وإنما الله تعالى هو من أقامه نورًا للأمم. فنقرأ: “لأَنْ هكَذَا أَوْصَانَا الرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ، لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصًا إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ”. (أعمال الرسل 47:13).

وليس أدل على كون يسوع نورًا مجازيا وليس حقيقيًا؛ من كونه نورًا مؤقتًا للعالم لا يوجد إلا حال حياته فقط. فينقل العهد الجديد عن يسوع قوله: “مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ”. (يوحنا 5:9).

كما نقرأ أيضًا: “فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ‘النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمِنُوا بِالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ’. تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا ثُمَّ مَضَى وَاخْتَفَى عَنْهُمْ”. (يوحنا 12 :35-36).

ومعنى كون يسوع نورًا وفقا لما ورد في العهد الجديد أنه جاء اليهود بالنور والهداية من عند الله تعالى. فنحن نقرأ: “إِنْ يُؤَلَّمِ الْمَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَوَّلَ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ، مُزْمِعًا أَنْ يُنَادِيَ بِنُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلأُمَمِ”. (أعمال الرسل 23:26).

وبهذا المعنى، يستوي يسوع مع غيره من البشر. فلقد وصف يسوع حوارييه بأنهم نور العالم أيضًا لأنهم كان المفترض فيهم عمل الصالحات والإصلاح في الأرض وعدم الإفساد. ولذلك ذكر يسوع أيضًا أنهم سيكون لهم نور يضيء أمام الناس.

فنحن نقرأ: “أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ” (متى 5 :13-16).

كما وصف يسوع حوارييه بأنه أبناء نور فقال: “جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْل وَلاَ ظُلْمَةٍ”. (تسالونيكي 5:5).

ومن ثَم، ليس يسوع نور العالم على سبيل الحقيقة وإنما على سبيل المجاز ويشترك معه في هذا الوصف غيره من البشر.

_________

المراجع:

1- الكتاب المقدس

2- موقع الأنبا تكلا