حقائق الإسلام الدامغة وشبهات خصومه الفارغة
الرد على ضلالات زكريا بطرس
سلام محمد وسلام المسيح عليهما السلام

الدكتور/ إبراهيم عوض
الدكتور/ إبراهيم عوض

يقول هذا الموهوم:

• ينطِق جميع المسلمين عند ذكْر اسم محمد – صلى الله عليه وسلم – بالعبارة: أَلَم يحلَّ سلام الله على محمدٍ بعدُ؛ حتى ينبغي على الله والملائكة أن يصلُّوا عليه، كما هو مكتوب في سورة الأحزاب: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، لم يتبرَّر محمد بعدُ ويتمتَّع بالخلاص الأبدي، بل يَنقُصه سلام الله حتى يكون فرضًا على جميع المسلمين في كل العصور أن يصلُّوا عليه ويسلِّموا، أما المسيح فيشهَد حسب القرآن: ﴿ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾، فابن مريم هو رئيس السلام الذي عاش من بداية حياته إلى نهايتها في سلام مع الله وفي رضاه، قد تمَّت ولادته من مريم العذراء حسَب إرادة الله وقُدرته بدون خطِيَّة، فعمَّ السلام لأجل تجسُّد كلمة الله حتى انفتحت السموات، وأَنشَدت الملائكة مرنمة: “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرَّة”؛ (لوقا 2: 14)، مات المسيح موتًا حقيقيًّا، إنما لم يمُت بسبب خطاياه، بل بسبب خطايانا نحن الخُطاة، فاختُبِر المسيح حتى في موته السلام مع الله، جميع الناس يموتون بسبب خطاياهم الشنيعة؛ “لأن أجرة الخطيَّة هي موت”؛ (رومية: 6/ 23)، أما الله، فسُرَّ بالمسيح؛ لأنه صاَلَح القدوس مع البشر بموته النيا

زكريا بطرس
زكريا بطرس

بي عنهم، فتستقر مسرة الله على ابن مريم، إنَّ قيامة المسيح من بين الأموات هي أعظم برهان على براءته وقَداسته، لو ارتكَب المسيح خطية واحدة في حياته، لوجَد الموت فيه حقًّا، وقَبَضه مِثل محمد، لكنه لم يرتكِب خطِية ولا شِبْه خطية، ولأجل ذلك غلَب الموت، وترك قبره ظافرًا، فالمسيح حي، أما محمد فميِّت؛ لذلك يشهَد جميع المسلمين عند ذكر اسم المسيح – السلام عليه – شاهدين بأنه يحيا في السلام، لقد اختَبَر محمد اضطهادات مُرة، وقام بالجهاد والحروب مِرارًا، وأمر بقتْل أعدائه والمشركين والمرتدين: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 191]، ﴿ فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ [النساء: 89]، ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الأنفال: 17]، ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ [الأنفال: 39]، ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ﴾ [التوبة: 5]، فلم يأتِ محمد بسلام بدون جهاد، بل أمر بغزوات، واشترَك بسفك الدماء لأجل السلام، فكان أمير المؤمنين والقائد السياسي المحنَّك في الجزيرة العربية، اضطهد اليهود المسيح بالعنف أيضًا، إنما لم يدافِع عن نفسه بالسيف، ومنَع أتباعه من سفك الدماء قائلاً: “من يأخذ السيف، فبالسيف يُؤخذ”؛ (متى 26: 52)، فكل مسيحي يقاتِل لأجل نصْر المسيحية بالسلاح سافكًا دم الأعداء، يدخل جهنم؛ لأنه يَعصي ويُخالِف أمْر سيده رئيس السلام، أما المسلم الذي مات في الجهاد، فيرجو انتقاله إلى الجنة مُبررًا، فيظهر جليًّا أن المسيح وحدَه أسَّس سلامًا حقيقيًّا دون قتال وحرب، بينما فرَض محمد الجهاد والقتال مرارًا على المسلمين، أما المسيح ففضَّل أن يُسفَك دمه الثمين عِوضًا عن دم أعدائه؛ لكي لا يقتلهم، وصلَّى لأجل قاتليه: “اغفر لهم؛ لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”؛ (لوقا 23: 34)، فالمسيح هو المسالم والمسلم الحقيقي الوحيد – إن اعتبرنا كلمة الإسلام والمسلم مشتقَّة من كلمة السلام.

وفي الرد على هذا الكلام، نقول وبالله التوفيق:

أولاً: لم يقل الله: إن محمدًا لا يحظى بالسلام في حياته أو بعد مماته، حتى يجعل الواعظ اللمَّاح من ذلك بابًا إلى المُلاحاة والمُكايدة، بل قال في حقه – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وفي ذات الوقت لم يقل – سبحانه – في أحد سواه لا عيسى ولا غير عيسى: إنَّه يصلِّي عليه هو وملائكته، ولم يطلُب من المؤمنين ولا من الكافرين أن يصلُّوا ويسلِّموا عليه تسليمًا مِثلما فعل مع محمد، ومعنى الله وملائكته “يصلُّون” على النبي، أن الصلاة مستمرَّة لا تتوقَّف؛ لأن الفعل المضارع في هذه الحالة يدلُّ على الدَّيمومة وعدم الانقطاع لا في حياته ولا بعد وفاته؛ أي: إن هذا شرَف لم يحظَ به إلا نبينا – صلى الله عليه وسلم – بيْد أن الواعظ الظريف يقلِب الأمور رأسًا على عقِب، وهيهات ما يريد، ولو أردنا أن نتحاسَب مع واعظنا الذكي بطريقته الذكية، “لطلَع لنا عليه حساب كبير”، فالمسيح يقول: ﴿ وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 33]، وهو (بالمناسبة) نفس ما قيل في يحيى – عليه السلام – قبيل ذلك في سورة “مريم” نفسها؛ قال – تعالى – عن ذلك النبي الشهيد: ﴿ وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 15].

ومعنى هذا أنَّ السلام على عيسى ويحيى مقصور على يوم ولادتهما ويوم مماتهما ويوم بعْثهما ليس إلاَّ، بخلاف صلاة الله والملائكة على سيدنا رسول الله، (صلاة الله والملائكة، وليس صلاة البشر، لاحِظ!)، فهي متَّصِلة لا نهاية لها، ومع هذا كله فنحن نحترِم سيدنا عيسى احترامًا شديدًا، لا يحترِمه إياه سوى المسلمين؛ لأن الإيمان في ديننا لا يتم إلا بالإيمان به وبكل الأنبياء والرُّسل، وتبجِيلهم – عليهم جميعًا السلام، ومن احترامنا له وتبجيلنا إياه: أننا عادة ما نلحق باسمه حين يأتي ذكره على ألسنتنا قولنا: “عليه السلام”، فالأمر بالنسبة له ولنبيِّنا في هذه النقطة واحد، رُغم معرفتنا أن الله – سبحانه وتعالى – قد أمَرنا بالصلاة والسلام على محمد فقط نصًّا، إلا أننا من شدة محبَّتنا لابن مريم وأمه، نقرن اسميهما بالسلام أو بالصلاة والسلام جميعًا، فكيف يتخِذ الواعظ اللَّبِق من احترامنا ومحبَّتنا لعيسى ابن مريم مَثارًا للمُناقرة والمُماراة؟!

وثانيًا: يقول الواعظ: إن الموت سببه الخطيئة، فلماذا إذًا يا تُرى لم يمحُ الله الموت من صفحة الوجود ما دام عيسى قد جاء وافتدَى البشر من خطيئتهم، فلم تعُد هناك خطيئة ولا يَحزنون؟

بل لماذا مات هو كما يعتقِد الواعظ وشيعته، وهو لم يرتكِب خطيئة، وفوق ذلك فهو إله حسبما يقولون لا يجوز عليه الموت؟ مشكلة كبيرة معقَّدة! أليس كذلك؟ فليكن الأمر ما يكون، فالمهم أن ابن مريم وابن عبدالله بن عبدالمطلب كلاهما قد مات، ولا أحد أحسن من أحد، وعلى هذا فلا معنى ولا مغزى لكل هذه المماحكات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع!

أما قول واعظنا: إن عيسى قد وُلِد من مريم العذراء “حسَب إرادة الله وقدرته”، فالرد عليه أسهَل شيء؛ لأن هذا يصدُق على ولادة كل مولود من البشر وغير البشر، أم تُرى نيافته يقول: إن المسيح وحده هو الذي وُلِد بإرادة الله وقدرته، وبقية المخلوقات بقدرة الشيطان وإرادته؟

أرجو أن يتنبَّه الواحد منا لملافِظه، ويعرف أين هي ذاهبة أو آيبة، وإلا انكشفَت عورته، وسهُل اصطياده، كذلك يقول: إنه بمجرَّد ولادة عيسى – صلى الله عليه وسلم – قد عمَّ السلام! فأرجو أن يدلَّني نيافته على هذا السلام، أين أراضيه؟ إن الناس تعيش في اضطرابات ومتاعب وأحقاد منذ أن خلَقهم الله، مرورًا بولادة عيسى، وحتى الآن، وإلى أن يرِث الله الأرض ومن عليها، مرة أخرى يا نيافة الواعظ المسكين، (حاسب على) كلامكَ، ولا تنطق بما يجلِب عليك سخرية الساخرين وشماتة الشامتين، ولستُ منهم، إنما أنا لك ناصح أمين! أم تراك لا تعيش معنا في دنيانا هذه (بنت الهرمة)؟ “صحِّ النوم”، صحَّى الله بدنك، وأدام عليك عافيتك، وبصَّرك بمواقع الزَّلَل، وحماك من الخَطَل! أم هو كلام والسلام؟ إن كان الأمر كذلك، فتعالَ أملأ لك تلاليس منه دون مقابل، بل حِسبة لوجه الله!

وثالثًا: يتطرَّق الواعظ إلى الكلام عن حروب رسول الله، متخِذًا منها مغمَزًا فيه وفي دعوته، مقارنًا له بالمسيح عيسى ابن مريم، الذي لم يرفَع السيف في وجه أعدائه، واستغفَر لهم، لكن فات السيد الواعظ أن عيسى لم يستمرَّ في دعوته سوى ثلاث سنوات ليس إلا، بخِلاف محمد الذي استمرَّ ثلاثًا وعشرين سنة، قضى منها في مكة – يتحمَّل أذى قومه وسخافاتهم وسفالاتهم وجبروتهم – ثلاث عشرة سنة كاملات، لا ثلاث سنين فحسب، لم يرفْع في وجههم عود نبات، فضلاً عن أن يجرِّد للقتال سيفًا، ودعا الله أن يغفِر لهم؛ لأنهم لا يعلمون، كذلك فقد رأينا السيد المسيح في لحظة مكاشفة يعلِنها صريحة مدوية، فيقول: “جئتُ لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرَمَت؟ ولي صبغة أصطبِغها، وكيف أنحصِر حتى تكمُل؟ أتظنون أني جئتُ لأعطي سلامًا على الأرض؟ كلاَّ، أقول لكم: بل انقسامًا؛ لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين: ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة، ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب، والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كَنَّتها، والكَنَّة على حماتها”، فلو أنه – عليه السلام – قد استمرَّ على الأرض بضعة أعوامٍ أُخر، لكان له شأن آخر؛ إذ الحياة لا تَجري على هذا النحو المغرِق في المثالية والسذَاجة، وإلا أكَل القوي فيها الضعيف، وها هي ذي أمم الغرب النصرانية أكبر شاهد على ما نقول،؛ إذ لا تعرف – منذ أن دخَلت في النصرانيَّة، وقرأت إنجيل السلام – إلا لغة الحرب والسيف، ثم المِدفع والقنابل، ثم الطائرات والدبابات والصواريخ، ثم الأسلحة النووية، ولم نقرأ أنها جنَحت يومًا إلى التعامُل بالحسنى مع أحد، إلا أن يكون قويًّا مِثلها يُخيفها ويوقِفها عند حدِّها، ونحن اليوم ومنذ قرون نذُوق من “سلامها” القتَّال ما يُلْهِج ألسنتنا بالدعاء الحارِّ من أعماق قلوبنا لها أن “يخرب الله بيتها خرابًا مستعجلاً، ويُريحنا منها”، ولا أظن إلا أن نتسلَّح مِثلما يتسلَّحون، ولا ننخدِع بما يُروِّجونه على ألسنة هذا الواعظ وأمثاله من أن النصرانية دين السلام، فهي إذًا أفضل من الإسلام دين القتال، وذلك بُغية تنويمنا؛ حتى لا يقِف لهم منا من ينغِّص عليهم احتلالهم لبلادنا، وكسْحهم لثرواتنا، وتدميرهم لبيوتنا، وانتهاكهم لأعراضنا، وتقتيلهم لنا ولأولادنا ونسائنا، لعنة الله على المخاتلين!

وأخيرًا لقد أضحكني واعظنا النَّسَّاء حين قال: إن المسيح لم يحاول قط أن يلَعن أعداءه، بل كان يدعو لهم بالغُفران، تُرى من الذي يدمدِم لسانه طوال الوقت في الأناجيل، لا على الأعداء فقط، بل على الأعداء والأصدقاء معًا، باللَّعنات والشتائم والتهديد، والوعيد بخراب الدِّيار وذلِّ الدِّيار، مما سُقْنا بعض شواهده قبل قليل؟ يقينًا لستُ أنا الذي فعَل ذلك!