بسم الله الرحمن الرحيم

كانت فتاة في ريعان الشباب، سطرت حكايتها قائلة: أحب ديني وأغار عليهكثيرا، وأحسن الله خلقي وخلقتي فهو أحسن الخالقين، تربيت على الخوف من اللهتعالى وعدم الإساءة إلى الناس، فقد كنا نعاقب عقابا شديدا من والديّ -جزاهمالله خير الجزاء- إن اعتدينا على أي إنسان، فتعلمنا بأن أجمل ما في الدنياتقوى الله والحذر من الجور على حقوق الناس .. أعلم بأنه لو كان كلام بنيآدم كله صدقاً وعمله كله حسناً يوشك أن يخسر عندما يعجب بنفسه، فوالله ليسعُجبا، ولكن سيتضح علة ما ذكرت في القادم من رسالتي.
أعمل في وظيفة طبية مرموقة، وتقدم لي الكثير، وكان من ضمنهم زوجي (طبيب،ومدير، عمره 50 سنه، خلوق متدين متزوج ولديه ثمانية أبناء) .. خطبني ولمأوافق في بادئ الأمر لفارق السن الكبير بيننا ولأنه متزوج، كما أخبرتوالدتي عنه وأخي فلم يوافقا مطلقا لأسباب أوجدها المجتمع وتشبع بها (علمابأن أبي في المستشفى مصاب بشلل كامل إثر حادث مروري) وأعمامي أيضا لنيوافقوا عليه أبدا أبدا.
قلت لامي ذات ليلة: إذا كان من نصيبي فسيعود مرة أخرى، وبعد ثلاثة أشهرخطبني مرة أخرى، ففكرت واستخرت واستشرت بعض الدعاة وبعض المستشارينالنفسيين والاجتماعيين عبر البريد الالكتروني، وكانت خلاصة كلامهمبالموافقة خاصة أنهم استشعروا قناعاتي بالموافقة النابعة من عدم رد الزوجالصالح حتى ولو كان متزوجا أو فارق السن كبير.
كانت قناعاتي الشخصية أن التلاقي بين الأرواح وليس بين الأجساد، وأنالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ولا يضرفارق العمر لأن عطاء الرجل يمتد بعكس المرأة، وهذه المسألة لا علاقة لهابالأعمار لأنها هبة من الله تبارك وتعالى، وقد تزوج نبينا صلى الله عليهوسلم عائشة وعاشت معه أجمل حياه.
ومما زاد من قناعتي به أنه رجل فيه سمات أهل الدين والصلاح- ولا ازكي علىالله أحدا -بالإضافة إلى حسن خلقه، ومقياس القبول دلنا عليه أفضل الخلقعليه الصلاة والسلام «الدين والخلق» فمن يرى بنور الله تعالى يؤيد قراريويبارك لي فيه، أما من يعانون من الازدواجية الدينية فيأخذون من الدين مايوافق هواهم ويرضي الناس عنهم بكل تأكيد لا شأن لي بهم.
كنت على قناعة أن الرجل الكبير يملك الخبرة في الحياة عامة والحياة الزوجيةخاصة والتي تحتاج إلى العقل الراجح والحكمة، وأنا من البنات العقلانياتجدا، والزواج قرار مصيري، ونحن نرى الكثير من الشابات الصالحات الجميلاتمطلقات ليس إلا بسبب زوج يستخدم أبغض الحلال لأتفه الأسباب ليكسرها ثميرميها ويبحث عن أخرى أو لأن لديه زوجة ثانية.
وفي حواراته معي كان يرسم لي معالم طريق حياتنا المستقبلية القائمة علىالعدل والحكمة: (لك منزلك ولهم منزلهم) (سأساعدك على الدراسة) .. وحددإخبار أولاده وزوجته عن زواجنا بعد الزواج بأسبوع ليضعهم أمام الأمرالواقع.
بعد ذلك طلب مني أن أستقيل من وظيفتي، وأقطع علاقاتي بكل زميلات العمل،وأصر على ذلك .. ترددت لكن وافقت مؤخرا لأنه سيوفر لي حياة كريمه، واقترحأن أتناول دواء لمنع الحمل في بداية الزواج إلى أن تستقر حياتنا فوافقت.
بعد الزواج بشهر ذهبت إلى أهلي أسبوع لظروفه ثم أرسل لي رسالة: (أخبرتزوجتي، وهي في حالة سيئة جدا، فادعي لها بالثبات) وبعدها بأيام قليله أرسلرسالة أخرى: (أخشى على عقل ودين زوجتي، وأنتي صبرتي كثيرا، اسأل الله أنيكتب لك الخيرة المباركة)!!
انهرت وصدمت وذهلت وبكيت ولم استطيع النوم، فلم يتصل ولم يرسل لي أي كلمهليعتذر مني أو ليطمئن علي!! بل أرسلت له عدة رسائل فلا مجيب .. ثم تقابلنا،وأنا التي طلبت أن أراه وليس هو، وكانت معي والدتي لوضعي الصحي، فقلبي كانينبض بشدة، وأشعر بألم شديد في صدري!!
أتى زوجي بوجه آخر لا أعرفه .. عيناه كسيرة في الأرض، وصوته منخفض، يتكلممعي وكأنه لا يعرفني.
قال لي: زوجتي تركت لي المنزل، وحالتها سيئة، بالإضافة أن لدي ثلاثة أطفالمعاقين عقليا، ولم أخبرك مسبقا، وأمهم تتعب معهم، وأنا بصيص أملها في هذهالحياة.
لم يطلب مني الصبر أو التنازل عن بعض حقوقي، بل كان يريد الانفصال، فكانآخر الاتفاق أنه سيقول لزوجته بأنه طلقني ويبقى زواجنا بالسر!! متفضلاومتكرما علي .. في تلك اللحظة لم يكن نصب عيني إلا أن أحفظ نفسي من مقالةالسوء !!
ثم خرج وتركني أنا ووالدتي بآلامنا وأحزاننا وحرقتنا في شقة الزوجية التيلم تكن لي سوى منفى أبكي واشكي وأخاف وأتألم فيها وحدي !!
بعدها بأيام سألته هل فعلا سنعيش بهذه الطريقة؟ هل سيأتي يوم وتتركني؟ قاللي: والله لا استطيع أن أوعدك بشيء، لكن إذا مللت أخبريني! ولو أردت مالتعويضا لك أنا مستعد! .. كان يتكلم معي وهو ينظر إلى نفسه في المرآة بكلبساطة وعدم مبالاة!
مرت الليالي والأيام وهو يتكرم علي بأن يبقى عندي من العصر إلى آذانالعشاء، أما الأجازات الرسمية والأعياد وأجازة نهاية الأسبوع فلا حق ليفيها !.. تأقلمت مع الأيام، وعودت نفسي أن أطفئ غيض قلبي بالصبر والقناعة.
عشت معه زوجة بلا مميزات ولا حقوق، وعندما أذكره بحقوقي أو أتكلم عنمستقبلنا يتغير ويتهرب كأنني لست زوجه له .. عشت في دوامة كبيرة، ولم أعدأفرق بين قبوله لي أو رفضه!! كل ما أدركه في هذه الدوامة أنني كنت مجردنزوة عابرة، وفريسة سهلة، خدعها بحجة إباحة التعدد التي شرعها الإسلام،وفهمها البعض خطأ، واستغلوها أسوأ استغلال، دون أدنى اعتبار لمشاعرالإنسانة التي انخدعت بهم.
تسابقت الأيام إلى أن وصلت إلى مرحلة حرجه في التفكير وتحليل الأمور، لدرجةأنني أصبحت أفرح كثيرا عندما يقوم بأبسط الواجبات التي يقوم بها الزوجلزوجته، وأعتبرها اهتمام وحب وبشائر تغيير للأفضل، فقد طلب مني أن اكتب لهمستلزمات المنزل ليحضرها، وأحضر لي مدفئه صغيرة وساعة صغيرة .. اعتذر عنهذا الجنون لكن صدقوني وصلت إلى هذه المرحلة المؤلمة !
وعدني قبل الزواج بأن يساعدني أن أكمل دراستي، وبعد الزواج طلب مني أن أبحثعن سائق بمحرم ليوصلني.
قال لي قبل الزواج: (الطيبة تأسرني جدا .. لا استطيع النوم إذا أكرمني شخصبطيبته!)
قال لي قبل الزواج: (أنا الطلاق عندي كأنه محرم، ولا أفكر فيه أبدا)
لكن لم أرى بعد الزواج إلا عكس ذلك !
الآن أشعر بأنه عدو يتربص بي لينتقم مني ويقهرني! أو كأنه يعاقبني لأننيتزوجته وصدقته ووثقت به! خاصة أن لديه حرص شديد على تناولي حبوب منع الحمل.
تلك كانت ورطتي مع صنف غريب من البشر اعتادوا التصنع والتسربل بسربال الدينوالنظر إلى حقوقهم وامتيازاتهم دون الالتفات إلى واجباتهم والتزاماتهم .. صنف غريب من الناس لا تؤثره الطيبة ولا تردعه العشرة بالمعروف، بل ليسعندهم أدنى رغبة في تعديل المسار وتدارك الخطأ .. تتعدد فرائسهم، وتكثرمظالمهم، وينجرفون مع نزواتهم انجرافا أعمى لا يلوي على شيء .. يتقنون لغةالفضائل ويفشلون في تطبيقها في واقعهم، بارعون في التنكر، ونصب شباكالسجايا لتقع الضحايا من أجل متعتهم الشخصية فقط.

د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com