هذه قصة من قصص المهتدين إلى الإسلام، ويحق لي أن أفخر بصاحبتها الهنغارية ذات السبعين عاما، رافيلا رمز للإنسان الذي ولد على الفطرة، واهتدت إلى الإسلام بالفطرة، فالحمد لله الذي أنقذها من ظلم الشرك إلى عدالة الإسلام، وأخرجها من ظلام الكفر إلى نور الإسلام. تابعوا هذه القصة الشيقة ..

لماذا يختار إنسان عقيدة دون أُخرى؟ قد يكون هذا السؤال أصعب سؤال يواجهه إنسان في حياته، أما كيف يستطيع اختيار العقيدة الصحيحة من بين العقائد الكثيرة التي تحيط به، فهذا إن حدث فلا بد أن تكون وراءه قصة عظيمة.
من خلال هذا الباب نُقدم في كل عدد قصة من قصص المسلمين الجدد الذين دخلوا هذا الدين عن وعي وثقافة وتفكر ودراسة، مما جعل عقولهم قبل قلوبهم تقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله».. شهادة مُجردة خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى.

دخلت سيدة أوروبية الملامح كبيرة السن إلى إدارة الشؤون النسائية في لجنة التعريف بالإسلام، تصحبها سيدتان من عائلة كويتية فاضلة، وكن قد حضرن بناء على موعد قد تم تحديده مسبقًا مع الإدارة لتحديد إحدى الداعيات للقاء السيدة الأوروبية، وعندما جئن كنا نستعد للقائهن بناء على الموعد المحدد.
استقبلناها استقبالًا جيدًا واحتفينا بها، حيث إنها ذات وجه ودود بشوش يطفح استبشارًا وسرورًا، وهذا هو الانطباع الأول الذي رسمته أختنا الأوروبية على قلوب الداعيات وخاصة الداعية التي ستتولى دعوتها والحديث معها، مما خلق جوًّا من الارتياح والانشراح بين الموجودين، كان لسان حال الداعية قبل مقالها يقول: أهلًا ومرحبًا بك، هات ما عندك حبيبتي، كل كياني يستمع لك وينصت، وكل علم تعلمته في ديني وطرق دعوتي سيكون بين يديك فتفضلي.
عزيزتي رافيلا تفضلي احكي لنا حكايتك، لاشك أنها قصة شيقة تزيدنا حبًّا وثباتًا على ديننا.
جلست السيدة رافيلا تقص ما عندها قائلة: لقد ولدت في هنجاريا وعشت معظم حياتي المديدة في فرنسا وأنا الآن في عامي السبعين.
قالت ذلك ثم جالت بعينيها في الغرفة فوجدت لوحة للكعبة المشرفة، فانطلقت نحوها تتلمسها بيديها وتقول برقة ومحبة: نعم هذا ما أحب وهذا ما أريد، خذوني إلى هناك سأشعر بالراحة إذا ذهبت إلى هذا المكان، لقد ظللت زمنًا طويلًا أتمنى الوصول إليه.
ثم قالت: كنت أدين بالمسيحية على المذهب البروتستانتي، وحين بلغت الثالثة والخمسين من عمري توفي زوجي وترك لي ابنًا يعاني اليتم وأعاني معه الترمل وقلة ذات اليد.. فماذا عساي أن أفعل وأنا المؤمنة إلا الذهاب إلى من أرجو وأتوقع منه المساعدة، فذهبت إلى الكنيسة، ولكن وياللبؤس كانت كل كنيسة توجهني إلى الأخرى دونما فائدة تذكر وهذا أفقدني الأمل في مساعدتهم لي، فاتخذت قرار الاعتماد على نفسي وهذا ما كان.
بحثت عن عمل يعيلني وابني اليتيم، فحصلت على وظيفة ممرضة في مستشفى فقد كنت أحمل شهادة في التمريض، وفي هذا العمل وفقني الله عز وجل فاستغنيت عن الكنيسة وعن كل الخلق.
كانت المنطقة التي فيها المستشفى يسكن بها المسلمون، وهناك بنوا لأنفسهم مسجدًا صغيرًا يؤدون فيه شعائرهم، وفي أثناء ذهابي إلى عملي في المستشفى كنت أرى هذا المسجد، وفي هذه المنطقة تعرفت على الإسلام والمسلمين، فقد أهدي إليَّ نسخة مترجمة من القرآن الكريم، وكنت كلما قرأت في هذه الترجمة ازداد إعجابي بما يحتويه هذا الكتاب بين دفتيه، وخاصة وحدانية الله التي تكرر في معظم آياته، كما حصلت من المسجد على صورة للكعبة المشرفة فعلقتها في منزلي، وكنت أجد راحة عند النظر إليها، ولا أعرف سرًّا لذلك.
مرت الأيام والسنوات برافيلا وهي تزداد قربًا من الله وتوكلًا عليه، فقد كانت تؤمن بوحدانية الله تعالى وقربه من خلقه قبل أن تتعرف على الإسلام، لذلك كان قلبها تربة خصبة لتقبل تعاليم دين التوحيد الإسلام، ومن مظاهر ارتباطها بالله سبحانه حرصها على سلامة الصدر واستشعارها محبة من حولها، وألا يمر عليها يوم إلا وقد عملت فيه عملًا صالحًا خالصًا لوجه الله تعالى من صدقة أو صوم أو مساعدة مريض.. وغيرها من الأعمال.
ومن سنن الله في خلقه أنه خلقهم في كبد، فلا يوجد بشر على وجه الأرض منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا وقد ابتلي بالشر والخير.
ظنت رافيلا أنها بهذا الذي حققته قد اطمأنت، وشعرت بالأمن والأمان، ولكن هيهات هيهات.. فقد جاءها البلاء لتمتحن في ولدها وليمحص الله عز وجل إيمانها، ودائمًا ما يكون البلاء على قدر الإيمان، لقد ابتليت بوفاة ولدها الوحيد الشاب الذي أفنت حياتها في تربيته والإنفاق عليه، فلما بلغ مبلغ الرجال توفي في حادث تحطم طائرة مُحطمًا معه قلبها من هذه الفاجعة، فأصيبت بمرض ظنت أنها لن تشفى منه أبدًا.
لكن رحمة الله الواسعة واستعانتها به ويقينها برحمته طوال فترة المرض رفع عنها البلاء فشفيت بإذنه تعالى، ولكنها ظلت إلى ذلك الوقت لم تعلن إسلامها، فكانت تمارس شعائر الإسلام من صلاة وصيام اثنين وخميس، ومساعدة أيتام وغيرها مما يحب ربنا ويرضاه من الأعمال سرًّا، ولنا أن نتساءل لِمَ لَمْ تُشْهِر رافيلا إسلامها على الرغم من إعجابها الشديد بهذا الدين؟!
كانت تلك السنوات التي اقتربت فيها رافيلا من الإسلام هي نفس السنوات التي كثر فيها اتهام الإسلام بالإرهاب! وهذا ما كان يمنعها من دخول الإسلام بصفة رسمية، فهي من العقل والذكاء والثقافة ما يجعلها تعلم ماذا يعني إشهار الإسلام. والله سبحانه لا يترك عبده الصادق الذي يبحث عنه، فقد قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي يحكي عن ربه تعالى: « من تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا… » فقد كتب الله اللطيف بها الخبير بصدقها أن تحصل على وظيفة ممرضة في المستشفى العسكري في الكويت، وهنا في بلدنا الحبيب رأت الإسلام والمسلمين، وعلمت أن كل ما سمعته في وسائل الإعلام الغربية افتراء وحقد على الإسلام والمسلمين، فقد وجدت الناس في الكويت يمارسون الإسلام بحرية تامة متفاوتين في مدى الالتزام بدينهم، ولكنهم على العموم لم يكونوا أبدًا إرهابيين.. عاشت رافيلا في الكويت وتعرفت على عدد من الأسر الكويتية الطيبة وأخبرتهم برحلتها إلى الإسلام إلى أن وصلت إلى هذا البلد، فعرضوا عليها أن تشهر إسلامها في المكان المتخصص بهذا الشرف العظيم وهو لجنة التعريف بالإسلام، وإن كان لديها أي استفسار أو شبهة فستجد الإجابة الشافية هناك، وقد كان ولله الحمد.. فكانت الإجابات على تساؤلاتها بردًا وسلامًا أتم اليقين في قلبها ورفع عن صدرها غشاءً خفيفًا كان لابد له أن يزول حتى تضع قدمًا راسخة في الإسلام بإذن الله.
فشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وسط تكبيرات رواد اللجنة وداعياتها والأسرة الكريمة التي أتت بها إلينا، وبُشِّرت بأن أول هدية لها ستكون رحلة إلى مكة الحبيبة لأداء العمرة.
ثم خرجت من اللجنة تحيطها الدعوات بالثبات.. مُحَمَّلة بنسخة مترجمة من القرآن الكريم والنشرات الدعوية.. على أمل اللقاء بها قريبًا لمتابعة دراسة أمور دينها.

المصدر : مجلة البشرى