دلالة الكتاب والسنة والإجماع

على تحريم الاحتفال برأس السنة الميلادية

 

الحمدُ لله الذي مَن اعتصمَ بحبلِ رجائه وفَّقه وهداه، ومَن لَجَأَ إليهِ حفظَهُ وَوَقَاه، ومَن تواضعَ له رَفَعَهُ وحَمَاه، أحمَدُه سبحانه على ما أعطى من الإنعام وأولاه، وأشكُره على ما خوَّلَه بفضله وأسداه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، أرسلَهُ إلى خلقهِ بالتوحيدِ وأوصاه بتقواه، وعن طاعة الكفار والمنافقين والتشبُّه بهم حذَّرَهُ ونهاه، اللهمَّ صلِّ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وعلى آله وأصحابه الذين عَضُّوا على سُنَّتهِ بالنواجِذِ وتمسَّكُوا بهُداه، وسلِّم تسليماً كثيراً.

أمَّا بعد: فيا أيها الناسُ، اتقوا الله تعالى حقَّ تقواه، وتذكَّرُوا أن الله قضى بحكمته أن جعلَ الناسَ فريقين؛ فقال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [التغابن: 2]، ومن حكمته ورحمته أن أرسلَ الرُّسلَ مُبشِّرين ومنذرين، ويُميِّزَ الكافرينَ من المؤمنينَ، كما قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران: 179]، وقد فَصَلَ اللهُ تعالى بينَ الفريقينِ في الموالاةِ، فجَعَلَ المؤمنينَ بعضُهم أولياءُ بعضٍ، والكافرين بعضُهم أولياءُ بعضٍ، قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71]، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 73].

 

وفرَضَ سبحانه على المؤمنين البراءةَ من الكافرين ومِن دينهم ومما يعبدون، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]، وقال: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 1 – 6].

 

وقد ميَّزَ اللهُ المسلمين بما جاء به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم من الشرائع والشعائر، ومنها: الأعياد، فللمسلمينَ ما شَرَعَ اللهُ لهم من عيدي الفطر والأضحى وأيام التشريق ويوم عرفة، فأغناهم اللهُ بذلكَ عن أعيادِ أهلِ الجاهليةِ وميَّزهم بها عنهم، وحرَّم عليهم مشابهة الكفار في أعيادهم، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72]، قال بعضُ السلف: كابن عباس وغيرُه: أنَّ المرادَ بالزُّور في هذه الآية: أعياد المشركين، وقال تعالى: ﴿ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 67]، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (الأظهرُ في معنى قوله: ﴿ مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ﴾ [الحج: 67]، أي: مُتَعَبَّداً هم متعبدون فيه) انتهى، وخصَّه بعض السلف بالعيد: كابن عباس وغيره.

 

أيها المسلمون: وكما دلَّ كتابُ الله تعالى على تحريم مشاركة ومشابهة الكُفَّار في أعيادهم، فقد دلَّت السُّنة النبوية على ذلك أيضاً، قال الشوكانيُّ: (كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُبالغُ في مُخالَفةِ أهلِ الكتابِ ويأمرُ بها) انتهى.

ومن ذلك: أَمْرُه صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ أن يَصنعَ مَعَ امرأتهِ الحائضَ كلَّ شيءٍ إلاَّ الجماع مُخالفةً لليهود (كما رواه مسلم)، وفي صحيح البخاري ومسلم أن هَديهُ صلى الله عليه وسلم خالف اليهودَ والنصارى في النداءِ للصلاةِ، وفيهما أيضاً: أنه صلى الله عليه وسلم أُمرَ بمخالفةِ اليهودِ في استقبالِ القبلةِ، وفيهما أيضاً: نهيُه صلى الله عليه وسلم عن الصلاةِ وقتَ طلوعِ الشمسِ ووقت غروبها، حَسْمَاً لِمَادَّةِ المشابهةِ للكفارِ وسدَّاً للذريعة، وفي صحيح مسلم: نهيُه صلى الله عليه وسلم عن قيامِ المأمومينَ والإمامُ قاعدٌ منعاً من التشبُّه بفارسَ والروم،وفي سُنن أبي داود وصحَّحه الألباني: أَنه صلى الله عليه وسلم أمَرَ بالصلاة في النِّعالِ مُخالفةً لليهود، وفي صحيح مسلم: ترغيبُه صلى الله عليه وسلم في صيامِ التاسعِ مَعَ العاشرِ مِن شهرِ اللهِ المحرَّمِ مُخالفةً لليهودِ، وترغيبُه صلى الله عليه وسلم في أَكْلَةِ السَّحَرِ مُخالفةً لليهودِ والنصارى، وفي مسند الإمام أحمد وصحَّحه النووي: ترغيبُه صلى الله عليه وسلم في تعجيلِ الفطرِ مُخالفةً لليهودِ والنصارى، وفيه أيضاً وصحَّحه ابن حجر: نهيُه صلى الله عليه وسلم عن الوِصَالِ في الصومِ مُخالفةً للنصارى، وفي صحيح البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم دَفَعَ في حَجَّة الوداع مِن مُزدلفةَ قبلَ طلوعِ الشمسِ مُخالفةً للمشركينَ، وفي البخاري ومسلم: ترغيبُه صلى الله عليه وسلم في صَبْغِ الشَّيبِ مُخالفةً لليهودِ والنصارى، وفي صحيح مسلم: نهيُه صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوداع عَن مُشابهةِ الكُفَّارِ في كلِّ ما كانوا عليه من العباداتِ والعاداتِ.

وأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بمخالفةِ المشركينَ في أعيادِهِم عامَّة: فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: (قدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ ولهم يومانِ يلعبونَ فيهما، فقالَ: ما هذانِ اليومانِ؟ قالوا: كُنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله قد أبدلَكم بهما خيراً منهما: يومَ الأضحى، ويومَ الفطر) رواه أبو داود وصحَّحه ابنُ تيميَّة.

واليومانِ هُمَا: (النيروز، والمهرجان)، وَهُمَا من أعيادِ المجوس.

وعن عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ صلى الله عليه وسلم: (يومُ عَرَفَةَ، ويومُ النحرِ، وأيامُ التشريقِ، عيدُنا أهلَ الإسلامِ) رواه أبو داود وصحَّحه ابن حجر، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لكلِّ قومٍ عيداً، وإنَّ هذا عيدُنا) رواه البخاري ومسلم، وكان يومَ فطرٍ أو أضحى.

 

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن تَشبَّهَ بقومٍ فهو مِنهُم) رواه الإمام أحمد وصحَّحه ابنُ مُفلح.

 

وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: (نَذرَ رَجُلٌ على عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَنحَرَ إِبلاً ببُوَانةَ، فأَتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: إنِّي نَذرْتُ أنْ أنحَرَ إبلاً ببُوَانةَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ كانَ فيها وَثنٌ مِنْ أوثانِ الجاهليةِ يُعبَدُ؟ قالوا: لا، قال صلى الله عليه وسلمهلْ كانَ فيها عيدٌ مِنْ أعيادِهم؟ قالوا: لا، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَوْفِ بنَذرِكَ، فإنه لا وَفَاءَ لنذرٍ في معصيةِ اللهِ، ولا فيما لا يَملِكُ ابنُ آدَمَ) رواه أبو داود وصحَّحه النووي.

 

قال ابنُ تيمية: (وهذا يُوجبُ العلم اليقيني بأنَّ إمامَ المتقين صلى الله عليه وسلم كان يَمنعُ أُمَّتهُ منعاً قوياً عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها وطمسها بكل سبيل) انتهى.

وعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: (كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصومُ يومَ السبتِ ويومَ الأحدِ أكثرَ مِمَّا يصومُ من الأيامِ، ويقول: إنهما عيدا المشركين، فأنا أُحِبُّ أنْ أُخالِفَهم) رواه الإمام أحمد وصحَّحه ابن باز، قال الذهبيُّ: (فهذا القولُ منه صلى الله عليه وسلم يُوجبُ اختصاصَ كلِّ قومٍ بعيدهم، كما قالَ تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، فإذا كان للنصارى عيدٌ ولليهودِ عيدٌ مُختصين بذلك، فلا يَشركهم فيه مُسلمٌ، كما لا يُشاركهم في شِـرعتهم ولا في قبلتهم) انتهى.

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (أَبغضُ الناسِ إلى الله ثلاثةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، ومُبْتَغٍ فِي الإسلامِ سُنَّةَ الجاهليةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بغيرِ حَقٍّ لِيُهْرِيقَ دَمَهُ) رواه البخاري.

قال ابن تيمية: (فكلُّ مَن أرادَ في الإسلام أنَ يَعمل بشيءٍ مِنْ سُنَنِ الجاهليةِ: دَخَلَ في هذا الحديث) انتهى.

وقالَ عمرُ بن الخطاب: (لا تدخلوا على المشركينَ في كنائسهم يومَ عيدهم، فإنَّ السُّخطَةَ تَنزِلُ عليهم) رواه عبدالرزاق وصحَّحه ابن تيمية.

 

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (مَنْ بَنَى ببلادِ الأعاجمِ، وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُم ومهرَجانَهُم، وتشـبَّهَ بهم حتى يَموت وهو كذلكَ، حُشِرَ معهم يومَ القيامةِ) رواه البيهقي في الكبرى وصحَّحه ابن تيمية.

 

وقد أجمع علماءُ المسلمين على تحريم مشاركة ومشابهة الكفار في أعيادهم: حيث اتفق – كما قال ابن تيمية – (الصحابةُ رضي الله عنهم وسائرُ الفقهاء بعدَهم: أنَّ أهل الذمة مِن أهل الكتاب لا يُظهِرون أعيادَهم في دار الإسلام، وسَمَّوا الشعانين، والباعوث، فإذا كانَ المسلمونَ قد اتفقوا على منعهم مِنْ إظهارها، فكيفَ يَسُوغُ للمسلمينَ فعلُها؟ أَوَ ليسَ فِعلُ المسلمِ لهَا أشدَّ مِن فعلِ الكافر لَها مُظهراً لها؟) انتهى.

واتفقَ أهلُ العلم أيضاً: على أنه لا يجوزُ للمسلم أن يَتَشَبَّهَ بالكافرين في عباداتهم وعاداتهم وأنماط سلوكهم، ومِمَّن ذكرَ اتفاقَ أهلِ العلمِ: مفتي الديار السعودية الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله فقال: (وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم) انتهى.

فيجبُ على المسلمين أن يَستغنُوا بما أغناهمُ اللهُ به، ويكتفوا بهذه الأعياد التي شَرَعَهُا اللهُ لهم عن أعيادِ الأُمم التي أَمَرَنَا اللهُ بمخالفتهم في شعائرهم وعوائدهم الخاصة، قال ابن القيِّم: (وعلى هذا الأصلِ أكثرُ من مائةِ دليلٍ، حتى شُرع لنا في العبادات التي يُحبُّها اللهُ تعالى ورسولُه صلى الله عليه وسلم تجنُّبُ مشابهتهم في مُجرَّدِ الصورةِ) انتهى.

 

فالحمدُ لله الذي جعلنا مُسلمين، اللهُمَّ وأعذنا من طريق المغضوبِ عليهم والضالين، آمين، ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 18 – 20].

 

باركَ اللهُ لي ولكم ولوالدينا وأهلينا في القرآن العظيم، ونفَعَنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليل، فاستغفروهُ إنه هو الغفورُ الرحيم.

 

أمَّا بعد: سُئل كبارُ علمائنا في المملكة عن حكم المشاركة في الاحتفال بأعياد الكفار، فأجابت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز: (لا يجوزُ للمسلم أن يُشاركَ الكُفَّارَ في أعيادهم ويُظهرَ الفرَحَ والسرور بهذه المناسبة، ويُعطِّلَ الأعمالَ سواءً كانت دينيةً أو دنيوية؛ لأن هذا من مُشابهةِ أعداءِ الله المحرَّمة، ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم»، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2] انتهى.

وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسمس؟

فأجاب: (تهنئةُ الكُفَّارِ بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرامٌ بالاتفاق، كما نقلَ ذلكَ ابنُ القيم رحمه الله في كتابه: أحكام أهل الذمة، حيث قال: «وأمَّا التهنئةُ بشعائرِ الكُفرِ المختصَّةِ به فحَرامٌ بالاتفاقِ، مثلَ أن يُهنِّئهُم بأعيادِهم وصومِهم، فيقولُ: عيدٌ مُباركٌ عليكَ، أو تَهْنأُ بهذا العيدِ، ونحوَهُ، فهذا إنْ سَلِمَ قائِلُه من الكُفرِ، فهو من المحرَّماتِ، وهو بمنزلةِ أنْ يُهنِّئهُ بسجودهِ للصليبِ، بل ذلكَ أعظمُ إثماً عندَ الله، وأشدُّ مقتاً من التهنئةِ بشُربِ الخمرِ وقتلِ النفسِ، وارتكابِ الفرجِ الحرامِ ونحوِه، وكثيرٌ ممن لا قَدْرَ للدِّينِ عندَهُ يَقَعُ في ذلكَ، ولا يَدْري قُبحَ ما فَعَلَ، فمَن هنَّأَ عبداً بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كُفرٍ فقد تعرَّضَ لمقتِ اللهِ وسَخَطِهِ» انتهى كلامه رحمه الله.

وإنما كانت تهنئةُ الكُفَّارِ بأعيادِهم الدينية حراماً وبهذه المثابةِ التي ذكرها ابن القيم؛ لأن فيها إقراراً لِما هُم عليه من شعائرِ الكفر، ورضاً به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفرِ لنفسهِ، لكنْ يَحرُمُ على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر، أو يُهنِّئ بها غيره؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾ [الزمر: 7]، وقال تعالى: ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، وتهنئتهم بذلك حرامٌ سواءً كانوا مُشاركين للشخص في العَمَلِ أم لا، وإذا هَنَّئُونا بأعيادهم، فإننا لا نُجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعيادٍ لنا، ولأنها أعيادٌ لا يرضاها الله تعالى؛ لأنها إما مُبتدعةٌ في دينهم، وإما مشروعة، لكن نُسخت بدين الإسلام الذي بَعَثَ اللهُ به محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جميع الخلق، وقال فيه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

وإجابةُ المسلم دعوتَهم بهذه المناسبة حرامٌ؛ لأن هذا أعظمُ من تهنئتهم بها، لِما في ذلك من مشاركتهم فيها.

وكذلك يَحرمُ على المسلمين التشبُّه بالكُفَّار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم»، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: «مشابهتهم في بعض أعيادهم تُوجبُ سُرورَ قلوبهم بما هُم عليه من الباطل، ورُبَّما أطمَعَهُم ذلك في انتهازِ الفُرَصِ واستذلالِ الضعفاء» انتهى كلامه رحمه الله، ومَن فعَلَ شيئاً من ذلكَ فهو آثمٌ سواءٌ فعلَه مجاملةً أو تودُّداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنةِ في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكُفَّار وفخرهم بدينهم.

واللهَ المسئولَ أن يُعزَّ المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثباتَ عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قويٌ عزيزٌ) انتهى.