عناصر الخطبة

1/أذية الخلق سلوك شيطاني

2/أذية الخلق لا تصدر إلا من نفوس ضعيفة

3/التحذير من أذى الآخَرين

4/جريمة استخدام وسائل التواصل لأذية الآخرين

5/وجوب تطهير النفس 6/العاقبة الحسنة لسلامة القلب

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله وليِّ الصالحينَ، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الإله الحق المبين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ الأمينُ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه، الأولياء المتقين.

 

أما بعدُ: فيا أيها المسلمونَ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، ففي تقواه السعادة الكبرى، وفي طاعته الفلاح الأعظم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

عبادَ اللهِ: من أخطر المسالك على الإنسان أذية الخلق، والتسبب في ذلك بغير حق، فتلك مسالك شيطانية، تنطلق من الخلافات العدوانية، والصراعات التناحرية، فاقدةً مبادئ الرحمة والرفق، وقيم العطف والرأفة.

 

إن أذيةَ العباد خُلُقٌ مذمومٌ، يجمع في طياته صفات شتى من الموبِقات والجرائم؛ فإطلاق العنان للنفس بأن تؤذي الآخَرين بالمقال والفِعال، لا يصدر إلا من ضعيف الإيمان، منقاد للهوى، يقوده الباطل، وتقوده النفسُ الأمَّارة بالسوء والفحشاء، فكُفَّ نفسَكَ -أيها المسلمُ- عن الأذى، وازجر هواك عن الردى، تَسْلَمْ وتَغْنَمْ دنيا وأخرى، قال ربنا -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الْأَحْزَابِ: 58]، وقال جل وعلا: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[النِّسَاءِ: 112]، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يبيِّن كتابَ ربه، ويفصِّل في تفسير وإيضاح هذه الآيات، بما تواتَر عنه -عليه الصلاة والسلام- من التحذير الشديد، والزجر الأكيد، عن أذى الآخَرين وظلمهم، والاعتداء عليهم والإضرار بهم، قال صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله“(أخرجه مسلم)، وأخرج أيضا من حديث النهي عن الجلوس في الطرقات؛ وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن حقوقَ الجلوس في الطرقات، ومنها كفُّ الأذى.

 

أيها المسلمُ: احفظ حسناتِكَ، وصُنْ دِينَكَ، وكُفَّ أذيتَكَ عن غيركَ، وكُنْ كما قال الفضيل بن عياض: “لا يحل لكَ أيها المسلمُ أن تؤذي كلبًا أو خنزيرًا؛ فكيف بمن هو أكرمُ مخلوقٍ“.

 

معاشرَ المؤمنينَ: لقد اشتدَّ نهيُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من أذية المسلمين فقال: “يَا ‌مَعْشَرَ ‌مَنْ ‌أَسْلَمَ ‌بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ“(رواه الترمذي، وأبو داود بسند حسن).

 

قال قتادةُ: “إيَّاكم وأذى المؤمن؛ فإن الله يحوطه ويغضب له”، يا عبد الله: اسلم من الأذى؛ امنع نفسك من الاعتداء، تَسْلَمْ من الخزي والردى، قال صلى الله عليه وسلم: “المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده“(رواه البخاري)، وقال أيضا: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره“(رواه البخاري)، وعند مسلم: “لا يدخل الجنةَ مَنْ لا يأمَنُ جارُه بوائِقَه“؛ أي: شروره وغوائله.

 

إخوةَ الإسلامِ: وفي عالَم اليوم ما يسمَّى بقنوات التواصل الاجتماعي، التي يُسَخِّرها البعضُ لأذية المسلمين، والتعرض لحُكَّامهم وعلمائهم، وأفرادهم ومجتمعاتهم، بكل أقوال فاجرة وإشاعات مُغرِضة؛ فليتذكر هؤلاء أن الله لهم بالمرصاد، وأن الميزان حسنات وسيئات، فليحذروا ملاقاةَ ربهم، وهم في حالة من الإفلاس والإبلاس، نسأل الله العفو والعافية.

 

عبادَ اللهِ: إن تحريم أذى المسلمين لا يقتصر على أذية الأفراد وأشخاصهم، بل يشمل أذية المسلمين في مصالحهم العامة، ومنافعهم المشتركة؛ كالممتلكات العامة والوظائف، ونحوها، فمن أصول الإسلام قوله -صلى الله عليه وسلم-: “لا ضرر ولا ضرار“، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “اتقوا اللِّعَانَيْنِ؛ الذي يتخلَّى في طريق الناس، أو ظِلِّهم“(رواه مسلم)، وقد أخرج الطبراني بسند حسن، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من آذى المسلمين في طُرُقِهم وَجَبَتْ عليه لعنتُهم“؛ فَاسْلَمْ أيها المؤمنُ، وسَلِّمْ لسانَكَ وقولَكَ وأفعالَكَ من أذية المسلمين، تُفلِح وتَسعَدْ في الدنيا والآخرة.

 

أقول هذا القولَ، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين، اللهم وصلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: فيا أيها المسلمونَ: أخي المسلم: عَوِّدْ نفسَكَ على سلامتها من أذية الخلق، ورَبِّها على ذلك، ونَزِّهْهَا ظاهرًا وباطنًا، عن كل ظلم للآخَرين، واعلم أن سلامة القلب من الشرك والبدع، ومن الغِلِّ والحسَدِ والأحقاد سببٌ من أسباب النجاة، وصفة من صفات أهل الجنة، قال تعالى عن عبده وخليله إبراهيم، في دعائه بما يقوله ربنا -جل وعلا-: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشُّعَرَاءِ: 87-89]، وكن من أهل الجنة في صفاتهم؛ (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[الْحِجْرِ: 47].

 

وقد صحَّت الأحاديث الكثيرة في إيضاح فضل وعظيم أجر سلامة القلب للمسلمين، من الشحناء والبغضاء والأحقاد وتعمُّد أذيتهم، ومنها قصة الرجل من الأنصار، الذي شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، ثم تتبَّع عبدُ اللهِ بنُ عمر بن العاص هذا الرجل، حتى بات عنده ثلاث ليال، وقد وجَد من صالح عمله أنه لم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله -جل وعلا-، وكبَّر، حتى يقوم لصلاة الفجر، ولم يسمعه يقول إلا خيرًا، ثم أخبره عبد الله بما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له الرجل عن عمله ما هو إلا ما رأيتَ، غيرَ أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين شيئًا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: “هذه هي التي بلَغَتْ بكَ، وهي التي لا نطيق“.

 

أيها المسلمُ: عَوِّدْ نفسَكَ، ربِّ نفسَكَ، على سلامة القلب، وعلى سلامة الصدر، من الحسد ومن الأحقاد، ومن الأذية، تكن سالِمًا في الدنيا والآخرة.

 

ثم إن الله -جل وعلا- أمَرَنا بأمر عظيم؛ أَلَا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ وأنعِمْ على عبدك ورسولك وخليلك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الآل والصحابة أجمعين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزَكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، اللهم سلِّم قلوبَنا من الحسد، ومن الغل ومن الحقد يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم فرج هموهم، ونفِّسْ كُرُبَاتِهم، واغنِ فقيرَهم، واهدِ ضالَّهم، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم أذِلَّ الشرك والمشركين، اللهم من أراد الإسلام وأهله بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميره يا ربَّ العالمينَ، اللهم من أرادنا بسوء فأشغله في نفسه، اللهم واجعل عليه دائرة السوء يا ربَّ العالمينَ، اللهم سلط عليه جندك، اللهم سلط عليه جندك، واجعل عمله في ضلال يا حي يا قيوم، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، سرها وعلانيتها، أولها وآخرها، ظاهرها وباطنها، اللهم ارحم موتى المسلمين، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

 

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، اللهم اجمع بينهم وبين شعوبهم، على الخير والتقوى، اللهم وفق واحفظ ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، اللهم وفقهما لما تحبه وترضاه، اللهم وفقهما لما تحبه وترضاه، يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم احفظ جنودنا في كل مكان، اللهم احفظ جنودنا في كل مكان، اللهم آجرهم خيرا، اللهم واجزهم عنا وعن المسلمين خير ما جزيت عبادك الصالحين، يا أرحم الراحمين.

 

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

 

اللهم إنا نعوذ بك من الوباء والبلا، ومن الغلا ومن الزنا ومن الزلازل والمحن، ومن الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم فرج همنا وهم المسلمين، اللهم فرج هموم المسلمين، اللهم نَفِّسْ كربَاتهم، اللهم نَفِّسْ كربَاتهم، اللهم أرخص أسعارهم، اللهم أغن فقيرهم، اللهم أغن فقيرهم، اللهم أصلح شبابهم، اللهم أصلح حياتهم، اللهم ارزقهم حياة طيبة وعيشة هنيئة يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة أن تجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن ترفع ما أصابهم من البلواء واللأواء والضيق والضنك، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، اللهم إنهم خلقك، اللهم إنهم في حاجة إلى كرمكم وفضلك ومنك يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم أنت الغني، اللهم أنت الغني، اللهم أنت الغني، ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، يا مغيث أغثنا، يا مغيث أغثنا، يا مغيث أغثنا، يا مغيث اسقنا، يا مغيث اسقنا، يا حي يا قيوم يا سميع يا بصير، يا كريم يا منان، اللهم أغثنا بالمطر النافع، اللهم أغثنا بالمطر النافع، اللهم أغثنا بالمطر النافع، اللهم إنا في حاجة إلى رحمتك، اللهم إنا في حاجة إلى رحمتك، اللهم ارحمنا بضعفائنا، وارحمنا بفقرائنا، وارحمنا ببهائمنا، اللهم ارحمنا ببهائمنا، اللهم ارحمنا ببهائمنا، اللهم أغثنا وأغث ديار المسلمين، اللهم أغثنا وأغث ديار المسلمين، اللهم أغثنا وأغث ديار المسلمين، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، والعمل الصالح، وأغث بلادنا بالماء النافع يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم تقبَّل منا، اللهم لا تَرُدَّنا خائبينَ، اللهم لا تَرُدَّنا خائبينَ، اللهم لا تَرُدَّنَا خائبينَ، يا كريمُ، يا كريمُ، يا كريمُ، يا ذا الجلال والإكرام.

 

عبادَ اللهِ: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 41-42]، وأكثِروا من الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه.