حوار مؤمن آل فرعون مع قومه

الحمد لله الذي تفضل فبدأ مع عباده بالحوار، وأنزل في هذا الشأن آيات تتلى آناء الليل وأطراف النهار، ومما أنزل سبحانه وتعالى في الحوار ما حكاه عن عباده المؤمنين منهم والكفار، سواء في ذلك ما جرى في الدنيا أم ما سيجري في الجنة وفي النار، وصلى الله وسلم على خير من حاور من البشر فأحسن، وأفضل من دعا إلى الله وجادل بالتي هي أحسن، نبينا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه، وأنصاره وأحبابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فلا يخفى أن طرق الدعوة إلى الله تعالى متعددة، والوسائل إلى ذلك متنوعة، ومن المعلوم أن الله تعالى أنزل كتابه لهداية الخلق أجمعين حيث قال تعالى: {هدى للناس}، فلم يخص به طائفة بعينها، ولم ينزله إلى قوم مخصوصين، ذاك أن أفكار الناس مختلفة، واستجاباتهم متفاوتة، لذا فقد جاء الحوار في الكتاب العزيز متنوعا، فمنه ما كان بين الله تعالى وبين عباده، ومنه ما كان بينه وبين ملائكته، ومنه ما كان بينه وبين أحبائه، ومنه ما كان بينه وبين أعدائه، ومنه ما كان مع الإنس، ومنه ما كان مع الجن.
ومن أنواع الحوار المذكورة في القرآن الكريم، ما كان بين الرسل وأقوامهم، ومنه ما كان بين المؤمنين والكافرين، ومنه ما كان بين أهل الجنة، ومنه ما كان بين أهل النار، ومنه ما كان بين أهل الجنة وأهل النار.
وقد كان إدراج الحوار في القرآن الكريم في محاور هذا المؤتمر المبارك، سببا مهما للمشاركة فيه، مع ما رغب به إليّ بعض الفضلاء من الزملاء.
وبعد التأمل في هذا الموضوع الطويل، واستخارة المولى الجليل سبحانه وتعالى، رأيت أن أكتب في نوع من تلك الأنواع المبثوثة في ثنايا الكتاب الكريم، فاخترت هذا العنوان:
“ما حكاه الله تعالى من حوار مؤمن آل فرعون مع قومه ـ هدايات ودروس”.
وذلك بدراسة الآيات الكريمة من قوله تعالى في سورة غافر {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه} آية (28) إلى قوله تعالى في السورة نفسها: {فوقاه الله سيئات ما مكروا} آية 45، التي فصلت الحوار أتم تفصيل، واستخلاص ما فيها من هدايات ودروس.
خطة البحث:
جاءت خطة هذا البحث في مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة، وذلك على النحو الآتي:
المقدمة: وهي هذه.
التمهيد: المراد بقول “حكى الله”، وأصناف ما حكاه الله من الحوار.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المراد بقول: “حكى الله”.
المطلب الثاني: أصناف ما حكاه الله تعالى من الحوار.
المبحث الأول: مؤمن آل فرعون .. شخصيته ومكانته.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: شخصيته، وأبرز صفاته.
المطلب الثاني: كتم إيمانه، وفوائده.
المطلب الثالث: مكانته، وعلاقته بفرعون.
المبحث الثاني: مسالك حوار مؤمن آل فرعون وهداياته.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مسالك حوار مؤمن آل فرعون، ومنها:
(التشكيك، الارتقاء في الحجاج، إيهام الشك في صدق موسى عليه السلام، إظهار الاهتمام بقومه، استهواء قومه بالنداء، والترفق في خطابهم، عدم مراجعة فرعون، الصلابة في الحق، وما في جميع ذلك من قوة الأسلوب البياني).
المطلب الثاني: ما احتمل كونه مما حكاه الله من الحوار.
المطلب الثالث: هدايات حوار مؤمن آل فرعون، والدروس المستفادة منه.
الخاتمة: أهم نتائج البحث.
المقترحات والتوصيات.
والله تعالى هو الموفق والمستعان.
تمهيد
المراد بقول “حكى الله”، وأنواع ما حكاه من الحوار
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: معنى قول “حكى الله” ، والمراد بذلك.
لدى تقليب كتب المعاجم، والنظر فيما ذكره علماء اللغة في بيان معنى كلمة “حكى” نجد ما يأتي:
حكى عنه الحديث أو الكلام: نقله، فهو حاك، والجمع: حكاة ، وحكوت لغة حكاها أبو عبيدة كما في الصحاح، وفي المحيط في اللغة : حكوت كلامه بمعنى: حكيته، وقال ابن السكيت :
وحكي عن بعضهم أنه قال: لا أحكو كلام ربي أي لا أعارضه .
وحكيت فلانا وحاكيته محاكاة: شابهته، يقال: فلان يحكي الشمس حسنا ويحاكيها بمعنى، وأيضا فعلت فعله، أو قلت مثل قوله سواء لم أجاوزه.
وفي التعريفات:
الحكاية: عبارة عن نقل كلمة من موضع إلى موضع آخر، بلا تغيير حركة ولا تبديل صيغة.، وقيل: إتيان اللفظ على ما كان عليه من قبل.
وذكر الكفوي مثل هذا في الكليات.
ويلاحظ مما تقدم أن كلمة حكى ومشتقاتها تدور حول النقل والمشابهة، فإذا قيل: حكيت الكلام أو حكوته فالمراد: نقله كما هو من غير تغيير أو تبديل، وإذا قيل: هو يحاكي فلانا , أو يحاكي الشمس مثلا: فالمراد يشابه ذلك ويماثله.
فهل يصح أن يقال مثل هذا عن الله تعالى في كلامه؟ وهل ما نجده في القرآن الكريم من مثل هذا منقول عن غيره سبحانه وتعالى بألفاظه؟
في الإجابة على هذا السؤال أٌقول:
تعرض الإمام الكفوي رحمه الله تعالى ـ لهذه المسألة باختصار فقال:
وحكايات القرآن عن الغير، إنما هو معرب عن معانيهم، وليس بحقيقة ألفاظهم، فلا يقال: كلام الله محكي، ولا يقال أيضا: حكى الله كذا، إذ ليس لكلامه مثل .
وما ذهب إليه الكفوي من عدم جواز قول حكى الله تعالى كذا، لم يكن محل إجماع بين أهل العلم، وقد أشار إلى هذا الكفوي نفسه حيث قال:
وتساهل قوم في إطلاق لفظ الحكاية بمعنى الإخبار، وقال:
ولا يجوز أن يقال: أخبرنا الله وأنبأنا، ولا يجوز حدثنا ولا كلمنا، وإنما ذلك خاص بسيدنا موسى عليه السلام.
وأما ما سوى معاجم اللغة، فنجد أن ابن عطية بعد أن ذكر في مقدمة تفسيره المحرر الوجيز عن بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال: حكى الله، ولا ما جرى مجراه، قال:
وهذا على تقرير هذه الصفة له، وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى، وأما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام، والمراد منه حكت الآية أو اللفظ، فذلك استعمال عربي شائع، وعليه مشى الناس، وأنا أتحفظ منه في هذا التعليق جهدي.
وقال العارف بالله أبو عبد الله محمد بن عباد في رسائله الكبرى:
وقد رأيت في مواضع من كتبكم شيئا أردت أن أنبهكم عليه، وهو أنكم تقولون فيها: حكى الله عن فلان، وحكى عن فلان كذا، وقد يقع مثل هذا في كلام الأئمة، وهذا عندي ليس بصواب من القول، لأن كلام الله تعالى صفة من صفاته، وصفاته تعالى قديمة، فإذا سمعنا الله تعالى يقول كلاما عن موسى عليه السلام مثلا، وعن فرعون، أو أمة من الأمم، فلا يقال: حكى عنهم كذا، لأن الحكاية تؤذن بتأخرها عن المحكي، وإنما يقال في مثل هذا: أخبر الله تعالى، أو أنبأ، أو كلام معناه هذا، مما لا يفهم من مقتضاه تقدم ولا تأخر.
وقد فشا استعمال هذا اللفظ ومشتقاته وانتشر على ألسنة جمع من المفسرين والفقهاء والأصوليين، فنجده مبثوثا في كتب التفسير والفقه والأصول وغيرها، فقد استعمله الإمام مكي بن أبي طالب والإمام البغوي والزمخشري والقرطبي، والبيضاوي وابن كثير.وابن عاشور وغيرهم، كما استعمله أبو الحسين البصري ، والشاطبي ، والزنجاني ، والصنعاني وغيرهم.
المناقشة والترجيح:
وبعد ذكر أقوال العلماء في هذا الاستعمال، وبيان رأي الفريقين في الجواز وعدمه، أقول وبالله تعالى التوفيق:
إن الإمام الكفوي رحمه الله تعالى ذكر المنع، ولم يبين لنا طريقة الاستعمال، وماذا يقال في مثل قوله تعالى: {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا} ، وقوله تعالى: {إني إذا لفي ضلال مبين}، وقوله تعالى: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي}، وقوله تعالى: {ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار} ، وأمثال هذا عندما نريد أن نذكره في معرض الكلام؟
فإذا كان لا يصح أن نقول: حكى الله تعالى عن يعقوب عليه السلام كذا، أو عن الرجل الذي أتى القرية، أو عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، أو عن مؤمن آل فرعون، أو عن غيرهم مما هو كثير في القرآن الكريم، ولا يصح أن نقول أخبرنا الله تعالى أو أنبأنا أو كلمنا بكذا، فهل يستقيم أن نقول قال الله تعالى ونبدأ بتلاوة ما تقدم وأمثاله؟
كان ينبغي على الإمام الكفوي رحمه الله تعالى بعد أن منع عن ذلك، أن يذكر صواب القول فيه، غير أني لم أقف على شيء من ذلك.
وأما العارف بالله ابن عباد رحمه الله تعالى فقد ذكر أن التعبير السليم أن يقال: أخبر الله تعالى أو أنبأ أو نحو هذا، فنقول في الآيات التي سبق ذكرها: أخبرالله تعالى أو أنبأ عن يعقوب عليه السلام أنه قال: {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا}، وكذا في أمثاله.
وهذا توجيه سليم بحسب ما يظهر، لكنه غير مستعمل كما قال الكفوي، ومن المعلوم أنه من مصطلح علم الحديث الشريف، وأما لفظ كلمنا فلا يصح إطلاقه هكذا، لأنه خاص بموسى عليه السلام كما قال.
ويمكن أن يعترض على ما ذكر، بأن لفظ نبأ موجود في القرآن، وذلك في قوله تعالى: {قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}، ولكن قد يقال: إنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم كما قيل في الكلام إنه خاص بموسى عليه السلام.
فلم يبق إلا أن نقول: حكى الله تعالى كذا، وذلك على طريق التوسع، وملاحظة المعنى المجازي في ذلك، والله تعالى أعلم.
ويمكن أن يناقش قول ابن عباد رحمه الله تعالى: (لأن الحكاية تؤذن بتأخرها عن المحكي) بأن هذا يصح في غير كلام الله تعالى، ذاك أن الله تعالى عليم خبير، فحكى كلامهم قبل أن يقع فكان كما حكى، وليس ذلك إلا لله تعالى وحده، فلا عبرة بالتقدم والتأخر بالنسبة إليه جل وعلا ـ والله تعالى أعلم ـ.
وإذا كان هذا يمثل حكاية من كان قبل نزول القرآن، فإنا نجد في كتاب الله تعالى حكاية عمن كان بعد نزول القرآن، بل إنا نجد في القرآن كلام أهل الجنة وهم في الجنة وكلام أهل النار وهم في النار، ونجد فيه ما يدور بينهم من حوار، وأمثلة ذلك كثيرة مبثوثة في الكتاب الكريم، من ذلك قوله تعالى كما في قصة أصحاب الأعراف:
{ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم} الآيات ، وقوله تعالى:
{قال هل أنتم مطلعون. فاطلع فرآه في سواء الجحيم. قال تالله إن كدت لتردين. ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين} الآيات.
فهذا ونحوه يؤكد ما قلناه بشأن قول ابن عباد رحمه الله تعالى في الحكاية، وأن ذلك إنما يصح في غير كلام الله تعالى، ولذا فلا علينا إذا قلنا لدى الاستشهاد بآيات الله: (حكى الله تعالى كذا)، وفي اللغة متسع لذلك ـ والله تعالى أعلم ـ.

المطلب الثاني
أصناف الحوار في القرآن الكريم
كما أشرنا في المقدمة فإن طرق الدعوة إلى الله تعالى متعددة، والوسائل إلى ذلك متنوعة، ولذا فقد أخذ الحوار أطوارا واسعة، وكان مع أصناف من الخلق كثيرة، وذلك لما للحوار من أهمية بالغة في الإفهام والتبليغ.
والحق أنه مهما تنوعت أساليب الإفهام والتأثير فإن أسلوب الحوار يأتي في مقدمتها، والقرآن الكريم الذي هو أوج البلاغة وينبوعها قد استعمل هذا الأسلوب في كثير من آياته، لما لهذا الأسلوب من التأثير الفائق الوصف.
وقد قسم الأستاذ يحيى زمزمي أصناف الحوار في القرآن إلى خمسة أصناف على النحو الآتي:
1- حوار بين الله عز وجل وأحد خلقه.
2- حوار بين مؤمن وكافر.
3- حوار بين مؤمن ومؤمن.
4- حوار بين الكفار.
5-حوار بين إنسان من البشر وحيوان
ولدى تتبع الآيات الكريمة التي ورد فيها الحوار، وتفصيل القول في ذلك نجد أنها كثيرة، قد تناولت قضايا مختلفة، وتحدثت عن أصناف من الحوار مع أصناف من المتحاورين، فمن ذلك:
1- حوار الله تعالى مع الملائكة، وذلك في مواضع متعددة في كتاب الله تعالى، من أبرزها: ما حكاه الله تعالى في سورة البقرة بقوله جل وعلا: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} الآيات، وقد كان الملائكة في حوارهم مع الله تعالى على غاية من الأدب والتسليم، كما حكى الله تعالى عنهم: {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم}.
2- حوار الله تعالى مع إبليس، وكذلك قد وقع هذا الحوار في سور متعددة في الكتاب الكريم، من ذلك قوله تعالى: {قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}، ويتسم هذا الحوار بالصلف من إبليس وإظهار الكبر، والإمهال والحلم من الله تعالى، وإجابة دعائه في طلب ذلك كما حكاه الله تعالى بقوله: {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين . إلى يوم الوقت المعلوم}
3- حوار الله تعالى مع عيسى عليه السلام، كما في قوله تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} .
4- حوار الله تعالى مع أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، كما في قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين. فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} ، وحاشا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يتولوا، ولكن أممهم هي التي قد تولت، إلا من عصم الله.
5- حوار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم، وأمثلة هذا كثيرة جدا، نجدها مبثوثة في ثنايا الكتاب الكريم، وقد اتسم هذا اللون من الحوار بصبر الأنبياء وتحملهم، وتلطفهم بمن يحاورونهم، وحرصهم الشديد على هدايتهم، وهذه سمة مشتركة بين جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مع ما امتاز به أقوامهم من السفه والطيش والعناد، وهي سمة مشتركة أيضا بين جميع أولئك الأقوام، قال تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون . أتواصوا به بل هم قوم طاغون}، وقد كان لأولي العزم من الرسل مزيد صبر وتحمل، ولذا أمر الله تعالى نبينا ـ صلى الله عليه وسلم وعليهم ـ بالتأسي بهم، قال تعالى: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم}.
6- حوار بعض الأنبياء مع الملائكة، كما في حوار إبراهيم عليه السلام مع الملائكة الذين جاءوا لخسف القرية بقوم لوط، وهو ما حكاه الله تعالى بقوله: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام} .
7- حوار بعض الأنبياء مع بعض الطيور، كما في حوار نبي الله سليمان عليه السلام مع الهدهد، وهو ما حكاه الله تعالى بقوله: {وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} .
8- حوار بعض الأنبياء مع الملائكة، كما في حوار نبي الله داود عليه السلام مع الذين تسوروا عليه المحراب، وهو ما حكاه الله تعالى بقوله: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسورا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض}
9- حوار بعض الأنبياء مع بعض المؤمنين، كما في حوار نبي الله موسى مع الخضر عليهما السلام، وهو ما حكاه الله تعالى بقوله: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} الآيات، وكما في حوار نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم مع خولة في قصة الظهار، وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة بقوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير}.
10- حوار بين مؤمن وكافر، وهو ما حكاه الله تعالى عن صاحب الجنتين الكافر مع المؤمن الصابر بقوله تعالى: {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} إلى قوله تعالى: {قال صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا . لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا}
11- حوار مؤمني الجن الذين استمعوا القرآن مع قومهم، وهو ما حكاه الله تعالى بقوله: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين. قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم} 12- حوار أهل الجنة مع أهل النار، وهو ما حكاه الله تعالى بقوله: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم}
13- حوار أهل النار فيما بينهم، وهو ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله: {وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار} .
14- حوار أهل النار مع الملائكة، وهو ما حكاه الله تعالى بقوله: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب.قالو أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}
15-حوار بعض أهل الإيمان مع قومهم، وهو ما حكاه الله تعالى عن مؤمن آل فرعون مع فرعون وقومه بقوله تعالى: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} ا ، وهو ما نتحدث عنه ونفصل القول فيه، في هذا البحث إن شاء الله تعالى.
ونكتفي بهذا القدر، ومن أراد التتبع فسيجد في الكتاب الكريم نمذاج كثيرة من الحوار وأنواعه.

المبحث الأول
مؤمن آل فرعون .. شخصيته ومكانته
وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: شخصيته وأبرز صفاته.
اسمه:
يعد اسم مؤمن آل فرعون من مبهمات القرآن، حيث إن الله تعالى لم يذكر شيئا عن اسمه ولا أفصح عن نسبه، غير أن بعض المفسرين لاسيما الذين عنوا ببيان مبهمات القرآن، ذكروا أن اسمه: شمعان ـ بفتح الشين المعجمعة وسكون الميم ـ قال البلنسي: هو أصح ما قيل فيه، وقيل إن اسمه خير وقيل: حبيب، وقيل: حزقيل، وقيل: جزئيل، ، وقال الآلوسي: خربيل بخاء معجمة مكسورة وراء مهملة ساكنة، وقيل: حزبيل بحاء مهملة وزاي معجمة، وقيل غير ذلك.
وغالب ما يذكر في هذا من الإسرائيليات، التي ليس في شرعنا ما يؤيدها ولا ما يردها، وسواء رجحنا واحدا من هذه أم غيره، فإنه مما لا يترتب عليه كبير فائدة، ولو كان ذلك لأعلمنا الله تعالى به، فنكتفي بما ذكرناه، لأن الأولى ترك الاسترسال في مثل هذا، وعدم إطالة القول فيه.
وأما نسبه:
فالصحيح أنه كان قبطيا وليس إسرائيليا، وسنفصل القول في هذا في المطلب الثالث من هذا المبحث إن شاء الله تعالى، ونقول هنا:
إذا كان لا يترتب على معرفة اسمه كبير فائدة كما تقدم، فإن معرفة نسبه مهم جدا، ولذا ذكره الله تعالى لنا فقال: { من آل فرعون}، وذلك يدل على أن بيت فرعون كان مخترقا، وأن بعض أهل بيته قد آمن بموسى عليه السلام، دون أن يعلم فرعون، وفي ذلك دلالة على كذب ادعاء فرعون الألوهية!!
وسيأتي مزيد توضيح لهذا لدى ذكر أبرز صفات هذا الرجل المؤمن رضي الله تعالى عنه، التي نذكرها في الفقرة الآتية:
أبرز صفاته:
مما تقدم ومن دراسة الآيات الكريمة التي تحدثت عن مؤمن آل فرعون، نستطيع أن نحدد أبرز ملامح شخصيته في النقاط الآتية:
1- عمق إيمانه وقوته، حيث إن الله تعالى وصفه بأنه {مؤمن}، والتنوين كما في هو لغة العرب يفيد التفخيم، وذلك بين في موقفه من الانتصار لموسى عليه السلام، فلم يستمر في كتم إيمانه، وانعزاله عن الموقف، بل دفعه إيمانه بالدفاع عمن آمن به عندما رأى أنهم يتآمرون على قتله، ولا يخفى ما فيه من دلالة على قوة الإيمان، لاسيما وهو في جو من العتوّ والجبروت، وبين يدي طاغية جبار، لا يصده عن إيقاع الأذى بمن أراد صاد، ولا يعوقه عن البطش به عائق.
2- صدقه وصراحته: وهو أيضا بين من موقفه من القضية التي آمن بها، ونصحه لقومه وحرصه على هدايتهم، وسلوك الطريق الأمثل في الحوار معهم، فلم يجاملهم أو يداهنهم، إنما كشف عن الحقيقة كما فهمها بكل صراحة ووضوح.
3- حكمته وحذقه: وذلك ظاهر من أسلوب الحوار الذي اتبعه مع قومه، وهو ما سنفصل القول فيه إن شاء الله تعالى، وننقل هنا ما قاله الدكتور فضل عباس: (لقد كان هذا الرجل المؤمن حاذقا في أسلوبه، حيث بدأ بافتراض الكذب قبل الصدق، ثم قال: {يصبكم}، ولم يقل يصبنا، ثم عقب على هذا بأن الله لا يهدي المسرفين المكذبين، فإن كان موسى منهم فلن يهدى إلى الخير، ثم قال: يا قوم بهذا التلطف، ثم قال: {لكم} ولم يقل لنا، ولكنه قال بعد ذلك: {فمن ينصرنا من بأس الله}، ولم يقل ينصركم، وهكذا نجده حاذقا في أسلوبه حيث لا يستطيع أحد أن يشتم منه رائحة الإيمان وهو درس جيد تدعو إليه الضرورة في كثير من الأوقات)، ومما يدل على حكمة هذا الرجل المؤمن أنه كتم إيمانه حيث رأى أن كتمه هو الأفضل، وأظهره حيث رأى أن إظهاره هو الأفضل.
4- شجاعته وجرأته: حيث استطاع وهو فرد أن يقف أمام ذلك الحشد الكبير، الذي يملك السلطة المطلقة، والنفوذ الكامل، بدء بفرعون الذي يعتبر نفسه الرب الأعلى، ومرورا بوزرائه المقربين كهامان وغيره، وانتهاء بالجنود الذين لا يملكون إلا تنفيذ أوامر السلطة بدون أدنى تردد!! وقف ليواجههم بالحقيقة التي قد تعرضه لأقصى عقوبة متصورة من طاغية عنيد!! ويرى الدكتور الخالدي أن وصف الرجولة بقوله تعالى: {رجل مؤمن} يتناول المعنى المادي والمعنى النفسي للرجولة، فالمعنى المادي وهو كونه رجلا ذكرا ليقابل الوصف المقابل في الجنس الآخر وهو الأنثى، والمعنى النفسي وهو كونه يقف مواقف الرجال، القائمة على قوة الإرادة والعزيمة والهمة، والجرأة والشجاعة والإقدام، ثم يقول: وكل رجل ذكر، لكنه ليس كل ذكر رجلا، فهناك ذكور لا يعرفون معاني الرجولة، ولا يقفون مواقف الرجال.
هذه أبرز ملامح شخصية الرجل المؤمن، كما استخلصناها من الآيات الكريمة التي تحدثت عن حواره مع قومه، وهي تدل على ما للرجل من مواهب جليلة، ومآثر نبيلة، قد خصه الله تعالى بها، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.

المطلب الثاني: كتم إيمانه وفوائده.
تقدم في صفة حكمة هذا الرجل المؤمن أنه كان يكتم إيمانه حيث يرى أن كتمه هو الأفضل، ويعلنه حيث يرى أن إعلانه هو الأفضل، وليس لنا علم بوقت إيمانه بموسى عليه السلام، إلا أن قوله تعالى: {يكتم إيمانه} يشير إلى أنه كان مؤمنا قبل هذا الحوار، وقد يكون بمدة غير قصيرة، وأن كتم إيمانه كان متجددا مستمرا كما يقول ابن عاشور تقية من فرعون وقومه، إذ علم أن إظهاره الإيمان يضره ولا ينفع غيره.
وهل أنه اهتدى إلى توحيد الله تعالى والإيمان به عن طريق نبي الله موسى عليه السلام، أم كان ذلك بطريق النظر في الأدلة التي نصبها الله تعالى في خلقه؟ ليس عندنا ما يدل على شيء من هذا، لأن الله تعالى أطلق لفظ {مؤمن}، إلا أنا نجزم أنه قد آمن بموسى كما هو بين.

ومن المعلوم أن كتم الإيمان قد يكون هو الأفضل في بعض المواقف التي تقتضيها ضرورة الدعوة وتبليغ شريعة الله، ومن المعلوم في سيرة سيدنا العباس رضي الله تعالى عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكتم إيمانه وهو في مكة، لما في ذلك من مصلحة للدعوة الإسلامية، ومثله ما كان من نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي رضي الله تعالى عنه، وخبره في تخذيل بني قريظة والمشركين في السير ـ كما يقول ابن عبد البر ـ عجيب.
ومن أبرز فوائد كتمان الإيمان:
1- اتقاء الفتنة، والسلامة من العطب والهلاك، الذي سيذيقه إياه أعداء الله تعالى فيما لو علموا بما هو عليه من إسلام وإيمان، الأمر الذي قد يعرضه لخطر عظيم، وضرر جسيم لا يدري ما تكون عاقبته.
2- إعداد النفس لأداء دورها في إعزاز الدين، والقيام بطاعة الله تعالى، ونشر دعوة الإسلام، بعد انكشاف الشدة، وحصول الفرج، ولا يخفى ما فيه ذلك من المصالح العامة، والمنافع الشاملة.
3- نفع المؤمنين ومساعدتهم، ودفع الشر عنهم، لاسيما لمن كانت له منزلة ومكانة كما رأينا في قصة مؤمن آل فرعون، وكما كان يفعل العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فإنه بعد أن دفع الفداء عن نفسه وعن أبناء أخويه، ورجع إلى مكة أخفى إسلامه، وأصبح يقود جهاز استخبارات الدولة الإسلامية بمكة بمهارة فائقة، وقدرة نادرة حتى انتهى دوره في فتح مكة، فأعلن إسلامه قبلها بساعات!!، ومثله ما سبقت الإشارة إليه من قصة نعيم رضي الله تعالى عنه.
وهذه الفوائد نراها واضحة فيما فعله مؤمن آل فرعون، فقد كان سببا مهما في درء القتل عن موسى عليه السلام، وفي كبح جماح الطاغية فرعون، مع ما أسداه من نصح صادق لقومه، بما أداه من نشر سليم لدعوة الحق، وإعلان سافر لحقائق الإيمان، وإقامة للحجة على قومه بما عرض من أدلة وبراهين.

المطلب الثالث: مكانته، وعلاقته بفرعون.
تقدم في المطلب الأول من هذا المبحث، أن الصحيح في نسب هذا الرجل المؤمن أنه كان قبطيا، وليس إسرائيليا، وقد ورد ذلك عن الحسن والسدي، ورجحه الإمام ابن جرير الطبري، حيث قال رحمه الله تعالى بعد أن نقل القولين: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي القول الذي قاله السدي من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون، واستدل على ذلك بأن فرعون قد أصغى لكلامه واستمع منه ما قاله، وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله، وقيله ما قال، وقال له: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}، وقال ابن جرير:
ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله، لأنه لم يكن يستنصح بني إسرائيل لاعتداده إياهم أعداء له، فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلا؟ ولكنه لما كان من ملأ قومه استمع قوله، وكف عما كان همّ به في موسى عليه السلام.
وقال ابن كثير: والمشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيا من آل فرعون ، قال: واختاره ابن جرير، ونقل كلامه المتقدم باختصار
وممن رجح كونه قبطيا ابن عاشور حيث قال رحمه الله تعالى: ووصفه بأنه من آل فرعون صريح في أنه من القبط، ولم يكن من بين إسرائيل، خلافا لبعض المفسرين، ثم استدل على ما ذهب إليه بقوله: ألا ترى إلى قوله تعالى بعده: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فيمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا}، فإن بني إسرائيل لم يكن لهم ملك هنالك.
وعليه فلا عبرة بما قاله بعض المفسرين من أنه إسرائيلي، بعد أن نص القرآن الكريم على أنه من آل فرعون، ولما تقدم من آراء العلماء في هذا، وأيضا لما أنه كان يخاطب قومه في حواره معهم عند النصح أو التذكير أو التحذير على ما حكاه الله تعالى عنه بقوله: { يا قوم }.
وأما الاحتجاج بأن قوله {من آل فرعون} متعلق بقوله {يكتم إيمانه} فيكون معنى الآية: يكتم إيمانه من آل فرعون، فلم يصفه بأنه من آله، فجوابه ـ كما يقول الإمام البلنسي ـ: أن هذا تقديم وتأخير، وهو مجاز ولا يرجع عن مساق الكلام وهو الحقيقة إلى المجاز إلا لدليل، ولا دليل هنا، فصح ما ذكرناه والحمد لله
وقال بعض المفسرين: إنه كان ابن عم فرعون ، وأنه كان جاريا مجرى ولي العهد، ومجرى صاحب الشرطة، وقيل: كان قبطيا من آل فرعون ولم يكن من أقاربه، ذكر هذا الإمام الرازي ثم قال:
والقول الأول أقرب، لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة، قال تعالى: {إلا آل لوط نجيناهم بسحر}، قال الدكتور وهبة الزحيلي بعد أن ذكر القول الأول: وهو الظاهر، وقيل: إنه رجل إسرائيلي، أو غريب موحد كان يجاملهم .
واكتفى بعضهم بأنه من قرابته دون تحديد نوع القرابة، وفي هذا يقول ابن عاشور: والأظهر أنه كان من قرابة فرعون وخاصته، وعلل ذلك بقوله: لما يقتضيه لفظ آل من ذلك حقيقة أو مجازا.
ولعل ما ذهب إليه ابن عاشور رحمه الله تعالى هو الراجح، لعدم قيام الدليل على تحديد نوع القرابة أو المنزلة، والله تعالى أعلم.
غير أنه لا بد أن تكون له علاقة بفرعون، وأنه من المقربين منه، ومن خاصته، بدليل استماعه له، وإصغائه إليه، حيث إن مثل هذا الحوار لا يستطيعه عموم الناس.

المبحث الثاني
مسالك حوار مؤمن آل فرعون وهداياته
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مسالك حوار مؤمن آل فرعون.
إن ما تقدم من صفات هذا الرجل المؤمن رضي الله تعالى عنه، ينفعنا هنا لتحديد مراحل حواره مع فرعون وقومه، فقد تقدم أنه كان حكيما حاذقا، ذا جرأة وشجاعة، وصدق وإخلاص، فإن هذه الصفات إنما عرفت من حواره مع قومه، وهي التي نعرضها الآن بنوع من التفصيل كما جاءت في الآيات الكريمة.
فأول هذه المسلك، التشكيك:
وبها ابتدأ الحوار حيث قال كما حكاه الله تعالى عنه: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله}؟ إنه استفهام إنكاري، أي ما الذي يدعوكم إلى قتل رجل يقول ربي الله؟ فأن كما يقول أهل العربية في موضع نصب بنزع الخافض، أي لأن يقول ربي الله تقتلوه؟ إنه يؤمن بإله غير آلهتكم، فدعوه وما هو عليه، ما دام لم يسلك معكم مسلك القهر والجبر، فدعوه و إلهه وتأملوا فيما يقول، فإن قبلتم وإلا فارفضوا قوله، أما أن تقتلوه بمجرد أن يقول ربي الله فإن ذلك لا يليق بكم ولا يصح منكم، إنه يشككهم في تكذيب موسى عليه السلام.
ومن شأن هذا الكلام أن يحفز فكر العاقل للتأمل، وفي الوقت نفسه فيه لفت الأنظار إلى أن هناك إلها غير فرعون، اسمه الله آمن به موسى فهو يدعو إليه، فهو كما يقول الزمخشري استدراج لهم إلى الاعتراف به، وليلين بذلك جماحهم ويكسر من سورتهم.
والرجل في هذا متكتم على إيمانه كما هو ظاهر ، ولذا فإنهم لم يشكوا في تشكيكه هذا، ومن ثم انتقل إلى مسلك آخر، وهو:
المسلك الثاني: مسلك الارتقاء في الحجاج:
بعد أن لفت أنظار قومه إلى ما يدعو إليه موسى عليه السلام، واطمأن إلى استماعهم، وعدم اعتراضهم، ارتقى إلى التصريح بتصديق موسى عليه السلام بعلة أنه جاء بالبينات، أي الحجج الواضحة بصدقه، وإلى التصريح بأن الذي سماه الله في قوله {أن يقول ربي الله} هو رب المخاطبين فقال: {ربكم}، أي فكيف يسوغ لكم أن تقتلوا رجلا ما زاد على أن قال ربي الله، وجاء على ذلك بالدلائل الواضحات؟!! إن ذلك لا يوجب القتل البتة.
المسلك الثالث: إيهام الشك بموسى عليه السلام:
ولئلا ينكشف حاله، ويظهر لهم إيمانه قبل أن يحقق ما يصبو إليه من الدفاع عن موسى عليه السلام، أردف قوله هذا بما حكاه الله تعالى عنه حيث قال: {وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم}، مما جعلهم يفهمون أنه يشك في أمر موسى، ولم يكن من أتباعه، قال الإمام الزمخشري رحمه الله تعالى:
فإن قلت لم قال {بعض الذي يعدكم} وهو نبي صادق لا بد لما يعدهم أن يصيبهم كله لا بعضه؟ قلت: لأنه احتاج في مقاولة خصوم موسى إلى أن يلاوصهم ويداريهم ويسلك معهم طريق الإنصاف في القول، ويأتيهم من جهة المناصحة، فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله، وأدخل في تصديقهم له وقبولهم منه فقال: {وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم} وهو كلام المنصف في مقاله غير المشتط فيه، ليسمعوا منه ولا يردوا عليه.
ولكن هذه الجملة المباركة قد اشتملت على أمر عظيم، وخطر جسيم، وهو احتمال كونه صادقا فيما يدعو إليه، مما سيعرضهم إلى عذاب الله الذي يدعو إليه، بما لا قبل لهم به، ففيه مع إظهار الإنصاف وعدم التعصب مبالغة في التحذير.
وهو بهذا الموقف كان على غاية من الصدق والإنصاف كما تقدم عن الزمخشري، وفي هذا يقول سيد قطب رحمه الله تعالى:
ثم يفرض لهم أسوأ الفروض، ويقف معهم موقف المنصف أمام القضية، تمشيا مع أقصى فرض يمكن أن يتخذوه: {وإن يك كاذبا فعليه كذبه}، وهو يحمل تبعة عمله، ويلقى جزاءه، ويحتمل جريرته، وليس هذا بمسوغ لهم أن يقتلوه على أية حال! وهناك الاحتمال الآخر وهو أن يكون صادقا، فيحسن الاحتياط لهذا الاحتمال، وعدم التعرض لنتائجه: {وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم}، وإصابتهم ببعض الذي يعدهم هو كذلك أقل احتمال في القضية، فهو لا يطلب إليهم أكثر منه، وهذا منتهى الإنصاف في الجدل والإفحام.
حقا إنه أسلوب رائع من أساليب الدعوة الناجحة، لم يكن لشك منه في رسالة موسى عليه السلام وصدقه، ولكن ـ كما يقول الدكتور الزحيلي ـ تلطفا في الدفاع، وبعدا عن الأذى وإظهارا للتجرد والموضوعية.
المسلك الرابع: إظهار النصح لقومه:
وفي الوقت الذي يحذر مؤمن آل فرعون قومه مما هم فيه، كان صادقا في نصحه لهم، ولذا فإنه لم يدخر شيئا يمكن أن يقوله لهم طمعا في هدايتهم إلا قاله، وقد سلك في ذلك مسلك الرحمة بهم والشفقة عليهم، مصدرا كلامه بما حكاه الله تعالى بقوله: {يا قوم}، ونجد أن هذا النداء قد تكرر في الحوار ست مرات، في أصناف من الحوار متنوعة، أولها قوله: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا}، ويتجلى النصح في إشراك نفسه معهم بقوله: {ينصرنا} و {جاءنا}، ولذا فقد وقع التحذير والتخويف موقعه من نفوسهم، فلم يرتابوا في أمره، ولم يشكوا في أنه منهم وعلى دينهم، غير أنه يلفت نظرهم إلى أن ما هم فيه من القهر والغلبة والتمكين في الأرض، لا يمنعهم من بأس الله إن قتلوا موسى أو ألحقوا به الأذى، بمجرد أنه يدعوكم إلى الله الذي لا يقف شيء من قوتكم وسلطانكم وقهركم أمام قوته وسلطانه وقهره.
ومما يدل على عدم ارتيابهم في أمره أن فرعون مشى معه في المحاورة، مغترا بنفسه مظهرا سداد رأيه فقال ما حكاه الله تعالى عنه: {قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}.
ويسترسل الذي آمن في الحوار، على طريق النصح وإرادة الخير، معرضا عما قاله فرعون، غير مصطدم معه في الجدال فيقول ما حكاه الله تعالى عنه:
{وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد. ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد. يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد. ولقد جاءكم يوسف بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا }.
إنه خطاب هادئ لين، ونداء صادق محبب، وإشفاق وتودد ينبعث من نفس مؤمن ذاق حلاوة الإيمان، فهو يريد لقومه أن يذوقوها، ولذا فهو يبذل جهده في النصح والتذكير والتحذير، وتأمل قوله: {ويا قوم إني أخف عليكم يوم التناد. يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم}، فهل ترى فيه غير ما ذكرنا؟!
إن هذا المسلك في الحوار مسلك مهم جدا، لأن المحاور الصادق لا يقصد من حواره الغلبة والانتصار على الخصم، بقدر ما يقصد استجابة الخصم وهدايته، وقد جمع هذا الرجل المؤمن في نصحه بين التذكير بما مضى والتذكير بما هو آت، فيوم الأحزاب معلوم لديهم، ليس بخاف عنهم، والموت حقيقة لا ينكرونها، ولكن الذي ينكرونه هو ما بعد الموت، وهذا هو الذي يريد أن يصل بقومه إلى الإيمان به، إنه يوم ينادي بعضهم بعضا من شدة الهول، ويوم الفرار من مكان إلى مكان هربا من عذاب الله دون جدوى!!
والرجل وإن بلغ غاية النصح والشفقة في حواره مع قومه، إلا أنه لا يجانب الحقيقة التي يلمسها منهم، وهي شدة عنادهم وإصرارهم على تكذيب موسى عليه السلام، وحينئذ فهو يذكرهم بما كان عليه أسلافهم من تكذيب الأنبياء، وأنهم من ذرية قوم كذبوا يوسف عليه السلام لما جاءهم بالبينات، فتكذيب المرشدين إلى الحق شنشنة معروفة في أسلافهم فتكون سجية فيهم.
ويتابع الذي آمن نصحه لقومه طمعا في هدايتهم، فيقول ما حكاه الله تعالى عنه: {وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد. يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار. من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب}.
وهكذا يسترسل الذي آمن في إسداء نصحه وتقديم وصاياه، وهو وإن لم يراجع فرعون فيما قال، ولم يصطدم معه في الحوار، إلا أنه لا يغفل الرد عليه بأسلوب غير مباشر، فيبين أن سبيل الرشاد إنما هو فيما جاء به موسى عليه السلام، لا فيما ادعاه فرعون، ولا أدل على ذلك من أن فرعون يدعوهم إلى حطام الدنيا الزائل، بينما يدعوهم موسى إلى دار القرار!! ولا يقف عند هذا الحد، إنما يكشف لهم عن حقيقة المآل، {من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب}، ويلاحظ هنا أن الرجل المؤمن لم يغفل ذكر الإيمان مع العمل الصالح، إذ هو شرط في قبوله، فما لم يؤمنوا بموسى عليه السلام، ويصدقوه بما جاءهم به، لم ينفعهم ما قدموا من عمل.
المسلك الخامس، الجهر بالإيمان، والكشف عن الحقيقة:
وبمزيد من الاهتمام بقومه، وفرط الشفقة عليهم، يستأنف ذلك الرجل المؤمن حواره مع قومه بهذا النداء الممتزج بالحرص والاعتناء، المعلن فيه عن إيمانه بالعزيز الغفار سبحانه وتعالى، وبيان الفارق الكبير بين ما يدعوهم إليه وما يدعونه إليه،فشتان بين من يدعو إلى الجنة ومن يدعو إلى النار، وشتان بين من يملك الحجج والبراهين، ويدعو إلى عبادة من له الكمال المطلق، فهو وإن كان عزيزا لا يغلب، قادرا لا يغالب، فهو غفار يغفر كفر سبعين سنة بإيمان ساعة واحدة سبحانه وتعالى، شتان بين من يدعو إلى هذا الإله ومن يدعو إلى عبادة الأوثان التي ليس لها دعوة مستجابة في الدنيا ولا في الآخرة، فيقول ما حكاه الله تعالى عنه:
{ويا قوم ما لي ادعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار . تدعونني لأشرك بالله ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار. لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار}، ، إذ الشفقة والرحمة التي سلكها في حواره معهم، لا تعني المداهنة والاستسلام لهم.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآيات: كرر ذلك الرجل المؤمن دعاءهم إلى الله وصرّح بإيمانه، ولم يسلك المسالك المتقدمة من إيهامه لهم أنه منهم.
المسلك السادس، الصلابة في الحق، والثبات على المبدأ:
ويختم مؤمن آل فرعون حواره مع قومه، بهذا الإعلان المنبئ عن قوة الإيمان والصلابة في الحق، والثبات على المبدأ، غير عابئ بما تكون عليه النتيجة، ما دام ذلك في سبيل من آمن به وتوكل عليه، فيصدع بما حكاه الله تعالى عنه بقوله: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}.
ومساق هذه الجملة كما يقول ابن عاشور مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشر، يعني: أني أكل شأني وشأنكم معي إلى الله، فهو يجزي كل فاعل بما فعل، وهذا كلام منصف، فالمراد بـ {أمري} شأني ومهمّي .
فكانت النتيجة كما قال الله تعالى: {فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب}، وهو ما سنبينه في المطلب الثالث من هذا المبحث إن شاء الله تعالى.
المطلب الثاني: ما احتمل كونه مما حكاه الله من الحوار.
ابتدأت قصة مؤمن آل فرعون من قوله تعالى فيما حكاه عنه: { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} وانتهت بما حكاه الله تعالى عنه بقوله: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد. فوقاه الله سيئات ما مكروا}.
فهل كل ما جاء في هذه الآيات الكريمة مما حكاه الله عن هذا الرجل المؤمن، أم تخلل ذلك بعض الآيات أو الجمل القرآنية مما ليس من هذا القبيل، إنما هو من خطاب الله تعالى ابتداء؟!
هذا ما سنتناوله في هذا المطلب بشيء من التفصيل فنقول وبالله تعالى التوفيق:
لدى التأمل في آيات قصة هذا الرجل المؤمن، والنظر في أقوال المفسرين، تبين أن ثمة بعض الجمل القرآنية، في هذا السياق الكريم، يحتمل أن تكون مما حكاه الله تعالى من كلام الرجل المؤمن، ويحتمل أن تكون من كلام الله غير المحكي، وسنذكر في هذا المطلب تلك الجمل الكريمة، وآراء العلماء فيها مع بيان ما نراه راجحا من ذلك.
والجمل المحتملة في هذا الحوار هي:
1- {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}.
2- {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب}.
3- {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار}.
أول هذه الجمل الكريمة في السياق الكريم هي قوله تعالى: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} فهل هي من تمام كلام مؤمن آل فرعون، أم هي من كلام الله تعالى تأييدا له؟
ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا الكلام من تمام كلام الرجل المؤمن، قال الإمام الطبري ـ وهو يبين المراد بقوله {مسرف}: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن هذا المؤمن أنه عمّ بقوله: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} والشرك من الإسراف، وسفك الدم بغير حق من الإسراف، وقد كان مجتمعا في فرعون الأمران كلاهما، فالحق أن يعمّ ذلك كما أخبر جل ثناؤه عن قائله أنه عمّ القول بذلك.
وقال الإمام الرازي: ثم حكى الله تعالى عن هذا المؤمن حكاية ثالثة في أنه لا يجوز إيذاء موسى عليه السلام فقال: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}، ثم ساق تقرير الدليل، وقال ابن عطية: ثم وعظهم هذا المؤمن بقوله: {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}، وقال النسفي: وهذا أيضا من باب المجاملة، ثم قال: وقيل: أوهم أنه عني بالمسرف موسى، وهو يعني به فرعون.
وممن عده من كلام الرجل المؤمن الدكتور وهبة الزحيلي، مقررا أنها إحدى حججه الست التي أيد بها رأيه .
والشيخ الصابوني، فقد قال وهو يقرر أسلوبه الذي جاء على غاية من الإبداع والإقناع:
وهذا القول فيه روعة البيان، وهو من الأسلوب الحكيم في مخاطبة الخصم، فهو كلام ظاهره أنه يريد به موسى عليه السلام، ولكنه ينطبق على فرعون وحاشيته، ويريد به فرعون، فكأنه يقول: إن كان موسى كاذبا فإن الله لا يهديه ولا يوفقه، وفيه تعريض لبق بفرعون، إذ هو في غاية البغي والإسراف والكذب على الله .. فهو أحق بهذه الصفة القبيحة.
وأما ابن عاشور فقد فصل القول في ذلك فقال:
يجوز أنها من قول مؤمن آل فرعون… ثم قال: ويجوز أن تكون جملة معترضة بين كلامي مؤمن آل فرعون ليست من حكاية كلامه، وإنما هي قول من جانب الله في قرآنه، يقصد منها تزكية هذا الرجل المؤمن إذ هداه الله للحق، وأنه تقي صادق.
والذي يظهر أن القول الأول هو الراجح، وذلك لمناسبته للسياق، ولأن فيه إشارة إلى أن موسى عليه السلام كان على الهدى، ولذا فإن الله أيده بالمعجزات، ومن أيده الله بذلك لا يكون مسرفا كذابا، ففي كلامه ـ كما يقول الرازي في تقرير هذا الدليل ـ إشارة إلى علو شان موسى عليه السلام على طريق الرمز والتعريض.
وأما الجملة الثانية، والتي بعدها وهي قوله تعالى: {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب}، وقوله: {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم} الآية.
فقد عرض ابن عاشور رحمه الله تعالى أقوال العلماء فيها على سبيل الإجمال، دون أن يذكر أسماء أولئك العلماء ولا ما قالوه، وإنما اكتفى بقوله:
جرى أكثر المفسرين على أن هذه الجمل حكاية لبقية كلام المؤمن، وبعضهم جعل بعضها من حكاية كلام المؤمن وبعضها كلاما من الله تعالى، وذلك من تجويز أن يكون قوله {الذين يجادلون} إلخ بدلا أو مبتدأ، وسكت بعضهم عن ذلك مقتصرا على بيان المعنى، دون تصدّ لبيان اتصالها بما قبلها.
ولدى الرجوع إلى جمع من المفسرين والوقوف على أقوالهم في هذا الخصوص، وجدنا أن الإمام الطبري يرى أنها من تمام كلام الرجل المؤمن، فيقول في تفسير قوله تعالى: {الذين يجادلون}: يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} فقوله { الذين} مردود على {من} في قوله: {من هو مسرف مرتاب}.
والإمام ابن عطية ـ أيضا ـ يعده من تمام كلام الرجل المؤمن، فيقول:
ولذلك قال لهم بأثر هذا: {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب}، وقال أيضا: ثم أنحى لهم على قوم صفتهم موجودة في قوم فرعون، فكأنه أرادهم فزال عن مخاطبتهم حسن أدب واستخلابا فقال: {الذين يجادلون في آيات الله}، بينما يقول القرطبي وهو يفسر قوله تعالى: {الذين يجادلون في آيات الله} الآية:
ثم قيل: هذا من كلام مؤمن آل فرعون، وقيل: ابتداء خطاب من الله تعالى، وتابعه الشوكاني كما في فتح القدير.
وأما كلام الرازي فيوحي بأنه يرى أنه من كلام الله غير المحكي لأنه قال: ثم بين تعالى ما لأجله بقوا في ذلك الشك والإسراف فقال: {الذين يجادلون في آيات الله}، وإنما ذهبنا إلى هذا لأن الرازي رحمه الله كان يكرر لفظ حكى الله عن ذلك المؤمن، ولم يحك ذلك هنا.
وقال ابن عاشور بعد كلامه المتقدم:
والذي يظهر أن قوله {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب} إلى قوله {جبار} كله من كلام الله تعالى معترض بين كلام المؤمن وكلام فرعون، وعلل ذلك..
وتقدم أن الدكتور الزحيلي عد الجملة الأولى من تمام كلام الرجل المؤمن، والحق أنه عد الجمل كلها من تمام كلامه، حيث قال: ما أروع تلك الكلمات التي كان مؤمن آل فرعون يختم بها حججه وبراهينه، فهي كما حكاها الله تعالى مع إقرارها دستور الحق وسنة الله وسبيل إقامة العدل، وأساس الحساب في الدار الآخرة، ثم ذكر تلك الجمل .
لكن الذي اتضح لنا أن الجملة الثانية وهي قوله تعالى: {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب} من تمام ما حكاه الله عن الرجل المؤمن، وأما الجملة الثالثة وهي قوله تعالى: {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم} الآية، فمما ابتدأه الله تعالى توضيحا لسر ما كان عليه الضالون من الإسراف والارتياب ـ والله تعالى أعلم ـ.
وسواء قلنا إن هذه الجمل الكريمة من كلام الله تعالى ابتداء، أم هي مما حكاه الله تعالى عن مؤمن آل فرعون، فإن النتيجة واحدة، وأنها من الحق الذي لا مرية فيه، وذلك أنها إن كانت من كلام الله غير المحكي فالأمر واضح، وإن كانت من كلامه المحكي فكذلك لأن الله تعالى لا يسكت على باطل يورده في كتابه.
المطلب الثالث: هدايات حوار مؤمن آل فرعون، والدروس المستفادة منه.
وبعد هذا العرض الشامل، والبحث المتنوع في آيات حوار مؤمن آل فرعون مع قومه، نذكر أهم ما تمخضت عنه تلك الدراسة من هدايات، مع ذكر بعض الدروس النافعة الهادفة، فمن أبرز ذلك:
1- إن هذا الرجل المؤمن قد قام بواجب الدعوة إلى الله، وسلك الطريق الأمثل في ذلك، حيث إنه لم يكن متقوقعا على نفسه، ولم يكتف بحصول الخير لها، ولكنه حرص على هداية قومه، وبذل جهده في نصحهم، وسلك معهم السبيل الأمثل، تماما مثل ما قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وبذلك برئت ذمته، وأدى ما لزمه من ذلك، وفي هذا دعوة صريحة للمؤمنين للقيام بهذا الواجب المقدس، ودرس عظيم ماثل أمام عيونهم عبر القرون.
2- الانتصار للحق بقوة، دون نظر إلى العواقب المترتبة على ذلك، وذلك منبئ عن قوة الإيمان، فإن الرجل المؤمن لما علم أن القوم قد قرروا قتل موسى عليه السلام، لم يستطع أن يسكت وهو في حاشية فرعون، دون أن يستخدم نفوذه، وينطلق من مكانته التي تبوءها بينهم، كما سبق بيانه في آيات الحوار، وفي هذا حث لأهل الإيمان في كل زمان ومكان، لأن يواصلوا السير في هذا الطريق في الحالات المماثلة التي تعترض طريقهم في أي حين.
3- لقد نجح الرجل المؤمن في كف فرعون عن قتل موسى عليه السلام، وتسكين غضبه، وإشغاله بالحوار عن تنفيذ ما عزم عليه من سفك الدم الحرام، وتعدّ هذه النتيجة من أهم النتائج إن لم تكن أهمها على الإطلاق، ولذا فقد ابتدأ حواره بها حيث قال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم}؟!! وهذا النجاح إنما هو فضل من الله يؤتيه من يشاء، إذ لا يلزم أن يتحقق دائما في كل دعوة لحكم يعلمها الله تعالى، قد يكون منها نيل الشهادة لمن شاء الله أن يكرمه بها، كما قال تعالى: {ويتخذ منكم شهداء} ، والمؤمن بعد أن يؤدي ما عليه لا يسأل عن النتيجة، إنما يكل الأمر إلى العليم الخبير سبحانه وتعالى.
4- إقامة الحجة على قومه، وقطع أعذارهم وادعاءاتهم، كأن يقولوا ما جاءنا من نذير، أو لم يقم أحد بتحذيرنا من خطر التواطؤ على قتل موسى عليه السلام، أو نحو ذلك من التعلقات الفارغة، التي يتعلل بها أمثال هؤلاء، وذلك كما قال تعالى: {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة}
5- تسديد الله تعالى للرجل المؤمن، وهدايته إلى أفضل سبل الحوار، ونصره على قومه بالحجة والبرهان، وذلك شأن الله تعالى وعادته مع أوليائه الصادقين، كما قال تعالى: {إنا للنصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} ، فالمؤمن الصادق غالب بحجته أبدا، والعاقبة الحميدة له على الإطلاق، كما هو أحد وجوه تفسير قوله تعالى: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.
6- حفظ الرجل المؤمن من قومه لما أرادوا به شرا، فقد مكر الله بهم حين أرادوا أن يمكروا به، فنزل بهم العذاب، وسلم هو مع موسى عليه السلام وبني إسرئيل، كما قال تعالى: {فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب}، وهي بشارة للصادقين، كما قال تعالى: {فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين}
7- شفاء غليل الرجل المؤمن، وإقرار عينه بإهلاك أعدائه، ونجاته ونجاة أحبائه، وفي ذلك من إدخال السرور والبهجة على قلبه ما فيه، قال تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}.
8- أن الداعية إلى الله تعالى إذا بذل جهده في النصح، وصدق في الإرشاد، فقد أدى ما عليه، ولا يضيره أن لا يستجيب أحد لدعوته، فإن فرعون وقومه لم ينتفعوا من نصح هذا الرجل المؤمن بشيء، بدليل أن الله تعالى قال في نهاية الحوار: {فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب}.
9-عظيم فضل كلمة الحق، وأنها عند الله تعالى بمكان، فقد رأينا كيف أن الله عز وجل أثنى على هذا الرجل المؤمن، فجعله في كتابه، وأثبته في المصاحف ـ كما يقول ابن عطية ـ لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر.
10- إن قوة الأسلوب البياني في حوار مؤمن آل فرعون، وسلوك أفضل طرق الحوار وأمثلها في ذلك، لدليل صادق على أن الحق في نفسه كان على غاية من الوضوح، وأن الاطمئنان قد تمكن في قلبه غاية التمكن.
11- من قوة الأسلوب البياني في حوار الرجل المؤمن أنه أبهم سبيل الرشاد، حيث قال ما حكاه الله تعالى عنه: {أهدكم سبيل الرشاد} فلم يبين أي سبيل هو؟ ثم فسر ذلك فافتتح كلامه بذم الدنيا وتصغير شأنها، لأن الإخلاد إليها أصل الشر كله، ثم ثنى بتعظيم الآخرة، والإطلاع على حقيقتها، وأنها هي الوطن المستقر، ثم ثلث بذكر الأعمال سيئها وحسنها، وعاقبة كل منها ليثبط عما يتلف، وينشط لما يزلف، فكأنه قال ـ كما يقول ابن القيم ـ: سبيل الرشاد هو الإعراض عن الدنيا، والرغبة في الآخرة، والامتناع عن الأعمال السيئة خوف المعاقبة عليها، والمسارعة إلى الأعمال الصالحة، رجاء المجازاة عليها.
12- من فوّض أمره إلى الله تكفل الله تعالى بالانتصار له، فإن موسى عليه السلام ما زاد في دفع فرعون على الاستعاذة بالله، فقيض الله تعالى ذلك الرجل المؤمن، حتى ذب عنه تلك الفتنة والشر، قال الرازي رحمه الله تعالى: ولقد جربت في أحوال نفسي، أنه كلما قصدني شرير بشر ولم أتعرض له، وأكتفي بتفويض الأمر إلى الله تعالى، فإنه سبحانه يقيض أقواما لا أعرفهم يبالغون في دفع ذلك الشر.
13- قالوا: كمال السعادة في أمرين: التعظيم لأمر الله، والشفقة لخلق الله، والتكبر كالمضاد للتعظيم، والتجبر كالمضاد للشفقة، قال تعالى: {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار}.
14- تقديم الكاذب على الصادق في قوله: {وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم} يناسب ـ كما في محاسن التأويل ـ تقديم ذلك في قوله تعالى: {وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من دبر فصدقت وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قد من قبل فكذبت وهو من الصادقين}، وإن كان الصادق هو يوسف دونها، لرفع التهمة وإبعاد الظن، وإدلالا بأن الحق معه، ولا يضر التأخير لهذه الفائدة، وقريب من هذا التصرف لإبعاد التهمة ما في قصة يوسف عليه السلام مع أخيه، إذ بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه.

الخاتمة
نسأل الله تعالى حسنها
وفي ختام هذا البحث الذي تحدثنا فيه عما حكاه الله تعالى من حوار مؤمن آل فرعون مع قومه، نذكر أهم ما توصل إليه البحث من نتائج، وذلك بنقاط محددة على النحو الآتي:
1- الراجح جواز قولنا: “حكى الله تعالى كذا”، وأن ما حكاه سبحانه وتعالى وسكت عنه يعدّ من الحق، لأن الله تعالى لا يسكت على باطل.
2- تخللت آيات قصة مؤمن آل فرعون بعض الجمل القرآنية التي اختلف فيها العلماء هل هي من كلام الله تعالى ابتداء، أم من كلامه المحكي، وفي البحث بيان ذلك مع المناقشة والترجيح.
3- يعد الحوار من الأساليب المهمة في إيصال كلمة الحق، وعلى من أراد أن يدخل في ذلك أن يكون متمكنا مما هو بصدد الحديث عنه، قوي الحجة فيه، كما نشاهد في مؤمن آل فرعون مع قومه، لئلا تأتي الهزيمة من قبله.
4- ومما يدلّ على أهمية الحوار وعظيم فوائده، أن الله تبارك وتعالى أكثر من ذكره في كتابه، وعرض نماذج متنوعة منه من أبرزها: حواره تعالى مع أصناف من خلقه.
5- ينبغي سلوك سبيل الحكمة في الدعوة إلى الله، مع مراعاة مقتضى الحال، من الكتمان أو الجهر أو اللين أو الشدة كما تبين في حوار مؤمن آل فرعون.
6- لا مانع من استعمال الغلظة والإنكار القوي في الحوار إذا ما اقتضى المقام ذلك، كما مر في بعض مراحل حوار الرجل المؤمن، وكما صنع إبراهيم عليه السلام مع قومه حين قال ما حكاه الله تعالى عنه: {أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون}.
7- ما أحوجنا في هذا الزمن المتفتح على الحوار أن نتأسى بهذا الرجل المؤمن، وأن نقتبس من حواره ما يكون منطلقا لحوارنا مع الآخر، وأن نسلك السبل التي سلكها، وننهج النهج الذي نهجه!!
8- إن المنهج الذي سلكه مؤمن آل فرعون مع قومه ـ وفق المسالك التي بُينت في النص الكريم ـ يعدّ من المناهج السديدة، التي ينبغي أن يسلكها المؤمنون في حوارهم مع الكافرين.
9- لم تكن البشرية أحوج إلى الحوار في حل مشاكلها في ضوء هدايات القرآن الكريم منها إليه هذه الأيام.

المقترحات والتوصيات
أكتفي في أن أذكر هنا مقترحا واحدا، وأرجو أن يكون ذا فائدة، وهو:
لا يخفى أن حلقات الحوار تعقد هنا وهناك، وفي موضوعات متنوعة، فأردت أن ألفت النظر إلى:
ـ ضرورة متابعة ما يجري على الساحة من حوار بين المسلمين وغيرهم، فإن من المحاورين باسم الإسلام من لا يحالفه التوفيق ـ عن قصد وعن غير قصد ـ، وهذا قد يضر بالإسلام والمسلمين، والمقترح هو:
أن تكون هناك لجان متخصصة في متابعة هذا بالتعليق والتعقيب، والإضافة والاستدراك، وبيان وجه الحق والصواب، وليكن ذلك أيضا بطريق الحوار، أي حوار إثر حوار!!
وأما التوصيات:
ـ فأوصي نفسي وغيري أن لا يدخل في الحوار باسم المسلمين ـ لا سيما في القضايا الشائكة ـ إلا من ملك القدرات الكافية، التي تؤهله لخوض ذلك الغمار، وإلا فليرح نفسه وليرح غيره مما قد لا تحمد عقباه، علما بأن المسلم المتبصر غالب بحجته لا محالة، كما سبقت الإشارة عند تفسير قوله تعالى: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.
والله تعالى هو الموفق والمستعان.

– أ.د.عيادة بن أيوب الكبيسي

فهرست أهم المراجع
بعد القرآن الكريم.
ـ الأساس في التفسير للشيخ سعيد حوى (ت1409هـ) ـ دار السلام للطباعة والنشر.
ـ الإصابة في تمييز الصحابة للإمام أحمد بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ـ وبالهامش الاستيعاب في أسماء الأصحاب للإمام يوسف بن عبد البر (ت 463هـ) ـ دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت.
ـ الأعلام للأستاذ خير الدين بن محمود الزركلي (ت1396هـ) ـ بيروت ـ دار العلم للملايين.
ـ بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن قيم الجوزية (ت751هـ) ـ جمع وتوثيق يسري السيد محمد ـ دار ابن الجوزي ـ الدمام ـ الطبعة الأولى سنة 1414هـ/ 1993م.
ـ التحرير والتنوير للإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (ت1393هـ) ـ تونس ـ دار سحنون للنشر والتوزيع.
ـ التربية القيادية للأستاذ منير الغضبان ـ دار الوفاء المنصورة ـ الطبعة الأولى سنة 1418هـ / 1998م.
ـ التعريفات للإمام علي بن محمد الجرجاني (ت816هـ) ـ بيروت ـ دار الكتاب العربي.
ـ تفسير القرآن العظيم للحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت774هـ) ـ بيروت ـ دار الكتب العلمية.
ـ التفسير الكبير ـ للإمام فخر الدين الرازي (ت606هـ) ـ بيروت ـ دار الفكر.
ـ تفسير مبهمات القرآن للإمام أبي عبد الله محمد بن علي البلنسي (ت 782هـ) ـ تحقيق الدكتور حنيف بن حسن القاسمي ـ دار الغرب الإسلامي ـ بيروت.
ـ تفسير المراغي ـ الإمام أحمد مصطفى المراغي ـ المكتبة التجارية ـ مصطفى الباز.
ـ التفسير المظهري للشيخ قاضي محمد ثناء الله باني بتي المظهري (ت1225هـ) ـ باكستان ـ المكتبة الحبيبية.
ـ التفسير المنير للدكتور وهبة مصطفى الزحيلي ـ درا الفكر المعاصر ـ بيروت.
ـ التوقيف على مهمات التعاريف للإمام محمد عبد الرءوف المناوي (ت 1031هـ) ـ
تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية ـ بيروت ـ دار الفكر.
ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) ـ تقديم الشيخ خليل الميس ـ تخريج صدقي جميل العطار ـ دار الفكر ـ بيروت.
ـ الجامع لأحكام القرآن للإمام محمد بن أحمد القرطبي (ت671هـ) ـ بيروت ـ دار إحياء التراث العربي.
ـ الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة إعداد يحيى بن محمد حسن زمزمي ـ دار التربية والتراث ـ مكة المكرمة ـ الطبعة الأولى سنة 1414هـ/1994م.
ـ روح المعاني للإمام شهاب الدين السيد محمود الآلوسي (ت1270هـ) ـ بيروت ـ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري لابن حجر العسقلاني ـ القاهرة ـ دار أبي حيان.
ـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للإمام محمد بن علي الشوكاني
(ت1250هـ) ـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
ـ في ظلال القرآن ـ سيد قطب (ت1966م) ـ بيروت ـ دار الشروق.
ـ قبس من نور القرآن الكريم للشيخ محمد علي الصابوني ـ بيروت ـ دار القرآن الكريم.
ـ القصص القرآني ـ إيحاؤه ونفحاته للدكتور فضل حسن عباس ـ دار الفرقان للطباعة والنشر ـ عمان ـ الأردن ـ الطبعة الثانية سنة 1413هـ/ 1992م.
ـ القصص القرآني ـ عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور صلاح الخالدي ـ دار القلم ـ دمشق ـ الطبعة الأولى سنة 1419هـ / 1998م.
ـ الكشاف للإمام جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 538هـ) ـ بيروت ـ دار الفكر.
ـ الكليات للإمام أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي (ت 1094 هـ) ـ بيروت مؤسسة الرسالة.
ـ محاسن التأويل للشيخ محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) ـ بيروت ـ دار الفكر .
ـ المحرر الوجيز للإمام أبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (ت 541هـ) ـ تحقيق
عبد الله الأنصاري وغيره ـ الدوحة ـ قطر ـ مؤسسة دار العلوم .
ـ المحيط في اللغة تأليف الصاحب إسماعيل بن عباد (ت 385هـ) ـ تحقيق الشيخ محمد
حسن آل ياسين ـ عالم الكتب ـ بيروت.
ـ مدارك التنزيل للإمام أبي البركات عبد الله بن أحمد النسفي (ت701هـ) ـ بيروت ـ دار إحياء الكتب العربية.
ـ المصباح المنير للعلامة أحمد بن محمد بن علي الفيومي (ت نحو 770هـ) ـ بيروت ـ مكتبة لبنان.
ـ معالم التنزيل للإمام الحسين بن مسعود البغوي (ت516هـ) ـ تحقيق خالد العك ومروان
سوار ـ بيروت ـ دار المعرفة.
ـ معجم فصيح العامة تأليف أحمد أبي سعد ـ بيروت ـ دار العلم للملايين.
ـ المقتطف من عيون التفاسير للشيخ مصطفى الحصن المنصوري (ت1390هـ) ـ تحقيق
الشيخ محمد علي الصابوني ـ دار القلم ـ دمشق.
ـ الهداية إلى بلوغ النهاية للإمام مكي بن أبي طالب القيسي (ت437هـ) ـ رسالة ماجستير تحقيق زارة صالح من جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ كلية الآداب ـ فاس ـ المغرب.
ـ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس أحمد بن محمد المعروف بابن خلكان
(ت 681هـ) ـ تحقيق الدكتور إحسان عباس ـ بيروت ـ دار صادر.
*****