حاجة الإنسان إلى الدين
Nécessité humaine pour la religion (FR)

Human need for religion (Eng)

الجزء الأول:

إنَّ الإنسان بطبيعته يميل إلى ما يحفظ ذاته؛ من الغذاء والكساءِ، وإلى ما يحفظ نوعَه؛ من الزَّواج والاجتماع، فهو أيضًا لا يَستطيع أن يعيش بغير دينٍ وأن يحيا بدون “إله” يعظِّمه ويقدِّسه ويرجوه.

والباحثون في تاريخ الأمَم والأديان والحضارات أجمَعوا على أنَّ الإنسان من أقدَم العصور “يتديَّن ويتعبَّد ويؤمن بإله”، حتى قال أحدُ كبار المؤرِّخين: “لقد وُجدَت في التاريخ مدنٌ بلا قصور ولا مصانع ولا حصون، ولكن لم توجَد في التاريخ مدنٌ بلا معابد”.

فالدِّين ضروريٌّ للإنسان، راسِخ فيه كالغريزة (غريزة التدَيُّن)، فتدرَّجَت البشريَّةُ من مُعتقَد ساذج إلى مُعتقدٍ ناضج.

• • •

ولكن الذي لا شكَّ فيه أنَّ التديُّن (religiosité- Religiosity) جزءٌ من الطبيعة البشريَّة؛ حيث إنَّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش بغير دينٍ، سواء كان سماويًّا أو وضعيًّا (القانون) اخترعَه الإنسان، وأقوال العلماء والفلاسفة في هذا الموضوع كثيرة لا تُحْصى.

يقول ألفين بلا تينجا (Alvin plantinga) فيلسوف أمريكي ولد عام 1932، شغل منصبَ أستاذ الفلسفة بجامعة نودردام وله اهتمام بفلسفة الأديان وأصول المعرفة والغيبيات، وصَفَتْه مجلة (TIME) الأمريكية بأنه فيلسوف الإله.

يُصِرُّ على أنَّ الإيمان “شعورٌ فطري”، وأنَّ الاعتقاد بوجود “إله” له مثل الاعتِقاد في مفاهيم أساسيَّة أخرى؛ كالاعتقاد بأنَّ للآخرين عقولًا كعقولنا، والاعتقاد في صحَّة حواسِّنا، والقول بأنَّ الكلَّ أكبر من الجزء، ويقول أيضًا: “بأنَّ الإيمان بوجود إله يعتبر شعورًا فطريًّا بديهيًّا لا يحتاج إلى دليل”.

ويقول: رالف مك إينرني (Ralph Mc Inerny) هو الآخَر فيلسوف أمريكي ولد في 1929، له كتاب في المسيحية واللاهوت المسيحي وبعض القصص الدينيَّة.

“تمسَّك بأنَّ الانتظام والإعجازَ في بنية الوجود وثَبات القوانين الطبيعيَّة يجعل القولَ بوجود خالق (بديهة منطقيَّة)، وعلى مَن ينكر ذلك أن يقدِّم الدليلَ”.

أمَّا الإنجليزي ديفيد كونواي David Conway (ولِد عام 1948)، أستاذ فلسفة بجامعة ميدل سكس، مشهور ببراعته في الفلسفة الكلاسيكيَّة والحديثة على السواء ومن المهتمِّين بفلسفة الأديان، ألَّف كتابًا بعنوان: “العودة إلى الحكمة: The Recovery Wisdom”، اتَّفَق هذا الفيلسوف مع عددٍ من العلماء على صِفات الإله التي توصَّل إليها الفيلسوف والمعلِّم أرسطو منذ 25 قرنًا من الزمان، والتي حدَّدَها بقوله:

God has the following attributes: immutability ,immaterility ,ommipotence ,omniscience ,oneness or indivisibilyty ,perfect goodness and necessary existence.

إله واحد.

واجب الوجود.

غير مادِّي – لا يَطرأ عليه التغيُّر.

له مطلق القدرة – ومطلق العلم.

كامل الخير.

ولا شك أنَّ هذا الوصف للإله يتَّفق تمامًا مع عقيدة الشرائع السماوية المُوَحِّدة.

ويضيف كونواي قائلًا:

لقد أنجزَت الفلسفة مَهمَّتَها الأساسية بنجاحٍ عظيم، عندما توصَّلَت إلى تفسير نشأة الوجود؛ بوجود العقل ومطلق القدرة، الذي هو الإله الخالق، الذي خلق الكونَ ليكون مُعدًّا لاستِقبال المخلوق العاقل الحكيم، وهو الإنسان.

• • •

وأحسنهم قولًا (أي الفلاسفة)، أحدهم حيث يقول:

إنَّ قواعد الديانة الطبيعيَّة هي الاعتقاد بوجود “إله” مختارٍ، خلَق الكائنات وأحاطها بعناية، وهو مميَّز عن العوالم الكونيَّة وعن النوع الإنساني.

ويقول آخر: “مِن الممكن أن يضمحلَّ ويتلاشى كلُّ شيء نُعده من مَلاذِّ الحياة ونعيمِها، ومن الممكن أن تبطل حريَّةُ استعمال العقل والعلم والصِّناعة؛ ولكن يَستحيل أن ينمحي “التَّديُّن” أو يَتلاشى؛ بل سيبقى إلى الأبد.

وهناك مَن يعترض على أن يخوض العلماء في الفلسفة، لكن عليهم أن يُحَصِّلوا الخلفيَّة الفلسفيَّة المناسبة، وعلى كلٍّ لقد عبَّر عنهم أينشتاين بأنَّهم “فلاسفة ضعاف”.

ولحسن الحظِّ فإنَّ علماء القرن العشرين البارزين، قد توصَّلوا إلى استنتاجٍ فلسفي معرفي هائل، يُفسِّر العديدَ من الظواهر الطبيعية المحيطة بنا، وهو أنَّ هذا الكون بما فيه من حياة لا يُنشِئه إلَّا مُصَمِّمٌ ذكي.

أمَّا الدكتور عمرو شريف – وهو أستاذ الجراحة العامَّة – ألَّف كتابًا عنوانه: “فوجود “الله” من البدَهيات التي يدرِكها الإنسانُ بفطرته ويَهتدي إليها بطبيعته، وإذا كان “التدَيُّن فطرة طبيعية” فمعنى ذلك أنَّ الإنسان يستحيل تصوُّره بلا دين..”.

يقول: “يَنبغي أن أقرَّ هنا أنَّ توصُّلي – وكونواي وأرسطو – إلى وجود الإله وصِفاته، كان عن طريق العقل، دون الحاجة إلى تدخُّل يخرق قوانينَ الطبيعة، من وحيٍ أو معجزات كما يَحدث في الشرائع السماوية (مُسْتدِلًّا ومُستندًا على قصَّة “حي بن يقظان”؛ للفيلسوف الأندلسي ابنِ الطُّفيل)”.

ويضيف: “ولقد كان توصُّلي إلى وجود الإله وبعض صِفاته رحلةً عقلية وليست رحلة إيمانية”.

• • •

فوجود “الله” من البدَهيات التي يدرِكها الإنسانُ بفطرته ويَهتدي إليها بطبيعته، وإذا كان “التدَيُّن فطرة طبيعية” فمعنى ذلك أنَّ الإنسان يستحيل تصوُّره بلا دين.

ولقد عبَّر عنه العلماء بأنَّه “ميل روحاني في النَّفس” للخلاص من أسْر المادِّيات والاتجاه إلى الإنسانيَّة (المثل العليا)، المتمثلة في الإنصاف، والتَّسامح، والإخاء، التي كلُّ الشرائع السماوية تنادي بها.

فالدين فطري في الإنسان

طبيعيٌّ فيه، لا يزول عنه ولا يتلاشى أبدًا.

ويأخذ في النموِّ والارتقاء حسب الظروف والمحيط.

وعلى نسبة من اتِّساع المدارك الفكرية وعمق المعارف.

لذلك حين يصبح الإنسان تائهًا يائسًا يتدخَّل هذا الإله (هذه القوَّة الخفيَّة) لتختار أناسًا متَّصفين بالعقل وجَوْدَة الفِكر، يَفوقون معاصريهم بسلامة الفِكر والتصوُّرِ والعواطف الوجدانيَّة باتِّباع الحقائق والالتِزام بها؛ ليَنشروا تعاليمَ الدِّين بين البشر لحِفظ سلامته وإقامة سعادته، هؤلاء الرِّجال هم الذين أرشَدوا البشرَ إلى ما يوجِبه المكان والزَّمان وتقتضيه المصلحة والحاجة، هم الذين بلَّغوا البشَرَ تدريجيًّا إلى ما نشاهده من الأحوال المستحسنة والأخلاقِ الفاضلة، هم الذين أخرجوا الإنسان:

من الوحشيَّة (Savagery – Sauvagerie) إلى التَّمَدُّن.

من

إنسان وحش

Human monster

إلى

إنسان مُتمدِّن homme civilisé- Civilized man

” مُتحضِّر humaniste

” إ نساني Humain

بقدر ما اختصُّوا به من الحِسِّ الصَّادق المتناسِب باستعدادهم، وما امتازوا به من القدرة؛ فهؤلاء الرِّجال هم الذين يُقال لكل واحد منهم: “مؤسِّس المدنية” عند الحكماء و”نبي” لدى الشرائع والأديان.

ومحمد صلى الله عليه وسلم إنسان (كامل)

وهذه شهادة كلِّ مَن درَس حياته من الشَّرق إلى الغرب؛ تصرَّف (أي: محمد صلى الله عليه وسلم) في مواجهة الأحداث بالعَقل، هذا العقل صَنَعَه “القرآن” (كتاب الله، الوحي) الذي نزَل عليه؛ حيث تحرَّك مع مسارات الفِطرة وطبيعته البشرية.

فالإنسان إذا قرأ القرآنَ فهو سهْلٌ، مُيَسَّر، يتمُّ بشكلٍ طبيعي، وإذا تجرَّد (هذا الإنسان) من نوازعه الداخليَّة والخارجية، فهو فِطْرِي يلتقي بعقله وروحِه وقلْبِه وأحاسيسه وكل ما يتَّصِل بمناحي حياته.

يقول الدكتور “فاندويك محمد الهادي”:

“أدركت ذاتي الحقيقية حقَّ الإدراك وأنا أقرأ “القرآن”، فلقد وجدتُ في كلِّ آية فيها فكرة متكاملة، لا يَرقى إلى قولها بَشرٌ.

لهذا “جعلتُ في نظام حياتي اليومية أن أقرأ كلَّ يوم آيةً وأتدبَّرها”.

(راجع: المقالة في شبكة الألوكة على الرابط:

http://www.alukah.net/ sharia/ 0/99350/

الجزء الثاني:

أخي الكريم، أختي الكريمة، أحبَّائي، قرَّائي الأعِزَّاء.

أيُّها الإنسان:

﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98].

إذًا: بعد أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم.

تأمَّل معي جيِّدًا هذه الآيات:

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].

لم يقل: وأولو “الإيمان” بل قال: ﴿ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾، إنَّه “الله” يُقدِّم الدَّليل والحُجَّةَ على أنه “إلهٌ واحد” وشهدَت الملائكة أيضًا، والملائكة هم غيب خفيٌّ عنا لا نراهم “مُستترين”، ويُضاف إلى الملائكة “أولُو العلم”، لقد أخذ أُولو العلم الأدلَّةَ ليستنبطوا مِن كون الله أدلَّةً على أنه “لا إله إلا الله”؛ وهذه أعظم شهادة “لله” على نفسه ومن بعده الملائكة.

الله في القمَّة وهو الأوَّل، ثمَّ الملائكة، ثمَّ أولو العلم، فشهِدَ الله على أنَّه المتفرِّد بالألوهيَّة، وقرن شهادتَه بشهادة الملائكة وأهل العلم، على توحيده تعالى وقيامه بالعدل.

ثُمَّ الآية:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19].

أي: فاعلم (يا محمد) أنَّه لا إله إلَّا الله.

وأخيرًا الآية: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1].

قل أيُّها الرسول (محمد): هو الله المتفرِّد بالألوهية، لا يشاركه أحد فيها.

• • •

هذا الإله الواحد الأحد، الذي لا يشاركه أحد.

إنَّك لا تراه فهو غيبٌ عليك، قوة خفية “مُستتر”.

والإنسان بإجماع النَّاس مكوَّن من مادَّة وروح، هذه الروح وجودها في المادَّة هي التي فيها الحياة والحس، والحركة والإرادة والوعي، وكل شيء؛ بدليل أنَّه إذا سُلِبَت منه هذه الرُّوح أصبح “جيفة” كالوعاء المستجاف الفارغ “جثَّة”، هذه الروح كأنَّها جسم آخَر لكنَّه غير منظور، غير مرئي “مُستتر”.

والآن تأمَّل جيدًا، أخي الكريم، أختي الكريمة، ماذا نلاحظ؟

نلاحظ شيئًا مشتركًا بينهم تجاه الكون:

أولًا: الله مُستتر؛ فهو غيب.

ثانيًا: الملائكة مُستترة؛ فهي غيب.

ثالثًا: روح الإنسان مُستترة؛ فهي غيب.

ويعجز العَقلُ عن إدراكهم؛ فعقولنا ضعيفة عاجِزة، وهذا الضَّعف والقصور يفسِّره العلماء.

كما قيل: “خفاءُ الشيء وغموضُه لا يخفي النَّهار واستتاره؛ ولكن لشدَّة ظهوره”.

مثال:

حيوان الخفَّاش؛ بصرُه ضعيف جدًّا، يبهرُه نورُ الشَّمس إذا أشرقَت، ومع ذلك فهو يرى في الظَّلام ولا يرى في الضَّوء، فتكون قوَّة الظهور مع ضعف البصر لامتِناع إبصار “القوة المُستترة”؛ لذلك فالخفَّاش لا يرى شيئًا إلَّا إذا امتزج الضوءُ بالظَّلام، وضعف ظهور الرُّوح المستترة، فصار ظهورُها سببًا لخفائها.

ولا تتعجَّب من إخفاء ذلك بسبب الظهور؛ فإنَّ الأشياء تُعرفُ بأضدادها، وما عمَّ وجودُه حتى إنَّه لا ضدَّ له يعسُرُ إدراكُه.

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾ [الأنعام: 103]، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].

لا يوجد شيء يشبهُه ولا شيء يماثِله!

والآن أترككم مع ما أُنزِل على أشرف إنسان اسمُه “محمَّدٌ” صلى الله عليه وسلم من عند هذا “الإله”، وآيتين من كتابه الذي اسمُه “القرآن”، نتأمَّلُهما معًا حتى نتعرَّف عليه أكثر.

حيث يقول تعالى ما يلي:

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 35].

شرح الآيات باللغات:

1- بالعربية:

الآية (255): ﴿ اللَّهُ ﴾ الذي لا يستحقُّ الألوهيَّةَ والعبوديَّة إلَّا هو، ﴿ الْحَيُّ ﴾؛ الذي له جميع معاني الحياة الكامِلة كما يليق بجَلاله، القائم على كلِّ شيء، ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ﴾؛ أي: نعاس، ﴿ وَلَا نَوْمٌ ﴾، كلُّ ما في السموات وما في الأرض ملكٌ له، ولا يتجاسر أحد أن يشفَع عنده إلَّا بإذنه، محيطٌ علمُه بجميع الكائنات، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، يَعلَم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبلة، وما خلفَهم من الأمور الماضية، ولا يطَّلعُ أحدٌ من الخلق على شيء من عِلمه إلَّا بما أعلمه الله وأطلَعه عليه.

﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾، والكرسيُّ: هو موضع قدمَي الربِّ جلَّ جلاله، ولا يَعلم كيفيَّته إلَّا الله سبحانه، ولا يثقله سبحانه حفظهما، ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ ﴾ بذاتِه وصِفاته على جميع مخلوقاته، الجامِع لجميعِ صفات العظَمَة والكبرياء.

وهذه الآيةُ أعظم آيةٍ في القرآن، وتسمَّى: (آية الكرسي).

الآية (35): ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ يدبِّر الأمرَ فيهما ويَهدي أهلهما، فهو سبحانه نورٌ، وحِجابه نور، به استنارت السَّموات والأرض وما فيهما، وكتابُ الله وهدايته نورٌ منه سبحانه.

﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ﴾، وهي الكُوَّة في الحائط غير النَّافذة، ﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾؛ حيث تجمع الكوَّة نورَ المصباح فلا يتفرَّق؛ وذلك ﴿ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾، كأنَّها – لصَفائها – كوكبٌ مضيءٌ كالدُّرِّ، ﴿ يُوقَدُ ﴾ المِصباحُ من زيت ﴿ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾، وهي شجرة الزَّيتون، ﴿ لَا شَرْقِيَّةٍ ﴾ فقط؛ فلا تصيبها الشَّمس آخر النَّهار، ﴿ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾ فقط؛ فلا تصيبها الشمسُ أول النهار، بل هي متوسِّطة في مكانٍ من الأرض لا إلى الشرق ولا إلى الغرب، ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا ﴾؛ لصفائه، ﴿ يُضِيءُ ﴾ مِن نفسه قبل أن تمسَّه النار، فإذا مسَّته النار أضاءَ إضاءةً بليغة، ﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ ﴾، فهو نورٌ من إشراق الزَّيت على نور من إشعال النار.

والله يَهدي ويوفِّق لاتباع القرآن مَن يشاء، ويضرب الأمثالَ للناس؛ ليعقلوا عنه أمثالَه وحِكَمه، ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾؛ لا يَخفى عليه شيء.

En Français:

Verset n° 98: Lorsque tu lis le Coran, demande la protection d’Allah contre le Diable banni.

Verset n° 255: Allah! Point de divinité à part Lui, le Vivant, Celui qui subsiste par lui-même «Al-Qayyûm». Ni somnolence ni sommeil ne Le saisissent. A Lui appartient tout ce qui est dans les cieux et sur la terre. Qui peut intercéder auprès de Lui sans Sa permission? Il connaît leur passé et leur futur. Et, de Sa science, ils n’embrassent que ce qu’Il veut. Son Trône «Kursiy», déborde les cieux et la terre, dont la garde ne Lui coûte aucune peine. Et Il est le Très Haut, le Très Grand.

Verset n° 35: Allah est la Lumière des cieux et de la terre. Sa lumière est semblable à une niche où se trouve une lampe. La lampe est dans un (récipient de) cristal et celui-ci ressemble à un astre de grand éclat; son combustible vient d’un arbre béni: un olivier ni oriental ni occidental dont l’huile semble éclairer sans même que le feu la touche. Lumière sur lumière. Allah guide vers Sa lumière qui Il veut. Allah propose aux hommes des paraboles et Allah est Omniscient.

In English:

Verse No. 98: So when you recite the Qur’an, [first] seek refuge in Allah from Satan, the expelled [from His mercy].

Verse No. 255: Allah – there is no deity except Him, the Ever-Living, the Sustainer of [all] existence. Neither drowsiness overtakes Him nor sleep. To Him belongs whatever is in the heavens and whatever is on the earth. Who is it that can intercede with Him except by His permission? He knows what is [presently] before them and what will be after them, and they encompass not a thing of His knowledge except for what He wills. His Kursi extends over the heavens and the earth, and their preservation tires Him not. And He is the Most High, the Most Great.

Verse No.35: Allah is the Light of the heavens and the earth. The example of His light is like a niche within which is a lamp, the lamp is within glass, the glass as if it were a pearly [white] star lit from [the oil of] a blessed olive tree, neither of the east nor of the west, whose oil would almost glow even if untouched by fire. Light upon light. Allah guides to His light whom He wills. And Allah presents examples for the people, and Allah is Knowing of all things.

——————————————————————————–

[*] أنتوني فلو: أستاذ فلسفة بريطاني، يُعتبر أشرَسَ ملحِدٍ في النِّصف الثاني من القرن العشرين؛ إذ كانت كتاباته بمثابة جدول أعمالِ الملاحدة خِلال تلك الفترة، وعندما جاوز الثمانين من عُمره فاجأ العالَمَ بأنَّه قد أصبح يؤمِن بأنَّ “هناك إلهًا”، وأصدَر عام 2007 كتابًا يَشرح فيه الدوافعَ وراء هذا التحوُّل، التي تتلخَّص فيما أظهرَته الاكتشافاتُ العلميَّة الحديثة مِن تعقيدٍ مُبهر في بِنية ونشأة الكون.