بسم الله الرحمن الرحيم .الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

موضوعنا اليوم هو نص سفر التثنية من اصحاح 33 العدد 2 حيث بجمع النص العبري والترجمات الانجليزية والعربية المختلفة نجد

ב וַיֹּאמַר, יְהוָה מִסִּינַי בָּא וְזָרַח מִשֵּׂעִיר לָמוֹ–הוֹפִיעַ מֵהַר פָּארָן, וְאָתָה מֵרִבְבֹת קֹדֶשׁ; מִימִינוֹ, אשדת (אֵשׁ דָּת) לָמוֹ.
أنت وعشرة آلاف المقدسة
وترجمت العبرية الى الغات منها الانجليزية
And he said, The LORD came from Sinai, and rose up from Seir unto them; he shined forth from mount Paran, and he came with ten thousands of saints: from his right hand went a fiery law for them.
وأتى مع عشرة آلاف من القديسين

أما الترجمات الى اللغة العربية فنجد
الترجمة الكاثوليكية 2-33 فقال: ((أَقبَلَ الرَّبُّ مِن سيناء وأَشْرَقَ لَهم مِن سِعير وسَطَعَ مِن جَبَلِ فاران وأَتى مِن رِبْواتَ قادِش مِن جَنوبِه إِلى المُنحَدَراتِ إِلَيهم.
ترجمة فانديك 2-33 فَقَال: ((جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ وَأَشْرَقَ لهُمْ مِنْ سَعِيرَ وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ وَأَتَى مِنْ رَبَوَاتِ القُدْسِ وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لهُمْ.
ترجمة كتاب الحياة 2-33 فَقَالَ: «أَقْبَلَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَأَلَّقَ فِي جَبَلِ فَارَانَ؛ جَاءَ مُحَاطاً بِعَشَرَاتِ الأُلُوفِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَعَنْ يَمِينِهِ يُوْمِضُ بَرْقٌ عَلَيْهِمْ.
الترجمة المشتركة 2-33 فَقالَ: ((أقبَلَ الرّبُّ مِنْ سيناءَ، وأشرَقَ لهُم مِنْ جبَلِ سَعيرَ، وتَجلَّى مِنْ جبَلِ فارانَ، وأتى مِنْ رُبى القُدسِ وعَنْ يمينِهِ نارٌ مُشتَعِلةٌ.


النصيين بالعبرى اللغة الاصلية للتوراة واللغة الانجليزية تقول انه … وتلألأ من جبل فاران وأتى مع عشرة الاف من القديسين ..هذا النص الذي نحن بصدده يتحدث عن ثلاثة رسالات سماوية بثلاث شرائع إلهية: شريعة سيناء، شريعة سعير، شريعة فاران. فالنص لا يتحدث إلا عن ثلاثة أماكن فقط لكن بمقارنة الترجمات في الترجمة الكاثوليكية العربية نجد : “ربوات قادش”! وفي الترجمة المشتركة: “رُبَى القـُدس” فحرّفوا رِبْوات جمع رِبْوة أي عشرة آلاف، وحوّلوها إلى رُبى جمع رَبوة.. كما ترجموا قدش إلى القـُدس تمويهاً للقارئ لينصرف ذهنه إلى أورشليم…كلّ هذا محاولة منهم ليقولوا إن النص يتحدث عن أربعة أماكن وليس ثلاثة، وبالرجوع إلى النسخ والترجمات القديمة يتضح بطلان هذا القول.

فالحديث عن هذه الأماكن مرتبط بنزول الشريعة الإلهية، ولم يأتِ اعتباطاً. فسيناء تشير إلى الرسالة الموسوية بعد خروج بني إسرائيل من مصر، وذلك بنزول التوراة على موسى في جبل سيناء: “وقال الرب لموسى: اصعد إليَّ إلى الجبل وكُن هناك، فأعطيك لوحَي الحجارة والتوراة والوصية التي كتبتُها لتعليمهم. فقام موسى ويشوع خادمه، وصعد موسى إلى جبل الله .. وحل مجد الرب على جبل سيناء” (خر 24: 12-16).

وعن سعير جبل في أرض يهوذا يشوع 15: 10 بين قرية يعاريم وبيت شمس, وربما كان سلسلة الجبال التي تقع عليها قرية ساريس إلى الجنوب الغربي من قرية يعاريم وإلى الشمال الغربي من أورشليم. ولا زالت آثار الغابات التي كانت تنمو فوقه موجودة إلى اليوم وهو نفس ما تقوله دائرة المعارف اليهودية أيضاً..وإذا كان علماء الكتاب المقدس يرجحون أن يكون جبل سعير هو ساريس، فيمكننا النظر إلى سعير القائمة شمال الخليل، وهي تقع في نطاق أرض حبرون التاريخية

وقد كانت براري اليهودية في ذلك النطاق هي مكان اعتزال المسيح أربعين يوماً بعد رجوعه من عند يوحنا المعمدان ، حيث نزلت عليه الرسالة وانطلق يبشر بالإنجيل: “وللوقتِ أخرجه الروح إلى البرّية، وكان هناك في البرّية أربعين يوماً يُجرّب من الشيطان. وكان مع الوحوش، وصارت الملائكة تخدمه. وبعدما أُسلِم يوحنا، جاء يسوع إلى الجليل يبشّر بإنجيل الله، ويقول: قد كمل الزمان واقتربت مملكة الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل” (مرقس 1: 12-14
فبعد أن رجع المسيح من البرّية التي قضى بها أربعين يوماً كتلك التي قضاها موسى في جبل سيناء، بدأ يبشّر بالإنجيل الذي أنزله الله عليه.
إنه كلام المسيح نفسه! فهكذا صرّح عندما جاء عليه السلام، فقال: “ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليل، حين لا يستطيع أحد أن يعمل. ما دُمتُ في العالم، فأنا نور العالم” (يو 9: 4-5). ولمّا شارفت حياته بينهم على الانقضاء، قال لهم: “النور معكم زماناً قليلاً بعد، فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام” (يو 12: 35.
فاتضح أن نور الصباح المقصود به هو ظهور المسيح بالإنجيل مصداقاً لبشارة موسى بإشراق الرب من سعير لبني إسرائيل، ويظل بني إسرائيل من بعده في ظلمات الليل في انتظار تلألؤ الرب من جبل فاران.

ويتبقى جبل فاران.. فأين جبل فاران هذا؟

لا خلاف على أن فاران هي سُكنى إسماعيل باعتراف التوراة كما في تكوين 21: 21 : “وسكن في برية فاران” . ويبقى التخبّط والتعارض والمغالطة هي سبيل علماء الكتاب المقدس في تحديد موقع فاران هذه! فتراها على بعض الخرائط التي يضعونها في موضع غير الذي تضعها فيه خرائط أخرى؟ فما سرّ هذه التخبطات؟

السبب هو أنهم ظنوا فاران اسم بلد معين في جنوب فلسطين، ولم يُدركوا أن فاران هو اسم أطلقه عرب الشمال على البرّية الشاسعة الممتدة

من العَقـَبة حتى مشارف اليمن بطول البحر الأحمر، وهي التي أطلق عليها العرب المتأخرون فيما بعد اسم الحجاز وتضم سلسلة جبال السراة

الشهيرة والعرب البائدة أطلقت على الحجاز فاران على اسم أحد زعماء العرب العماليق، وهو المسمى فاران بن عمرو بن عمليق بن لود بن سام بن نوح /تاريخ الطبري 1/76. وكانوا يقطنون شمال الحجاز في منطقة العَقبة، وهي التي كانت تسمّى أيلة، وعُرفت في زمان سيدنا إبراهيم بـ إيل فاران) تك 14: 6)، نسبة إلى ذلك الزعيم العماليقي. وقصة العماليق معروفة في كتب التراث العربي وأنهم كانوا أسياد الحجاز شماله وجنوبه.