تفسير قوله تعالى{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]

 

◄ اليهود مغضوب عليهم والنَّصارى ضالون:

شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية بالقاهرة، الطبعة الثانية، الجزء الأول – صـ150. [اخْتُلِفَ فِي {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وَ {الضَّالِّينَ} مَنْ هُمْ، فَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَالضَّالِّينَ النَّصَارَى، وَجَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَقِصَّةِ إِسْلَامِهِ.]

إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790 هـ): الاعْتِصَام، دار ابن الجوزي بالسعودية، الطبعة الأولى، الجزء الأول – صـ242. [ثُمَّ قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، فَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْيَهُودُ، لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ فِيهِمْ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} يَعْنِي الْيَهُودَ. وَالضَّالُّونَ هُمُ النَّصَارَى، لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا فِي الْحُجَّةِ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.]

محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي (ت 1393 هـ): أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، دار الفكر ببيروت، الجزء الأول – صـ9. [وَقَوْلُهُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قَالَ جَمَاهِيرُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} الْيَهُودُ، وَ {الضَّالُّونَ} النَّصَارَى.]

أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 373 هـ): بحر العلوم، دار الفكر ببيروت، الجزء الأول – صـ19. [وقد أجمع المفسرون أن المغضوب عليهم أراد به اليهود، والضالين أراد به النصارى، فإن قيل: أليس النصارى من المغضوب عليهم؟ واليهود أيضاً من الضالين؟ فكيف صرف المغضوب إلى اليهود، وصرف الضالين إلى النصارى؟ قيل له: إنّما عرف ذلك بالخبر واستدلالاً بالآية. فأمّا الخبر، فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلاً سأله وهو بوادي القرى: من المغضوب عليهم؟ قال: اليهود قال: ومن الضالين؟ فقال: النصارى، وأمّا الآية، فلأن الله تعالى قال في قصّة اليهود: {فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90] وقال تعالى في قصّة النَّصارى: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77].]

صدر الدين محمد بن علاء الدين الأذرعي (ت 792 هـ): شرح العقيدة الطحاوية، وزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية، الطبعة الأولى – صـ533، 544. [فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَقُولَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ».]

محمد بن عبد الوهاب النجدي (ت 1206 هـ): ثلاثة الأصول وأدلتها وشروط الصلاة والقواعد الأربع، وزارة الشئون الإسلامية بالسعودية، الطبعة الأولى – صـ34. [{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وهم اليهود، معهم علم ولم يعملوا به، نسأل الله أن يُجنِّبك طريقهم، {وَلَا الضَّالِّينَ} وهم النَّصارى، يعبدون الله على جهل وضلال، نسأل الله أن يُجنِّبك طريقهم.]

بكر بن عبد الله أبو زيد (ت 1429 هـ): الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، دار العاصمة، الطبعة الأولى – صـ50. [وإذا تأمَّلت سِرّ إيجاد الله لخلقه؛ وهو عبادته، كما في قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56]، عرفت ضرورة توحُّد المِلَّة، والدِّين، ووحدة الصِّراط، ولهذا جاء في أُمّ القرآن، فاتحة كتاب الله عزَّ وجلّ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ثمَّ أتبع ذلك بأنَّ اليهود والنَّصارى خارجون عن هذا الصِّراط، فقال سبحانه: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.]

أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي (ت 468 هـ): الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، دار القلم ببيروت، الطبعة الأولى – صـ89. [{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} أَيْ: غير الذين غضبتَ عليهم، وهم اليهود، ومعنى الغضب من الله تعالى: إرادةُ العقوبة {ولا الضَّالين} أَيْ: ولا الذين ضلُّوا، وهم النَّصارى، فكأنَّ المسلمين سألوا الله تعالى أن يهديهم طريق الذين أنعم عليهم، ولم يغضب عليهم كما غضب على اليهود، ولم يضلُّوا عن الحقِّ كما ضلَّت النَّصارى.]

أبو القاسم محمد بن أحمد ابن جزي الكلبي (ت 741 هـ): التسهيل لعلوم التنزيل، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ببيروت، الطبعة الأولى، الجزء الأول – صـ66. [{الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} اليهود، و {الضَّالِّينَ}: النَّصارى، قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: ذلك عامٌّ في كلّ مغضوب عليه، وكلّ ضال، والأول أرجح.]

◄ صُنُوف النّاس عند الله ثلاثة:

فخر الدين أبو عبد الله محمد الرازي (ت 606 هـ): مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي ببيروت، الطبعة الثالثة، الجزء الأول – صـ 223. [الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ ثَلَاثُ فِرَقٍ: أَهْلُ الطَّاعَةِ، وَإِلَيْهِمُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، وَأَهْلُ الْمَعْصِيَةِ، وَإِلَيْهِمُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، وَأَهْلُ الْجَهْلِ فِي دِينِ اللَّهِ وَالْكُفْرِ، وَإِلَيْهِمُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: {وَلَا الضَّالِّينَ}.]

دروزة محمد عزت: التفسير الحديث، دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة، الجزء الأول – صـ307. [يتبادر لنا، والله أعلم، أنَّ جملة {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} في أولى سور القرآن، قد تضمَّنت التَّنبيه على أنَّ صُنُوف النّاس عند الله ثلاثة، صنف أنعم الله عليه، فاهتدى وسار على طريقه المستقيم. وصنف انحرف عن هذا الطريق عن عِلْم ومَكْر واستكبار، فاستحق غضب الله. وصِنْف انحرف عن هذا الطريق ضلالاً بغير علم وبيِّنة، ثمَّ ظلَّ مُنحرفاً دون أن يهتدي بما أنزل الله على رُسُله، فلزمته صِفة الضلالة. والتصنيف رائع جليل شامل.]

◄ العَمَل بالعِلْم والعِبادة بالدَّليل:

محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ): تقريب التَّدمرية، دار ابن الجوزي بالسعودية، الطبعة الأولى – صـ137، 138. [وقد أمرنا الله تعالى أن نقول في صلاتنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، فالمغضوب عليهم كاليهود، عرفوا الحق فلم يتبعوه، والضالون كالنَّصارى، عبدوا الله بغير علم.]

سفر بن عبد الرحمن الحوالي: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي، دار الكلمة، الطبعة الأولى – صـ79. [وقد أمرنا اللهُ سُبحانه وتعالى أن نسأله في صلاتنا أن يهدينا صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضّالين. ولهذا كان النَّصارى أخصّ بالضَّلال لأنَّهم أُمَّة جهل، واليهود أخص بالغضب لأنَّهم أُمَّة عناد، وهذه الأمة هم المنعم عليهم.]

صالح بن عبد العزيز آل الشيخ: التَّمهيد لشرح كتاب التوحيد، دار التوحيد، الطبعة الأولى – صـ290. [وإنَّما أقسم -عليه الصَّلاة والسَّلام – ليؤكِّد هذا الأمر تأكيداً عظيماً، وأنَّ هذه الأُمَّة ستِّتبع- لا محالة- طريق وسبيل من كان قبلها من الأُمَم، وهذا تحذير لأنَّ الأُمَم السّالِفة، إمَّا أن يكونوا من أهل الكتاب اليهود والنَّصارى، وهؤلاء قد وصفهم الله- جل وعلا- بأنَّهم مغضوب عليهم وضالون، فإذا اتَّبعت هذه الأُمَّة سبيلهم، فمعنى ذلك أنَّها تعرَّضت للغضب واللَّعنة، وقد وُجِدَ في هذه الأُمَّة من سَلَكَ سبيل اليهود، ومن سَلَكَ سبيل النَّصارى؛ ولهذا قال بعض السَّلف: «من فَسَدَ من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبّادنا ففيه شبه من النَّصارى»؛ لأنَّ اليهود خالفوا على عِلْم، والنَّصارى خالفت على ضلالة، وقد قال جلّ وعلا: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، والمغضوب عليهم هم اليهود، والضّالون هم النَّصارى، كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم.]

صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان: إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، الجزء الأول – صـ287. [واليهود: الأُمَّة المغضوب عليها، والنَّصارى: الأُمَّة الضّالة. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، المغضوب عليهم: اليهود، ومن اقتدى بهم من هذه الأُمَّة، ممن علم ولم يعمل بعلمه، والضّالون هم: النَّصارى الذين يعبدون الله على غير عِلْم، بل بالبدع والمحدثات والخرافات من النصارى وكل من اقتدى بهم.]

صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان: شرح مسائل الجاهلية لمحمد بن عبد الوهاب، دار العاصمة بالرياض، الطبعة الأولى – صـ76. [والله جلَّ وعلا أمرنا في كلّ ركعة في الصَّلاة أن نقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، وهم أهل العِلْم والعَمَل، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، وهم أهل العِلْم بدون العَمَل، وهم فسقة العلماء، {وَلا الضَّالِّينَ} الرُّهبان من النَّصارى وغيرهم، الذين يعبدون الله على غير دليل، على غير بُرهان، وإنَّما يعبدون الله بالبِدَع والمُحدثات والخُرافات. والله نهانا عن العلماء الفسقة، والعُبّاد الضّالين، وأمرنا أن نأخذ الحق بدليله، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.]

محمد بن عبد الوهاب النجدي (ت 1206 هـ): تفسير آيات من القرآن الكريم، جمعة الإمام محمد بن سعود بالرياض – صـ18. [{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، فالمغضوب عليهم هم العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم، والضّالون العاملون بلا عِلْم، فالأول صِفة اليهود، والثاني صِفة النَّصارى، وكثير من الناس إذا رأى في التَّفسير أنَّ اليهود مغضوب عليهم وأنَّ النصارى ضالون، ظنَّ الجاهل أن ذلك مخصوص بهم، وهو يُقِرّ أنَّ ربَّه فارضٌ عليه أن يدعو بهذا الدُّعاء، ويتعوَّذ من طريق أهل هذه الصِّفات، فيا سُبحان الله، كيف يُعلِّمه الله ويختار له، ويفرض عليه أن يدعو به دائماً، مع ظنِّه أنَّه لا حذر عليه منه، ولا يتصوَّر أنَّه يفعله، هذا من ظنّ السُّوء بالله.]

أبو العباس أحمد بن محمد بن عجيبة الصوفي (ت 1224 هـ): البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، الدكتور حسن عباس زكي بالقاهرة، الجزء الأول – صـ66. [{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} أي: غير طريق الذين غضبت عليهم، فلا تهدنا إليها، ولا تسلك بنا سبيلها، بل سلَّمنَا من مواردها. والمراد بهم: اليهود، كذا فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، ويَصْدُقُ بحسب العموم على كل من غضب الله عليهم، {وَلَا الضَّالِّينَ} أي: ولا طريق الضالين، أي: التالفين عن الحق، وهم النَّصارى كما قال صلى الله عليه وسلم. والتَّفسيران مأخوذان من كتاب الله تعالى. قال تعالى في شأن اليهود: {فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}، وقال في حق النَّصارى: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ}.]

عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ): تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى – صـ39. [{الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} الذين عرفوا الحق وتركوه، كاليهود ونحوهم. وغير صراط {الضَّالِّينَ} الذين تركوا الحق على جهل وضلال، كالنَّصارى ونحوهم.]

محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ): تفسير الفاتحة والبقرة، دار ابن الجوزي بالسعودية، الطبعة الأولى – صـ17. [قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم}: هم اليهود، وكل من عَلِمَ بالحق ولم يعمل به. قوله تعالى: {ولا الضالين}: هم النَّصارى قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من عَمِلَ بغير الحق جاهلاً به.]

عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ): تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، وزارة الشئون الإسلامية بالسعودية، الطبعة الأولى – صـ12. [{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] بالنِّعمة التّامَّة المُتَّصِلة بالسَّعادة الأبدية، وهُم الأنبياء والصِّديقون والشُّهداء والصّالحون، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] وهُم الذين عرفوا الحق وتركوه، كاليهود ونحوهم، {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] الذين ضلّوا عن الحق، كالنَّصارى ونحوهم.]

محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت 1393 هـ):التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، الجزء الأول – صـ748. [فالمغضوب عَلَيْهِم: جنس للْفِرَق الَّتِي تَعَمّدت ذَلِك، واستخفت بالدِّيانة عَن عَمْد أَو تَأْوِيل بعيد جداً، والضّالون: جنس للْفِرَق الَّتِي أَخْطَأت الدَّين عَن سوء فهم وَقلة إصغاء، وكلا الْفَرِيقَيْنِ مَذْمُوم، لأنَّنا مأمورون بِاتِّبَاع سَبِيل الْحق وَصرف الْجهد إِلَى إِصَابَته، وَالْيَهُود من الْفَرِيق الأول، وَالنَّصَارَى من الْفَرِيق الثَّانِي، وَمَا ورد فِي الْأَثر مِمَّا ظَاهره تَفْسِير {المغضوب عَلَيْهِم} باليهود، و {الضَّالّين} بالنصارى، فَهُوَ إِشَارَة إِلَى أَنَّ فِي الْآيَة تعريضًا بِهَاذَيْن الْفَرِيقَيْنِ اللَّذين حق عَلَيْهِمَا هَذَانِ الوصفان، لِأَن كلا مِنْهُمَا صَار عَلَماً فِيمَا أُرِيد التَّعْرِيض بِهِ فِيهِ.]

محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي (ت 1393 هـ): أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، دار الفكر ببيروت، الجزء الأول – صـ9. [وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَإِنْ كَانُوا ضَالِّينَ جَمِيعًا، مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَإِنَّ الْغَضَبَ إِنَّمَا خُصَّ بِهِ الْيَهُودُ، وَإِنْ شَارَكَهُمُ النَّصَارَى فِيهِ; لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَيُنْكِرُونَهُ، وَيَأْتُونَ الْبَاطِلَ عَمْدًا، فَكَانَ الْغَضَبُ أَخَصَّ صِفَاتِهِمْ. وَالنَّصَارَى جَهَلَةٌ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ، فَكَانَ الضَّلَالُ أَخَصَّ صِفَاتِهِمْ.]

محمد محمد عبد اللطيف بن الخطيب (ت 1402هـ): أوضح التفاسير، المطبعة المصرية ومكتبتها، الطبعة السادسة – صـ2، 3. [{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أي طريق الذين أنعمت عليهم بالهداية والاصطفاء كالنبيين، والصديقين، وخواص المؤمنين {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} وهم العصاة؛ الذين جعلوا إلههم هواهم، واشتروا دنياهم بأخراهم، ولم يبالوا بغضب مولاهم؛ فارتكبوا الذنوب وهم بها عالمون، ولعاقبتها مقدرون. وقيل: هم اليهود، {وَلاَ الضَّآلِّينَ} وهم الذين يرتكبون الذنوب حال كونهم غير عالمين بجرمها، ولا بمبلغ إثمها. وقيل: هم النصارى. ولا يخفى أن اليهود: مغضوب عليهم وضالون، وأن النصارى: ضالون ومغضوب عليهم.]

محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ): تفسير الشعراوي (الخواطر)، مطابع أخبار اليوم، الجزء الأول – صـ89. [وقوله تعالى: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} أي غير الذين غضبت عليهم يا رب من الذين عصوا. ومنعت عنهم هداية الإعانة، الذين عرفوا المنهج فخالفوه، وارتكبوا كلّ ما حرَّمه الله، فاستحقوا غضبه. ومعنى {غير المغضوب عَلَيْهِم} أي: يا رب لا تُيسِّر لنا الطريق الذي نستحق به غضبك. كما استحقَّه أولئك الذين غيَّروا وبدَّلوا في منهج الله، ليأخذوا سُلطة زمنية في الحياة الدنيا، وليأكلوا أموال الناس بالباطل. وقد وردت كلمة {المغضوب عَلَيْهِم} في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير وَعَبَدَ الطاغوت أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السبيل} [المائدة: 60] وهذه الآيات نزلت في بني إسرائيل.]

◄ تعليق على تفسير الرازي رحمه الله:

فخر الدين أبو عبد الله محمد الرازي (ت 606 هـ): مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي ببيروت، الطبعة الثالثة، الجزء الأول – صـ 222، 223. [الْفَائِدَةُ الْأُولَى: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ هُمُ الْيَهُودُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [الْمَائِدَةِ: 60]، {وَالضَّالِّينَ}: هُمُ النَّصَارَى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} [الْمَائِدَةِ: 77] وَقِيلَ: هَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ مُنْكِرِي الصَّانِعِ وَالْمُشْرِكِينَ أَخْبَثُ دِينًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَكَانَ الِاحْتِرَازُ عَنْ دِينِهِمْ أَوْلَى، بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخْطَأَ فِي الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَهُمُ الْفُسَّاقُ، وَيُحْمَلُ الضَّالُّونَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخْطَأَ فِي الِاعْتِقَادِ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَالتَّقْيِيدُ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْكُفَّارُ، وَالضَّالُّونَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ الْكُفَّارِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الْبَقَرَةِ: 6] ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا} [الْبَقَرَةِ: 8] فَكَذَا هاهُنا بَدَأَ بِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَا الضَّالِّينَ}.]

محمد رشيد بن علي رضا الحسيني (ت 1354 هـ): تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجزء الأول – صـ57. [وَأَمَّا وَصْفُهُ تَعَالَى الَّذِينَ أُنْعِمَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فَالْمُخْتَارُ فِيهِ أَنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ هُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِهِ، وَالَّذِينَ بَلَغَهُمْ شَرْعُ اللهِ وَدِينُهُ فَرَفَضُوهُ وَلَمْ يَتَقَبَّلُوهُ، انْصِرَافًا عَنِ الدَّلِيلِ، وَرِضَاءً بِمَا وَرِثُوهُ مِنَ الْقِيلِ، وَوُقُوفًا عِنْدَ التَّقْلِيدِ، وَعُكُوفًا عَلَى هَوًى غَيْرِ رَشِيدٍ.]

◄ فوائد:

أبو العباس أحمد بن محمد بن عجيبة الصوفي (ت 1224 هـ): البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، الدكتور حسن عباس زكي بالقاهرة، الجزء الأول – صـ67. [وقال بعضهم: اهدنا، أي: ثبِّتْنا على الطريق الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام، وهو الطَّريق المستقيم والمنهاج القويم، {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أي: منازل الذين أنعمت عليهم بالمعرفة والمحبة وحُسن الأدب في الخدمة. ثم قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} يعني: المطرودين عن باب العبودية، {وَلَا الضَّالِّينَ} يعني المُفْلِسين عن نفائس المعرفة.]

فخر الدين أبو عبد الله محمد الرازي (ت 606 هـ): مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي ببيروت، الطبعة الثالثة، الجزء الأول – صـ 224. [الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَغْضُوبًا عَلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فَمَا الْفَائِدَةُ فِي أَنْ ذَكَرَ عَقِيبَهُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ؟ وَالْجَوَابُ: الْإِيمَانُ إِنَّمَا يَكْمُلُ بِالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ.]

فخر الدين أبو عبد الله محمد الرازي (ت 606 هـ): مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي ببيروت، الطبعة الثالثة، الجزء الأول – صـ 224. [الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ آخَرُ، مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْمَقْبُولِينَ طَائِفَةً وَاحِدَةً، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَالْمَرْدُودِينَ فَرِيقَيْنِ: الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَالضَّالِّينَ ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الَّذِينَ كَمُلَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ هُمُ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ لِذَاتِهِ، وَالْخَيْرِ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، فَإِنِ اخْتَلَّ قَيْدُ الْعَمَلِ، فَهُمُ الْفَسَقَةُ، وَهُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النِّسَاءِ: 93]، وَإِنِ اخْتَلَّ قَيْدُ الْعِلْمِ، فَهُمُ الضَّالُّونَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يُونُسَ: 32]]

محمد جمال الدين بن محمد القاسمي (ت 1332 هـ): محاسن التأويل، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى، الجزء الأول – صـ350. [وقد قدمنا في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} أنَّ الغضب صِفة وَصَفَ الله تعالى نفسَه بها، وليس غضبه كغضبنا، كما أنَّ ذاته ليست مثل ذواتنا، فليس هو مُماثلاً لأبداننا ولا لأرواحنا، وصفاته كذاته. وما قيل: إنَّ الغضب من الانفعالات النَّفسانية، فيُقال: نحن وذواتنا مُنفعلة، فكونها انفعالات فينا، لا يجب أن يكون الله مُنفعلاً بها. كما أن نفسه المُقدَّسة ليست مثل ذوات المخلوقين، فصفاته كذلك ليست كصفات المخلوقين.]

محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ): تفسير الشعراوي (الخواطر)، مطابع أخبار اليوم، الجزء الأول – صـ90. [وقول الله تعالى: {ولا الضالين}، هُناك الضّال والمُضِلّ. الضّال هو الذي ضلَّ الطَّريق، فاتَّخذ منهجاً غير منهج الله، ومشى في الضَّلالة بعيداً عن الهُدَى وعن دين الله، ويُقال: ضلَّ الطَّريق، أي مَشَى فيه وهو لا يعرف السَّبيل إلى ما يُريد أن يصل إليه. أي أنَّه تاه في الدُّنيا، فأصبح وليًّا للشَّيطان، وابتعد عن طريق الله المُستقيم. هذا هو الضّال. ولكن المُضِل هو من لم يكتف بأنَّه ابتعد عن منهج الله، وسار في الحياة على غير هُدَى، بل يُحاول أن يأخذ غيره إلى الضَّلالة، يُغري الناس بالكُفر، وعدم اتِّباع المنهج، والبُعد عن طريق الله. وكل واحد من العاصين يأتي يوم القيامة يحمل ذنوبه، إلَّا المُضِل فإنَّه يحمل ذنوبه وذنوب من أضلَّهم، مِصْداقاً لقوله سُبحانه: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25]. أي أنَّك وأنت تقرأ الفاتحة، فإنَّك تستعيذ بالله أن تكون من الذين ضلّوا، ولكن الحق سُبحانه وتعالى لم يأتِ هُنا بالمُضلِّين، نقول إنَّك لكي تكون مُضِلاً لابد أن تكون ضالاً أولاً، فالاستعاذة من الضَّلال هُنا تشمل الاثنين، لأنَّك ما دُمت قد استعذت من أن تكون ضالاً فلن تكون مُضِلاً أبداً.]

محمد أبو زهرة (ت 1394 هـ): زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، الجزء الأول – صـ70، 71. [{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، المغضوب عليهم هُم الذين ينزل عليهم غضب الله، ووراء غضبه عذابه، إلا أن يتغمَّدهم الله برحمته فيتوبوا، والتَّوبة تجبُّ ما قبلها، وبذلك لَا يكونون من المغضوب عليهم، بل ينخلعون منهم، وإنَّما الأعمال بخواتيمها، وإنَّما المغضوب عليهم هم من انتهوا إلى ألَّا يتوبوا، وألَّا ينتهوا عمّا يوجب غضب الله تعالى. والذين ينطبق عليهم غضب الله تعالى لدوام شرِّهم، وبقاء فسادهم حتى يلقوا ربهم، وهم على هذه الحال: الكافرون، سواء أكانوا وثنيين، وكثير ما هم في الماضي والحاضر، أم كانوا من الذين أوتوا الكتاب، كاليهود لعنهم الله، ونصارى بولس الذين يعبدون المسيح، وهو بريء منهم، هؤلاء هم المغضوب عليهم، ولا ريب في نُزُول غضب الله تعالى بهم إلى يوم القيامة {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم}. والضّالون، قال بعض العلماء: إنَّهم النَّصارى، لقوله تعالى: {قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ}، وإنَّه لينطبق عليهم بلا ريب وصف الضّالين؛ لأنَّهم عند تخلِّيهم عن مبادئ المسيح أضلَّهم بولس وأشباهه، فضلّوا، ثمَّ أضلّوا غيرهم من بعدهم، وكفروا بما جاء به المسيح، وضلّوا ضلالاً بعيداً، وكفروا، ولا يزالون يتيهون في أوهامهم، كما توهَّموا وأوهموا فيما سمّوه رؤية العذراء، وكذبوا وافتروا، وحاولوا الإضلال كثيراً. ومع انطباق الضَّلال والتَّضليل عليهم، أولى بهم ثمَّ أولى أن يكونوا ممَّن غضب اللهُ تعالى عليهم، فغضب الله تعالى يحيط بهم من كل جانب؛ ولذلك نرى أن يدخلوا فيمن غضب الله تعالى عليه، ويصح أن نقول: إن فيهم الأمرين.]

تقي الدين أبو العباس أحمد بن ابن تيمية (ت 728 هـ): الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، دار العاصمة بالسعودية، الطبعة الثانية، الجزء الثالث – صـ102، 103. [وَالْمُسْلِمُونَ جَمَعُوا بَيْنَ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، بَيْنَ الزَّكَا وَالذَّكَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، فَالْهُدَى يَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ النَّافِعَ، وَدِينُ الْحَقِّ يَتَضَمَّنُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَالظُّهُورُ يَكُونُ بِالْعِلْمِ وَاللِّسَانِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ حَقٌّ وَهُدًى، وَيَكُونُ بِالْيَدِ وَالسِّلَاحِ لِيَكُونَ مَنْصُورًا مُؤَيَّدًا، وَاللَّهُ أَظْهَرُهُ هَذَا الظُّهُورَ فَهُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ، كَالْيَهُودِ، وَلَا الضَّالِّينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيَعْبُدُونَ وَيَزْهَدُونَ بِلَا عِلْمٍ كَالنَّصَارَى.]

تقي الدين أبو العباس أحمد بن ابن تيمية (ت 728 هـ): العبودية، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة السابعة المجددة – صـ149-151. [وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عَبَّاس: «إِذا سَأَلت فاسأل الله، وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه»، وَالْقُرْآن يدُل على مثل هَذَا فِي غير مَوضِع. فَجعل الْعِبَادَة والخشية وَالتَّقوى لله، وَجعل الطَّاعَة والمحبة لله وَرَسُوله، كَمَا فِي قَول نوح عَلَيْهِ السَّلَام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح : 3]، وَقَوله: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور : 52]، وأمثال ذَلِك. فالرُّسُل أُمروا بِعِبَادَتِهِ وَحده، وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ، والتَّوكُّل عَلَيْهِ، وطاعته، وَالطَّاعَة لَهُم، فأضلّ الشَّيْطَان النَّصَارَى وأشباههم، فأشركوا بِاللَّه وعصوا الرَّسُول، فـ {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله والمسيح ابْن مَرْيَم}، فَجعلُوا يرغبون إِلَيْهِم، ويتوكَّلون عَلَيْهِم، يَسْأَلُونَهُمْ مَعَ معصيتهم لأمرهم ومخالفتهم لسنَّتهم. وَهدى اللهُ الْمُؤمنِينَ المخلصين لله، أهل الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، الَّذين عرفُوا الْحق واتَّبعوه، فَلم يَكُونُوا من المغضوب عَلَيْهِم، وَلَا الضَّالّين، فأخلصوا دينهم لله، وَأَسْلمُوا وُجُوههم لله، وأنابوا إِلَى رَبهم، وأحبّوه، ورجوه، وخافوه، وسألوه، وَرَغبُوا إِلَيْهِ، وفوَّضوا أُمُورهم إِلَيْهِ، وتوكَّلوا عَلَيْهِ، وأطاعوا رُسُله، وعزَّروهم، ووقَّروهم، وأحبّوهم، ووالوهم، واتَّبعوهم، واقتفوا آثَارهم، واهتدوا بمنارهم. وَذَلِكَ هُوَ دين الْإِسْلَام الَّذِي بعث اللهُ بِهِ الْأَوَّلين والآخرين من الرُّسُل، وَهُوَ الدَّين الَّذِي لَا يقبل اللهُ من أحدٍ ديناً إِلَّا إِيَّاه، وَهُوَ حَقِيقَة الْعِبَادَة لرب الْعَالمين. فنسأل الله الْعَظِيم أَن يُثبِّتنا عَلَيْهِ، ويُكمِّله لنا، ويُميتنا عَلَيْهِ، وَسَائِر إِخْوَاننَا الْمُسلمين. وَالْحَمْد لله وَحده، وَصلَّى اللهُ على سيدنَا مُحَمَّد، وَآله وَصَحبه وَسلِّم.]

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات