تُعرف قارة إفريقيا بالقارة المسلمة، إذ عرفت الإسلام بعد خمس سنوات فقط من البعثة النبوية، وقبل الهجرة إلى المدينة المنورة بنحو ثمان سنوات، حيث هاجر الصحابة – رضوان الله عليهم – هجرتهم الأولى إلى الحبشة في العام الخامس للبعثة النبوية، ثم امتدت الفتوحات إلى مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم جنوبًا إلى السودان وغربًا إلى شمال إفريقيا.

وبمرور الوقت انتشر نور الإسلام في أرجاء القارة عن طريق القوافل  التجارية عبر ممرات الصحراء كما انتشر عن طريق المرابطين وعبر الممالك الإسلامية التي ظهرت في إفريقيا مثل إمبراطورية سونغاي وغانا ومالي في غرب القارة التي شهدت قيام مجتمعات إسلامية مزدهرة ثقافيا وعلميا لقرون عديدة، إضافة إلى ممالك «كانم» وما جاورها في إقليم بحيرة تشاد، كما انطلق التجار المسلمون من مصر عبر البحر الأحمر إلى الصومال ثم توغلوا في شرق إفريقيا ووسطها بمساعدة التجار القادمين من جزيرة العرب.

غير أنه في القرون المتأخرة، عرفت القارة ظاهرة جديدة عليها تُعرف بالتنصير، وهي حركة دينية سياسية استعمارية، بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بُغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة، لاسيما في إفريقيا، بهدف تنصير المسلمين وغيرهم، وأطلق على هذا النوع من النشاط تسميات (التنصير، التبشير، الاستشراق، التكريز).

ومنذ القرن الخامس عشر تحديدا، وخلال الاكتشافات البرتغالية دخل المنصرون الكاثوليك إلى إفريقيا، وبعد ذلك ترددت الإرساليات التنصيرية البروتستانتية من بريطانيا وفرنسا وألمانيا على الدول الإفريقية، مستخدمين في ذلك وسائل ناعمة حينا وقسرية أحيانا، وتتستر كثيرا بغطاء إنساني أو إغاثي أو تعليمي أو حقوقي أو غيرها من الخدمات العامة التي تتسلل من خلالها إلى الشعوب.

وبعد الغزو العسكري الاستعماري لإفريقيا في القرنين التاسع عشر والعشرين اتجه الغربيون للغزو الفكري والثقافي والإعلامي، وأصبح الفاتيكان يعتمد على الغزو العسكري والفكري ليمهد له الطريق أولًا، ثم تدخل الكنائس لتجد الجو مهيئًا لها للعمل وسط الفقراء؛ ولذا نظم «بابا الفاتيكان جون بول الثاني» زيارة لإفريقيا في مايو 1980م من زائير (الكونغو الديمقراطية حاليًا) والكونغو ثم كينيا وغانا وبوركينا فاسو وساحل العاج قائلًا: «إنني أرجو أن يكون بحلول عام 2000م قد تنصرت إفريقيا جميعها».

سبب تركيز جهود التنصير على إفريقيا

لم يأت اهتمام المنصّرين بإفريقيا من فراغ؛ فهي القارة الوحيدة التي يمكن تسميتها بالقارة المسلمة من بين قارات العالم، وكل شيء يشير إلى أن الإسلام هو دين المستقبل في هذه القارة، وأنها قارة المستقبل للإسلام.

كما أن حاضر القارة يشهد واقعًا إسلاميًا ملموسًا تنطق به حقائق عديدة، منها أن قرابة 70% من المجتمع العربي المسلم في إفريقيا، وأن 75 % من الأراضي العربية الإسلامية موجودة في هذه القارة، وأكثر من 60% من مجموع سكان إفريقيا مسلمون، فيما تشهد الدعوة الإسلامية صدى وتجاوبًا واسعا لدى الأفارقة.

 أسماء وتواريخ في مسيرة النشاط التنصيري بإفريقيا

  • من أوائل قادة حملات التنصير هو الإسباني «ريمون لول» في القرن السادس عشر، الذي تعلم اللغة العربية، وجال في بلاد المسلمين ليدرك نقاط ضعفهم بحثا عن وسائل إغرائهم وإغوائهم.
  • ثم جاء من بعده الألماني «بيتر هلينج» الذي احتك بالمسلمين في سواحل إفريقية، وتنصر على يديه سنة 1721 م عشرات الآلاف من الأفارقة.
  • وفي عام (1795) م، تأسَّست جمعية لندن التبشيرية، وتبعتها أخريات في اسكوتلاندا ونيويورك وألمانيا وغيرها من البلدان الأوربية، وأنشأوا العديد من الجمعيات الطبية والإغاثية وتحركوا تحت لافتاتها بين المجتمعات الإفريقية.
  • وفي عام 1804 بدأت الكنيسة البروتستانتية بتركيز اهتمامها على نشر مخططات التنصير في غرب إفريقيا وبدأت بمنطقة النيجر.
  • صموئيل زويمر: رئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط والخليج، كان يتولَّى إدارة مجلة أسماها بـ «العالم الإسلامي» وأنشأها سنة 1911 م، ومنذ عام (1894) م, قدَّمت له الكنيسة الأمريكية دعمها الكامل. وكان يقول إن قارة إفريقيا «يوجد فيها مجال فسيح للتبشير وفيها أراضٍ خصبة لم تنتشر فيها المسيحية بعد».
  • كنيث كراج: خلف صموئيل زويمر على رئاسة مجلة العالم الإسلامي، وقام بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لفترة من الوقت.
  • «جمعية تبشير شمال إفريقيا»، قامت بمحاولات نشر التنصير في الجزائر وتونس والمغرب، وبدأوا عملهم في الجزائر عام 1846م.
  • لويس ماسينيون: قام على رعاية التنصير في مصر، والعجيب أنه تولى عضوية مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما شغل منصب مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال إفريقيا.

التنصير في الجزائر

أما بلاد المغرب فأولاها المنصرون اهتماما خاصا، وكرسوا لها منصرين مختارين بعناية ترسلهم «جمعية تبشير شمال إفريقيا»، ومنهم أطباء تابعين لها.

ورغم عزل الكنيسة عن الساحة السياسية في أوروبا بالتزامن مع الحملة الفرنسية، إلا أن الكنيسة كانت من أكبر المؤيدين والمشاركين في الغزو الفرنسي للجزائر بقيادة «شارل العاشر» (1245هـ/ 1830م)، واتصفت عملية الغزو هذه بالتعصب الديني من قبل فرنسا، حيث حمل الرهبان الصليب وأصبحوا جنودا في الحملة.

ومنذ الوهلة الأولى لنزول الفرنسيين للجزائر نقضوا معاهدة الاستسلام التي وقعها معهم الداي حسين، ولم يمض شهران فقط على هذا التعهد الغادر حتى أصدر «دوبرمون» مرسومًا يوم 8 سبتمبر 1830م يقضي بمصادرة الأوقاف الإسلامية والاستيلاء عليها.

وبعد ذلك أخذت القوات الفرنسية بدعم من الكنيسة إجراءات قمعية شتى في الحرب على الدين واللغة والتاريخ، حيث حولوا بعض المساجد إلى كنائس، منها مسجد كتشاوة ومسجد السيدة، وعندما قام الجنرال روفيغو بهدم مسجد كتشاوة بالعاصمة بعد أن ذبح وقتل فيه من المصلين ما يفوق أربعة آلاف مسلم قائم يصلي، علق الجنرال روفيغو على الحدث بقوله: إني فخور بهذه النتائج، فلأول مرة تثبت الكنسية في بلاد البربر.

وبعد مرور أقل من 15 سنة من الاحتلال الفرنسي، تأسست الجمعية الأدبية الدينية للقس أوغسطين عام 1844م وكان من أهدافها تنصير المسلمين ومواجهة التأثير الإسلامي على بعض الأوروبيين عن طريق نشر كتابات أوغسطين والقس سبريان.

وأكثر من ذلك، استغل المنصرون تردي أحوال المجتمع الجزائري تحت الاحتلال، فقام القس بريمولت بإنشاء مركز للأطفال المشردين في «بوفاريك» وآخر في «ابن عكنون» سنة 1843م وبلغ عدد الأطفال بمركز «ابن عكنون» 317 طفلًا فقيرًا ويتيمًا. ونتيجة لإهمال الخدمات الصحية، حلّ مرض الكوليرا على الشعب الجزائري وحلّت مع المرض الإرساليات التنصيرية وعلى رأسها «البارون أوغسطين دوفيالار» الذي كانت له جهود واسعة في تقديم فرنسا المسيحية تحت لافتة الأعمال الخيرية المقدمة إلى مسلمي الجزائر.

كاتدرائية كاثوليكية تُعرف بالسيدة الإفريقية موجودة في الجزائر العاصمة، بناها الاستعمار الفرنسيّ سنة 1872

كاتدرائية كاثوليكية تُعرف بالسيدة الإفريقية موجودة في الجزائر العاصمة، بناها الاستعمار الفرنسيّ سنة 1872

كما كان الأسقف ديبيش متحمسًا لإحياء الكنيسة الإفريقية، ورسم لذلك خطة تعتمد على بندين: العمل الخيري من جهة وإثارة العنصرية والنعرات من جهة أخرى. وعبر عن ذلك بقوله: يجب أن تكون رسالتنا بين الأهالي، وينبغي علينا أن نعرفهم بالمسيحية من خلال الخدمات الخيرية. واستغل، كما هو عادة المنصرين، حالة الفقر التي يعيشها جل الشعب الجزائري تحت الاحتلال الفرنسي.

ومن بين هذه الجهود، ما قام به الكاردينال الفرنسي «شارل مارسال ألمان لافيجري» من جهود جبارة في تنصير الأطفال الجياع وعندما فشل في تحقيق هدفه صرح: «يجب إنقاذ هذا الشعب، وينبغي الإعراض عن هفوات الماضي، ولا يمكن أن يبقى محصورًا في قرآنه.. يجب أن تسمح فرنسا بأن يقدم له الإنجيل، أو تطرده إلى الصحاري بعيدًا عن العالم المتمدن».

ثم قام بإنشاء فرقة خطيرة كان لها دور أسود في تاريخ الجزائر تسمى «فرقة الآباء البيض» سنة 1869م وهذه الفرقة هي التي ستأخذ على عاتقها مهمة تنصير الجزائر أولًا، ثم تونس والمغرب ثانيًا، ثم إفريقيا أخيرًا، وإعادة أمجاد الكنيسة الإفريقية!!!

وبموازاة ذلك أسس حركة الأخوات البيض التي حمّلها مسؤولية تنصير النساء عن طريق التطبيب والتعليم والخدمات الخيرية. (المصدر: كتاب «الصحراء الكبرى وشاطئها» لمؤلفه إسماعيل العربي، طبعة المؤسسة الوطنية للكتاب، عام 1983، ص 110)

التنصير في تونس

وبعد ذلك انتقل «لافيجري» إلى تونس ليضع أسس كاتدرائية تونس سنة 1884 ، ومن يومها وجد المنصرون في تونس ساحة يرتعون فيها في ظل الاحتلال الفرنسي، وبعد الاستقلال في مارس 1956، لم يعد للأقليَّة المسيحية وجود يُذكَر، بعد أن غادر المستوطنون الأروبيون المنطقة.

غير أن نشاط الوافدين الأجانب من أجل التنصير عاد مجددا بعد ذلك شيئا فشيئا حتى زاد عدد المسيحيين في أعقاب نقل مكاتب «البنك الإفريقي للتنمية» إلى تونس مؤقتا من أبيدجان في سنة 2003، وشكل مجيء أعداد كبيرة من الأفارقة المعتنقين للدِّين المسيحي مناسَبةً لمعاودة تنشيط الكنائس، التي كانت مغلقة في العاصمة التونسية.

وفي ذلك الوقت، استغلَّت الكنائس المسيحية سعْيَ نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي للظهور أمام الاتحاد الأروبي بمظهر المسؤول الذي يَحترم الحريات الدينية لتُعيد انتشارها في البلاد وتبدأ بحملات تنصيرية أثارت انتباه المُراقبين؛ لما تشكِّله من تهديد فعلي لوحدة تونس الدينية؛ فالمعروف أن القطر التونسي هو في مجمله بلد مسلم سنيٌّ يغلب عليه المذهب المالكي.

التنصير في مالي

انطلقت حركة التنصير باتجاه منطقة القبائل ووسط إفريقيا منذ إنشاء الكاردينال لافيجري ما يسمى بفرقة الآباء البيض، وكان تأمين الصحراء وفتح الطريق أمام المنصرين من الذين يقصدون بلاد جنوب الصحراء ووسط إفريقيا من الأهداف الأساسية التي تعاونت الكنيسة والسلطة الاستعمارية من أجل تنفيذها.

ففي سنة 1876 أرسلت الكنيسة ثلاثة من المنصرين هم القساوسة يوليمي وموريه وبوشاند إلى «تمبكتو» في مالي لكنهم لم يصلوا إليها حيث قتلوا في منطقة «القليعة» من طرف الطوارق، لكن حركة الآباء البيض لم تستسلم وواصلت إرسال المبشرين فقد كلف الكاردينال «لافيجري» رئيس البعثة الدينية في «ورجلة» وهو القس «ريتشارد» بأن يذهب ليستقر في «غدامس» فاستطاع هذا الأخير التجوال في بلاد الطوارق وكان يقدم المساعدات من أجل تقريب الطوارق من المسيحية، لكن ما حدث لبعثة فلاتير من مذبحة كانت كفيلة بتقليص رغبة المبشرين في الذهاب إلى بلاد الطوارق بشكل كبير.

وهناك حاليا أكثر من 300 منظمة تنصيرية غربية تعمل في «مالي»، وتستغل المؤسسات التنصيرية الثالوث الخطر «الجهل والفقر والمرض» لمحاولة تغيير هوية المسلمين الذين يمثلون 90% من سكان البلاد، وذلك بحسب تصريحات فتحي عيد مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في «مالي» في مقابلة نشرها موقع الندوة على شبكة الإنترنت أكد خلالها أن «مالي» مستهدفة وبشدة من المنظمات التنصيرية لأنها كانت مملكة إسلامية، والإسلام متجذر في أهلها، على الرغم من كل ما فعله المحتل الفرنسي.

وبحجج كثيرة، تسمح الحكومة في «مالي» للمنظمات الغربية أن تعمل بمنتهى الحرية في جميع أقاليم البلاد، وتتيح لهذه المنظمات الظهور يومًا في الأسبوع في التلفزيون الرسمي لنشر النصرانية، فضلًا عن الكنائس المنتشرة في كل مكان حتى في الغابات البعيدة.

وهناك مثلا منطقة «الدغون»، وهي منطقة واسعة جدًا، يتعامل فيها المنصرون وفق استراتيجيات طويلة المدى، فهناك مدرسة تنصيرية يتعلم الطفل فيها من الابتدائي إلى الثانوي، ويحتضن القائمون على هذه المدرسة الطفل احتضانًا كاملًا وينفقون عليه حتى يتخرج، ويمنحون بعضهم منحًا للسفر إلى أوروبا ليعودوا بعد ذلك حاملين أفكارهم.

التنصير في السودان

السودان من أكثر الدول التي عانت ويلات التنصير وخاصة في الأقاليم الحدودية، وكان انفصال جنوب السودان أحد نجاحات حركة التنصير التي عملت لعقود طويلة في الجنوب لمنع نشر الدعوة الإسلامية هناك وتوسيع رقعة المسيحية والتمكين لأتباعها سياسيا واقتصاديا.

وتتولى المنظمات الكنسية هناك بعض المشاريع الإنسانية العلاجية والتعليمية والإغاثية، مثل: الراهبات وأطباء بلا حدود ومدارس كمبوني وسنت جيمس، ويتم ربط هذه المؤسسات الخدمية بالأنشطة الاجتماعية كجمعية القديس منصور، والقديسة ماريا تريزا بالدمازين بالسودان، وربط هذه الكنائس باسم القبائل لضمان استمراريتها.

 التنصير في دارفور

تسللت جماعات التنصير إلى إقليم دارفور تحت غطاء أعمال العنف بين متمردي الإقليم والقوات السودانية، وركزت جهودها في مخيمات اللاجئين، ووصل عدد منظمات التنصير إلى نحو 30 منظمة تعمل تحت ستار المنظمات الإنسانية، وأعلنت منظمة «كاريتاس» العالمية الكاثوليكية أنها تستهدف 125 ألف مسلم في دارفور.

 التنصير في شرق ووسط إفريقيا

في سنة 1819، اتفقت الكنيسة البروتستانتية مع الأقباط في مصر من أجل إرسال بعثات تنصير إلى الحبشة ودول شرق إفريقيا، وبعد ذلك، أخذت تتوالى البعثات السويدية والإنجليزية ووصلت إلى «مومباسا» في كينيا، فيما وصل الرهبان البيض الفرنسيين الذين يقودهم لافيجري إلى أوغندا.

أما بالنسبة لإفريقيا الوسطى، فقامت بالتبشير هناك بعثة ليفنستون وستانلي سنة 1978، ثم بعد ذلك تقاسمت البعثات الألمانية والاسكتلندية والانجليزية المنطقة الممتدة من شرق إفريقيا ووسطها حتى الخرطوم والحبشة، أما مدغشقر فقد كانت من نصيب البروتستانت.

التنصير في أوغندا

رغم أن الإسلام كان أول دين سماوي يدخل الأراضي الأوغندية، حيث سبق النصرانية، إلا أن الوسائل الخبيثة التي لجأ إليها الاستعمار في إشاعة الأمية في أوساط المسلمين وكذلك الفقر لدرجة أفقدتهم أي نفوذ في أوغندا، حتى عانى المسلمون في العقود الأخيرة، من حالات تهميش سياسي واقتصادي.

فرغم أن المسلمين كانوا يشكلون 40% من سكان البلاد، إلا أن هذه النسبة تراجعت إلى 30% ووصلت في عام 2003 إلى 16% فقط، فيما شكل الرومان الكاثوليك 33% والبروتستانت 33% وأصحاب المعتقدات المحلية 18% من مجموع السكان البالغ عددهم 26 مليونًا، أي أن عدد المسلمين يبلغ 4 ملايين نسمة فقط.

ولم يشهد المسلمون في أوغندا صعودًا سياسيًا إلا في عهد الرئيس الأوغندي الراحل الجنرال عيدي أمين (1971 – 1979)، حيث عمل أمين خلال فترة حكمه على إعلاء شأن الإسلام والمسلمين في البلاد، بالحد من الحريات التي كانت تتمتع بها الإرساليات التنصيرية.

التنصير في مصر

منذ سنة 1819م اتفقت الجمعيات التنصيرية مع أقباط مصر على إنشاء جمعية لنشر الأناجيل في إفريقيا، ورغم النزاع القائم بين الكاثوليك والبروتستانت لم يمنع ذلك من توحدهم على إتمام هذه المهمة، حتى أصبحت مصر حاليا مركز النشاط التنصيري في دول الشرق الأوسط وإفريقيا، وذلك لعدة أسباب هامة منها:

قوة الكنيسة المصرية السياسية والدينية والاقتصادية؛ فالكنيسة القبطية تعتبر ثاني أكبر الكنائس في التاريخ المسيحي بعد الكنيسة الرومانية، وتمكَّنت هذه الكنيسة من ترؤس كنائس الشرق جميعًا.

إقرأ أيضا: قانون بناء الكنائس: ما الذي تريده الكنيسة المصرية؟

وتعمل الكنيسة المصرية في نشاط التنصير بهدف تشويه صورة الإسلام، وزعزعة اليقين في قلوب المسلمين، وتسخين الوضع الطائفي عن طريق شحن الأقباط بعقدة التفوق والاضطهاد؛ وذلك من خلال مجالات عدة، منها:

المجال السياسي: وتتولاه الكنيسة الأرثوذكسية باعتبارها أقلية أصلية، وليست وافدة، وهي الأكثر عددًا والأكفأ تنظيمًا وإعدادًا، وقد تجهزت الكنيسة الأرثوذكسية لهذا الدور عبر إعداد جيل كامل من الرهبان والكهنة المشبعين بالتعصب، والموالين لتنظيم الأمة القبطي، وعبر إنشاء التنظيم الدولي المساعد الذي يمثله أقباط المهجر، وهي ظاهرة صنعها «البابا شنودة» بنفسه، وهو يفخر بهذا، واستطاع هذا التنظيم إنشاء لوبي قوي في أمريكا وكندا واستراليا.

المجال الثقافي: وتتزعمه الكنيسة البروتستانتية باعتبارها الأكثر تعلمًا وثقافة وقدرة على الجدل مع المسلمين، وكذلك لارتباطها مع المؤسسات التنصيرية العالمية، وهي في أغلبها مؤسسات بروتستانتية تتمتع بسند أمريكي وبريطاني باعتبار رابط المذهب الديني.

ويهدف هذا القسم إلى تشويه صورة الإسلام ومهاجمة رموز المسلمين؛ لإقامة حائط صدٍّ يمنع المسيحيين من اعتناقه أو حتى التفكير فيه، فضلا عن محاولتهم تشكيك المسلمين في دينهم وهزيمتهم نفسيًّا ، ويتبع لهذا القسم عدد من القنوات الفضائية مثل: (الحياة)، (سات7)، (النور)، (السريانية)، (أغابي)، (المعجزة)، (الكرامة) (المسيح للجميع  (CTV.

كما أن هناك أكثر من خمسمائة موقع إلكتروني مثل: (صوت المسيحي الحر)، (الكلمة)، (النور والظلمة)، (الأقباط متحدون). فضلا عن عشرات الصحف والمجلات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المنصرين والمتنصرين الذين يقودون الحرب على الإسلام باعتبارهم أصحاب تجربة، وهؤلاء ينشطون داخل شبكات تنصير منظمة وممولة.

ومن هذه الشبكات التنصيرية:

  1. شبكة قمح مصر، وتنشط في أكثر من محافظة، لاسيما القاهرة والمنيا وبني سويف،
  2. جمعية أرض الكتاب المقدس، ومقرها الرسمي (باكنجهام شاير) وتنشط في الريف المصري.
  3. «الجمعية الإنجيلية للخدمات الإنسانية»، وهي جمعية تقوم بإقامة مشروعات صغيرة لفقراء المسلمين عن طريق القروض الميسرة، وتنشط في القاهرة الكبرى بوجه خاص.
  4. « الجمعية الصحية المسيحية»، وهي جمعية ممولة من السفارة الأمريكية، وتدير عدة مدارس ومستشفيات، وتقدم الخدمات المجانية لعدد كبير من المسلمين.
  5. مؤسسة «دير مريم» وهي مؤسسة قديمة تقدم الدعم المادي والقروض الحسنة، وتعرض خدمات الهجرة والسفر للمتنصرين.
  6. مؤسسة «بيلان» وهي أيضًا مؤسسة عريقة في التنصير، وبجانب ما توفره من دعم مادي تقوم بإقامة حفلات عامة يوم الأحد، وتدير شبكة مراسلة وتعارف بين الشباب من سن الحادية عشرة إلى الخامسة عشرة سنة بين مصر والبلاد الأوربية.
  7. مؤسسة «حماية البيئة»، ومقرُّها الأساسي في منشية ناصر أحد أفقر أحياء القاهرة، وتقوم بتدريب الشباب والفتيات من كل الأعمار على الأشغال اليدوية، وتضمُّ دور حضانة ومدارس بأجور رمزية، يقوم فيها المسيحيون بالتدريس لصغار المسلمين.
  8. جمعية «الكورسات» بالإسكندرية، وهي جمعية إنجيلية تقوم برعاية أطفال الشوارع، حيث توفر لهم ثلاث وجبات يومية، ومدرسة لمحو الأمية، وورش لتعلم الحرف.
  9. ويقدر تقرير أمريكي نشرته صحيفة «المصريون» بتاريخ 15/8/2007 أعداد الجمعيات والمنظمات التنصيرية بقرابة ألفي منظمة وجمعية، منها قرابة ثلاثمائة تقيم في مصر بشكل رسمي ودائم، ويعمل بها ما لا يقل عن خمسة آلاف مصري وألف وخمسمائة أجنبي.