تأملات دعوية
في قصة يوسف عليه السلام في السجن
من آية (36) إلى آية (41)

قال تعالى: ﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ [يوسف: 36 – 41].

• من صفات الداعية الإحسان؛ إحسان مع ربه ومع الخلق، وقد شهد الفتيان ليوسف عليه السلام بذلك؛ فقال تعالى عنهما: ﴿ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 36]، وقد ورد نسبة الإحسان إلى يوسف أربع مرات في السورة؛ قال له إخوته: ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 78]، وشهد الله له بذلك فقال: ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 22]، والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ومن الإحسان مراقبة الله في السر والعلن، وخشيته والخوف منه، ومن الإحسانِ الإحسانُ في العبادة وأداؤها على أكمل وجه، وخُلُق الإحسان تجلى في يوسف مع الخَلْقِ مع صاحبي السجن؛ حيث إنهم رأَوا عليه إحسانه معهم، فكان يساعدهم ويعود مريضهم، ويعينهم ويحسن التعامل معهم، وأعظم من ذلك إحسانه لهم بدعوتهم إلى التوحيد وعبادة الله، ورأوا عليه كذلك إحسانه مع ربه في عبادته وطاعته، فالعبد المحسن الصالح يظهر من حاله ومظهره صلاحُهُ وإحسانه، ويوسف عليه السلام ظهر إحسانه كذلك مع إخوته في مواقف كثيرة؛ منها: مساعدتهم بالطعام والقوت، ومنها العفو عنهم عفوًا تامًّا مع عدم معاتبتهم، بل ولا حتى تذكيرهم بجرمهم، وإرجاع كل ما فعلوه لنزغ الشيطان، كذلك مع صاحبه في السجن عندما قال له: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [يوسف: 42]، وعندما جاءه هذا الرجل لتأويل رؤيا الملك أوَّلها مباشرة، ولم يُذكِّره بما أمره به، ولم يعاتبه ولم يلُمْهُ، فما أجمل الداعية حينما يتصف بهذا الخلق النبيل خُلُق الأنبياء والمرسلين! فمهمة الداعية ليست فقط الدعوة إلى الله، بل يكون محسنًا مع الخلق؛ بأن يساعدهم ويعينهم، ويفرج كربتهم، ويغيث الملهوف منهم؛ ومن الأمثلة التي وردت في السنة على ذلك: ((أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أصابني الجَهْدُ – أي: المشقة من الجوع – فأرسل إلى نسائه، فلم يجد عندهن شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا رجلٌ يضيِّفُهُ هذه الليلة يرحمه الله؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله، فقال لامرأته: ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئًا، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العَشاء فنَوِّميهم وتعالَيْ، فأطفِئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد عجب الله عز وجل – أو ضحك – من فلان وفلانة، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9]))[1]، وقد وردت أحاديث كثيرة في بيان فضل مساعدة الآخرين والإحسان إليهم.

• من صفات الداعية أن تكون الدعوةُ همَّه الأول، فيوسف عليه السلام وهو في السجن وظلماته، ومع الظلم وظلماته، لكن كل ذلك لم يمنعه من الدعوة إلى الله وتبليغه دينه، والداعية إن لم تكن الدعوة همه، فلن يعمَل لأجلها، ولن يجتهد فيها بما هو مطلوب منه، فكلما كان الشيء يُهم المرء، بذل واجتهد فيه.

ومن الأمثلة التي وردت في السنة على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان مهاجرًا إلى المدينة طريدًا مهمومًا، قابل في طريقه بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا.

• من وسائل الدعوة إلى الله استثمار الفرص والمواقف للدعوة إلى الله؛ فيوسف عليه السلام استثمر وجود هذين السجينين معه في السجن، وكذلك حاجتهما لتعبير الرؤيا، فوجدها فرصة لدعوتهما؛ لأن ذلك أقرب للإجابة؛ لأنهما هما مَن احتاجا إليه؛ فقال لهما: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]، وكذلك استثمر الموقف عندما لمسا منه الإحسان وحسن الخلق فقالا له: ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 36]، فذكر لهما أنَّ حاله التي وصل إليها كلها من فضل الله وإحسانه؛ حيث مَنَّ عليه بترك الشرك، وباتباع ملة آبائه، فكأنه يقول لهما: فبهذا وصلتُ إلى ما رأيتما، فينبغي لكما أن تسلكا ما أنا عليه؛ حيث قال لهما: ﴿ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يوسف: 37، 38]، فالداعية يستثمر الأوقات المناسبة للدعوة إلى الله، والأحوال والأزمنة والأشخاص، فيستثمر حاجة الناس إليه في قضاء حوائجهم الدنيوية – إن كان ممن يملك ذلك من مال وجاهٍ – في دعوة الناس للخير ونصحهم؛ لأن الإجابة في هذه الحالة أقرب وأسرع، والقلوب مفتوحة لذلك، ولا تجد غضاضة ولا ثقلًا في تقبل النصيحة، ويستثمر بعض المواقف التي قد لا تتكرر، وقد يقابل فيها أناسًا على غير دين الإسلام، فيدعوهم بوسيلة دعوية مطوية أو كتيب أو غيره، ويستثمر الأوقات التي تكون القلوب فيها مقبلة على الله؛ كشهر رمضان، وعند أداء فريضة الحج، وغير ذلك من الفرص.

ومن الأمثلة التي وردت في السنة على ذلك: قصة المرأة التي كانت في السبي تبحث عن ابن لها رضيع، حتى وجدته وألقمته ثديها؛ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ …))، ثم بيَّن لهم عِظَمَ رحمة الله عز وجل[2]، وعندما خرج النبي عليه الصلاة والسلام لجنازة رجل فوصل إلى قبره ولمَّا يُلحَدْ، فجلس عليه الصلاة والسلام وفي يده عود ينكت به الأرض … ثم وجدها فرصة ليذكِّرهم ويعظهم، فذكر لهم حال المؤمن والفاجر في القبر[3].

قال تعالى: ﴿ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾.

• من صفات الداعية نسبة النعم إلى الله عز وجل؛ فيوسف عليه السلام بعد أن دعا صاحبي السجن للتوحيد قال لهما: ﴿ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يوسف: 38]، وقال لهما: ﴿ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ﴾ [يوسف: 37]؛ فالعلم ليس بسبب الذكاء والعقل وقوة الإيمان، بل كل ذلك بتوفيق من الله، والنعم كلها من الله والتوفيق منه سبحانه، فقد يسهل على المرء أن ينسب نعمة المال والدنيا إلى الله، ولكنه قد يغفل أن ينسب نعمة العقل والفكر والخبرة إليه سبحانه، وقد ذُكر مثل ذلك في آيات أُخرَ في سورة يوسف؛ منها قوله: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ [يوسف: 100]، وقوله: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف: 101]، والخُلُق نفسه نجده عن نبي الله سليمان عليه السلام الذي ملك الأرض كلها، عندما طلب من خدمه إحضار عرش بلقيس ملكة سبأ، فأُحضِرَ له في طرفة عين، ﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ [النمل: 40]، فَنَسَبَ النعمة إلى ربه عز وجل.

قال تعالى: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.

• من أساليب الدعوة الرفق واللين عند الخطاب؛ حيث قال لهما: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ﴾ [يوسف: 39]؛ نداءٌ لطيف وجميل، يُشعِرهما أنهما صاحباه، فتكون آذانهما له مصغية، وقلوبهما له مفتوحة، وتكون الاستجابة له قريبة؛ وقد نادى نوح عليه السلام ابنه الكافر بمثل ذلك فقال: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا ﴾ [هود: 42]، وقال إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 42]، وقد كرر المناداة بقوله: ﴿ يَا أَبَتِ ﴾ في عدة آيات.

ومن الأمثلة التي وردت في السنة على ذلك: أن نبينا عليه الصلاة والسلام ورد ذلك عنه مع عمه أبي طالب؛ فقال له عند وفاته: ((أي عم، قل: لا إله إلا الله …))[4]، وقال لمعاذ: ((يا معاذ، والله إني لأحبك …))[5]، وعندما أرسل كتابه عليه الصلاة والسلام إلى هرقل كتب فيه: ((إلى هرقل عظيم الروم …))[6]، مع أنه كافرٌ وليس عظيمًا، ولكنه من باب حسن الخطاب، وإنزال الناس منازلهم؛ حتى يقبلوا الدعوة وتقع في القلب؛ وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

• من وسائل الدعوة الإقناع العقلي؛ حيث قال يوسف عليه السلام لهما: ﴿ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]؛ فيوسف عليه السلام وجَّه لهما خطابًا عقليًّا: هل عبادة آلهة متفرقة خير أو عبادة إله واحد؟ أليس جميع الآلهة التي تعبدونها هي من صنعكم، وقد سميتموها أنتم وآباؤكم، فكيف لعاقل أن يعبد مثل هذه الآلهة؟ فهو بدأ بهذه الوسيلة ولم يدعُهما بطريقة مباشرة؛ لأن الإقناع العقلي وسيلةٌ قد يحتاج إليها الداعية في بعض الحالات وبحسب المدعوين، فمثل هذه الوسيلة تجعل المدعوَّ يُفكر ويتأمل، ثم يتوصل إلى الحقيقة المرادة وإلى الحق بنفسه؛ لأنه قد لا ينفع الترغيب والترهيب والموعظة والتذكير بالله مع بعض المدعوين، ويكون الإقناع العقلي مؤثرًا كبيرًا لقبول الحق، وقد ورد مثل ذلك مع قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه، عندما حطم الأصنام ومع النمرود.

ومن الأمثلة التي وردت في السنة على ذلك: قصة النبي عليه الصلاة والسلام مع الشاب الذي طلب منه أن يأذن له في الزنا، وقصته مع الأعرابي عندما ولدت امرأته غلامًا أسودَ فاستنكر ذلك.

• من وسائل الدعوة إلى الله البدءُ بالأهمِّ فالأهم والتدرج في الدعوة؛ حيث بدأ يوسف عليه السلام بدعوتهم للتوحيد؛ قال تعالى عنه: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]، وقال: ﴿ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف: 40]، فأول ما يبدأ الداعية بالدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وهذا هو منهج الأنبياء جميعًا؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، فالبدء بالدعوة إلى التوحيد تكون عند دعوة غير المسلمين أو المسلمين الذين لديهم خللٌ في العقيدة، وأما إن كان مَن يدعوهم صحيحي العقيدة، فيبدأ معهم بغير ذلك مما لديهم من تقصير، فيبدأ بدعوتهم إلى أركان الإسلام وأولها الصلاة وهكذا، فكل قوم يُدعون بما يصلح لحالهم.

ومن الأمثلة التي وردت في السنة على ذلك: عندما أرسل النبي عليه الصلاة والسلام معاذًا إلى اليمن قال له: ((إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلِمْهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة …))[7].

• من وسائل الدعوة إلى الله أسلوب الاستفهام؛ قال تعالى عن يوسف: ﴿ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]، فالاستفهام يجذب الانتباه، ويُنبِّه المتلقي، ويُحرك العقل، ويجعله يتفكر ويتأمل فيما قيل له، والاستفهام في هذه الآية استفهام إنكاري، وقد يأتي بأنواع أخرى ويُراد به التعجب: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾ [البقرة: 28]، وقد يُراد به العتاب واللوم: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16].

ومن الأمثلة التي وردت في السنة على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ: ((يا معاذ، أتدري ما حق العباد على الله؟ …))[8]، وقوله للصحابة: ((من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ …))[9]، وغير ذلك.

——————————————————————————–

[1] رواه البخاري.

[2] الحديث في البخاري.

[3] الحديث عند البيهقي والهيثمي.

[4] الحديث عند البخاري.

[5] الحديث عند ابن حبان والمنذري.

[6] الحديث عند مسلم.

[7] أخرجه مسلم.

[8] الحديث في البخاري.

[9] الحديث في مسلم.