يقول تونى باشبى فى كتابه ” تحريف الكتاب المقدس ” أن دراسته لنسخة الكتاب المقدس المعروفة باسم ” كودكس سيناى ” (codex Sinai)، وهى أقدم نسخة معروفة للكتاب المقدس والتى تم اكتشافها فى سيناء ، و يقال أنها ترجع للقرن الرابع ، أثبتت له أن هناك 14800 إختلاف بينها وبين النسخة الحالية للكتاب المقدس. وهو ما يثبت كم التغيير والتبديل الذى يعانى منه هذا الكتاب.

ويؤكد الباحث أنه لا يمكن لأحد أن يعرف حقيقة ما كانت عليه نصوص ذلك الكتاب الأصلية من كثرة ما ألمّ بها من تغيير وتحريف .وتكفى الإشارة إلى أنه فى عام 1415 قامت كنيسة روما بحرق كل ما تضمنه كتابين من القرن الثانى من الكتب العبرية ، يقال أنها كانت تضم الإسم الحقيقى ليسوع المسيح . وقام البابا بنديكت الثالث عشر بإعدام بحث لاتينى بعنوان ” مار يسوع ” ، ثم أمر بإعدام كل نسخ إصحاح إلكساى Elxai )  ) ، وكان يتضمن تفاصيل عن حياة ربى يسوع   ( Rabbi Jesu ) .

وبعد ذلك قام البابا إسكندر السادس بإعدام كل نسخ التلمود بواسطة رئيس محكمة التفتيش الإسبانية توما توركمادا (1420-1498) ، المسؤل عن إعدام 6000 مخطوطة فى مدينة سلمنكا وحدها . كما قام سلمون رومانو عام 1554 بحرق آلاف المخطوطات العبرية ، وفى عام 1559 تمت مصادرة كافة المخطوطات العبرية فى مدينة براغ . وتضمنت عملية إعدام هذه الكتب العبرية مئات النسخ من العهد القديم ـ مما تسبب فى ضياع العديد من الأصول والوثائق التى تخالف أو تفضح أفعال المؤسسة الكنسية آنذاك !

ويقول تونى باشبى أن أقدم نسخة أنقذت للعهد القديم ـ قبل إكتشاف مخطوطات قمران ، هى النسخة المعروفة باسم ” البودليان ” ( Bodleian ) التى ترجع إلى علم 1100 م . وفى محاولة لمحو أية معلومات عبرية عن يسوع من الوجود ، أحرقت محاكم التفتيش 12000 نسخة من التلمود !

و يوضح المؤلف أنه فى عام 1607 عكف سبعة وأربعين شخصا ، ويقول البعض 54 ، لمدة عامين وتسعة أشهر لترجمة الكتاب المقدس بالإنجليزية وتجهيزه للطباعة بأمر من الملك جيمس ، بناء على مراعاة قواعد معينة فى  الترجمة. وعند تقديمها عام 1609 للملك جيمس قدمها بدوره إلى سير فرانسيس بيكون ، الذى راح يراجع صياغتها لمدة عام تقريبا قبل طباعتها .

ويقول تونى باشبى أن العديد من الناس يتصورون أن طبعة الملك جيمس هى ” أصل ” الكتاب المقدس ، وأن كل ما أتى بعدها يتضمن تعديلات إختلقها النقاد. إلا أن واقع الأمر هو : ” أن النص اليونانى الذى استخدم فى الترجمة الإنجليزية ، والذى يعتبره الكثيرون نصا أصليا ، لم يُكتب إلا فى حوالى منتصف القرن الرابع الميلادى ، وكانت نسخة منقولة ومنقحة عن نسخ متراكمة سابقة مكتوبة بالعبرية والآرامية . وقد تم حرق كل هذه النسخ ، والنسخة الحالية للملك جيمس منقولة أصلا عن نَسخ من خمس نَسخات لغوية عن الأصل الأصلى الذى لا نعرف عنه أى شىء ” !!

ففى بداية القرن الثالث تدخلت السياسة بصورة ملحوظة فى مسار المسيحية التى كانت تشق طريقها بين الفِرق المتناحرة. فوفقا للقس ألبيوس تيودوريه ، حوالى عام 225 م ، كانت هناك أكثر من مائتين نسخة مختلفة من الأناجيل تستخدم فى نفس الوقت بين تلك الفرق ..

وعندما استولى قسطنطين على الشرق الإمبراطورى عام 324 ، أرسل مستشاره الدينى ، القس أوسبيوس القرطبى ، إلى الإسكندرية ، ومعه عدة خطابات للأساقفة ، يرجوهم التصالح فيما بينهم حول العقيدة . وهو ما يكشف عن الخلافات العقائدية التى كانت سائدة آنذاك . إلا أن مهمة أوسبيوس قد باءت بالفشل. مما دفع بقسطنطين إلى دعوة جميع الأساقفة للحضور ، وان يُحضروا معهم نسخهم من الأناجيل التى يتعاملون بها . وبذلك إنعقد أول مجمع كنسى عام سنة 325 م فى مدينة نيقية لحسم الخلافات السائدة حول تأليه أو عدم تأليه يسوع !

وفى 21 يونيو عام 325 م  إجتمع 2048 كنسيا فى مدينة نيقية لتحديد معالم المسيحية الرسمية ، وما هى النصوص التى يجب الإحتفاظ بها ، ومن هو الإله الذى يتعيّن عليهم إتباعه. ويقول تونى باشبى  ” أن أولى محاولات إختيار الإله ترجع إلى حوالى عام 210 م ، حينما كان يتعيّن على الإمبراطور الإختيار ما بين يهوذا المسيح أو شقيقه التوأم ربى يسوع ، أى الكاهن يسوع أو الشخص الآخر ، مؤكدا أنه حتى عام 325 لم يكن للمسيحية إله رسمى ” !!

ويوضح تونى باشبى أنه بعد مداولات عدة ومريرة استقر الرأى بالإجماع، إذ أيده 161 وإعترض عليه 157 ، أن يصبح الإثنان إلها واحدا . وبذلك قام الإمبراطور بدمج معطيات التوأم يهوذا وربى يسوع ليصبحا إلها واحدا. وبذلك أقيم الإحتفال بتأليههما . ثم بدأت عملية الدمج بينهما ليصلوا إلى تركيبة “ربنا يسوع المسيح ” . وطلب قسطنطين من الأسقف أوسبيوس أن يجمع ما يتوافق من مختلف الأناجيل ليجعل منها كتابا واحدا ، ويعمل منه خمسون نسخة ” ..

ولمن يتساءل عن مرجعيات تونى باشبى لهذا البحث نقول أنه وارد بالفهرس كشفا يتضمن 869 مرجعا !..

ويعد الباحث والأديب البريطانى جيرالد ماسىّ (1828ـ1907) من أهم من إستطاعوا  توضيح خلفية ذلك الخلط الشديد فى الأصول ، و شرح كيف أن القائمين على المسيحية الأولى جمعوا عقائد دينية من أهم البلدان التى تواجدوا  بها،  لتسهيل عملية دمج شعوبها تحت لواء ما ينسجون ..

ويتناول جيرالد ماسىّ فى كتابه عن  يسوع التاريخى والمسيح الأسطورى كيف ” أن الأصل المسيحى فى العهد الجديد عبارة عن تحريف قائم على أسطورة خرافية فى العهد القديم ” . وأن هذا الأصل المسيحى منقول بكامله من العقائد المصرية القديمة وتم تركيبه على شخص يسوع . ونفس هذا الشخص عبارة عن توليفة من عدة شخصيات ، والمساحة الأكبر مأخوذة عن شخصين. وهو ما أثبته العديد من العلماء منذ عصر التنوير ، وقد تزايد هذا الخط فى القرن العشرين بصورة شبه جماعية ، بحيث أنه بات من الأمور المسلّم بها بين كافة العلماء .

وإن كانت الوثائق التى تشير أو تضم معطيات يسوع التاريخى متعددة المشرب وتؤدى إلى أكثر من خط ، فإن المعطيات التى تتعلق بالمسيح مأخوذة بكلها تقريبا من الديانة المصرية القديمة ، وكلها منقوشة على جدران المعابد الفرعونية وخاصة معبد الأقصر الذى شيده أمنحتب الثالث ، من الأسرة السابعة عشر. ويقول ماسىّ : ” أن هذه المناظر التى كانت تعد أسطورية فى مصر القديمة، قد تم نقلها على أنها تاريخية فى الأناجيل المعتمدة ، حيث تحتل مكانة كحجر الأساس للبنية التاريخية ، وتثبت أن الأسس التى أقيمت عليها المسيحية هى أسس أسطورية “.

ويشير جيرالد ماسىّ أن المسيحية مبنية على الديانات والعقائد التى كانت قائمة فى مصر وفلسطين وبين النهرين والتى إنتقل الكثير منها إلى اليونان ، ومنها إلى إيطاليا. أى ” أنها أسطورة إلهية لإله تم تجميعه من عدة آلهة وثنية ، هى الآلهة الأساسية التى كانت سائدة  آنذاك فى تلك المناطق قبل يسوع بآلاف السنين.. وأن التاريخ فى الأناجيل من البداية حتى النهاية هو قصة الإله الشمس ، وقصة المسيح الغنوصى الذى لا يمكن أن يكون بشرا . فالمسيح الأسطورى هو حورس فى أسطورة أوزيريس ، وحورأختى فى أسطورة ست ، وخونسو فى أسطورة آمون رع ، وإيو فى عبادة أتوم رع . والمسيح فى الأناجيل المعتمدة هو خليط من هذه الآلهة المختلفة “.

وقد أشار ديودورس الصقلى أن كل اسطورة العالم السفلى قد تم صياغتها دراميا فى اليونان بعد أن تم نقلها من الطقوس الجنائزية المصرية القديمة . أى أنها إنتقلت من مصر إلى اليونان ومنها إلى روما.

ويؤكد جيرالد ماسىّ ” أن الأناجيل المعتمدة عبارة عن رجيع ( أو طبخ بائت مسخّن ) للنصوص المصرية القديمة ” .. ثم يوجز أهم الملامح بين الأساطير المصرية القديمة والأناجيل المعتمدة بإسهاب يصعب تفنيده . ومما أوجده من روابط ، بين المسيحية والعقائد المصرية القديمة : ” أن يسوع حَمَل الله ، ويسوع السمكة ( إيختيس ) كان مصريا ، وكذلك يسوع المنتظر أو الذى سوف يعود ، ويسوع المولود من أم عذراء ، التى ظللها الروح القدس ، ويسوع المولود فى مِزْود ، ويسوع الذى قام بتحيته ثلاثة ملوك مجوس ، ويسوع الذى تبدل على الجبل ، ويسوع الذى كان رمزه فى المقابر القديمة فى روما نجمة مثمنة الأضلاع، ويسوع الطفل الدائم ، ويسوع الآب ، المولود كإبن نفسه ، ويسوع الطفل ذو الإثنى عشر عاما ، ويسوع الممسوح ذو الثلاثين عاما ، وتعميد يسوع ، ويسوع الذى يسير على الماء أو يصنع المعجزات ، ويسوع طارد الشياطين ، ويسوع الذى كان مع الإثنان مرافقى الطريق ، والأربعة صيادين ، والسبع صيادين، والإثنى عشر رسولا ، والسبعون أو إثنان وسبعون فى بعض النصوص، الذين كانت أسماءهم مكتوبة فى السماء ، ويسوع بعَرَقِهِ الدامى ، ويسوع الذى خانه يهوذا ، ويسوع قاهر القبر ، ويسوع البعث والحياة ، ويسوع أمام هيرود ، وفى الجحيم ، وظهوره للنسوة ، وللصيادين الأربع ، ويسوع المصلوب يوم 14 نيسان وفقا للإناجيل المتواترة ، ويوم 15 نيسان وفقا لإنجيل يوحنا ، ويسوع الذى صُلب أيضا فى مصر (كما هو مكتوب فى النصوص) ، ويسوع حاكم الموتى ، وممسكا بالحمل فى يده اليمنى وبالعنزة فى اليسرى .. كل ذلك وارد بالنصوص المصرية القديمة من الألف للياء فى جميع هذه المراحل ” !

ثم يوضح قائل : ” لذلك قام المسيحيون الأوائل بطمس معالم الرسوم والنقوش وتغطيتها بالملاط أو الرسم عليها لتغطية هذه المعانى ومنع القيام بهذه المقارنات وتكميم أفواه الحجارة ، التى احتفظت بالكتابات المصرية القديمة بكل نضارتها عندما سقط عنها ذلك الطلاء ( … ) لقد تم تكميم المعابد والآثار القديمة وإعادة طلائها بالتواطوء مع السلطة الرومانية ، وتم إعادة إفتتاحها بعد تنصيرها. لقد أخرصوا الأحجار ودفنوا الحقائق لمدة قرون إلى أن بدأت الحقائق تخرق ظلمات التحريف والتزوير ، وكأنها تُبعد كابوسا ظل قرابة ثمانية عشر قرنا ، لتنهى الأكاذيب وتسدل الستار عليها أخيرا .. تسدله على أكثر المآسى بؤسا من تلك التى عرفها مسرح الإنسانية ” ..

ومما يستند إليه جيرالد ماسىّ أيضا ، على أن المسيحية الحالية تم نسجها عبر العصور ، أن سراديب الأموات فى روما والتى كان المسيحيون يختبؤن  فيها لممارسة طقوسهم هربا من الإضطهاد ، ظلت لمدة سبعة قرون لا تمثل يسوع مصلوبا ! وقد ظلت الرمزية والإستعارات المرسومة والأشكال والأنماط التى أتى بها الغنوصيون ، ظلت بوضعها كما كانت عليه بالنسبة للرومان واليونان والفرس والمصريين القدماء.  ثم يضيف قائلا : ” إن فرية وجود المسيح المنقذ منذ البداية هى فرية تاريخية. ولا يمكن القول بأن الأناجيل تقدم معلومة أو يمكن الخروج منها بيسوع كشخصية تاريخية حقيقية . أنه تحريف قائم على أسطورة ” ..

وكل ما يخرج به ماسىّ بعد ذلك العرض الموثّق و المحبط فى مقارنة المسيحية الحالية بالأساطير المصرية القديمة وغيرها ، يقول : “أن اللاهوت المسيحى قام بفرض الإيمان بدلا من المعرفة ، وأن العقلية الأوروبية بدأت لتوها بداية الخروج من الشلل العقلى الذى فُرض عليها بتلك العقيدة التى وصلت إلى ذروتها فى عصر الظلمات .. وأن الكنيسة المسيحية قد كافحت بتعصب رهيب من أجل تثبيت نظرياتها الزائفة وقادت صراعات بلا هوادة ضد الطبيعة وضد التطور، وضد أسمى المبادىء الطبيعية لمدة ثمانية عشر قرنا .. لقد أسالت بحورا من الدماء لكى تحافظ على طفو مركب بطرس ، وغطت الأرض بمقابر شهداء الفكر الحر ، وملأت السماء بالرعب من ذلك الإرهاب الذى فرضته باسم الله ” !!

ولا يسعنا بعد هذا العرض الشديد الإيجاز إلا أن نتسائل : كيف لا تزال المؤسسة الفاتيكانية تصر بدأب لحوح على تنصير العالم ، وفرض مثل هذه النصوص التى تباعد عنها أتباعها فى الغرب ، من كثرة ما اكتشفوا فيها من غرائب و لا معقول ، وتعمل جاهدة على اقتلاع الإسلام والمسلمين ؟! .. أذلك هو ما تطلق عليه حب الجار وحب القريب ؟! ..