اليتامى.. والتنصير!

ويسميه البعض: التبشير، ترجمة حرفية للمصطلح الذي شاع منذ فترة غير قليلة من الزمن، والحق أن هذه الظاهرة تسهم في إضعاف أمة الإسلام من خلال استقطاب مجموعة من أهلها وإخراجهم عن الدين الإسلامي الحنيف، أو تستهويهم إلى نظريات منحرفة أخرى، وتشير محاضر اجتماع المنصرين إلى هذا الأسلوب بعد أن عيي مجموعة من المنصرين فيما يتعلق بتحويل المسلمين إلى النصرانية.

لقد وجدت أن جامعات أمريكا جميعها تتفق في إرسال مجموعات من المتطوعين إلى بلاد “العالم الثالث”، ليس بالضرورة تحت اسم البعثات التبشيرية أو التنصيرية، ولكن تحت أسماء أخرى، مثل: “فيالق السلام أو فيزا” أو غيرهما مما يديرها مجموعة من المنصرين تمولهم في ذلكم الكنيسة، ووجدت أنهم دعوا مجموعة من طلاب الجامعات للإقامة أثناء إجازة عيد الشكر (الخميس والجمعة والسبت والأحد) عند عائلات في الريف الأمريكي طابعها التدين، فتأخذ الشباب إلى الكنيسة ليصلوا مع المصلين، ثم ليأكلوا جميعًا “الديك الرومي” الذي يسمونه هناك بالتركي، وللتسمية مغزاها، ووجدت أن “دعاة” التنصير يطرقون بابنا في أمريكا ليقدموا لنا نسخة من الإنجيل باللغة العربية في مكان يتعذر فيه الحصول على الكتاب باللغة العربية.

ووجدت أن شخصًا قابل مجموعة من الشباب المسلمين الجدد على البعثة، وقدم إليهم خدماته في سبيل أن يدعوهم إلى رحلة تقوم بها الكنيسة، فيذهبون في الرحلة، ويجدون أنفسهم يدعون مرة أخرى لحفل يقام في الكنيسة ذاتها، فيحجمون ويقطعون علاقتهم بصاحبهم الذي تكبد معهم كثيرًا من المشاق، ولم ييئس، فتوجه إلى غيرهم ممن هم أكبر من أولئك سنًّا، وأكثر منهم إدراكًا، ولكنه لم يجد عندهم ما يبحث عنه، فتركهم وبحث عن غيرهم.

ووجدت أن صناديق البريد لا تكاد تخلو من مجموعة النشرات التنصيرية، ولاحظت أنهم في هذه الحالة تجنبوا رسم “الصليب” على منشوراتهم؛ لعِلمهم بردة الفعل الآنية للمتمسكين بإسلامهم تجاه الصليب.

ووجدت أن أشخاصًا استغلوا عملهم وخبرتهم في سبيل تحقيق بعض أهداف التنصير، ولكن كثيرًا من الحكومات الإسلامية لم تترك لهم فرصة عندما تأكدت مما يقومون به من أعمال تتنافى ومشاعر المسلمين.

ووجدت أن الأمر قد وصل إلى حد يجب الوقوف له وقفات علمية مدروسة خالية من سيطرة العاطفة سيطرة تامة، بحيث يبدأ – عمليًّا – رد موجات التنصير التي تنتشر الآن في كل مكان، ويذكر الأستاذ الدكتور محمد يحيى ساعاتي في حديث له عن التنصير أن التخطيط التنفيذي قائم على الوصول إلى هدف مؤداه تنصير بلد إسلامي كبير في شرق آسيا تنصيرًا كاملًا بحلول عام 2000 ميلادي، ويذكر أن “البابا” سئل عن هذا المشروع فلم يجب عنه بالنفي أو الإثبات، والكل يعلم أن تلك البلاد الإسلامية الآسيوية الشرقية تكتنف أكبر مجموعة من المسلمين عددًا في شرق آسيا؛ أي: إنها أكبر دول المسلمين من حيث عدد السكان، ويذكر الزميل أيضًا أنه قد قام مركز للمعلومات التنصيرية في سويسرا يرسل الوثائق لمن يطلبها مسجلة على الأفلام المصغرة المايكروفيش.

مركز المعلومات:

ومن هنا ومن إيحاء هذا الحديث الذي قدمه الزميل لمجموعة من أبناء التعليم العالي من أعضاء هيئة تدريس وجدت أن إقامة مركز معلومات مكافحة التنصير لعله يعد أول خطوة يمكن فيها العمل على مواجهة هذه الظاهرة، ولا أدعي هنا أنه ليست هناك جهود في هذا السبيل، ولكن هذه الجهود لا تزال في بدايتها من حيث الأشخاص والإمكانات والدعاية والتخصصات، ومن مركز المعلومات يستطيع المهتمون أن يقدموا المراسلات التي تعين القائمين اليوم، والذين سيقومون غدًا على تشخيص هذه الظاهرة واتباع أفضل السبل في سبيل الوقوف أمامها، ومن ثم إيقافها.

ولست بصدد ذكر مقومات مركز المعلومات هذا، ولكن يكفي التنويه إلى الحاجة إليه في مكان تتركز فيه الجهود في جمع الوثائق والكتب والمقالات والدوريات، بل والأفلام التي تعالج مثل هذه الفكرة، وليس المقصود هنا الاكتفاء فقط بما كتب عن هذه الظاهرة في سبيل التنبيه لها، ولكن أيضًا رصد جميع – أو جل – الوثائق التي تتحدث عنها من وجهة نظر القائمين بها والداعين لها على جميع المستويات الدينية والسياسية والاجتماعية.

ولعل خير مكان يمكن أن يقوم به مثل هذا المركز هو محيط الجامعات، حيث الجو العلمي “الأكاديمي” الذي يحقق المقصود من النظر إلى ظاهرة التنصير نظرة علمية ثابتة تأثيرها يمتد إلى البعيد، ولا يقتصر على التأثير الوقتي الناتج عن خطب عاطفية أو محاضرات متقطعة هنا وهناك..ومع أن هذا النوع الأخير مطلوب في سبيل التنويه إلى هذه الظاهرة، ولكن العائد منه لن يكون في قوة العائد من مركز المعلومات الذي تدعو إليه هذه الفكرة في محيط جامعة من جامعات هذا البلد الطاهر.

التنصير واليتامى:

والحق أنه كما ألمحت من قبل، فإن منطلقات المنصرين ليست صريحة بقدر ما هي ملبسة بلباس الاهتمام بمنكوبي الحوادث الطبيعية والبشرية؛ كالمجاعات، وضحايا الفقر والحروب.

وعليه فلا بد من التأكيد على جمع المعلومات عن “جميع” الجمعيات الخيرية التي تديرها مؤسسات دينية في البلاد الإسلامية، والبحث عن الدوافع وراء هذه الحملات التي تقوم بها هذه الجمعيات.

وإذا كان البعض سيرى في هذا إفراطًا أو تجاوزًا في الحكم على كل الجمعيات، فما عليه إلا أن يقرأ أهداف هذه الجمعيات، وتفسير هذه الأهداف ليرى مصداق ما يدعى هنا، وجمع المعلومات عن هذه الجمعيات وغيرها لن يتم بشكل علمي متسق مستمر إن لم يتبَنَّ الفكرةَ مركزٌ للمعلومات، يرصد كل ما يدور حول هذه الأساليب، فيوفرها للباحثين والدارسين الذين يقدمون النتائج والتوصيات والمقترحات من خلال ما يقومون به من بحوث ودراسات.

وكنت في الأسبوع الماضي قد تحدثت عن كفالة اليتامى الأفغان في معسكرات المهاجرين في مقاطعة بيشاور، وعلمت بعد الحديث أن المؤسسات التنصيرية تسعى إلى تقديم بعض من جهودها لهؤلاء اليتامى وأمهاتهم في سبيل الحصول منهم على إشارات توحي بتخليهم عن دينهم، كما نجح المنصرون في بلد مسلم شرق آسيا آخر في إخراج ما لا يقل عن مليون مسلم من الإسلام نتيجة ما قدم لهم من مواد يسدون بها فاقتهم، ويتقون بها برد الشتاء القارس.

كل هذه المعلومات الواردة هنا يتضح منها أنها تجمع من هنا وهناك تنقصها البراهين والدلائل عليها، وكنت أود أن أدعهما بما يقويها من إحصاءات وأرقام وتواريخ وحوادث لولا ضيق ذات اليد في المعلومات عن هذه الظاهرة، مما دعاني إلى التأكيد على فكرة مركز المعلومات المذكور؛ لعل أن يكون فيه خير يسهم من خلاله أهل الخير في رعاية أبناء أمتهم في كل مكان من فقدانهم معنى الحياة والغرض منها وتنبيه الغافلين من الذين تنقصهم الخلفية الدينية القوية إلى أن الهدف من الحياة ليس منصبًّا على لقمة العيش بقدر ما تكون لقمة العيش عونًا على تحقيق العبودية لله وحده، وتحقيق العبودية لله وحده وراء التزامات كثيرة مادية وعلمية، وعلى أهل العلم التزاماتهم، وعلى أهل المال التزاماتهم، وكأني بأهل المال ينتظرون أهل العلم ليقدموا لهم أفضل الطرق لبذل المال في وجوه الخير، ومنها الاهتمام بأبناء المسلمين في سبيل إبقائهم على دينهم.

(الجزيرة/ العدد 5189 – السبت 12 ربيع الآخر 1407هـ/ الموافق 13 ديسمبر 1986م).

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/world_muslims/0/114065/#ixzz6191lQ900

 

https://hidayat-alhayara.com/ موقع هداية الحيارى الدعوي