المرأة المسلمة وشخصيتها في مجتمعها على مر التاريخ
وفضل الإسلام في ذلك على غيره (2)

المرأة على مرِّ العصور:

المرأة في هذه المنطقة العربية التي تمتدُّ من الخليج إلى المحيط تشمل بلاد أفريقيا في حوض البحر الأبيض المتوسِّط والبحر الأحمر، وبلاد آسيا، والتي تُعرف بمنطقة الشرق الأوسط، المرأة في هذه المنطقة منذ نشأة الإنسان تأخذ حقَّها في الحياة، ولها كيانها وكرامتها وتقدير المجتمع لها، ولا فرق بينها وبين الرجل في ذلك، ولم يحدث على مرِّ التاريخ أن رجحت إحدى الكفتين على الأخرى بالنسبة للتوازُن بينها وبين الرجل، ذلك التوازن الذي جاءت به الرسالات في هذه المنطقة منذ آدم وزوجته.

المرأة في العالم القديم:

الصين: تصوِّر ذلك إحدى السيِّدات الصينيات قديمًا فتقول: “نحن النساء نشغل آخر مرتبة في الجنس البشري؛ ولذلك كان نصيبنا هو أحقر الأعمال”.

وفي عبارة أخرى لامرأة أخرى: “ما أتعس حظَّ المرأة: ليس شيء في العالم أقل قيمة منها، إنه بينما يقف الصبيان متكئين على الأبواب كأنهم آلهة سقطوا من السماء؛ فإنَّ البنت لا يُسرُّ أحد لمولدها.

ونحن نعرف أن المرأة في الصين كانت إلى عهد قريب إذا مات زوجها عنها، وضعوها معه في القبر أو المغارة التي يودعونه فيها.

عند اليونان: يُؤثَر عن سقراط كبير فلاسفتهم: “إن وجود المرأة هو أكبر مصدر للتأزُّم والانهيار في العالم”.

أحد شعرائهم:

جعل اللَّه عند الخلق طبائعَ النساء مختلفة:

فجاءت إحداهن كأنَّها أخرجها اللَّه من خنزير!

وأخرى كأنما أخرجها اللَّه من ثعلبة ماكرة!

وثالثة كأنها هي الكلبة حركة ونشاطًا!

الرومان: كذلك منعوا المرأة من أيِّ حقٍّ للتصرُّف.

اليهود: تأثَّروا بمن حكموهم من الفرس والرومان في الاستهانة بكرامة المرأة، فظلموها في عهودهم الأولى فحرموها من الميراث.

كما أباحوا للآباء بيع بناتهم صغيرات؛ ليتمولوا بأثمانهن.

في مسيحية أوربا:

على الرغم من تكريم اللَّه المشهود لمريم عليها السلام؛ فإنه وُجد بين رجال الدين المسيحي في أوربا مَن يقول: “إنَّه أولى بالنساء أن يخجلن أنهن نساء، وأن يعشن في ندم دائم؛ جزاء ما جلبن على الأرض من لعنات”.

ومنهم من قال: “إن الشيطان مُولَع بالظهور في شكل أنثى”، “وهل يحق للمرأة أن تعبد اللَّه كما يعبده الرجل؟”، “وهل تدخل المرأة الجنة وملكوت الآخرة؟”.

ومرجع هذه النظرية الظالمة إلى الأسطورة الخاطئة التي وردت من قديم: وهي أن حواء هي التي أغرت آدم بالأكل معها من شجرة الخلد.

ولكن الدين صحَّح هذه العقيدة، كما بيَّن ذلك القرآن الكريم في قول اللَّه تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [طه: 120، 121]، فالوسوسة هنا لآدم وليست لزوجته، وفي قوله: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 20] نجد الخطاب والحديث عنهما، بضمير الاثنين.

فلننظر كيف أن المجتمع قد يُغير على الدين فيبدِّل منه؟ ويُحلُّ الأساطير محلَّ الحقائق فيه؟!

نأتي إلى الإسلام فنجده يبدأ في ذلك بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [النساء: 1]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ [النحل: 72].

ويقول صلى الله عليه وسلم مؤكِّدًا هذا الوجود للمرأة: ((من رُزق من البنات بنتًا أو بنتين فأدَّبهما، وربَّاهما فأحسن تربيتهما، وعلمهما فأحسن تعليمهما – كُنَّ له وقاءً من النار)).

ويقول سبحانه في أول آية نزلت من القرآن: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 3 – 5] مُطلَق الإنسان: رجلاً أو امرأة.

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((طَلَب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)).

وقد زوَّج الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى النساء بما مع زوجها من القرآن، وفي ذلك دليل أيضًا على ضرورة تعليم المرأة، وبذلك رفع القرآن قدرَها.

ومن ذلك أيضًا أنه استمع إلى شكايتها: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].

ومبايعة النساء معروفة في سورة الممتحنة، وفي بيعة العقبة الثانية.

ونجد آثار ذلك مطبَّقةً في المجتمع الإسلامي؛ فهذا عمر يقول: ((أصابت امرأة وأخطأ عمر)) في حادثة تحديد المهور المشهورة.

ثم نجد للمرأة بعد ذلك في المجتمع الإسلامي تلك الشخصية العلمية الأدبية التي للرجل سواء بسواء، وفي ذلك تقول الدكتورة بنت الشاطئ في مجلة الهلال عدد فبراير سنة 1956 حين تعرض علينا نخبة من شهيرات النساء اللائي شاركن الرجل في أعلى مقام علمي وأدبي وصل إليه:

ولعلنا إذا سألناهم عن شأونا في هذا المجال، ذكروا السيدة عائشة أم المؤمنين، ثم أمسكوا لا يزيدون، ولكني أذكر اليوم معها، عددًا من الفقيهات المحدّثات، اؤتمنَّ على رواية الحديث، وكنَّ فيه الحافظات وعنهن روى الراوون من الأئمة الثقات.

أذكر معها (زينب بنت أبي القاسم) التي روى عنها أبو الفضل ابن هبة اللَّه بن عساكر، و (أم الخير عن الصنهاجية) التي روى عنها أبو المعالي الأزهري، و (كريمة المروزية) التي روى عنها محمد بركات السعيدي، و(أسماء بنت محمد بن نصر اللَّه الدمشقي) التي روى عنها أبو الظاهر الريعي، من محدِّثي القرن الثامن، والفقيهة المحدِّثة (تاج النساء عجيبة) التي قال عنها الذهبيُّ في ترجمة يوسف بن جامع الحنبلي، فقيه بغداد في القرن السابع: أنه سمع الحديث من تاج النساء عجيبة، و (زينب بنت الكمال) التي سمع عنها غير واحد من أئمة المحدِّثين، أذكر منهم العلامة برهان الدين السفاقسي النحوي صاحب كتاب (إعراب القرآن) وأبا الطاهر الربعي وزين الدين الموصلي، الفقيه الأصولي النحوي.

(للمقال بقية)