يوجد تشابه كبير بين الكثير من آيات القرآن، وآيات القصص على وجهالتحديد، مع ما هو موجود في الكتاب المقدس، حتى تسائل البعض: هل هذا كتابللمسلمين أو لليهود؟ الذين قرأوا الكتاب المقدس استنتجوا ان محمدا (صلىالله عليه وسلم) اخذ القصص من اليهود والمسيحيين الذين عاصرهم، وقامبإعادة صياغتها وأدخل عليها بعض التعديلات ثم سجلها في قرآنه على انها وحيامن السماء. المسلمين من ناحية أخرى قالوا بأن المصدر واحد، ولا توجد مشكلةفي التشابه، وفي حالة الاختلاف نأخذ بالقرآن.

بدلا من التحليلات والاستنتاجات، دعونا نسأل صاحب الشأن، القرآن، عنالسبب.

“إنّ هذا القرآن يقصُ على بنيإسرائيل أكثر الّذي هم فيه يختلفون” (النمل 76)

“يا أهل الكتاب قد جاءكمرسولنا يبيّن لكم كثيرا ممّا كنتم تخفون من الكتابويعفو عن كثير قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين”(المائدة 15)

هذه القصص التي تبدو في ظاهرها متشابهة مع الكتاب المقدس هي في الاساسموجهة لبني اسرائيل، وليست للمسلمين، وليست نسخ، وإنما تبين لبني اسرائيلنقاطا اختلفوا فيها ونصوصا أضاعوها أو أخفوها.

والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) رسول الى بني اسرائيل “قد جائكم رسولنا”، كما انه رسولاالى الناس كافة، ولكن اذا كان اليهود يعتقدون انهم غير ملزمين باتباعه بسببان لديهم رسل منهم فهم غلطانين، لذا يصرح القرآن بأنه رسول الله اليهم،والقرآن لهم كتاب مبين.

“يا أهل الكتاب قد (( جاءكم )) رسولنا يبيّن لكم على فترة من الرّسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولانذير، فقد جاءكم بشير ونذير، واللّه على كلّ شيء قدير” (المائدة 19) — ها هو رسول الله قد جاءكم، أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، لا عذرلكم بعد اليوم، فقد جاءكم بشير ونذير، والله على كل شيئ قدير، قادر على انيرسل اليكم رسولا ليس منكم، وهو النبي الذي تنبأ به رسول الله موسى: “أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ ، وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ” (تثنية 18:18) والكلامالذي جعله الله في فمه هو القرآن.

وبما أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) رسول الله الى بني اسرائيل، والقرآن كتابمبين لبني اسرائيل، فما هو العجب إذن في ان يقص عليهمبعض تاريخهم المفقود وأخبار انبيائهم ويصحح معلوماتهم؟ وإلا كيف يكون رسولالهم إذا لم يأتي لهم بجديد أو يصحح القديم.

“يقص على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون” — وهل توجد اختلافاتفي كتب التوراة حتى يصححها القرآن؟

توجد نسختين من العهد القديم. الاولى النسخة العبرية. والثانيةالنسخة الاغريقية المسماة السبعينية، ويعود تاريخ ترجمتها الى القرن الثالثقبل الميلاد. النسخة السبعينة كانت المعتمدة لدى المسيحيين في القرونالاولى لنشأة المسيحية. وبسبب وجود اختلافات في النصوص وفي عدد الكتب بينالنسختين، تخلت عنها أغلب الطوائف المسيحية لصالح النسخة العبرية، علىافتراض انها الارجح، ومكتوبة باللغة الام.

الذين ترجموا النسخة الاغريقية السبعينية كانوا كلهم يهود وعلماء دين،فلماذا الاختلاف؟ وكان الجواب انها ترجمة، ومهما بلغت في دقتها فلن تكن طبقالاصل. هذه الفرضية انهارت في العصر الحديث، بعد اكتشاف مخطوطات كهوف قمرانفي البحر الميتفي الاردن. بعض النصوص المكتشفة، ومكتوبة بالعبرية، طابقت النسخة الاغريقيةالسبعينية!
ما نجد هنا هو انه كانت توجد نسختين من العهد القديم، والذينترجموا السبعينة اعتمدوا النسخة الثانية. وكان هذا في الزمن الذي تمت فيهالترجمة، وما كان من حذف وتبديل قبل ذلك فعلمه عند الله.

ويكيبيديا: تطور الكتاب المقدس، النسخة اليهودية
Development of the Hebrew Bible canon
https://en.wikipedia.org/…

وبالاضافة الى الاختلاف بين النسخ الموجودة، هناك كتب مفقودة من الكتابالمقدس. وحتى لا يقال اننا نفسر النصوص على المزاج، أتينا ببحث من موقعمتخصص في دراسات الكتاب المقدس:

كتب مفقودة من الكتاب المقدس، د. پاول رچردسون
Lost Books of the Bible, Dr. PaulRichardson
http://www.icwseminary.org/lost-books-of-the-bible

التالي بعض الامثلة من الرابط اعلاه، الكتب المفقودة معلمة بالأحمر:

“فدامت الشّمس ووقف القمر حتّى انتقم الشّعب من أعدائه. أليس هذا مكتوبافي سفر ياشر؟” (يشوع 10: 13)

“وبقيّة أمور سليمان وكلّ ما صنع وحكمته هي مكتوبة في سفر أمور سليمان.” (ملوك واحد 11: 41)

“وأمور رحبعام الأولى والأخيرة مكتوبة في أخبارشمعيا النّبيّ.” (اخبار الايام الاول 12: 15)

“وبقيّة أمور أبيّا وطرقه وأقواله مكتوبة في مدرسالنّبيّ عدّو.” (اخبار الايام الثاني 13: 22)

“وبقيّة أمور سليمان الأولى والأخيرة مكتوبة في أخبار ناثان النّبيّ وفي نبوّة أخيّاالشّيلونيّ وفي رؤى يعدو الرّائي علىيربعام بن نباط.” (اخبار الايام الثاني 9: 29)

يقول البعض ان الكتب المشار اليها هي مجرد كتب تاريخية لا قدسية لها. فإن كانت هذه الكتب لا قدسية لها، كما يدعون، فكيف يستشهد بها الرب؟ تصورانك تقرأ نصا مقدسا نازلا من السماء على نبي وفيه يحيلك الرب الى كتاب منتأليف البشر، مثلا ان تقرأ: أليس هذا مكتوبا في كتاب طه حسين؟! هل يعقل أنيستشهد الرب، حتى يثبت صدق قوله، بكتاب ألفه طه حسين؟ الحقيقة هي ان هذهالاسفار كتبها أنبياء، واسماء بعضها تدل على ان فيها نبؤات، وليست كتبعادية لا قيمة لها.

وبالاضافة الى الاختلاف والكتب المفقودة (أو المخفاة عمدا)، يوجد نصصريح في الكتاب المقدس يشهد فيه النبي ارميا على ان بني اسرائيل كانوايحرفون الكتاب: “كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرّبّمعنا؟ حقّا إنّه إلى الكذب حوّلها ((قلم)) الكتبة الكاذب.” (ارميا 8:8)

لاحظوا قوله “قلم”،بما يعني ان التحريف جرى في النص المكتوب المعتمد، وليس شفهيا من بابالتدليس والضحك على البسطاء.

فإذا كان هذا شأنهم، وكلما انزل الرب عليهم نصا قاموا بتحريفه أواتلافه، وفي كل مرة يجب التصحيح، فكيف يستأمنهم على النصوص التصحيحيةالجديدة؟

“حسنا إذن، بشفاة اجنبية ولسان غريب سوف يكلم الربهذا الشعب” (اشعيا 28: 11)
“Very well then, with foreign lips andstrange tongues God will speak to this people”
(Isa 28:11, New International Version)
http://biblehub.com/isaiah/28-11.htm

وهذا ما حصل — القرآن هو الكتاب الاجنبي الوحيد الذي خاطب الله منخلاله بني اسرائيل.

الخلاصة: “إنّ هذا القرآن يقصُعلى بني إسرائيل أكثر الّذي هم فيه يختلفون” — لا يوجد نسخوتكرار، وإنما خطاب تصحيحي موجه الى بني اسرائيل في المقام الاول، ولكنبشفاة أجنبية ولسان غريب.