الشيخ حسن الحاج شحادة

العلماء يؤكدون على مكانة الوسطية في الإسلام ويشددون على ضرورة تطبيقها

   تحقيق:  منى توتنجي

الوسطية سمة بارزة من سمات الشرع الحنيف، فهذه الشريعة الربانية متسمة بأنها شريعة السماحة، ورفع الحرج؛ لأنها موافقة للفطرة السليمة للمرء، والإسلام وسط في كل القضايا الدينية، والدنيوية، والعبادات، والمعاملات، ولذا حدد الله – عز وجل – أنه جعل هذه الأمة أمة وسطاً، ومنهجها منهجاً وسطياً.
فهي الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعاً فتقيم بينهم العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم، وتبدي فيهم رأيها فيكون هو الرأي المعتمد، وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم فتفصل في أمرها، وتقول: هذا حق منها وهذا باطل، وهي شهيدة على الناس، وفي مقام الحكم العدل بينهم، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يشهد عليها فيقرر لها موازينها وقيمها، ويحكم على أعمالها وتقاليدها ويزن ما يصدر عنها ويقول فيها الكلمة الأخيرة وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها.
وهنا لا بد من التأكيد على أن الكلام عن الوسطية إنما هو بالاستعمال الحق لهذه الكلمة التي لها ما يؤيدها من القرآن والسنَّة وأقوال أهل العلم، وقد جاء في القرآن بأن هذه الأمة «أمة الوسط»، والمقصود بها الخيار والعدول، وهم الذين يكونون بين طرفي النقيض، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.

شحادة
{ بداية قال القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة أن الوسطية الجامعة هي التي تجمع بين عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة فتكوّن موقفا جديدا مغايرا للقطبين المختلفين ولكن المغايرة ليست تامة فمثلا العقلانية الإسلامية تجمع بين العقل والنقل، والإيمان الإسلامي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة..
وأوضح أن الوسطية الإسلامية تعني ضرورة وضوح الرؤية باعتبار ذلك خاصية هامة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي بل إنها منظار للرؤية وبدونه لا يمكن أن نبصر حقيقة الإسلام، وكأنها العدسة اللامعة للنظام الإسلامي والفكرية الإسلامية. كما الفقه الإسلامي وتطبيقاته فقه وسطي يجمع بين الشرعية الثابتة والواقع المتغير أو يجمع بين فقه الأحكام وبين فقه الواقع ولهذا إن الله سبحانه وتعالى هو الذي جعل وسطيتنا اختيارا إلهيا بدليل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ويقوم منهج الوسطية الإسلامي على جملة من الدعائم الفكرية التي تبرز ملامحه وتحدد معالمه وتحسم منطلقاته وأهدافه وتميزه عن غيره من التيارات وتتمثل في الملاءمة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر. وكذلك فهم النصوص الجزئية للقرآن والسنة في ضوء مقاصدها الكلية. وأيضا التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة. والتشديد في الأصول والكليات والتيسير في الفروع والجزئيات. والثبات في الأهداف والمرونة في الوسائل. الحرص على الجوهر قبل الشكل. وأيضا على الباطن قبل الظاهر وعلى أعمال القلوب قبل أعمال الجوارح.
وأشار إلى أن خلاصة تعريف الوسطية يقصد بها ومنها: الفهم التكاملي للإسلام بوصفه عقيدة وشريعة. ودنيا ودينا. ودعوة ودولة. دعوة المسلمين بالحكمة وحوار الآخرين بالحسنى. الجمع بين الولاء للمؤمنين والتسامح مع المخالفين. والجهاد والإعداد للمعتدين. والمسالمة لمن جنحوا للسلم. والتعاون بين الفئات الإسلامية في المتفق عليه والتسامح في المختلف فيه. مع ملاحظة أثر تغير الزمان والمكان والإنسان في الفتوى والدعوة والتعليم والقضاء مع اتخاذ منهج التدرج الحكيم في الدعوة والتعليم والإفتاء والتغيير والجمع بين العلم والإيمان. وكذلك بين الإبداع المادي والسمو الروحي. وبين القوة الاقتصادية. والقوة الأخلاقية مع ضرورة التركيز على المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية مثل العدل والشورى والحرية وحقوق الإنسان وتحرير المرأة من رواسب عصور التخلف ومن آثار الغزو الحضاري الغربي من خلال الدعوة إلى تجديد الدين من داخله وإحياء فريضة الاجتهاد من أهله في محله والحرص على البناء لا الهدم وكذلك على الجمع لا التفريق وعلى القرب لا المباعدة مع الاستفادة بأفضل ما في تراثنا كله: من عقلانية المتكلمين. وروحانية المتصوفين. وانضباط الفقهاء والأصوليين والجمع بين استلهام الماضي ومعايشة الحاضر واستشراف المستقبل.

وأكد على أن علماء الدين الثقات المشهود لهم بالوسطية والاعتدال هم من يحكمون على إنسان ما بأنه وسطي أو غير وسطي لأنهم أهل الذكر الذين مطلوب منا سؤالهم في الأمور التي تلتبس علينا وذلك تنفيذا لقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
اللقيس

الشيخ غسان اللقيس إمام مدينة جبيل

{ أما عن مفهوم الوسطية الإسلامية كمنهج حياة متكامل قال الشيخ غسان اللقيس إمام مدينة جبيل أن الإسلام حث على التوسط والاعتدال في كل أمور الحياة الدينية والدنيوية واعتبر الوسطية سمة من سماته فدعا إلى الاعتدال في العبادات وفي المأكل والمشرب كما قال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وذلك الاعتدال في الإنفاق فقال الله سبحانه وتعالى: {والَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}، وكذلك التوسط والاعتدال حتى في المشي والكلام فقال الله سبحانه وتعالى: {«وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور}، وهذه الوسطية تحقق الاعتدال بين مطالب الروح والجسد بعيدا عن الغلو والتشدد من ناحية وبين الانحلال والتفريط.
وقال: وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بالوسطية في الحياة والموت فقال: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر».
وأنهى كلامه بأن تعاليم الإسلام نفسها هي الفيصل في الحكم على إنسان ما بأنه وسطي او غير وسطي من خلال عرض أفعاله وأقواله وكل تصرفاته على صحيح الدين من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فإن وافقتها فهو إنسان وسطي وان خالفتها فهو غير وسطي فيكون الحكم عليه بأنه «متطرف أو مفرط» في ضوء أحكام الدين عليه.
وأضاف أن الوسطية هي الاعتدال في كل أمور الحياة مع التحري والسعي المتواصل للوصول إلى الصواب وهي وسط بين «التشدد والانحلال» . أو «الإفراط والتفريط» بالإضافة إلى أنها منهج فكري وموقف أخلاقي وسلوكي.
وعن التأصيل الشرعي للوسطية قال: لقد جاء ذكر الوسطية تصريحا وتلميحا في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية منها على سبيل المثال لا الحصر: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}. هنا تؤكد الآية أن الوسطية تحقق التوازن في الحياة التشدد في محله وسطية والرفق في محله وسط كذلك الوسطية في مفهوم الإسلام منهج أصيل ووصف جميل ومفهوم جامع لمعاني العدل والخير والاستقامة ولهذا وصفها بعض العلماء بأنها حق بين باطلين واعتدال بين تطرفين وعدل بين ظلمين.
أما من لهم الحق في الحكم على مسلم ما بأنه وسطي أو غير وسطي فإن علماء الأمة هم عقلها وقلبها النابض الذي لا يخطئ الحكم طالما كانت النوايا خالصة وليس فيها أهواء شخصية ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : «إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ الى النار».