الدعوة غاية الخلق الجزء الاول: “إلا ليعبدون”..

مصطفى شقرون

 

لخلق الإنسان غاياتان: الإحسان والاستخلاف في الأرض.. وهما مترابطتان.. ذلك أن الأرض يرثها الصالحون..
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون)
ودون الغايتين ابتلاء في طريق الإحسان وعقبات (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)..

فكيف تكون الدعوة غاية الغايتين؟

هذا ما نحاول الإجابة عليه في هذه السلسلة ونرجو من الله التوفيق في ما نحن بصدده..

يظن بعض الناس ان الدعوة شيء زائد على الدين.. بل يرى البعض منهم أن قيامه بالدعوة يعد تميزا وإضافة نوعية تحسب له وقد يعتد بها حتى بعض الدعاة سرا أو علانية..
وقد سمعت بعض علماء الشريعة يقسم الدعوة -بعد مقدمة تبرز أهميتها- إلى فرض عين وفرض كفاية.. فما أقتنعت بما سمعت.. كيف والأمر من رسول الله لا يستثني أحدا سمع (بلغوا عني ولو آية).. فقررت أن أكتب -اجتهادا فقط- أن الله ما خلقنا إلا لندعو إليه.. وأننا نتميز عن الجن والأنعام والشجر والحجر والطير بالدعوة إليه فقط.. وأن الدعوة أصل تكريمنا وتفضيلنا على كثير ممن خلق.. وليست فقط عملا صالحا مهما مستحبا يجازى عليه.. وليست ركنا “سادسا”.. مبالغة في إبراز الأهمية باختلاق “ركن” مختلف فيه..

في السنة التي أكتب فيها هذه السلسلة، يسكن الأرض 7 مليارات من الناس.. قرابة 2 مليارين منها من المسلمين.. أكثرهم يدين بإسلام وراثي جغرافي فردي.. منتهى آماله من التدين حضور صلاة الجمعة والتراويح في رمضان والحج ومراكمة العمرات.. والتصدق الفردي المحدود الذي يمكن من إضافة لقب (محسن) على لقب (حاج) لكنه -وإن كان يريح ضمير المتصدق- إلا أنه ككل عمل فردي يكون غثاء منبثا لا يجدي في تطوير الأمة بل يسكن آلام قلة القلة.. بل يعين الظالمين على تغطية فشلهم واستمرار نهبهم..

في الأرض إذا 25% من الناس وصلتهم رسالة الله كاملة غير محرفة.. فكيف نفهم قول الله (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون).. كيف نفهمها وأكثر من 5 مليار إنسان لا يعبدون الله تماما أو كما يجب..

والجواب أن الهدف من الخلق هو العبادة لكل الخلق.. مباشرة بأن يضعك في بلد تسمع فيه أذان الله (أي دعوته إليه) بلا اختيار منك ولا جهد.. و كذلك بشكل غير مباشر بأن تكون وسيلة للدعوة إليه لتتحقق عبودية الناس له..

وبذلك تكون (ليعبدون) موازية “ليدعون إلي” أي بمعنى “ليدعو بعضهم بعضا”..

ليدعو الذين أبلغهم الله تعالى مباشرة من لم يبلغهم..

ولا يقولوا “الحمد لله على نعمة الإسلام” ليرتاحوا وليستعلوا على من لم تصلهم الرسالة الخاتمة..
بل ليقولوا “شيبتني هذه الأمانة التي حملني الله بجعلي مسلما”.. كما شيبت “هود” وأخواتها أجمل الخلق وأحلاهم.. صلى الله عليه سلم ما دام كون الله..

وليخشوا ربهم وليتقوه مخافة الظلم والجهالة..

فالدعوة هي الأمانة التي ميزت الانسان.. لا شيء غير ذلك..

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا)..

وما خلق الله 5 مليارات بعيدين عن الصوامع إلا لنقوم بما من أجله خلقنا.. الدعوة..

وهذه ليست دعوة للسفر بل إن الدين إسلام كامل جماعي متعد يخاطب (الذين آمنوا) وليس اسلاما فرديا أنانيا.. فعليك بدعوة جارك أولا وإخباره بأن الدين إسلام وإيمان وإحسان وجماعة ونشدان عدل.. لا جمعة أوقاف وكسكس وجلباب..