التوحيد هو جوهر رسالة عيسى عليه السلام:

 

كانت الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، ونفي الألوهية عما سواه، هي دعوة الأنبياء والمرسلين بعامة إلى الخلق أجمعين، وهي بطبيعة الحال دعوة نبي الله عيسى عليه السلام، وما جاء في كتب النصارى وأناجيلهم القديمة -على ما أصابها من تحريف- لهو أصدق شاهد على دعوة عيسى عليه السلام لتوحيد الله عز وجل، ولكن دعونا نقف على شهادة القرآن الكريم على عقيدة التوحيد في دعوة عيسى عليه السلام.

 

* القرآن أكبر شهادة:

 

أعظم شاهد على دين النصرانية المحرف هو القرآن الكريم، الكتاب الخالد المعجز، المُنزَّل من الله سبحانه وتعالى على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، والذي تحدى الله به الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثل سوره، فهو شهادة الله القائمة إلى آخر الدنيا، وكلمته الباقية في عباده، وحجته الدائمة على خلقه، وقوله الفصل في كل خلاف سبق نزوله، أو تأخر عنه، ولا يشكك في هذا القرآن إلا من أعمى الله بصره وبصيرته، وطمس على قلبه، وأصم أذنيه عن سماع الحق، وأعرض، ولم يرد إلا الحياة الدنيا، وإلا فكل من به أدنى إيمان ومعرفة وعقل ونظر يعلم يقيناً أنه كتاب منزل من الله سبحانه وتعالى، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب، وقد نشأ في مكة لم يخالط أحداً من أهل الكتاب، ولم يسمع منهم لم يكن له أن يعلم تاريخ النبوات الأولى، وتفاصيل ما جاءت به الرسل قبله، وأن يكون ما أخبر به هو عين ما عند أهل الكتاب مما يأثرونه وينقلونه.

 

وكذلك ما كان لرجل أمي أن يأتي بمثل هذا التشريع الكامل، والشريعة المطهرة التي لو إجتمع لها كل أساطين القانون والعدل لما إستطاعوا أن يصوغوا مثلها في العدل والقسطاس، بل إن أحكامها معجزة في إرساء العدل والرحمة والإحسان.

 

وكذلك ما كان لرجل أمي أن يحيط علماً بكل هذه الأسرار العظيمة من أسرار الخلق في السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم والنبات والحيوان، والمطر والرياح، ودقائق الجسم الإنساني، والنفس البشرية، وأن يأتي في هذا من العلوم والحكم والأسرار مما لم يعرفه الناس إلى زمانه، ولا يزالوا يجهلونه إلى زماننا، ولا يزال يظهر كل يوم من أسرار هذه العلوم المبثوثة في القرآن ما يقطع يقيناً أنه ليس من تأليف إنسان ولو فرغ حياته للعلم المادي، وأوقف نفسه له.

 

وكذلك ما كان لرجل أمي أن يكتب في صفة الله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والغيب، والعوالم الأخرى خارج هذا العالم المشاهد ما جاء به هذا النبي الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.

 

وكذلك فقد أخبر هذا النبي الكريم بآلاف الغيوب والأحداث المستقبلية ما كأنه يراه رأي العين، ويطلع عليه.. مما يدل أنه تكلم بنور الله، وبعلمه، ولم ينطق في شيء من هذا، وغيره عن هواه، وعن نفسه..

 

وكل هذا يدل دلالة قاطعة على أن القرآن الكريم هو كتاب الله الحق المنزل على عبده ورسوله محمد سيد ولد آدم وخير الرسل جميعاً، وأعظمهم أثراً وهداية في هذه الأرض، وإمام خير أمة، أخرجت للناس إيماناً وصدقاً، ودعوة إلى توحيد الله وعبادته.

 

* عقيدة القرآن في عيسى عليه السلام:

 

القرآن الكريم قد أتى بالقول الفصل في شأن عيسى عليه السلام، وأنه عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنه لم يكن هو الله، ولا ابن الله نسباً وولادة، وذاتاً، تعالى الله علواً كبيراً.. وأن عيسى عليه السلام لم يُقتل، ولم يُصلب، وإنما رفعه الله إليه في السماء منجياً له من مكر اليهود، وتآمرهم لقتله، وأن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان، فيصلي مع أهل الإيمان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمر بقتل الخنازير، وتكسير الصلبان، ولا يقبل من المشركين عبدة الصليب إلا الإسلام أو القتل، فلا يقبل منهم جزية..

 

هذه العقيدة الواضحة الكريمة التي جاء بها القرآن، وبينها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم تناقض ما زعمه النصارى من الرومان، وغيرهم بظنونهم الواهية، وعقولهم المريضة الفارغة في الوثنية والشرك.

 

إن القرآن الكريم الذي نزل بالكلمة الإلهية الأخيرة إلى أهل الأرض، قد قرر الوحدانية لله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض، وأنه جل وعلا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأنه جل وعلا لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك، وأنه خالق عيسى وأمه، وأنه يملك أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً، وأن المسيح عليه السلام ليس إلا رسولاً قد خلت من قبله الرسل، وأنه بشر يأكل ويشرب، وشهادة الله سبحانه في القرآن الكريم الذي جاء مصدقاً لما في الإنجيل والتوراة أعظم شهادة {قل أي أكبر شهادة*قل الله شهيد بيني وبينكم}، وشهادة الله قد أثبتها القرآن على هذا النحو: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}، وفي كل ما شهد الله به في القرآن الكريم في شأن عيسى بن مريم عليه السلام تكذيب وإبطال لعقيدة النصارى الذين قالوا المسيح ابن الله، والذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم.

 

قال تعالى: {وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ*إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [آل عمران:50-51].

 

وقال جل وعلا: {يا أهلَ الكتابِ لا تَغلُوا في دينِكُم ولا تَقُولُوا على الله إلاَّ الحَقَّ إنَّما المسيحُ عيسى ابنُ مريمَ رسُولُ الله وكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منهُ فآمِنُوا بالله ورُسُلِهِ ولا تَقُولُوا ثلاثةٌ انتَهُوا خَيراً لكم إنَّما الله إلهٌ واحِدٌ سُبحانهُ أن يكونَ له وَلَدٌ لهُ ما في السَّمواتِ وما في الأَرضِ وكَفَى بالله وكيلاً*لن يَستَنكِفَ المسيحُ أن يكونَ عبداً لله ولا الملائِكَةُ المُقَرَّبُونَ ومن يَستَنكِفْ عن عِبادَتِهِ ويَستَكبِر فَسَيَحشُرُهُم إليه جميعاً*فأمَّا الَّذين آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالحاتِ فَيُوَفِّيهِم أُجُورَهُم ويَزيدُهُم من فَضلِهِ وأمَّا الَّذين استَنكَفُوا واستَكبَروا فَيُعَذِّبُهُم عذاباً أليماً ولا يَجِدونَ لهم من دونِ الله وليّاً ولا نصيراً} [النساء: 171-173].

 

وقال سبحانه: {وإذ قال الله يا عيسى ابنَ مريمَ أأَنتَ قُلتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَينِ من دونِ الله قال سُبحانكَ ما يكونُ لي أن أقولَ ما ليس لي بِحَقٍّ إن كُنتُ قُلتُهُ فقد عَلِمتَهُ تَعلَمُ ما في نفسي ولا أعلَمُ ما في نَفسِكَ إنَّكَ أنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ*ما قُلتُ لهم إلاَّ ما أمَرتَنِي به أن اعبُدُوا الله ربِّي وربَّكُم وكُنتُ عليهم شهيداً مادُمتُ فيهم فلمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقيبَ عليهم وأنتَ على كُلِّ شَيءٍ شهيدٌ*إن تُعَذِّبهُم فإنَّهُم عبادُكَ وإن تَغفِر لهم فإنَّكَ أنتَ العزيزُ الحكيمُ} [المائدة: 116-118].

 

وقال تعالى: {وقالتِ اليهودُ عُزَيرٌ ابنُ الله وقالتِ النَّصارى المسيحُ ابنُ الله ذلك قَولُهُم بأفواهِهِم يُضَاهِئُونَ قولَ الَّذين كَفَرُوا من قبلُ قاتلَهُمُ الله أنَّى يُؤفَكُونَ*اتَّخَذُوا أحبارَهُم ورُهبَانَهُم أرباباً من دونِ الله والمسيحَ ابنَ مريمَ وما أُمِروا إلاَّ لِيَعبُدُوا إلَهاً واحداً لا إلهَ إلاَّ هوَ سُبحانَهُ عمَّا يُشرِكُونَ} [التوبة:30-31].

 

ولهذه الآيات الكريمات وفقة بل وقفات، إن شاء رب الأرض والسماوات.

 

المصدر: اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.