التنصير وقضايا المرأة (1)

محمد السروتي مسؤول الأنشطة العلمية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، أستاذ زائر بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور، المملكة المغربية.
محمد السروتي مسؤول الأنشطة العلمية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، أستاذ زائر بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور، المملكة المغربية.

لقد تطورت الأساليب التنصيرية بشكل لافت في القرن العشرين، وكان من أبرز الأساليب التي لقيت اهتمامًا كبيرًا من المنصرين – الأسلوبُ غير المباشر، وهو أسلوب يعتمد أساسًا على الوسائل المساعدة؛ لإيصال الدين النصراني بأيسر السبل، وأوضح الطرق، وقد اقترح المنصِّرون في مؤتمر (كولورادو) بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1978م – التركيز على هذا الأسلوب؛ لتحقيق الهدف الذي أعلنوا عنه، وهو اختراق الإسلام لهدمه، وتنصير كل المسلمين[1].

لأن الأساليب الأخرى – أي: المباشرة والشاملة – غير كافية وحدَها، ولأن الأسلوب غير المباشر في حقيقة الأمر ليس سوى الخطوة الأولى في الطريق، ويهدف الأسلوب إلى خلق رَأي عام، والسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصَّحافة، التي تُعدُّ أقوى الأدوات وأعظمها نفوذًا وتأثيرًا[2].

ويقدم المنصرون تعريفًا للأسلوب غير المباشر بأنه: “القوة الصامتة، وغير المرئية، التي لا تدخل في أي جدال، ولا تقبل أي اعتذار، وعلى الرغم من ذلك تنتقل من العقل إلى القلب والضمير؛ لتحدث مُعجزة التنصير”[3].

أمَّا عن وسائل هذا الأسلوب؛ فهي كثيرة جدًّا، إلى درجة أن أطلق عليها اسم: “الصفحة المكتوبة، أو المنصر المتواجد دائمًا”[4].

وتُعَدُّ الكلمة المكتوبة من الوسائل التنصيرية الهامة، وعن طريق الكلمة المكتوبة يستطيع المنصرون الوصول إلى الناس؛ من أجل تنصيرهم والتأثير على أفكارهم، أضِفْ إلى ذلك أن تطور الطِّباعة في عصرنا الحديث قد سهَّل عملية انتقال الأفكار، وكانت المهمة الأولى بالطبع التي يسعى المنصرون لتحقيقها في هذا المجال: هي ترجمة الكتاب المُقدَّس إلى اللهجات المحلية، وقد تم لهم ذلك[5].

ويشمل هذا الأسلوب ما يلي: “الكرَّاسات الدينية، والصحف، والرسوم الكرتونية المتحركة[6]، والكتيبات والكتب، والمجلات، ودورات المراسلة، والنصوص الإذاعية، والتسجيلات، والمسرحيات، ومواد القراءة والكتابة، وترجمات الكتاب المقدَّس، والصور والملصقات، وأي مواد إيضاحية أخرى”[7].

إضافةً إلى الكتاب المقدس وترجمة بعض أجزائه، فقد كان المنصِّرون يطبعون ويوزعون عددًا من الأعمال المطبوعة، والكتيبات، والنشرات والكتب، وكان هذا العمل المحدود يهدف إلى تعريف المنطقة بالنَّصرانية، ومناهضة الأنشطة الدينية الأخرى، خاصةً الإسلاميةَ[8].

ومن سوء الحظ لم أتمكَّن في عملي الميداني من العثور على مطبوعات تنصيرية مصنَّفة، وقد جاء ذكر الكتيبات القليلة المكتوبة؛ لتعريف أهالي المِنْطَقة بالنصرانية، في التقارير المكتوبة عن الإرسالية العربية الأمريكية، بأيدي رُوَّادها وقادتها، وأحد المنشورات التي يكثُر الإشارة إليها ترجمة لمقالة مُناوئة للإسلام بعنوان: “المسيح أو محمد، وبأيهما تثق؟”[9].

ومن مساوئ هذا النوع من الوسائل: أنَّها تعمل على خلق التعقيدات، بدلاً من حَلِّها، وبدلاً من تعريف المسلمين بالجوانب الإنسانيَّة والدينية النَّصرانية، فإنَّ هذه الكتابات قد جلبت نقمة الناس، إنَّ العمل التنصيري يجب أن يتميز بالمرونة في بدايته؛ ليتمكَّن من تعريف المسلمين بالمسيحية وإقناعهم بها، مُبتعدًا قدر الإمكان عن إيذاء مشاعر الناس[10].

وتضاف إلى هذه الوسائل كلها أنواع أخرى؛ كاستغلال الخدمات الإنسانيَّة، والتضليل والتلبيس، واستغلال المرأة، وسأحاول التفصيل في النقطة الأخيرة المتعلقة باستغلال المنصِّرين للمرأة.

حقيقة استغلال قضية المرأة لم تقفْ عند حدٍّ، فَقَدْ حاول المنصرون بشتَّى الطرق والوسائل الوصول إلى المرأة، ولعل أغرب هذه الوسائل هي التي ذكرها الشيخ سفر الحوالي في موقعه الإلكتروني، حين قدَّم مثالاً على محاولات المنصرين الدخول إلى عالم المرأة، عن طريق المطبخ أو الطهي، فيقول: “لأنَّهم يعلمون أن كل امرأة تحتاج إلى الطبيخ؛ لأنَّه عمل النساء، خاصة في مجتمعنا هذا – والحمد لله – وأي بيت يريد أن يطبخ، فإنَّه لا بُدَّ له أن يحتاج إلى الزيت، وعن طريق “زيت عافية” – كما يسمونه – أرادوا أن يدخلوا إلى أسرار البيوت التي لا يعرفها أحد، فأنا وأنت لا نقدر أن نعرف ما اسم زوجة جارنا في الشَّقة، وما عملها، وكم عمرها، لكنهم وعن طريق نشرات بعنوان “عالم عافية للسيدات” التي وزعوها، ونشروها، استطاعوا أن يعرفوا الاسم، والعمر، والعنوان، والعمل، والهواية، ثم بعد التعرف تبدأ لقاءات في مطعم كذا أو في فندق كذا، ثم بعد ذلك القيام بالرحلات للخارج، وهنالك تُستقبَل عن طريق المنصِّرات، وهكذا، عمل بطيء؛ ولكنه أكيد المفعول لإفساد المرأة المسلمة”[11].

إذًا؛ من شؤون المطبخ إلى قضايا الفكر، لا شَيْء يُترك سُدًى في الأعمال التنصيرية؛ فالغاية تبرِّر الوسيلة عندهم، فما دام الهدفُ هو الوصول إلى تنصير الفرد، فلا فرقَ عند المنصرين في استغلال المرأة أو الأطفال، ولا فرق أيضًا في الاهتمام بالمطبخ أو قضايا الفكر، ما دام يؤدي إلى المروق، وزرع بذور الفتنة والشقاق، فهي الوسيلة الأنجع، والواجبة الاتباع.

لقد كثرت المؤامرات والمخططات للنيل من شموخ وعزة المرأة المسلمة، حتَّى تعلقت آمال المنصرين بها بأنْ يَجعلوها المِفتاح التنصيري الفعَّال؛ للتغلغل في قلب المجتمعات الإسلامية، وتتعدد أشكال وصور هذه المؤامرات، ومنها ما يظهره المنصرون في أشكال برَّاقة، وشعارات رنانة من قبيل الحرية والمساواة، بَيْد أنَّها تصبو إلى غاية واحدة، هي صدُّ المسلمة عن دينها الذي ارتضاه الله لها، وإلباسها الصليب، وزعزعة إيمانها بمحو أساسات الخلق القويم من وجدانها باسم التطور، وطمس معالم العفَّة والحياء باسم الحرية.

وخلاصة القول: لقد أدرك المنصرون مُبكرًا أهمية المرأة المسلمة، ودَورها العظيم في صنع رجال ونساء الأمَّة، فكسبها ربحٌ ونصْرٌ، تهون بعدها كل معاقل الإسلام وحصونه المنيعة؛ لذا لم يكن حُبًّا لسواد عيون المسلمين – كما يقال – فتح مدارس البنات لتلتحق بها في ربوع العالم الإسلامي، ولم يكن كلام المنصرين في إعلان المؤتمر التنفيذي الذي عُقد في القاهرة عام 1906م – مُجرد شعار استهلاكي؛ بل خطة عمل لا تزال تنفذ.

وأختم المقال بمقتطف الإعلان، وجاء فيه ما يلي: “لا سبيلَ إلاَّ بجلب النساء المسلمات إلى المسيح، إنَّ عدد النساء المسلمات عظيم جدًّا، نحن لا نقترح إيجاد منظمات جديدة، ولكن نطلب من كل هيئة تبشيرية أنْ تَحمل فرعها النسائي على العمل، واضعة نُصب عينيها هدفًا جديدًا، هو الوصول إلى نساء العالم كلهن من هذا الجيل”.

 


[1] “الغارة الجديدة على الإسلام”، محمد عمارة – م س ص: 222، بتصرف.

[2] “المستشرقون ومشكلات الحضارة”، عفاف صبرة – دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع، السنة: 1985. ص: 46.

[3] “التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي: نظرة شاملة على إرساليات التنصير العاملة وسط المسلمين”، لجورج بيترز، م س، ص: 594.

[4] المرجع نفسه، ص: 592.

[5] “التبشير في منطقة الخليج العربي: دراسة في التاريخ الاجتماعي والسِّياسي”، عبد المالك خلف التَّميمي، م س، ص:76.

[6] “صورة لنموذج من الرسوم المتحركة الموجهة للأطفال”.

[7] “التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي: الوضع الحالي للمطبوعات، ووسائل الإعلام الأخرى الموجهة للمسلمين”، لريمون جويس، م س، ص: 519.

[8] “التبشير في منطقة الخليج العربي: دراسة في التاريخ الاجتماعي والسِّياسي”، عبد المالك خلف التَّميمي، م س، ص:76.

[9] المرجع نفسه.

[10] “التبشير في منطقة الخليج العربي: دراسة في التاريخ الاجتماعي والسِّياسي”، عبدالمالك خلف التَّميمي، م س، ص: 76.

[11] “أهم مجالات التنصير”، الشيخ سفر الحوالي، الرابط الاليكتروني:

http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.SubContent&ContentID=1062