الروح

الروح كيان يميز الحي عن الميت ولا يجادل في وجودها أحد ولكن ما هو ذلك الروح، الذي يجعل القلب ينبض تلقائيا، وهو بعد مضغة وجنين في ظلمات الرحم، ويجعل المخ يعمل ويتلقى الرسائل ثم يلقى الأوامر إلى كل خلية من خلايا الجسم في نظام رائع متشابك، وهو أيضا الروح الذي بخروجه – لسبب أو لغير سبب مفهوم – تنتهي الحياة، لقد تحدى الله البشر أن يدركوا من أمرها شيئا:

)وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ا( [الإسراء: 85].

وقد مرت قرون ظن فيها بعض بني البشر أنهم قد أوتوا من كل شيء علما، ولكن أحدا منهم لم تأته بعد بارقة من معرفة بكنه الروح التي اختص الله تعالى نفسه بعلمها، تحد قائم مازال معجزا حتى هذا الزمان وفي كل زمان.

الجلد

الجلد مركز الإحساس بالألم لوخز أو حرق أو ما إلى ذلك، ذلك أمر معروف، تفسيره العلمي أن أعصاب الجلد تنقل إشارات إلى مراكز الإحساس بالمخ، أما ما لم يعرفه البشر إلا حديثا فهو أن الإنسان يفقد إحساسه بالألم عندما تتلف أعصاب الجلد هذه بمؤثرات كالحرق أو الجذام، وقد أنذر القرآن الكريم الكافرين والمنافقين؛ والعاصين المصرِّين، بالخلود في نار جهنم، وهناك – كى يتجدد إحساسهم بالألم ولا يفتر عنهم العذاب – تبدل جلودهم أولا بأول، كما جاء في قول الخالق العليم:

)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا[النساء: 56](1).

البصمات

إن الخطوط المميزة لبصمات الأصابع، والتي لا تتكرر بين إنسان وإنسان، في أي زمان أو مكان، حقيقة علمية لم يكتشفها الطب الشرعي إلا في القرن التاسع عشر، ليعتمد عليها علم الجريمة بعد ذلك في كشف الجرائم، ومن هنا كان إعجاز القرآن – في معرض الرد على منكري البعث – بالتنويه بقدرة الله تعالى في تسوية؛ ثم إعادة تسوية، أطراف الأصابع (البنان) بأدق تفاصيلها المتميزة لكل إنسان، ذلك البنان الذي يبدو – لمن لا يعلم- ضئيل الشأن، لا يستحق في القرآن ذكرا، بينما هو دليل على دقة الله في خلقه، والتي لا يدرك قدرها إلا العالمون، واختصاص البنان بالذكر في الآية آية على عِلْم مُنْزِل القرآن العظيم:

 )أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ( [القيامة: 3، 4](2).

الرائحة

أفاد الطب الشرعي الحديث أن رائحة كل إنسان مميزة له عن غيره من سائر البشر – تماما كبصمات الأصابع – ومن هنا تستخدم الكلاب البوليسية، بما أوتيت من قوة حاسة الشم في تعقب المجرمين، ويتفق ذلك تماما مع ما جاء في سورة يوسف من أن الله تعالى قد اختص نبيه يعقوب بهذه القدرة:

)وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ( [يوسف: 94](2).

 المناعة

أظهر الطب الحديث الدور المعقد والرائع لكل من المناعة الطبيعية والمكتسبة، وتتمثل المناعة الطبيعية في الإفرازات السطحية المقاومة للبكتريا في الجلد وفي الأغشية المخاطية، وفي مواد مضادة للبكتريا في الأنسجة وسوائل الجسم؛ وفي خلايا الدم الملتهمة (من كرات الدم البيضاء وبعض أنواع البكتريا داخل الجسم) التي تقاوم البكتريا المعادية، أما المناعة المكتسبة فتتمثل في الأجسام المضادة والخلايا المضادة، وقال في ذلك عز من قائل:

 )إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ( [الطارق: 4].

ولقد فهم العلامة ابن كثير في تفسيره الشهير الذي أخرجه في القرن الثامن الهجري من هذه الآية أن “كل نفس عليها من الله حافظ يحفظها من الآفات”، دون أن يعرف هذه التفاصيل الحديثة التي فصلتها تجريبيا دراسة الميكروبيولوجيا. آية أخرى للإعجاز القرآني.

____________________________

1-تدل على شدة العذاب. . . بدليل ما تقرره الحقيقة العلمية من أن الأعصاب المنتشرة في طبقات الجلد هي أكثر الأعصاب حساسية لمختلف المؤثرات من حرارة وبرودة (المنتخب).

2- ذكر البنان لما فيها من غرابة الوضع ودقة الصنع، لأن الخطوط والتجاويف الدقيقة. . . لاتماثلها خطوط أخرى. . . معجزة علمية (الصفوة)، أثبت العلم الحديث أنه لا تتشابه بصمتا بنانين (المنتخب)، كما نحن قادرون على تسوية تلك الخطوط الدقيقة في الأصابع والتي تختلف بين إنسان وإنسان اختلاف الوجوه والأصوات واللهجات (أيسر التفاسير).