الحيض:(1)

قال تعالى:

 ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ( [البقرة: 222].

الأمر بتجنب الجماع أثناء المحيض إعجاز طبي، كشفت حكمته المعارف الطبية الحديثة، لمضاره على الجنسين؛ التي ترجع إلى ضعف حمضية المهبل (اللازمة لقتل الميكروبات)، واحتمال وصول مادة البروستاجلاندين الموجودة بالمني إلى دم المرأة – وهذه المادة تؤدي إلى نقص المناعة، كما أن الجماع في ذلك الوقت يؤدي إلى تسلخات تساعد على نمو البكتريا، وانقباضات الرحم خلاله تدفع هذه البكتريا إلى تجويف الرحم، وفي الحديث:

*(عَنْ أَنَسٍ أَنَّ اليَهودَ كانوا إذا حاضَتِ المَرْأَةُ فيِهم لم يؤاكلوها ولَمْ يُجامِعُوهُنَّ في البُيوتِ فسأل أصْحابُ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) فأنْزَلَ اللهُ تعالى : (ويسألونك …) إلى آخِرِ الآية، فقال رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): اصْنَعُوا كُلَّ شَيءٍ إلاّ النِّكاح) (مسلم).

     ولنفس الحكمة أيضا هدى الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى النهي عن إتيان الدبر في الحديث:

*(لا يَسْتَحِي اللهُ مِنَ الحَقِّ لا تَأْتُوا النِّساءَ في أَعْجازِهِنَّ) (أحمد).

___________________________________________ هامش

(1)مقال مهم حول هذا الموضوع تحت عموان …..(أقل الحيض وأكثره احكام ……. الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)

قوله: (وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر…) إلى قوله: (والمبتدأة تجلس أقله…) إلى آخره [1].

قال في “الإفصاح”: “واختلفوا في أقل الحيض وأكثره.

فقال أبو حنيفة [2]: أقله: ثلاثة أيام ولياليهن، وأكثره: عشرة أيام.

وقال مالك [3]: لا حد لأقله، فلو رأت دفعة كان حيضا، وأكثره خمسة عشر يوماً.

وقال الشافعي[4] وأحمد[5]: أقله: يوما وليلة، وروي عنهما: يوم، وأكثره: خمسة عشر يوما، واختلفوا في المبتدأة إذا جاوز دمها أكثر الحيض، فقال أبو حنيفة [6]: تجلس أكثر الحيضة عنده.

وعن مالك [7] ثلاث روايات:

إحداهن: تجلس أكثر الحيض عنده ثم تكون مستحاضة، وهي رواية ابن القاسم وغيره.

والثانية: تجلس عادة نسائها فقط، وهي رواية علي بن زياد.

والثالثة: تستظهر بثلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوما، وهي رواية ابن وهب وغيره.

وقال الشافعي [8]: إن كانت مميزة رجعت إلى تمييزها وإن لم تكن مميزة قولان:

أحدهما: ترد إلى أقل الحيض عنده.

والآخر: ترد إلى غالب عادات النساء.

وعن أحمد [9] أربع روايات:

إحداهن: تجلس أقل الحيض عنده، اختارها أبو بكر.

والثانية: تجلس ستاً أو سبعاً، وهو الغالب من عادة النساء، اختارها الخرقي.

والثالثة: تجلس أكثر الحيضة عنده.

والرابعة: تجلس عادة نسائها، هذا في المبتدأة.

والمميزة التي تميز بين الدمين، أي: تفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة باللون والقوام والريح قدر الحيض، فدم الحيض: أسود ثخين منتن، ودم الاستحاضة: رقيق أحمر لا نتن فيه. [10].

وقال ابن رشد: “اختلف العلماء في أكثر أيام الحيض وأقلها، وأقل أيام الطهر، فروي عن مالك [11]: أن أكثر أيام الحيض: خمسة عشر يومًا، وبه قال الشافعي[12].

وقال أبو حنيفة [13]: أكثره: عشرة أيام، وأما أقل أيام الحيض فلا حد لها عند مالك [14]؛ بل قد تكون الدفعة [40ب] الواحدة عنده حيضًا، إلا أنه لا يعتد بها في الأقراء في الطلاق.

وقال الشافعي [15]: أقله: يوم وليلة.

 

وقال أبو حنيفة [16]: أقله: ثلاثة أيام.

 

وأما أقل الطهر فاضطربت فيه الروايات عن مالك [17]، فروي عنه: عشرة أيام، وروي عنه: ثمانية أيام، وروي: خمسة عشر يوما، وإلى هذه الرواية مال البغداديون من أصحابه، وبها قال الشافعي [18] وأبو حنيفة [19]، وقيل سبعة عشر يوما، وهو أقصى ما انعقد عليه الإجماع فيما أحسب، وأما أكثر الطهر فليس له عندهم حد.

وإذا كان هذا موضوعاً من أقاويلهم فمن كان لأقل الحيض عنده قدر معلوم وجب أن يكون ما كان أقل من ذلك القدر إذا ورد في سن الحيض عنده استحاضه، ومن لم يكن لأقل الحيض عنده قدر محدود وجب أن تكون الدفعة عنده حيضا، ومن كان أيضا عنده أكثره محدودا وجب أن يكون ما زاد على ذلك القدر عنده استحاضة.

ولكن متحصل مذهب مالك [20] في ذلك: أن النساء على ضربين: مبتدأة، ومعتادة.

فالمبتدأة: تترك الصلاة برؤية أول دم تراه إلى تمام خمسة عشر يوما، فإن لم ينقطع صلت وكانت مستحاضة، وبه قال الشافعي [21]، إلا أن مالكا قال: تصلي من حين تتيقن الاستحاضة.

وعند الشافعي: أنها تعيد صلاة ما سلف لها من الأيام إلا أقل الحيض عنده، وهو: يوم، وليلة.

وقيل عن مالك: بل تعتد أيام لداتها ثم تستظهر بثلاثة أيام، فإن لم ينقطع الدم فهي مستحاضة.

وأما المعتادة: ففيها روايتان عن مالك [22]:

إحداهما: بناؤها على عادتها وزيادة ثلاثة أيام ما لم تتجاوز أكثر مدة الحيض.

والثانية: جلوسها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض، أو تعمل على التمييز إن كانت من أهل التمييز.

وقال الشافعي [23]: تعمل على أيام عادتها.

وهذه الأقاويل كلها [41أ] المختلف فيها عند الفقهاء في أقل الحيض وأكثره وأقل الطهر لا مستند لها إلا التجربة والعادة، وكل إنما قال من ذلك ما ظن أن التجربة أوقفته على ذلك.

ولاختلاف ذلك في النساء عسر أن يعرف بالتجربة حدود هذه الأشياء في أكثر النساء ووقع في ذلك هذا الخلاف الذي ذكرنا.

وإنما أجمعوا [24] بالجملة على أن الدم إذا تمادى أكثر من مدة أكثر الحيض أنه استحاضة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت لفاطمة بنت [أبي] [25] حبيش: “فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي” [26].

والمتجاوزة لأكثر أيام الحيض قد ذهب عنها قدرها ضرورة.

وإنما صار الشافعي [27] ومالك [28] في المعتادة في إحدى الروايتين عنه: أنها تبني على عادتها لحديث أم سلمة الذي رواه في “الموطأ”: أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي” [29].

فألحقوا حكم الحائض التي تشك في الاستحاضة بحكم المستحاضة التي تشك في الحيض.

وإنما رأى أيضا في المبتدأة أن يعتبر أيام لداتها؛ لأن أيام لداتها شبيهة بأيامها فجعل حكمها واحدا.

وأما الاستظهار الذي قال به مالك بثلاثة أيام، فهو شيء انفرد به مالك وأصحابه – رحمهم الله – وخالفهم في ذلك جميع فقهاء الأمصار ما عدا الأوزاعي؛ إذ لم يكن لذلك ذكر في الأحاديث الثابتة، وقد روي في ذلك أثر ضعيف [30][31] [41ب].

وقال البخاري: ” باب: إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، وما يصدق النساء في الحيض والحمل فيما يمكن من الحيض؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾ [البقرة: 228]، ويذكر عن علي وشريح: إن امرأة جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه أنها حاضت ثلاثا في شهر؛ صدقت، وقال عطاء: أقراؤها ما كانت، وبه قال إبراهيم، وقال عطاء: الحيض يوم إلى خمس عشرة، وقال معتمر، عن أبيه: سألت ابن سيرين عن المرأة ترى الدم بعد قرئها بخمسة أيام؟ قال: النساء أعلم بذلك.

وساق حديث عائشة: أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: “لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فها، ثم اغتسلي وصلي” [32].

قال الحافظ: “ومناسبة الحديث للترجمة من قوله: “قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها”، فوكل ذلك إلى أمانتها ورده إلى عادتها، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص” [33].

وقال في “الاختيارات”: “ولا يتقدر أقل الحيض ولا أكثره؛ بل كل ما استقر عادة للمرأة فهو حيض، وإن نقص عن يوم أو زاد على الخمسة [عشر أو ] السبعة عشر، ولا حد لأقل الطهر بين الحيضتين، والمبتدأة تحسب ما تراه من الدم ما لم تصر مستحاضة، وكذلك المنتقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال، فذلك حيض حتى تعلم أنها استحاضة باستمرار الدم” [34].

وقال الشوكاني في “الدرر البهية”: “لم يأت في تقدير أقل الحيض وأكثره ما تقوم به الحجة، وكذلك الطهر، فذات العادة المتكررة تعمل عليها، وغيرها ترجع إلى القرائن، فدم الحيض يتميز عن غيره، فتكون حائضا إذا رأت دم الحيض ومستحاضة إذا رأت غيره” [35] [42أ].


[1] الروض المربع ص 52 – 53.

[2] فتح القدير 1/111 – 112، وحاشية ابن عابدين 1/296.

[3] الشرح الصغير1/ 78، وحاشية الدسوقي 1/168.

[4] تحفة المحتاج 1/384 – 385، ونهاية المحتاج 1/325 – 326.

[5] شرح منتهى الإرادات 1/227، وكشاف القناع 1/480 – 481.

[6] حاشية ابن عابدين 1/297.

[7] الشرح الصغير 1/78 – 79، وحاشية الدسوقي 1/168 – 170.

[8] المهذب 1/61.

[9] الإنصاف 2/397 – 400، وشرح منتهى الإرادات 1/230 – 233، وكشاف القناع 1/487 – 490.

[10] الإفصاح 1/106 – 108.

[11] الشرح الصغير 1/78، وحاشية الدسوقي 1/168.

[12] تحفة المحتاج 1/384 – 385، ونهاية المحتاج 1/325 – 326.

[13] فتح القدير 1/ 111 – 112، وحاشية ابن عابدين 1/296.

[14] الشرح الصغير 1/78، وحاشية الدسوقي 1/168.

[15] تحفة المحتاج 1/384 – 385، ونهاية المحتاج 1/325 – 326.

[16] فتح القدير 1/111، وحاشية ابن عابدين 1/296.

[17] الشرح الصغير 1/78، وحاشية الدسوقي 1/168 – 169.

[18] تحفة المحتاج 1/385، ونهاية المحتاج 1/326.

[19] فتح القدير 1/121، وحاشية ابن عابدين 1/296.

[20] الشرح الصغير 1/78 – 79، وحاشية الدسوقي 1/168 – 169.

[21] المجموع 2/426 – 427.

[22] الشرح الصغير 1/79، وحاشية الدسوقي 1/169.

[23] تحفة المحتاج 1/406، ونهاية المحتاج 1/345 – 346، وظاهر المذهب التمييز على الأصح.

[24] فتح القدير 1/123، وحاشية ابن عابدين 1/296، والشرح الصغير 1/79، وحاشية الدسوقي 1/169، وتحفة المحتاج 1/401، ونهاية المحتاج 1/333 – 334، وشرح منتهى الإرادات 1/230، وكشاف القناع 1/487.

[25] سقطت من الأصل، واستدركت من مصادر التخريج.

[26] أخرجه البخاري (306، ومسلم (333، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

[27] تحفة المحتاج 1/406، ونهاية المحتاج 1/345 – 346.

[28] الشرح الصغير 1/79، وحاشية الدسوقي 1/169.

[29] مالك 1/62 (136، وأخرجه أيضا أبو داود (274، والنسائي 1/182، وابن ماجه (623، من حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير 1/81: روي بأسانيد صحيحة على شرط الصحيح.

[30] أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة 6/3261 (7514، وابن حزم 2/217، والبيهقي 1/330، عن حرام بن عثمان، عن عبدالرحمن ومحمد ابني جابر عن أبيهما قال جاءت أسماء بنت مرشد الحارثية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس عنده فقالت: يا رسول الله حدثت لي حيضة أنكرها، أمكث بعد الطهر ثلاثا أو أربعا، ثم تراجعني فتحرم علي الصلاة ؟ فقال: “إذا رأيت ذلك فامكثي ثلاثا، ثم تطهري اليوم الرابع فصلي، إلا أن تري دفعة من دم قاتمة”.

قال ابن عبدالبر: لا يصح، انفرد به حرام بن عثمان، وهو ضعيف عند جميعهم.

قال ابن حزم: خبر باطل.

قال البيهقي: حرام بن عثمان ضعيف لا تقوم بمثله حجة.

وانظر: أسد الغابة 7/19، والإصابة في تمييز الصحابة 7/493.

[31] بداية المجتهد 1/ 47 – 48.

[32] أخرجه البخاري (325، ومسلم (333.

[33] فتح الباري 1/425.

[34] الاختيارات الفقهية ص 28.

[35] الدرر البهية 1/73.