الرضاع:

حض القرآن الكريم على الرضاعة الطبيعية للأطفال، ثم أثبت العلم الحديث أهمية لبن الأم لحسن تغذية المولود ولوقايته من العدوى ومن أمراض الحساسية والفم، ولوقاية الأم من مشاكل الثدي والعمل على استقرار الرحم بعد الولادة والمساعدة في تنظيم الحمل، ولتوفير الإحساس بالدفء والأمومة للرضيع، وجاء ذلك في القرآن بثلاث صور مختلفة في آيات ثلاث:

1-   )وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا ءَاتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ([البقرة: 233](1).

2-     )وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ( [لقمان: 14](2).

3-   )وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ([الأحقاف: 15] (3).

وبيان ذلك علميا: أن لبن الأم به نسبة عالية من البروتينات والسعرات الحرارية؛ ومن الأملاح والأجسام المضادة للأمراض، وهو دائما معقم يخرج في درجة حرارة تناسب الرضيع صيفا وشتاء، يتغير لبن الأم في تركيبه منذ لحظة الولادة؛ فلبن الأيام الثلاثة الأولى (المسمى باللبأ أو الكلوستروم) به نسبة عالية من البروتينات والمضادات الحيوية التي تحمي المولود في هذه المرحلة المبكرة، ثم يتطور تركيبه مع احتياجات الرضيع ومع قدرته على تمثيل الغذاء – طوال فترة الرضاعة.

تفرز المرضع هرمون البرولاكتين الذي يعمل على عودة الرحم إلى طبيعته، كما أن الإفراز المستمر للبن بالإرضاع يحمي الأم من الخراريج المزمنة التي يسببها تجمع اللبن بالثدي – والتي تزيد احتمال تكون الأورام الحميدة والخبيثة.

وقد فطن العلم الحديث مؤخرا إلى هذه الحقائق، فقامت حملات وبرامج عالمية منظمة لنشر الوعي، والتأكيد على مواصلة الرضاعة الطبيعية طوال العامين الأولين من حياة الطفل – كما حددها القرآن – حفاظا على صحة الأم والطفل، إلى جانب دورها كوسيلة ثانوية لتنظيم الحمل: إما إراديا لضمان استمرار لبن الأم – حتى لا ينقطع بالحمل، أو لا إراديا حيث يعمل الإرضاع في كثير من الأحوال على تأخير عودة الدورة الطبيعية للأم.

لو تأملنا في آيات الرضاع الثلاث لتبين لنا مدى الدقة المعجزة في التعبير عن ثلاث أحوال للحمل والولادة بتعبيرات تتطابق مع كل حالة:

       الحالة الأولى حيث الحمل والولادة؛ والأم والمولود؛ في أحسن حال، يكون الرضاع لحولين كاملين،

   الحالة الثانية حيث تكون الأم ضعيفة البنية والصحة؛ ولكن الحمل والولادة قد سارا بسلام، تكون مدة الرضاعة عامين دون اشتراط كمالهما – تبعا لقدرة الأم،

   أما الحالة الثالثة؛ والتي وردت فيها كلمة “كرها” مرتين – تعبيرا عن مدى التعب والمعاناة في الحمل والوضع؛ وعادة ما تكون فيها مدة الحمل أقصر، فقد تنقص إلى ستة شهور فيحتاج الطفل إلى فترة الرضاعة القصوى لتعويض ضعفه – إذا أمكن – ليصل مجموع فترة الحمل والرضاع إلى ثلاثين شهرا، وقد يطول الحمل – بمشقة شديدة في هذه الحالة – إلى تسعة شهور، وهنا ينبغي تقليل مدة الرضاعة تيسيرا على الأم إلى أقل من 21 شهرا.

ومن ناحية أخرى قد يستنبط من قراءة الآيات مجتمعة أن الحد الأدنى للحمل ستة شهور – وهو ما ثبت علميا.

__________________________

(1) وتثثبت البحوث الصحية والنفسية اليوم ذلك، ولكن نعمة الله على الجماعة المسلمة لم تنتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم (الظلال).

(2) أي فطام الولد من الرضاع في عامين، فأول الرضاع ساعة الولادة وآخره تمام الحولين، ويجوز فصله عن الرضاع خلال العامين (أيسر التفاسير).

(3) وقد استدل العلماء بهذه الآية مع التي في لقمان (لقمان/14): “وفصاله في عامين” على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوى صحيح (الصفوة)، أقل مدة الحمل 6 شهور لهذه الآية والآيتين الأخريين، فبإسقاط مدة الفصال عن مدة الحمل والفصال يبقى للحمل ستة أشهر، وهذا يتفق مع ما ثبت علميا من أن الطفل إذا ولد لستة أشهر فإنه قابل للحياة (المنتخب).