الأصل في الأشياء الإباحة، وما حرم الله شيئا إلا لحكمة؛ تخفى علينا حينا حتى نهتدي إليها، ربما بعد قرون، ويتجلى ذلك واضحا في تحريم لحوم المَيْتَة والدم ولحم الخنزير. أضرار الميتة تتلخص في أن عدم إسالة دمها يساعد على نمو البكتريا في الدم المحتبس، كما يحمل دمها مركبات نشادرية قد تؤثر على مخ آكلها، كما قد تحمل الميتة أمراضا أو قد تكون ماتت مسمومة؛ أما الدم فسريع امتصاص الميكروبات، فإذا ما تعرض للهواء تتجمع فيه البكتريا؛ وبالدم مواد مهيجة ترفع ضغط الدم. أما لحم الخنزير فيحمل العديد من الطفيليات الخطيرة، وأخطرها دودة تينيا سويلم التي يعد الخنزير العائل الوحيد لها، والتي تكمل دورة حياتها داخل جسم الإنسان، وقد تستقر في مخه فتصيبه بالجنون أو العمى، وقد تعرضه لاحتمال الانسداد المعوي من جراء كتل الديدان وما تفعله الديدان بجدران القناة الهضمية؛ ودودة أخرى خطيرة هي دودة التريخنيا التي تخترق جدران المعدة، ومنها إلى العضلات والأعضاء المختلفة، كما أن الخنزير أكثر الحيوانات احتفاظا بحمض البوليك؛ وذلك الحمض – هو ودهن الخنزير – عسر الهضم وله أبلغ الضرر على الدورة الدموية والمفاصل، ألا يعلم من خلق، بلى وهو اللطيف الخبير، القائل:

 )إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [البقرة: 173].

)حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [المائدة: 3](1).

الموقوذة: المضروبة بعصا أو حجر، المتردية: التي تسقط من جبل ونحوه، النطيحة: ما نطحتها أخرى فماتت؛ ما أكل السبع: أي أكل بعضه (جزءا منه) فمات.

)قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [الأنعام: 145].

)إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [النحل: 115].

ولما كان الإسلام هَدْىَ الله العليم فلم يذهب إلى ما ذهبت إليه بعض الشرائع من إفراط في تحريم ما أحل الله، فحرموا لحوم الحيوان بإطلاقها: إما دائما وإما في إطار تحوير عبادة الصيام كما شرعها الله (كما كتب على الذين من قبلكم) إلى صيام عن الطعام الحيواني فحسب. أكد القرآن تحليل الذبائح بأنواعها عدا ما أشرنا إليه من محرمات، وقد أثبت الطب الحديث الأهمية القصوى لتناول البروتينات الحيوانية، إذ أن هذا النوع من البروتينات هو المصدر الوحيد لتكوين الأجسام المضادة التي تدافع عن الجسم وتحميه من الجراثيم والميكروبات.

من شروط الذبح الإسلامي التذكية: أي إسالة دم الذبيحة لتصفية الدم الفاسد، ويتم ذلك إما بقطع الحلقوم والمريء والودجين (أي الذبح) وذلك للبقر والغنم والطيور، أو بالطعن في اللبة (المنحر) إلى مبدأ الصدر (أي النحر) وذلك للإبل وأحيانا للبقر، أو جرح الحيوان غير المقدور عليه في الصيد (العقر) كما جاء في الأحاديث الشريفة:

*(الذَّكاةُ في الحَلْقِ واللَّبَّة) (البخاري: مرسل عن ابن عباس، والدارقطني).

*(ما أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ والظُّفُرَ) (الجماعة).

وليسأل القارئ نفسه من الذي هدى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأسلوب الذي أثبت الطب الحديث مؤخرا حكمته، كما جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية عام 1988 من الميلاد.

_______________________________

(1) سبق القرآن الطب الحديث بتحريم. . . (المنتخب)، المنخنقة: من خنقه عصر حلقه حتى مات. الموقوذة التي وقذت (ضربت) بالعصا حتى ماتت (الوسيط). المتردية التي تقع من جبل أو تطيح في بئر، أو تسقط من موضع مشرف فتموت (اللسان). النطيحة، ما تناطح فمات (اللسان). ذكيتم: من ذكى الشاة ذبحها (الوسيط)، والتذكية: الذبح على التمام (اللسان).