على الرغم من أن اكتشاف الكهرباء يعود إلى أقلَّ من مائتي عام، فإن الإنسان يشاهد آثارها منذ أن خلقه الله لعمارة هذه الأرض؛ عبر الظواهر الطبيعية؛ كوميض البرق في السماء، والصواعق التي تضرب الأرض، وكذلك الكهرباء الساكنة التي تُشحن بها أجسامنا وتُفرِّغها بشكل دائم مع احتكاك الأحذية والملابس بالأجسام الأخرى أثناء الحركة، والتي يحس بها الشخص عند تفريغها عبر أطراف الأصابع، إضافة إلى أن الله سبحانه وتعالى أعطى لبعض مخلوقاته القدرة على أن تولِّد أجسامها الكهرباء التي تَستخدمها لاصطياد فرائسها والدفاع عن نفسها؛ كالسمك الرعاد الذي يُحدث جهدًا كهربائيًّا قد يصل إلى 220 فولتًا.

يَحدث التفريغ الكهربائي عندما يمرُّ تيارٌ كهربائيٌّ عبر مسار محدَّد لمسافة محدَّدة في الهواء، ويُشاهد على شكل وميض أو شرارة، ويلزم لحدوث ذلك وجود فرْق جهد عالٍ جدًّا بين القطبين اللذين يفصلهما الهواء؛ لأن الهواء وسط عازل للكهرباء، ولا يسمح للتيار الكهربائي بالمرور عبره، ولكن مع وجود فرق جهد عالٍ يتغلَّب على مقاومة الهواء فيتأيَّن ويمرُّ عبره التيار في المسار الأقصر، ويحصل تفريغ الشحنات الكهربائية في زمن قصير جدًّا، هو عادة أجزاء من الثانية، حتى تتعادل الشحنات في الجانبين كما في البرق.

من تطبيقات التفريغ: اللحام الكهربائي بواسطة القوس الكهربائي، والشرر الصناعي الذي يتمُّ إحداثه بين قطبي ولاعة الغاز المنزلي لإشعال الغاز، وكذلك الشرر الكهربائي بين قطبي شمعة الإشعال أو البوجية في السيارة؛ حيث يقوم الملف برفع جهد بطارية السيارة من 12 فولتًا إلى 12 ألف فولت أو ما يزيد عن ذلك؛ لإحداث التفريغ الكهربائي الذي يولِّد الشرر اللازم لإشعال خليط الهواء والبنزين في أسطوانة المحرِّك.

إذًا؛ فإن كان هذا المقدار العالي من فرق الجهد الكهربائي هو اللازمَ لإحداث تفريغ يولِّد الشرر المطلوب عبر مسافة تبلغ حوالي المليمتر الواحد بين قطبي البوجية، فكم هو فرق الجهد المطلوب ليَحدُث البرق عبر مسافات تقدَّر ببضعة كيلومترات أو ما يزيد؟!

تَحدُثُ الصواعق أو البرق العمودي عندما يفرغ السحاب شحناته في سطح الأرض أو الماء أو أي جسم أو منشأة على الأرض، وقد تمتدُّ الصاعقة لمسافة تزيد عن خمسة كيلو مترات أو أكبر من ذلك بكثير أحيانًا، ويتعدى فيها فرق الجهد نصف مليون فولت، ويزيد تيارها عن مائة ألف أمبير، ويُمكن أن تؤدِّي إلى حرائق ودمار واسع، وتُسبِّب فقدان الأرواح من البشر والماشية.

أما البرق داخل السحابة نفسها أو بين السحب أو بين السحب والهواء المحيط، فلا يصل تأثيره للأرض، ولكنه قد يؤذي الطائرات القريبة غير المجهَّزة بمانعات الصواعق، ويُدعى بالوميض، وبحسب وكالة ناسا فإنه يحدث على سطح الأرض من 50 إلى 100 حالة برق ما بين ومضات وصواعق في كل ثانية على مدار العام، تتوزَّع في أنحاء العالم، ولتأخذ فكرة عن مقدار الطاقة الكهربائية الهائلة التي يولِّدها البرق لو قُدِّر لنا تسخيرها والاستفادة منها، فإن العلماء يقدِّرون ما تحمله صاعقة واحدة قوية من الطاقة بمقدارالطاقة التي ينتجها حرق 150 ليتر من البنزين، فكم هي هذه الطاقة الهائلة في مئات الملايين من الصواعق وغيرها من أنواع البرق التي تَحدُث كل عام؟!