يعترف عرّاب الملحدين في العالم ريتشارد داوكينز Richard Dawkins ضمنيًا أن الإيمان بالرسل والرسالات شرطٌ جوهري لمعرفة الخير والشر والصواب والخطأ.
يقول داوكينز: “من الصعب جدًا الدفاع عن القيمة الأخلاقية المطلقة على أرضية أخرى غير الدين.” -1-

فداخل أرضية الدين وحسب يمكن استيعاب معنى الإنسان وتحليل ظاهرة وجوده، والتأسيس لقيمته وأخلاقياته ومبادئه.

وخارج الدين يتحول الإنسان إلى مجموعة من الذرات المتلاحمة بلا معنى، والتي تتحرك بلا غاية وترتطم بلا هدف.

فالعماء الكامل يصم حالة عدم الإيمان والذين لا يملكون نور الإيمان بالدين لن يستطيعوا أن يوجدوه {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} ﴿٤٠﴾ سورة النور..

فبدون الإيمان بالرسل يتسمم كل شيء.

ويفقد الوجود بأكمله معناه.
ويصبح من العسير جدًا انتقاد أفعال شخص مثل هتلر.

وفي هذا يعترف ريتشارد داوكينز قائلاً: “داخل العالم الإلحادي المادي الحتمي لا يمكن تخطئة هتلر.” -2-

فالإنسان من منظور المادة، ومن منطلق الإلحاد مجرد نمط مادي ثلاثي الأبعاد لا قيمة لوجوده ولا غاية لسعيه.

فلا تختلف أفعال هتلر الإجرامية عن أفعال المصلحين، فالكل بلا غاية!

 

ولذا لك أن تقولها مدويةً أن: أصل النور هبة إلهية تقترن بالإيمان، ولن تستطيع كل فلسفات العالم أن تؤسس لومضةٍ من نور، ولن تستطيع كل ماديات العالم أن تؤسس للمحةٍ من قيمة الإنسان أو غاية وجوده.

ولن تستطيع كل محاكم العالم أن تكبح جماح جريمةٍ واحدة على أساسٍ عقلي أو فكري!

 

فالإنسان بالمنظور المادي هو جُرم ناتج عن تجمع ذرّي لا ينفصل عن المنظومة المادية ولا يتمايز عنها ولا تتحق له غاية بوجوده، وتفقد حتى كلمة “الغاية” معناها!

يقول الملحد اللاأدري الشهير كارل ساغان  Carl Sagan: “الإنسان… هو نتاج نفس القوانين والثوابت التي كانت لازمة لصناعة حجر.” -3-

ويصف الأستاذ بجامعة هارفارد جورج سيمسون George Gaylord Simpson منتهى تصور الإلحاد عن الإنسان فيقول: ” الإنسان ما هو إلا نتيجة عملية طبيعية غير هادفة، لم تكن تضعه في الحسبان.” -4-

-وجورج سيمسبون هو عالم الحفريات وأحد أبرز دعاة التطور على الإطلاق!-

لم تكن المادة لتضعنا في الحسبان!

لأننا طبقًا للرؤية الإلحادية حصيلة قوى طبيعية عنيفة، ولم نكن مُصممين البتة لنصير في الواجهة!

وفي حقيقة الأمر لا يمتلك الإلحاد جوابًا أفضل من ذلك.

 

ولن يستطيع الملحد أن يستمد قيمةٍ لحياته في إطار تلك الرؤية المادية للوجود.

يقول التطوري اللاأدري الأشهر ستيفن جاي جولد Stephen Gay Gould: “نحن هنا لأن طائفة غريبة من السمك كانت زعانفها ذات تركيب خاص مكنّها أن تتحول إلى أرجل.

لا يوجد جواب أسمى من ذلك .” -5-

 

بالفعل إلحاديًا لا يوجد جواب أسمى من ذلك.

فمن نسي الله نسي نفسه ونسي قيمته ونسي معنى وجوده{نسوا الله فأنساهم أنفسهم} ﴿١٩﴾ سورة الحشر.

سبحان الله!

إنها سنة كونية لا تتخلف!

سنة كونية تتبع كل كافر يريد أن ينسى الله؛

فإذا به ينسى نفسه.

 

وهكذا ففي الداخل الإلحادي لا يستطيع الإنسان أن يستمد معنىً للقيمة ولا للأخلاق ولا للغاية.

وأنت إذا أردت أن تُدمر معنى وجود الإنسان في هذا العالم وتُدمر مبادئه ومطلقاته فلن تفعل أكثر من أن تنزع غاية وجوده عنه، وتحاول أن توهمه بعبثية وجوده.

ولم يفعل الإلحاد غير ذلك!

 

يتحدث الملحد ريتشارد داوكينز بفخر عن شخصٍ ما أخبره أنه لم ينم لثلاثة أيام متواصلة، بعد أن اطلع على النظرة الإلحادية للوجود التي يبثها داوكينز في كتبه، فقد اكتشف ذلك الشخص –والكلام على لسان داوكينز- أن الحياة مجرد خواء بلا معنى! -6-

هذا ما يعِد به الإلحاد.

وفي هذا الإطار الذي أفقد الوجود معناه؛ تصبح أكبر الجرائم بلا معنىً، ويتحول الإفساد في الأرض إلى حركات ذرات متراطمة بلا غاية.  يقول آرثر ألين ليف Arthur Allen Leff أستاذ القانون بجامعة يال بالولايات المتحدة الأمريكية: ” لا توجد طريقة لإثبات أن حرق الأطفال بقنابل النابالم هو شيء سيء.” -7-

 

فإذا كان الإله غير موجود فإحراق الأطفال بقنابل النابالم قضية نسبية حضاريًا.

إذا كانت مقدمتك منطقية فالنتيجة أيضًا منطقية.

ولا تستطيع من داخل الإلحاد أن تصِم المقدمة أو النتيجة بالفساد!

 

وتوكيدًا على ما سبق يُلخِّص الحائز على نوبل في الأدب تشسلاف ميلوتش Czeslaw Milosz في مقاله “مفاتن العدمية الحذرة The discreet charms of nihililsm” الموقف على النحو التالي: “الإلحاد أفيون الشعوب”؛ فاعتقادك بعدم الحياة بعد الموت هو أكبر مخدِر للقيم.

 

فالإلحاد يقدم عزاءًا ضخمًا لكل المجرمين والقتلة والزناة بأنه لا بعث ولا حساب!

 

وداخل هذا التخدير المُتعمد للقيم يصبح الاغتصاب عمل محايد. وهذا توصيف ريتشارد دواكينز لجريمة الاغتصاب فيقول: “اعتقادك بأن الاغتصاب خطأ أمر اعتباطي تمامًا.” -8-
وقد أصاب ريتشارد داوكينز؛ فمِن أين لك أن الاغتصاب خطأ والتعفف أفضل؟

وعلى أي مستندٍ تعتمد خطأ فعلٍ أو صواب آخر؟

إذا لم تكن هذه هي الفوضى فما هي الفوضى؟

 

ومن أجل ذلك!

نقول أن : تصور وجود الإله والإيمان بالدين ليس حاجة مشروعة بل حاجة مُلِّحة، فالعقل هنا لا يبتدع فرضية وإنما يُعبر عن حاجة ضرورية ضرورة الماء والهواء بل أولى منهما.

فمعرفة الله هي مقتضى عقلي من الواقع المادي ذاته، ومن واقع طبيعتنا نحن كبشر.

إننا نطلب شيئًا لا يستطيع أن يلبيه أي شيءٍ في هذا العالم.

إنه نداء المقدمة السماوية التي جئنا منها يومًا ما!

إنه نداء القيم الأخلاقية التي نُسلِّم جميعًا بصحة مقدماتها!

إنه نداء الفطرة.

تلك الفطرة التي نعلم ونوقن من خلالها بوجود الخير والشر والصواب والخطأ والقداسة والنجاسة!

إنه نداء الإنسان الذي لن يستطيع أن يتفهمه الإلحاد.

ذلك الإنسان الذي فشلت وستفشل كل الحلول لتحليل ظاهرته خلا الإيمان!

 

 

————-

1- It is pretty hard to defend absolute morals on grounds other than religious ones.
The god Delusion, p.232

2- What’s to prevent us from saying Hitler wasn’t right? I mean that is a genuinely difficult question.
http://byfaithonline.com/richard-dawkins-the-atheist-evangelist/

3- Essentially the same laws and conistants are required to make a rock.

Carl Sagan, Pale Blue Dot: A Vision of the Human Future in Space

4- Man is the result of apurposless and natural processthat didn’t have him in mind
Simpson, George Gaylord. 1970. The Meaning of Evolution. New Haven, CT: Yale University Press, P.345.

5- The meaning of life: reflctions in words and pictures on why we are here, 1991, p.33

6- One man said he didn’t sleep for three nights after reading The Selfish Gene. He felt that the whole of his life had become empty, and the universe no longer had a point

Reinventing the Future, p.112.

7- there is today no way of ‘proving’ that napalming babies is bad

Economic Analysis of Law: Some Realism about Nominalism (1974), p.454.

8- Your belief that rape is wrong is an arbitrary conclusion.
From an interview with Justin Brierley of unbelievable