بسم الله الرحمن الرحيم

 

الأنبياء في التوراة

كتبه/ منقذ بن محمود السقار

اصطفى الله – عز وجل – أنبياءه من بين سائر خلقه، وحباهم بأن جعلهم حملة دينه إلى الناس، وأسبق أقوامهم إليه، وجعل منهم قدوة للعالمين {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90).

وهذا الذي يقتضيه العقل في هؤلاء الذين اختارهم الله لهداية خلقه، أن يكونوا أحسن الناس سيرة، وأصدقهم طوية….كيف لا، وقد جاء الحديث في التوراة عن عصمة الكهنة وبراءتهم من الآثام، لأنهم حاملو الشريعة ومبلغوها للناس، وهم – ولا ريب – دون منزلة الأنبياء، يقول سفر ملاخي عن لاوي وسبطه: \”عهدي معه للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى، فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو، شريعة الحق كانت في فيه، وإثم لم يوجد في شفتيه، سلك معي في السلام و الاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم، لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود\” (ملاخي 2/5-7).

وتثني التوراة في بعض نصوصها على بعض هؤلاء الأنبياء، فعن داود قال: \” أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً \” (صموئيل (2) 7/14).

وعن نوح قال: \” كان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله \” (التكوين 6/9).

وعن إبراهيم تقول التوراة بأن الله قال له في المنام \” يا إبرام أنا ترس لك، أجرك كثير جداً \” (التكوين 15/1).

وعن إسحاق \” وباركه الرب \” (التكوين 26/12)… إلى غير ذلك

لكن ذلك كله يضيع في بحر الرذائل التي تلصقها التوراة زوراً بحملة رسالات الله من الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله لبلاغ وحيه.

نوح – عليه السلام – في التوراة

فقد تحدثت التوراة عن سكر نوح وتعريه داخل خبائه فأبصره ابنه الصغير حام، وأخبر أخويه بما رأى فجاءا بظهريهما وسترا أباهما، فلما أفاق من سكرته وعرف ما فعل ابنه حام الصغير قال: \”ملعون كنعان (ابن الجاني حام)، عبد العبيد يكون لإخوته… وليكن كنعان عبداً لهم \”.

والقصة بتمامها: \”وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً. وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه. فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجاً. فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما، ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما، ووجهاهما إلى الوراء. فلم يبصرا عورة أبيهما.

فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير. فقال: ملعون كنعان (أب ال فلسطينيين الذي لا علاقة له بالحادثة، الذي لم يولد حينذاك)، عبد العبيد يكون لإخوته. وقال: مبارك الرب إله سام، وليكن كنعان عبداً لهم.

ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام. وليكن كنعان عبدا لهم\” (التكوين 9/25 – 26)، فبدلاً من أن يوجه ابنه الصغير للتصرف الصحيح مع الوالد حين سكره وعربدته، صب لعناته على كنعان ابن حام، كنعان الذي لعله لم يخلق بعد، فما ذنب هذا! بل وما ذنب أبيه الذي لم يكن ليستحق هذا كله؟ وماذا عن الأب الذي شرب الخمر. ما الذي يستحقه؟

إبراهيم – عليه السلام –

وأما إبراهيم فتزعم التوراة أنه قال وأخطأ في حق الله لما أراد إهلاك قوم لوط، وخاطبه بأسلوب الناصح الغليظ، بأسلوب لا يقبل عاقل أن يخاطبه به صديقه أو ابنه، فضلاً عن عبده الضعيف \”فتقدم إبراهيم وقال: أفتهلك البار مع الأثيم. عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة، أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه؟ حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم. حاشا لك. أديان كل الأرض لا يصنع عدلاً\” (التكوين 18/23).

لوط – عليه السلام –

وأما لوط – عليه السلام – النبي الذي حارب الشذوذ، فتذكر التوراة أنه لما أهلك الله قومه لجأ إلى مغارة مع ابنتيه فسقتاه الخمر، وضاجعتاه ولم يعلم بذلك، وولد من هاتين الفاحشتين عمي ومؤاب، ومنهما انحدر العمويون والمؤابيون أعداء بني إسرائيل، فاسمع إلى السفر: \” وصعد لوط من صوغر، وسكن في الجبل وابنتاه معه. لأنه خاف أن يسكن في صوغر. فسكن في المغارة هو وابنتاه.

وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمراً، ونضطجع معه. فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة. ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.

وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي. نسقيه خمرا الليلة أيضاً، فادخلي اضطجعي معه. فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً. وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.

فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب. وهو أبو الموآبيين (أعداء بني إسرائيل) إلى اليوم. والصغيرة أيضا ولدت ابناً، ودعت اسمه بن عمي. وهو أبو بني عمون (وهم أيضاً أعداء بني إسرائيل) إلى اليوم\” (التكوين 19/30 – 37).

ويذكر السفر تبريراً لهذه الفاحشة أن الكبيرة منهما قالت لأختها: \” أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض…. نحيي من أبينا نسلاً \” (التكوين 19/31 – 32) فيصور النص الأرض وقد خلت من الرجال، أو أن المغارة سيمكث فيها لوط وابنتاه إلى الأبد.

يعقوب – عليه السلام –

وأما يعقوب – عليه السلام – أصل بني إسرائيل، فهو أيضاً لم يسلم من مخازي التوراة، ولم يشفع له أبوته لهم، فتذكر التوراة أنه اشترى بكورية أخيه عيسو الذي يكبره من أبيه إسحاق (التكوين 25/32 – 33).

ثم تذكر أنه سرق البركة من أخيه الأكبر عيسو عندما خدع أباه إسحاق، فأوهمه أنه عيسو، ولم يستطع إسحاق أن يفرق بين ابنه ملمس الأكبر وجلد المعزي الذي وضعه يعقوب على يده (انظر: التكوين 27/16 – 24).

فبارك يعقوب، وهو يظنه عيسو، وقال له: \” رائحة ابني كرائحة حقل، قد باركه الرب، فليعطك الله من ندى السماء، ومن دسم الأرض، وكثرة حنطة وخمر، ليستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل، وكن سيداً لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين\” (التكوين 27/27 – 29).

ثم بعد برهة جاء عيسو أباه فاكتشف الخدعة، ولكن بعد فوات الأوان.

وهكذا فالبركة سرقت، وهذا يعتبر كذباً على الله واهب البركة، لا على إسحاق، ويتساءل المسلمون لماذا لم يسترد إسحاق بركته؟ ثم ما هذه البركة التي تثمر خمراً واستعباداً للشعوب؟

وهذه البركة لا يبدو لها عظيم أثر في حياة يعقوب، فقد جوزي على خديعته لأبيه، فخدعه خاله لابان، وزوجه ابنته الكبرى، وهي غير التي عقد له عليها. أي وقع في الزنا من غير عمد له (انظر: التكوين 29/24).

وقد رد الصاع لخاله حينما خدعه في غنمه. (انظر: التكوين 30/37 – 42).

ثم لما شاخ اعتدى شكيم على ابنته واغتصبها. (انظر: التكوين 34/2).

ثم زنى أحد أبنائه، وهو يهوذا بكنته ثامار، وأحبلها اثنين من أبنائه. (انظر: التكوين 38/18).

ثم اعتدى ابنه البكر رؤابين على بلهة سرية يعقوب، واضطجع معها، ولم يحرك يعقوب ساكناً. (انظر: التكوين 35/21 – 22). فأين أثر البركة المسروقة في هذا كله؟

موسى وهارون

كما تسيء التوراة إلى موسى أعظم أنبياء بني إسرائيل، وتذكر كلمات لا يمكن أن تصدر من موسى لما فيها من إساءة أدب مع الله، منها: \” فقال موسى للرب: لماذا أسأت إلى عبدك؟ ولماذا لم أجد نعمة في عينيك حتى أنك وضعت ثقل جميع هذا الشعب علي؟ ألعلي حبلت بجميع هذا الشعب؟ أو لعلي ولدته.. فإن كنت تفعل بي هكذا فاقتلني قتلاً، إن وجدتُ نعمة في عينيك فلا أرى بليتي \” (العدد 11/10 – 15)، فهل يتحدث عبد مع ربه بمثل هذا؟

وتذكر التوراة أن موسى في حربه مع أهل مديان – الذين مكث فيهم سنين – أمر بقتلهم شر قتلة، وحين لم ينفذ الجيش أمره \” فسخط موسى على وكلاء الجيش رؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب، وقال لهم موسى: هل أبقيتم كل أنثى حية؟ فالآن اقتلوا كل ذكر من ال أطفال، وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها. لكن جميع ال أطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيات\” (العدد 31/14 18).

ولم يخبر السفر عن طريقة التمييز بين الأبكار وغيرهن، فهل يأمر نبي بمثل هذا؟

وأما هارون القدوس كما في سفر المزامير\” هرون قدوس الرب\” (المزمور 106/16)، فإن سفر الخروج يفتري عليه، ويتهمه بأنه الذي صنع العجل لبني إسرائيل ليعبدوه، فيقول: \”قال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم، وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم، وصوّره بالإزميل، وصنعه عجلا مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر\” (الخروج 32/2-4)، فهل هذا صنيع يصنعه قدوس الرب؟

ثم تذكر التوراة المحرفة أن الله حرم موسى وهارون من دخول الأرض المقدسة لخيانتهما لله وعدم إيمانهما: \”فقال الرب لموسى وهارون: من أجل أنكما لم تؤمنا بي، حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها\” (العدد 20/12).

وفي موضع آخر يؤكد هذا السبب لحرمانهما من دخول الأرض المباركة، فيقول: \” لأنكما خنتماني في وسط بني إسرائيل عند ماء مريبة قادش، في برية صين، إذ لم تقدساني في وسط بني إسرائيل\” (التثنية 32/51).

وتذكر التوراة في قصة غريبة مبهمة من غير مقدمات لها، ومفادها أن الله أراد قتل موسى وهو في صحراء سيناء، حين كان متجهاً لدعوة فرعون كما أمره الرب، والذي أنقذه من القتل ذكاء زوجته صفورة وسرعة بديهتها، يقول السفر: \”حدث في الطريق في المنزل أن الرب التقاه، وطلب أن يقتله، فأخذت صفّورة صوّانة، وقطعت غرلة ابنها، ومسّت رجليه، فقالت: إنك عريس دم لي، فانفكّ عنه عندما قالت: عريس دم من أجل الختان \” (الخروج 4/24-26)، ولم يبين السفر سبب هذه الغضبة الإلهية، واكتفى ببيان هذه الطريقة الغريبة في استرضاء الرب، – تعالى -عن ذلك علواً كبيراً.

يشوع بن نون

وأما يشوع وصي موسى فإن اسمه يقترن في التوراة بسلسلة من المجازر التي طالت النساء وال أطفال والرجال والحيوان، وكنموذج لهذه المجازر نحكي قصة مجزرة أريحا التي لم ينج فيها سوى راحاب الزانية ومن يلوذ بها، وأما ما عداها فقد أمر يشوع: \” حرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم بحد السيف \”. (يشوع 6/21).

وفي مذبحة أخرى مشابهة \”وصعد الشعب إلى المدينة، كل رجل مع وجهه، وأخذوا المدينة. وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف\” (يشوع 6/20-21).

وفي موضع آخر تزعم التوراة أن يشوع قال لهم: \” أحرقوا المدينة ب النار مع كل ما بها \” (يشوع 6/24).

ويستمر سفر يشوع في عرض سلسلة من المجازر التي طالت النساء وال أطفال الأبرياء، وكل ذلك بأمر من يشوع، وحاشاه – عليه السلام – \” وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم وضربها بحد السيف وحرّم ملكها هو وكل نفس بها. لم يبق شارداً. وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا.

ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل إسرائيل معه إلى لبنة، وحارب لبنة. فدفعها الرب هي أيضا بيد إسرائيل مع ملكها فضربها بحد السيف وكل نفس بها. لم يبق بها شارداً، وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا.

ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لبنة إلى لخيش ونزل عليها وحاربها. فدفع الرب لخيش بيد إسرائيل فأخذها في اليوم الثاني وضربها بحد السيف وكل نفس بها حسب كل ما فعل بلبنة. حينئذ صعد هورام ملك جازر لإعانة لخيش وضربه يشوع مع شعبه حتى لم يبق له شارداً.

ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لخيش إلى عجلون فنزلوا عليها وحاربوها وأخذوها في ذلك اليوم وضربوها بحد السيف وحرّم كل نفس بها في ذلك اليوم حسب كل ما فعل بلخيش. ثم صعد يشوع وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون وحاربوها، وأخذوها وضربوها بحد السيف مع ملكها وكل مدنها وكل نفس بها. لم يبق شارداً حسب كل ما فعل بعجلون، فحرّمها وكل نفس بها.

ثم رجع يشوع وكل إسرائيل معه إلى دبير وحاربها. وأخذها مع ملكها وكل مدنها وضربوها بحد السيف، وحرّموا كل نفس بها. لم يبق شارداً. كما فعل بحبرون كذلك فعل بدبير وملكها وكما فعل بلبنة وملكها.

فضرب يشوع كل أرض الجبل و الجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها. لم يبق شارداً، بل حرّم كل نسمة كما أمر الرب إله إسرائيل \” (يشوع 10/28- 40).

وقد رأينا بعد هذه السلسلة الطويلة من المجازر، والتي تذكر بمجازر اليهود اليوم كيف نسب السفر هذه الجازر المريعة لأمر الرب، فقال في آخره: \” كما أمر الرب إله إسرائيل \” (يشوع 10/40).

داود – عليه السلام –

وأما داود – عليه السلام – والذي يصفه القرآن بالأواب، فتخصه التوراة بقبائح لم تذكر لغيره منها أنه لما أراد الزواج من ابنة شاول ملك إسرائيل الأول (طالوت) قدم إليه مهراً عجيباً فلقد \” قام داود، وذهب هو ورجاله، وقتل من ال فلسطينيين مائتي رجل، وأتى داود بغلفهم (الجلدة التي تقطع في الختان)، فأكملوها للملك لمصاهرة الملك \” (صموئيل (1) 18/27).

ويحكي سفر صموئيل عن رقص النبي داود وتكشف عورته، وهو فرح باسترجاع التابوت من يد ال فلسطينيين، وقد استاءت زوجه ميكال من هذا المنظر، واحتقرته لأجله \” كان داود يرقص بكل قوته أمام الرب… أشرفت ميكال بنت شاول من الكوة، ورأت الملك داود يطفر ويرقص أمام الرب، فاحتقرته في قلبها.. وقالت: ما كان أكرم ملك إسرائيل اليوم حتى تكشف اليوم في أعين إماء عبيده، كما يتكشف أحد السفهاء \” (صموئيل (2) 6/14 – 20).

ثم تحكي التوراة قصة داود مع أوريا الحثي وزوجته \”وكان في وقت المساء إن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحمّ. وكانت المرأة جميلة المنظر جداً. فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد: أليست هذه بثشبع بنت اليعام امرأة أوريا الحثّي. فأرسل داود رسلاً وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهّرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها.

وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت: إني حبلى. فأرسل داود إلى يوآب يقول: أرسل إلي أوريا الحثي، فأرسل يوآب أوريا إلى داود. فأتى أوريا إليه.. وقال داود لأوريا: انزل إلى بيتك واغسل رجليك. فخرج أوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك.

ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين: لم ينزل أوريا إلى بيته. فقال داود لأوريا: أما جئت من السفر. فلماذا لم تنزل إلى بيتك. فقال أوريا لداود: إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء، وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي؟ وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر.

فقال داود لأوريا: أقم هنا اليوم أيضاً وغداً أطلقك، فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده. ودعاه داود فأكل أمامه وشرب وأسكره. وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده وإلى بيته لم ينزل، وفي الصباح كتب داود مكتوباً إلى يوآب وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه، فيضرب ويموت\”. (صموئيل(2)11/2-26).

وكان كما أراد، ومات أوريا، وضم داود تلك الزانية إلى زوجاته، ومنها أنجب سليمان، الذي يشرفه كتاب الأناجيل، فيجعلونه أحد أجداد المسيح.

ثم تحكي الأسفار عن مجازر يشيب لها الولدان فعلها داود بالعمويين، فقد \” أخرج الشعب الذي فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد، وأمرَّهم في أتون الآجر، وهكذا صنع بجميع مدن عمون، ثم رجع داود، جميع الشعب إلى أورشليم \” (صموئيل (2) 12/31). سبحانك هذا بهتان عظيم.

لكن العجب العجاب أن كل ما نسبته الأسفار زوراً لنبي الله داود، لم يمنعها من وصفه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وجعله المثل الأعلى والمقياس الأوفى الذي يوزن به ملوك بني إسرائيل، فقد ذكرت الأسفار أن الله لم يمزق مملكة سليمان إكراماً لأبيه الذي حفظ وصايا الله، فتقول: \” ولا آخذ كل المملكة من يده، بل أصيره رئيساً كل أيام حياته، لأجل داود عبدي، الذي اخترته، الذي حفظ وصاياي وفرائضي\” (الملوك (1) 11/34)، ويؤكد سفر الملوك استقامة داود على فرائض الله، وتنعي على سليمان أنه لم يكن مثل أبيه الذي اتبع أوامر الله بالتمام، فتقول: \”عمل سليمان الشر في عيني الرب، ولم يتبع الرب تماماً كداود أبيه\” (الملوك (1) 11/6).

سليمان – عليه السلام –

وأما سليمان النبي الحكيم الذي يشهد له القرآن والتوراة بالحكمة (انظر الأيام (2) 2/12). فقد كان له نصيب أكبر من سلسلة المخازي التوراتية، فقد جعلته التوراة عابداً لأصنام نسائه اللاتي بلغن ألفاً، كما بنى المعابد لعبادتها، فغضب عليه الرب وسخط، تقول التوراة: \”كانت له سبع مائة من النساء السيدات وثلاث مائة من السراري فأمالت نساؤه قلبه، وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه.

فذهب سليمان وراء عشتورث إلهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين، وعمل سليمان الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب تماماً كداود أبيه، حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيين على الجبل الذي تجاه أورشليم، ولمولك رجس بني عمون، وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كنّ يوقدن ويذبحن لآلهتهنّ.

فغضب الرب على سليمان، لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى، فلم يحفظ ما أوصى به الرب، فقال الرب لسليمان: من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها، فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك\” (الملوك (1) 11/3-11).

وكانت الأسفار قد أثنت على سليمان، وذكرت بشارة الله لأبيه داود بهذا الابن الذي سيبني بيت الله، وتصفه بالبر و الطهارة الذي عبرت عنه بلفظة البنوة لله، وهو ما يراد منه كما هو معهود في التوراة، تقول البشارة لداود: \”هوذا يولد لك ابن، يكون صاحب راحة، وأريحه من جميع أعدائه حواليه، لأن اسمه يكون سليمان، فأجعل سلاماً وسكينة في إسرائيل في أيامه، هو يبني بيتاً لاسمي، وهو يكون لي ابناً، وأنا له أباً\” (الأيام (1) 22/9-10).

ونتساءل: فما فائدة النبوات بعد ذلك كله؟ وهل هذا يصدر عن وحي السماء؟ ثم لو كان ذلك الذي ذكرته التوراة من المخازي حقاً فما فائدة ذكره؟ ما الفائدة منه حتى يسطره الله في وحيه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

—————–

كتبه/ منقذ بن محمود السقار