• الأرْملة في الإسلام تَنال كلَّ تكريم ورعايةٍ واهْتمام.
• الإسلام يُراعي الفِطْرة البشريَّة، وأكثر اللاتي تزوَّجهنَّ الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – من الأرامل.
• في الهند لا حقَّ للأرملة في متع الحياة، وقد تُحرق حيَّة مع جثَّة زوجها.
• تعاني أكثر من 33 مليون أرْملة هنديَّة من الوحدة والفقر والجوع والعوز؛ بسبب المعتقدات الدينية المتخلفة.
• لا تُجيز الديانة الهندوسيَّة للأرملة الزَّواج مرَّة أخرى.
• • • •

الأرملة امرأة قُدِّر لها أن تفقِد زوْجَها وعائِلها في مرحلة من مراحل حياتها، وهذا أمر طارئٌ لا يمنَعُها من مُمارسة حقِّها في الحياة الكريمة، فموْت الزَّوج ليس معناه نِهاية الحياة بالنِّسبة للزَّوجة، وليس معناه أن تعيش هذه الأرْملة بقيَّة حياتِها في أغلال وقيود هذا اللقب الجديد، الذي تحمله كأرملة.

فالواقع المعاش يؤكِّد أنَّ المرأة في أغْلب الأحيان، عندما يموت زوجها، تَجد نفسَها وحيدةً أمام مأساتِها ومسؤوليَّاتِها الجديدة، وبالإضافة إلى هذه المعاناة تبدأُ معاناة من نوع آخر، معاناتها من نظرة المجتمع لها لكونِها بلا زوج، فيحسبون عليْها حركاتِها وسكناتها.

الإسلام والأرملة:
ولكنَّ موقف الإسلام من الأرملة يَختلف كلَّ الاختِلاف عن هذه النَّظرة، وعمَّا تعيشُه المرأة من مشاعرَ بعد رحيل زوجِها، فالإسلام منذ البداية ينظُر للأرْملة نظرةَ تعاطُف وتراحُم باعتِبارها ذاتَ ظروف خاصَّة، وتَحتاج لمن يُسانِدُها، ويدعم كفاحَها، فهي سيدة قُدِّر لها أن تفقد زوجها وعائلها، ولا بدَّ أن تنال رعاية المجتمع المسلِم، الذي ينبغي أن يكفُلَها كفالةً سويَّة هي وأبناؤها.

فهو بشريعتِه السَّمحة يدعم الصُّورة الإيجابيَّة للأرملة، والتي تساعدها على الانخِراط والتفاعل مع الآخرين في المجتمع، وبين الجيران والأقارب، بدلاً من أن تجلِس وحيدةً تجترُّ الماضيَ وذكرياتِه، وتكون مرتعًا لوسوسةِ الشَّيطان، وتُحاول أن تخلق لنفسها جماعات مرجعيَّة بشريَّة سويَّة، تكون بمثابة إسعافات سريعة لتضميد جراحها، وضمان عودتها للبداية الصَّحيحة بعد إعادة ترتيب أوراقها.

وتكْريم الإسلام للأرملة ينبثِق من تكريمه للمرأة عمومًا، فقد سوَّى بينها وبين الرَّجُل في الحقوق والواجبات الشرعية، ولا تعرف شريعتُه التَّفرقة بين المرأة الأرملة أو غيرها ممَّن تختلف ظروفُهنَّ عنها؛ بل إنَّ الإسلام جعل للأرملة منزلة عالية؛ حتى قال تعالى في الحديث القدسي: ((إنَّما أتقبَّل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، وقطع النَّهار في ذكري، ورحِم الأرملة والمسكين وابنَ السبيل)).

والأرْملة من القوارير الَّتي أوْصى بهنَّ رسولُ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – بل إنَّ معظمَ أمَّهات المؤمنين كنَّ من الأرامل؛ إلا عائشة بنت أبي بكر – رضي الله عنها – فهي الوحيدة التي تزوَّجها – صلَّى الله عليه وسلَّم – بكرًا.

تصورات جاهلية:
وليس في الأرْملة ما ينقُص كرامتَها أو يقلِّل من مكانتها عند الله وعند الناس، وكلُّ ما يُثار في المجتمع من نظراتٍ متدنِّية للأرملة هو أقْرب إلى التصوُّرات الجاهليَّة منه إلى التصوُّرات الإسلاميَّة؛ لأنَّ وفاة الزَّوج هو قدر الله، وليس لها أيُّ ذنبٍ فيه، بل إنَّ كثيرًا من الأرامل يضربنَ المثل والقدْوة حين يقُمْن بتربية أولادِهِنَّ على أفضلِ ما يكون.

الأرملة وحق الزواج:
كما أنَّ الإسلام يعتبِر الزَّواج حقًّا أساسيًّا للأرملة، أجازه لها الشَّرع بعد انتهاء العدَّة، وهى أربعة أشهُر وعشَرة أيَّام، أو وضْع الحمل لو كانت حاملاً، خاصَّة إذا كانت في مقتبل العمر، ولديْها أطفال بحاجة إلى رعاية، فلها أن تتزوَّج لكي تعفَّ نفسها، وتكمل حياتها في ظلِّ أُسرة طبيعيَّة.

فالإسلام يراعي الفطْرة البشريَّة، ومن ثَمَّ أحلَّ زواج الأرملة، وأكثرُ اللاتي تزوَّجهن الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – كنَّ ثيِّبات، فقد تزوَّج – صلَّى الله عليه وسلَّم – من أراملَ، ومنهنَّ أمُّ سلمة، فالزَّواج حصن للمرأة والرَّجُل معًا، وإن كانت هناك تقاليدُ تنظر للأرملة التي تتزوَّج نظرة سيِّئة، فهي نظرة خاطئة يرفضها الإسلام.

وقد جعل الإسلام الإحسان إلى الأرامل ورعايتِهِنَّ من أجلِّ الأعمال والقُرُبات إلى الله تعالى، وأوصت الشَّريعة الإسلاميَّة بحسن معاملة الأرامل والعناية بهنَّ؛ بل حثَّ الإسلام على الزَّواج بالثيِّبات، وعدم تركِهِنَّ عرضة للاتِّهام والكلام.

الأرامل في الهند:
وهذه النَّظرة الكريمة للأرملة، والتي أسَّس الإسلام قواعدها، وامتدَّ بعضُها إلى المجتمع العربي قبل الإسلام، تختلِف كلَّ الاختِلاف عن موقف الدِّيانات والحضارات الأُخرى من الأرملة، ولنا أن ننظُر إلى ديانةٍ واحدة على سبيل المثال، وهي الدِّيانة الهندوسيَّة، لنرى كيف تَحيا فيها الأرملة.

ففي المجتمع الهنديِّ الذي ينتمي غالبيَّته إلى الديانة الهندوسيَّة، لا صوتَ للأرامل، حيثُ تفقد الأرملة هويَّتها – وحتَّى حقوقها الأساسيَّة – حين تفقد زوْجَها، وفي بعض الحالات يقوم السكان بإحْراق المرأة وهي حيَّة مع جثَّة زوجِها عند وفاته، وهي العادة التي وصفَها البعضُ بـ “حياة الساتي”، في إشارة إلى عادة حرْق الأرملة مع زوجِها المتوفَّى، وهي ممارسة تمَّ حظرُها حاليًّا.

وتُواجِه الأرامل الهندوسيَّات مجموعةً من المحرَّمات الاجتماعيَّة، فعندما يَموت الرَّجُل، يُتوقَّع من أرملته أن تُقلع عن جميع المتع الدنيويَّة، ولا يحق لها الزَّواج، ويقوم أقارب آلاف الأرامل بالتخلُّص منهنَّ، ونفيهنَّ إلى بلدات هندوسيَّة متزمِّتة؛ مثل بلدة فريندافان شماليَّ الهند، حيث اتَّضح من دراسة قامتْ بِها بلدية (فريندافان): أنَّ حوالي 3 آلاف أرملة يعِشْن فيها، وتعيش مئاتٌ أُخريَّات في بلدات أخرى، مثل براجبومي وجوفردان، وجميعُها بلدات دينيَّة هندوسيَّة.

ويُطلق على الأرملة الهنديَّة – في بعض الأحيان – عبارة “برام” أو “مخلوقة”، ليستْ بشرًا؛ لأنَّ حالة البشريَّة لا يُمكن أن تتوفَّر لها إلا بوجود زوجِها، وفي بعض اللغات الهندية، يُشار إلى الأرملة بضمير الغائِب غير الحيِّ بدلاً من الضمير “هي”، وفي أخرى يتمُّ تضعيف الكلمة للإساءة أو تقريبِها إلى حدٍّ كبير من الكلِمة التي تشير إلى عاهرة.

وتُعتَبر الأرْملة عندهم مصدرًا للنَّحس وسوء الطَّالع؛ ولذلك تُمنع من حضورِ الطُّقوس والاحتِفالات التي تشكِّل جزءًا أصيلاً في الحياة الهنديَّة؛ مثل احتفالات الزَّواج والولادة، وفي بعض الحالات، يُعتبر – حتَّى – ظلُّها نجسًا على أفراد المجتمع “الطاهرين”.

ونتيجةً لهذه المعتقدات الخاطِئة الخاصَّة بالأرامل، تُعاني أكثر من 33 مليون أرْملة هنديَّة من الفقْر والجوع والعوَز، كما يُعانين الوحْدة أيضًا، بِسبب المعتقدات الدينيَّة المتخلِّفة التي تُسيْطِر على عقولهم، حيث لا تُجيز الديانة الهندوسيَّة للأرملة الزَّواج مرَّة أخرى، ما يُجْبِرهنَّ على العيش وحدَهُنَّ وسط الفقْر والعوز، وتعيش معظم الأرامل على المساعدات، وبعضُهُنَّ يلجأْن إلى التسوُّل.

فشتَّان بين رحْمة الإسلام بالأرملة، وما تناله في ظلِّ شريعتِه وهدْيِه من رعاية وتكريم، وبين موقف الدِّيانات والحضارات الأُخْرى من الأرامل، والذي يقوم على الإجحاف بها وإهدار كل حقوقِها بمجرَّد ترمُّلها!

المراجع:
– الأرملة والمجتمع – الشَّبكة الإسلاميَّة – 31 يوليو 2005.
– الأرامل حكم اجتِماعي بالإعدام! رشا لطفي، موقع الإسلام على الإنترنت، 17 إبريل 2006م.
– الأرامل في الهند .. حياة هباء، يرا سوجان، ترجمة: علي حمزة، موقع العربية على الإنترنت، 22 سبتمبر 2006.