الأجيـال المسـروقة

 Stolen Generations

 

في 13 فبراير عام 2008 خرج رئيس وزراء إستراليا كيفين رود Kevin Rudd أمام الملأ وأعلن رسمياً أمام البرلمان الإسترالي أنه يعتذر أشد الاعتذار للأجيال المسروقة وقال : “عذراً للأجيال المسروقة .. عذراً للألم .. عذراً للجراح عذراً لجميع الأجيال المسروقة “-1-.

لكن مَن هم الأجيال المسروقة Stolen Generations ؟
الأجيال المسروقة هو مصطلح غيرُ موجودٍ ككلمة مُركبة في أي لُغة من لغات العالم إلا في اللغة الإنجليزية، يصف هذا المصطلح عملية سرقة حوالي ربع مليون طفل من أبناء إستراليا الأصليين على يد الحكومة الإسترالية الإنجليزية وبإقرار واحترام البرلمان الإسترالي الديموقراطي الإنجليزي، وبدأت العملية عام 1870 وانتهت عام 1970

الأرقام تتراوح بين 100 ألف طفل و303 ألف طفل .. ، حيث تمت سرقة الأطفال من أمهاتهم ولن يرونهم مرةً أخرى طبقا لقانون أصدره البرلمان الإسترالي the Aborigines Protection Act ، ويحق طبقاً لهذا القانون لكل أبيضَ أن يسرق أيَّ طفلٍ من أبناء إستراليا الأصليين بالإكراه، فسرقة الأطفال كانت سرقة رسمية وقانونية طبقاً للدستور الإسترالي ووفق اللوائح الديموقراطية وبموافقة البرلمان .

 

ظلت عملية السرقة المدهشة والمرعبة تلك حوالي مائة عام من عام 1870 إلى عام 1970 سُرق خلالها حوالي ربع مليون طفل ..

بعدما تتم سرقة الأطفال من ذويهم كان الأطفال البيض البشرة يودعون في مؤسسـات تبَنِّي ، بينما يودَعُ الأطفالُ السودُ البشرةِ في ملاجيء بهدف استخدامهم لاحقـاً في أعمال شاقة وكعينات بحثية ، وعندما تزداد الحاجة للأيدي العاملة كان يتمُّ صبغُ الأطفال البيض بالفحم ليصبح لونهم أسود، وبالتالي يتم توفير أيدي عاملة بأعداد كبيرة -2-.

في إستراليا وفي المنطقة الشمالية من تلك القارة الحالمة المكتظة بالثروات أُنشِـئت مدينة داروين تيمنـاً بالعالم البريطاني صاحب نظرية النشوء والارتقاء تشارليز داروين -3-.

 

وفي تلك المدينة وغيرها جرت أكبر المهازل بخصوص سرقة الأطفال ، وظل الأمر بهذه البشاعة حتى عام 1970 حيث خرجت الحركات الكبرى التي تنادي بعنصرية قانون سرقة الأجيال، وفي عام 1994 بدأت الحركات تنادي بضرورة عودة الأجيال المسروقة إلى بيوتهم وظهرت مؤتمرات العودة Going Home Conferences-4-.

 

في عام 1995 قرر النائب العام بإستراليا بحق العودة والانفصال للأجيال المسروقة عن المستعمر الأبيض طبقًا لقانون حقوق الإنسان، وفي مايو من عام 1997 قدم البرلمان الأسترالي اعتذاره الرسمي للأجيال المسروقة، وموافقته على حق العودة للأجيال المسروقة، وقدمت الحكومة رسميًا اعتذارًا كاملاً عن كل ممارسات الأجداد البيض عام 1999 ، وتضمن الاعتذار مزايا للباقين من الأجيال المسروقة .

حالياً أي شخص باقٍ من ضحايا هذه الجريمة البشعة يتلقى 500 ألف دولار كتعويض من قِبل الحكومة الإسترالية فمثلاً Bruce Trevorrow أحد المسروقين حصل في عام 1998 على نصف مليون دولار تعويض من الحكومة الأسترالية، مقابل كونه أحد ضحايا قانون الأجيال المسروقة، حيث يقول إن معاقرته للكحوليات والاكتئاب وعدم استطاعته العمل كل هذه الأمور كانت من جراء تعرضه لقانون الأجيال المسروقة -5-.

لكن كيف جرى ذلك باسم الديموقراطية ؟؟ كيف يحق للبيض إبادة وسرقة كل هذه الأجيال من السود ومن سكان إستراليا الأصليين؟ كيف برروا لأنفسهم كل هذه الجرائم البشعة ؟

قال رئيس وزاء تاسمانيا Tasmania -أحد جزر إستراليا – جيمس برنارد James Barnard قال عام 1890 ما يلي :- “عملية إبادة السكان الأصليين تجري طبقاً لقانون النشوء والارتقاء والبقاء للأنسب”-6-.

فطبقاً لداروين فإن الجنس الأبيض هو الجنس المُختـار favoured race بينما الأفارقة والآسيويون في ذيل الأجناس البشرية، وسيخسرون معركة البقاء مع الجنس الأبيض ثم يختفون للأبد.. ، يقول داروين بالحرف في كتابه نشأة الإنسان ص 178 ما يلي : “في المستقبل القريب ستقوم الأجناس البشرية الأكثر تقدمـاً بإبادة الأجناس البدائية والحلول بدلاً عنهـا … سينتهى القردة البشريون anthropomorphous apes للأبد هذا مما لا شك فيه – يقصد بمصطلح الفردة البشريون الزنوج والسكان الأصليين للقارات المُستعمرة .” -7-

لقد وضع داروين السُود وسكان إستراليا الأصليين والغوريلات في سلةٍ واحدة !

 

اعتقد داروين أن السُـود والقبائل وسكان إستراليا الأصليين يُشكلون بعض الحلقات المفقودة في سلسلة النشوء والارتقاء .. ، لم يكن يؤمن داروين أن هؤلاء بشر ..!! وبالفعل تم الحصول على مجموعات من سكان إستراليا الأصليين وعرضهم في المتاحف الإسترالية واعتبرهم المتحف الوطني الإسترالي أنواعاً من الحيوانات الإسترالية -8-.

لقد عُومل السكان الأصليون للقارات المُستعمرة كحيوانات التجارب لقد ظل معهد سميثسونيان بواشنطون دي سي The Smithsonian Institute يعرض 15 ألف نسمة من الأجناس البشرية الأدنى كما تم نقل 1000 نسمة من سكان إستراليا الأصليين إلى المتحف البريطاني بهدف معرفة هل هؤلاء هم الحلقة المفقودة في طريق تطور الحيوان إلى إنسان أم لا -9-.

 

لقد استخدموا السكان الأصليين كعينات بحثية وتمت إبادة وذبح بعضهم لهذا الغرض، يقول مثلاً عمدة مدينة باون Bowen كيراه ويلز Korah Wills يقول في مذكرات الوفيات إنه خلال الستينيات من القرن التاسع عشر كان يقوم بذبح قبائل إستراليا الأصليين لتوفير عينات للبحث العلمي.

إدوارد رامسي Edward Ramsay أمين المتحف الإسترالي بسيدني لمدة 20 سنة منذ عام 1874 -1894 وصف سكان إستراليا الأصليين في كتيب التعريف بالمتحف على أنهم حيوانات إسترالية .

عالمة التطور الألمانية الشهيرة Amalie Dietrich والمعروفة باسم ملاك الموت الأسود جاءت إلى إستراليا وطلبت من حُكـام الأقاليم إطلاق النار على سكان إستراليا الأصليين لأنها بحاجة إلى عينات منهم للدراسة، وبالفعل عادت بعد فترة قصيرة إلى وطنها بالعينات -10-.

يعتبر داروين أنه لا فائدة من تلقيح السود، فهم بجلاء وبلا أمل سيختفون مع الوقت، يقول داروين في كتابه نشأة الإنسـان ص 171 ما يلي :- “بخصوص السكـان الأصليين فإنهم ٌضِعـاف في البدن والعقل، نحن الرجال المتحضرين في المقابل نحافظ على أنفسنا من الأمراض ونتلقى اللقاحات التى حفظت الآلاف منــا “-11-.

 

يقول عالم الطبيعيات الأمريكي الدارويني الشهير Henry Fairfield Osborn في مقال له تحت عنوان تطور الأجناس البشرية : “مستوى الذكاء لدى السود البالغين لا يعدو أن يكون بمستوى ذكاء طفل أبيض لم يتجاوز 11 سنة.” -12-

 

في كتابه Ever Since Darwin أوضح ستيفن جولد أن الداروينيين أثبتوا مراراً وتكراراً أن بعض الأجناس البشرية في مرتبة أقل من الأجناس الأخرى، يقول جولد : “أثبت هيجل ورفاقه أن الإنسان الأبيض هو السلالة المُختـارة داروينيـًا ، لقد وظّف هيجل ورفاقه علوم التشريح والسلوك من أجل هذا الغرض لقد استخدموا كل ما بوسعهم لإثبات ذلك “-13-.

 

يقول الدكتور الفرنسي Etienne Serres إن الذكور السود في مرتبة أقل من الذكر الأبيض لأن مكان السُرة في مستوى أقل من ذلك لدى الرجل الأيبض، بل ووصل السخف ببعض علمائهم إلى الزعم بأن القمل الذي ينمو على شعر الرجل الأسود يختلف عن نوعية القمل الذي ينمو على شعر الرجل الأبيض -14-.

 

بل لقد وصل الأمر ببعضهم إلى حد منع الزواج بين السود والبيض لأن هذا ضـار داروينيـا .. يقول Madison Grant
مؤلف كتاب The Passing of the Great Race والمنشور عام 1916 كتب يقول “: السماح بالزواج المختلط بين الأجناس البشرية سيفتح الباب واسعا أمام ظهور أجناس بدائية وفي مرتبة داروينية سُفلى .” لقد أراد عمليـا أن يمنع زواج البيض من السود ..-15- .

كتب الدارويني الشهير روسدن H. K. Rusden عن سكان القارات الأصليين عام 1876 كتب يقول: “إننا فقط نستشهد بقانون الطبيعة الذي لا يرحم، وعندما نقوم بإبادة سُكـان إستراليا ونيوزيلندة الأصليين فنحن فقط نقوم بما تُلزمنا به الطبيعة والطبيعة لا تعرف الرحمة أو الشفقة” -16-.

لقد تمت إقامة المذابح في كل القارة الإسترالية، وقدموا للسكان الأصليين الخبز المسموم ، وبالفعل فقد اختفت مستعمرات السكان الأصليين من الوجود خلال 50 سنة، كان الغرب الاستعماري يقبل نظرية داروين ليس لكونها صحيحة بل لرغبتهم في أن تكون صحيحة، يقول عالم الإنسانيات الهندي Lalita Vidyarthi: “نظرية داروين والتي تقول بالبقاء للأقوى كان مُرحبـًا بها بشدة في تلك الأيام، وخاصةً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر-عصر العنصرية الشهير-، وكانت تلقى قبولاً متزايداً ؛ وكانت العنصرية مقبولة كحقيقة طبقاً لأغلبية علماء الاجتماع الغربيين” -17-.

وبالفعل فقد صدقت نبوءة آدم سدجويك Adam Sedgwick الصديق الشخصي لداروين الذي قال بعد اطلاعه على كتاب أصل الأنواع لتشارلز داروين: “إذا لقي هذا الكتاب قبولاً لدى الرأي العام فإنه سيجلب للبشرية مذابح لم يسبق للبشرية أن شهدت مثلها “-18-.

جرت كل هذه الجرائم باسم الداروينية، واندس خلف الداروينية كل اللصوص والخبثـاء والمستعمرين، ووجدوا فيهـا مبرراً لجرائمهم الوضيعة، فكان كل شيء يجري بمنتهى الديموقراطية والحيـاد، وبالفعل تم تفريغ قارات بأكملها من سكانها الأصليين ولم يحدث ذلك إلا في وسط إلحـادي وبتبرير دارويني وبدعم مادي لا يرحم !

لكن هل انتهت القضية بحركات العودة وباعتذار الغرب ؟؟ للأسف الشديد هذه كانت فقط قشور فبعد عام 1970 وبعد انتهاء العمل بقانون سرقة الأطفال ظهر كتاب قوس الجرس The Bell Curve في سبيعينيات القرن الماضي – أي بعد توقف العمل بقانون سرقة الأطفال -، وحقق الكتاب أرقام مبيعات قياسية لم يسبق لها مثيل ، وصار أشهر الكتب مبيعاً على الإطلاق، وخلاصة الكتاب أنه علميـاً لا جدوى من تعليم السود أو تطبيق قوانين النظافة عليهم، فالسـود بطبيعتهم البيولوجية وطبقاً للتطور الدارويني في مرحلة أدنى بكثير من البيض، والكتاب يؤسس علميـاً وبيولوجيـاً لكون الذكاء مرتبطا بالأجناس. -19-

 

الآن أيها الملحد الدارويني … تخيل أنك نشأت كإبن لأحد سكان إستراليا الأصليين هل تستطيع من منظور دارويني أن تدافع عن نفسك أو أن تُبرهن على المساواة بين البشر؟

فالمساواةُ بين البشر ممكنةٌ فقط إذا كان الإنسان مخلوقاً لله، فالمساواة بين البشر هي خصوصيةٌ أخلاقية وليست حقيقةً طبيعية أو مادية أو عقلية، فالمساواة بين البشر هي مسألةٌ ميتافيزيقية بحتة، فإذا لم يكن الله موجوداً فالناس بجلاء وبلا أمل غير متساوين ، وتأسيساً على الدين فقط يستطيع الضعفاء المطالبة بالمساواة .

 

 

 

—————

1- http://www.news.com.au/national/pm-moves-to-heal-the-nation/story-e6frfkw9-1111115539560
2- Philadelphia Daily News, 28 April 1997
3-  http://en.wikipedia.org/wiki/City_of_Darwin
4- http://centralstolengens.org.au/
5- http://news.bbc.co.uk/2/hi/6937222.stm
6- http://www.gn.apc.org/inquirer/ausrace.html
http://en.wikipedia.org/wiki/Tasmania
7- Charles Darwin, The Descent of Man, 2nd edition, New York, A L. Burt Co., 1874, p. 178
8- D. Monaghan, The Body-Snatchers, The Bulletin, pp. 30–38, 12 November 1991.
9- http://www.si.edu/
http://en.wikipedia.org/wiki/Minik_Wallace
10- http://en.wikipedia.org/wiki/Amalie_Dietrich
11- Charles Darwin, The Descent of Man, 2nd edition, New York, A L. Burt Co., 1874, p. 171
12- http://en.wikipedia.org/wiki/Henry_Fairfield_Osborn
13- http://en.wikipedia.org/wiki/Stephen_Jay_Gould
14- Thomas Gossett, Race: The History of an Idea in America, Dallas: Southern Methodist University Press, 1963, p.81
15- http://en.wikipedia.org/wiki/Madison_Grant
16- http://adbonline.anu.edu.au/biogs/A060084b.htm
17- http://en.wikipedia.org/wiki/L._P._Vidyarthi
18- http://en.wikipedia.org/wiki/Adam_Sedgwick
19- http://en.wikipedia.org/wiki/The_Bell_Curve