لقد كان إيذاء اليهود – عليهم لعنة الله – للمسيح – عليه السلام – كثيرًا ومتنوعًا، وسنكتفي هنا بذكر أهم نقاط الإيذاء‏: وأولها: اتهامه عليه السلام بأنه ابن زنا‏:

فلقد زعم اليهود – وبئس ما زعموا – أن عيسى ابن مريم ‏”‏عليه السلام‏”‏ ابن زنا، وأنه من سِفاحٍ، وأشاعوا ذلك فيما بينهم، وكان ذلك منذ ولدتْه أمُّه، ثم سكتوا عنه، حتى قام فيهم بدعوته – نبيًّا ورسولاً – فلم تُعجِبْهم دعوته؛ إذ أرادوه ملكًا يُعِيد إليهم مُلْكَهم المفقود، ومجدَهم التليد، ودولتهم السليبة، فإذا به يدعوهم إلى الدار الآخرة، بدعوة روحانية، بعيدًا عن الماديات التي طَغَت عليهم، لتكون دعوته علاجًا لما هم فيه، ودواءً لما أصابهم من أدواء، فتردهم إلى الجادة، وتعود بهم إلى الصراط المستقيم، لقد أرادوه مسيحًا مخلِّصًا لهم وانتظروه، فلما جاء المسيح تأهبوا لتنصيبه ملكًا عليهم، فلما أحسَّ عيسى – عليه السلام – عزمَهم على هذا تركهم إلى الجبل، فإذا بهم ينكرون دعوته، ويناصبونه العداء، ثم أرادوا تشويه صورته أمام الناس ليرفضوا رسالته، فزعموا زعمَهم القديم بأنه ابن زنا، وأن أمه لم تتزوَّج، وإنما حملت به من سفاح، من ‏”‏باندارا العسكري‏”،‏ أو من ‏”‏يوسف بن النجار‏”‏‏!‏

ولا يعلِّم سوى الهرطقة والكذب التي يستحيل على العقل إدراكها، وإذا كان المسيح كافرًا مرتدًّا، فإن تعاليمه – بناءً على ذلك – لا تعدو إلا أن تكون كذبًا وتلفيقًا، لا يصح التعبد بها‏؛ ‏[راجع بتوسع‏: ‏فضح التلمود، ص55 – 57، الكنز المرصود في فضح التلمود، ص258 – 260، جذور الفكر اليهودي، ص86، جنايات بني إسرائيل، ص156 – 160‏].‏

وعجبًا لأمر المسيح بين اليهود والنصارى؛ فاليهود قالوا عنه – وبئس ما قالوا -: ‏”ابن زنا‏”‏‏!‏ ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 5]، والنصارى قالوا عنه – وكَبُر ما قالوا -: ‏”‏ابن الله‏”‏‏!‏ ﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ * سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الزخرف: 81، 82]، وأَكْرِم بالإسلام من دينٍ، اختُصَّ بالوسطية، فبرَّأ ساحة ‏”‏عيسى‏”‏ من الزعمينِ، ونزَّهَه من الاتِّهامينِ، وقال عنه‏: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الزخرف: 59]، كما قال أيضًا‏: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المائدة: 75]، كما قال أيضًا‏: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 45 – 46].

كما طعن اليهودُ في أمه مريم – رضي الله عنها؛ لما جاء عيسى – عليه السلام – إلى الدنيا على خلافِ ما جَرَتْ به عادة النساء غير أمِّه – عليه السلام – حيث وُلِد بلا أبٍ، كان هذا أمرًا عجيبًا، وخاصة بين هؤلاء الماديين،‏ فاتخذ اليهود من مولده – الذي لم تستطع عقولهم القاصرة وقلوبهم المنكرة أن تستوعبه – مدعاةً للطعن في أمه – عليهما السلام – فرَمَوها بالزنا وارتكاب الفاحشة وهي البَتُول الطاهرة‏.‏

واعتقدوا أن المسيح – عليه السلام – وُلِد من الفحشاء، وأن مريم خانتْ حياءها وعفَّتها فيه، وأتتْ به بطريقٍ بشري غير شرعي أثناء الحيض، وهذا الأمر ليس غريبًا على اليهود، الذين تطاولوا على خالقهم، وقتلوا أنبياءهم، ورمَوهم بأفحش الفِرَى‏.‏

ولعل الذي دفع اليهودَ إلى هذا الاعتقاد هو أنهم – لبذاءةٍ في أنفسهم جُبِلوا عليها – ينظرون إلى جانب الشر دون الخير، فيَمِيلُون – دون شعور منهم – إلى تصديق الجانب الشرير في الإنسان، ويرجحونه على جانب الفضيلة‏؛ ‏[الجدل اليهودي في مواجهة العقيدة الإسلامية، رسالة ماجستير د/ عثمان علام، أصول الدين، فرع الزقازيق، مصر، ص236، بتصرف‏].‏

لقد واجه اليهودُ نبيَّهم عيسى – تلميحًا – بهذا الطعن، يظهر ذلك من قولهم له: ‏”نحن لم نُولَد من زنا‏”؛ ‏‏[‏إنجيل يوحنا، إصحاح8‏ (‏41‏)‏‏]؛ تلميحًا له أنه هو الذي وُلِد من الزنا – وحاشا لله – أن يبعث رسولاً يدعو إليه، وقد تدنس نسبُه بالفاحشة‏.‏

ولما عرض عيسى – عليه السلام – دعوتَه على القوم، ‏”استقبله ناسٌ من اليهود، فلما رأوه قالوا‏: جاء الساحر ابن الساحرة، الفاعل ابن الفاعلة، وقذفوه وأمَّه‏”؛ ‏‏[‏فضح التلمود، ص55 – 57، الكامل لابن الأثير ج1، ص1101، ط/ الخامسة، بيروت، دار الكتاب العربي، 1405هـ/1985م‏،‏ إسرائيل والتلمود، ص60 – 61‏]‏.

ولا يتصور منهم أن يؤمنوا به وهم يظنون به هذا الظن، ويعتقدون فيه هذا الاعتقاد، واستبدلوا باحترامه الازدراء والاحتقار، فسمَّوه أسماء صريحة أحيانًا، وأحيانًا أخرى غير صريحة، لكن يُفهَم منها أنه هو المراد، وتشير هذه الأسماء إلى احتقارهم له‏.‏

وذلك كما جاء في كثير من فقرات التلمود – كما سبق أن ذكرنا – التي تحتوي على اسم المسيح بغير صراحة حقدًا وحسدًا، فمثلاً يقول‏: ‏‏”ذاك الرجل‏”‏، أو ‏”الرجل الذي شنق‏”،‏ أو ‏”‏ابن النجار‏”،‏ ويصفونه بالساحر، المشعوذ، المجنون، المخبول، روح شيطان، ومضلل، مدفون في جهنم؛ لأنه وثن‏،‏ إنه يسوع المسيح الذي ارتد عن دين اليهود وعبَدَ الأوثان‏؛ ‏[راجع بتوسع‏: فضح التلمود، ص57 – 84، اليهود تاريخ وعقيدة، ص151‏].‏

ومعلوم أن التلمود كتاب مقدَّس يؤمِن اليهود بتعاليمه، وهو أساس تربيتهم الدينية مع التوراة، كما سبق بيانه، وبهذا كفَر اليهودُ بعيسى بحكم نظرتهم إليه من ناحية المولد‏؛ ‏[حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى، ص108، بتصرف‏].‏

وأيضًا، فالمسيح عيسى ابن مريم عند اليهود يُشَار إليه بكلمة ‏”‏يشو‏”‏ العبرية، ويشار إليه في التلمود بوصفه ‏”‏ابن العاهرة‏”،‏ كما يشار إلى أن أباه جندي روماني، حملت منه مريم العذراء سِفاحًا.

أما كلمة ‏”ماشيح‏”،‏ فإنها تُشِير إلى المسيح المخلِّص اليهودي الذي سوف يأتي في آخر الأيام‏، ويشير التلمود إلى أن صَلْب المسيح تَمَّ بناءً على حكم محكمة حاخامية ‏”‏السنهدرين‏”،‏ بسبب دعوته اليهودية إلى الوثنية، وعدم احترامه لسلطة الحاخامات، وكل المصادر الكلاسيكية اليهودية تتحمَّل المسؤولية الكاملة عن ذلك، ولا يذكر الرومان بتاتًا في تلك المصادر‏.‏

وظهرت كتب مثل‏ “‏توليدوت يشو‏”‏ ‏(‏ميلاد المسيح‏)،‏ وهي أكثر سوءًا من التلمود نفسه، وتتهم المسيح بأنه ساحر‏.

واسم المسيح نفسه ‏(‏يشو‏)‏ اسم مَقِيت، ولكن يفسَّر على أنه كلمة مركبة من الحروف الأولى لكلمات أخرى، وقد أصبحت الكلمةُ عبارةَ قدحٍ في العبرية الحديثة، فيقال: ‏”‏ناصر يشو‏”،‏ وهي تساوي ‏”‏لِيَفْنَ اسمُ ناصرٍ، ولْتَفْنَ ذِكراه‏”،‏ وهكذا‏.

ولا تساوي اليهوديةُ الحاخامية المسيحيةَ بالإسلام، فهي تعتبر أن المسيحية شرك ووثنية، ولكنها لا ترى أن الإسلام كذلك‏.‏

و‏(‏توليدوت يشو‏)‏ عبارة عبرية تعني: ‏(‏حياة المسيح‏)،‏ وهي عنوان كتاب كان متداولاً بين أعضاء الجماعات اليهودية في العصور الوسطى في الغرب، ويقدِّم هذا الكتابُ التصورَ اليهودي لمولد وحياة المسيح،‏ وقد تداخلت عدَّة عناصر لتكون هذه الصورة، من بينها بعض أقسام التلمود‏، ويقدم الكتاب أحيانًا صورة إيجابية إلى حدٍّ ما للعذراء مريم أم المسيح، فهي من عائلة طيبة، وتعود جذورها لبيت داود، أما أبو المسيح، فهو رجل شرير قام باغتصابها، ثم هَرَب‏.‏

وبيَّن الكتاب أن المسيح شخصٌ يتمتع بذكاء عالٍ، ولكنه لا يحترم شيوخ البلد وحكماءها، وهو يتمتَّع بمقدرات عجائبية؛ لأنه سرق أحد الأسماء السرية للإله من الهيكل، ومع هذا ينجح أحد فقهاء اليهود في إبطال سرِّه، وتوجد تفاصيل أخرى في الكتاب أكثر بشاعة وقبحًا‏، ويهدف الكتاب إلى تفريغ قصَّة المسيح من أي معنى روحي‏، كما أنه يحاول تفسير المعجزات التي تدور حول المسيح بطريقةٍ تكشفها وتنزع عنها أي سحر، أو جلال، أو هالات دينية‏.‏

وهذا الكتاب يسبِّب كثيرًا من الحرج للجماعات اليهودية حينما تكتشف السلطات أمرَه؛ ولذا كان بعض الحاخامات يَحرِصُون على تأكيد أن يسوعَ المشار إليه في الكتاب ليس المسيح، وإنما هو شخص يحمل هذا الاسم عاش قرنين قبل الميلاد‏؛ ‏[انظر‏: يسوع والأناجيل؛ تأليف جون و‏.‏درين، ج5، ص340 – 341‏].‏

ولم يكتفِ اليهود بالزعم أن عيسى – عليه السلام – ابن زنا، حتى اتهموه هو أيضًا بالزنا، ففي كتاب يسمى ‏”‏إنجيل الشيطان‏”‏ اتَّخذه عَبَدة الشيطان كتابًا مقدسًا لهم، نجد في هذا الكتاب – فضلاً عمَّا فيه من إنكار وجود الله، والتصريح بأن الأنبياء والرسل كذَّابون، وأنه لا قيامة ولا دينونة‏.‏‏.‏‏.،‏ وأن عباد الشيطان هم الغالبون الفائزون إلى الأبد، وأن الحياة مال وجنس.‏‏.‏ – أنه يسخَر كثيرًا من المسيح وأمه.‏

هذا،‏ وقد نشرت ‏‏دار النشر في ‏”‏نيويورك‏” ‏كتابًا عن المسيح بعنوان ‏”التجربة الأخيرة للمسيح‏”،‏ ومما جاء في هذا الكتاب صفحة ‏86 : ‏‏”‏وكانت المجدلية – ابنة خالة عيسى ابن مريم – مستلقيةً على ظهرها في الفراش عارية، مبللة بالعرق‏.‏‏.‏‏.‏ وكان شعرها الفاحم منشورًا على وسادتها، وكانت يداها متشابكتين تحت رأسها، وكانت منهوكة القوى؛ لأنها كانت تضاجع الرجال منذ الظهر، وخفض ابن مريم نظره، ووقف وسط الغرفة غير قادر على الحركة‏.‏

ثم جاء في صفحة 450 من الكتاب نفسه ما يلي‏: ‏‏”‏‏.‏‏.‏‏.‏ وأمسك بها يسوع وطبع على فمها قُبْلة مُلتَهِبة، فامتقع لونها، واصطكت ركبتاها، فتساقطا تحت شجرة ليمون مُزهِرة، وأخذا يتدحرجان على الأرض حتى طلعت الشمس، ووقفت بينهما وهب نسيم عليل أسقط أزهار الليمون على جسديهما العاريين، فضمت المجدلية يسوع إليها، وألصقت جسدها بجسده‏.‏

وفي صفحة 482 يقول الكتاب، على لسان يهوذا الإسخريوطي‏: ‏‏”‏وعندما واجه المسيح الصلب داخ وأغمي عليه، فأمسكت به نسوة كن موجودات، فأسعفنه وضاجعنه كي ينجبن أولادًا‏”‏‏.‏

ويذكر الأستاذ عبدالله التل أن هذه الدار تُصدِر في كل عام عدَّة كتب من هذا النوع، وتذيِّل كل كتاب بعبارة‏: ‏‏”إذا استمتعت بقراءة هذا الكتاب، فعندنا عدد كبير من الكتب الأخرى في انتظارك‏‏”؛‏ ‏[‏خطر اليهودية العالمية، عبدالله التل، ص34 – 35، بتصرف، نقلاً عن كتاب القوى الخفية، ص159 – 161‏].‏

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/65496/#ixzz61g96kZdJ

https://hidayat-alhayara.com/ موقع هداية الحيارى الدعوي