الاسم والنسب:

هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرةِ بن بَرْدِزْبَهْ (معناها الزراع)، البخاري، أسلم المغيرة على يديِ اليمان الجعفي والي بخارى، وكان مجوسيًّا، وطلب إسماعيل بن إبراهيم العلم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 391: صـ 392).

كنية البخاري: أبو عبدالله.

لقب البخاري: إمام المحدِّثين، أو أمير المؤمنين في الحديث.

مولد البخاري: ولد البخاري في بخارى، وهي مدينة معروفة، في شوال سنة أربع وتسعين ومائة بعد صلاة الجمعة.

والد البخاري: إسماعيل بن إبراهيم، وكنيته (أبو الحسن)، كان من تلاميذ مالك بن أنس، ورأى حماد بن زيد، وصافَح ابنَ المبارك بكلتا يديه؛ (الثقات لابن حبان جـ 9 صـ 98).

ورَعُ والد البخاري:

يقول أحمدُ بن حفص: دخلتُ على أبي الحسن – يعني: إسماعيل – والدِ أبي عبدالله [البخاري] عند موته، فقال: لا أعلم من مالي درهمًا من حرام، ولا درهمًا من شبهة، قال أحمد: فتصاغرَتْ إليَّ نفسي عند ذلك؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 447).

والدة البخاري:

كانت امرأة عابدة، صاحبة كرامات،كان البخاري قد فقَد بصرَه وهو طفل، وعجز الأطباء عن علاجه، فتوسلت إلى الله تعالى بالدعاء، حتى رأت الخليل إبراهيم في المنام، فقال لها: يا هذه، قد ردَّ اللهُ على ابنك بصره؛ لكثرة دعائك، قال: فأصبح وقد رد الله عليه بصره؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 393).

بداية طلب البخاري للعلم:

قال محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي عبدالله: كيف كان بدء أمرك؟ قال: أُلهمتُ حفظ الحديث وأنا في الكتَّاب، فقلت: كم كان سنك؟ فقال: عَشْر سنين، أو أقل، ثم خرجتُ من الكتَّاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، فقال يومًا فيما كان يقرأ للناس: سفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يروِ عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه، ثم خرج، فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي، عن إبراهيم، فأخذ القلم مني، وأحكم كتابه، وقال: صدقتَ، فقيل للبخاري: ابن كم كنت حين رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة سنةً، فلما طعنت في ست عشرة سنةً، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجتُ مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت رجع أخي بها، وتخلَّفتُ في طلب الحديث؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 393).

عدد شيوخ البخاري:

قال محمد بن أبي حاتم: سمعتُ البخاري قبل موته بشهر يقول: كتبت عن ألف وثمانين رجلًا، ليس فيهم إلا صاحب حديث، كانوا يقولون: الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 395).

رحلة البخاري في طلب العلم:

رحل البخاري إلى مكة، وبلخ، ومرو، ونيسابور، والرَّي، وبغداد، والبصرة، والكوفة، والمدينة، ومصر، والشام؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 394: صـ 395).

بداية تأليف البخاري للكتب:

قال البخاري: لما طعنتُ في ثماني عشرة جعلتُ أصنِّفُ كتاب قضايا الصحابة والتابعين، ثم صنفت التاريخ في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أكتبه في الليالي المقمرة، قال: وقل اسمٌ في التاريخ إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت أن يطول الكتاب؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 400).

قوة حافظة البخاري:

قال محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبدالله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلامٌ، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يومًا بعد ستة عشر يومًا: إنكما قد أكثرتما عليَّ وألححتما، فاعرِضا عليَّ ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر القلب، حتى جعلنا نُحكِم (نضبط) كتبنا من حفظه، ثم قال: أترون أني أختلف هدرًا، وأضيِّع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحدٌ؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 408).

اختبار حفظ البخاري:

قال أبو أحمد عبدالله بن عدي الحافظ: سمعتُ عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمَدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد هذا، وإسناد هذا المتن هذا، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فسأل البخاري عن حديث من عشرته، فقال: لا أعرفه.

وسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه.

وكذلك حتى فرغ من عشرته، فكان الفقهاءُ يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: الرجل فهِم، ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز، ثم انتدب آخر، ففعل كما فعل الأول، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس، وهو لا يزيدهم على: لا أعرفه، فلما علم أنهم قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم، فقال: أما حديثك الأول فكذا، والثاني كذا، والثالث كذا إلى العشرة، فردَّ كل متنٍ إلى إسناده، وفعَل بالآخرين مثل ذلك، فأقرَّ له الناس بالحفظ؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 408: صـ 409).

اختبار سَمَرْقَنْدَ:

قال أبو الأزهر: كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث، فاجتمعوا سبعة أيام، وأحبوا مغالطة محمد بن إسماعيل، فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وإسناد اليمن في إسناد الحرمين، فما تعلقوا منه بسقطة، لا في الإسناد، ولا في المتن؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 411).

قال البخاري: رُبَّ حديث سمعتُه بالبصرة كتبته بالشام، ورُبَّ حديث سمعتُه بالشام كتبته بمصر؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 411).

قال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 415).

قال أبو بكر الكلواذاني: ما رأيتُ مِثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلم فيطَّلِع عليه اطِّلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث من مرة واحدة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 416).

اجتهاد البخاري في طلب العلم:

(1) قال محمد بن يوسف البخاري: كنتُ مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة، فأحصيت عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلِّقُها في ليلةٍ ثمان عشرة مرة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 404).

(2) قال محمد بن أبي حاتم الوراق: كان أبو عبدالله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيتٌ واحدٌ، إلا في القيظ أحيانًا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة، فيوري نارًا، ويسرج، ثم يخرج أحاديث، فيعلِّم عليها؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 404).

عبادة البخاري وورعه:

قال مسبح بن سعيد: كان محمد بن إسماعيل يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمةً، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 438).

قال البخاري: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبتُ أحدًا؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 439).

كان البخاري يصلي في وقت السَّحَر ثلاث عشرة ركعةً؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 441).

قال البخاري: ما اغتبت أحدًا قط منذ علمت أن الغِيبةَ تضرُّ أهلها؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 441).

قال الفِرَبْري: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: أريد محمد بن إسماعيل البخاري، فقال: أقرئه مني السلام؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 443).

قال محمد بن أبي حاتم: أملى يومًا عليَّ حديثًا كثيرًا، فخاف ملالي، فقال: طِبْ نفسًا؛ فإن أهل الملاهي في ملاهيهم، وأهل الصناعات في صناعاتهم، والتجار في تجاراتهم، وأنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

فقلتُ: ليس شيءٌ من هذا، يرحمك الله، إلا وأنا أرى الحظ لنفسي فيه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 445).

أُخبِر السلطان بأن أبا عبدالله خرج في طلب غريم له، فأراد السلطان التشديدَ على غريمه، وكره ذلك أبو عبدالله، وصالح غريمه على أن يعطيه كل سنة عشرة دراهم شيئًا يسيرًا، وكان المال خمسةً وعشرين ألفًا، ولم يصِلْ من ذلك المال إلى درهم، ولا إلى أكثر منه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 446).

قال محمد بن أبي حاتم: قال البخاري: ما توليتُ شراء شيء ولا بيعه قط، فقلت له: كيف وقد أحل الله البيع؟ قال: لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط، فخشيتُ إن توليت أن أستوي بغيري، قلت: فمن كان يتولى أمرك في أسفارك ومبايعتك؟ قال: كنتُ أُكفى ذلك؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 446).

كان للبخاري تجارة، فجاء بعض التجار إليه فطلبوها بربح خمسة آلاف درهم، فقال: انصرفوا الليلة، فجاءه من الغد تجارٌ آخرون، فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف،فقال: إني نويتُ بيعها للذين أتوا البارحة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 448).

قال محمد بن أبي حاتم: سمعت البخاري يقول: خرجت إلى آدم بن أبي إياس، فتخلَّفَتْ عني نفقتي، حتى جعلت أتناول الحشيش، ولا أخبر بذلك أحدًا، فلما كان اليوم الثالث أتاني آتٍ لم أعرِفْه، فناولني صرة دنانير، وقال: أنفق على نفسك؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 448).

قال الحسين بن محمد السمرقندي: كان محمد بن إسماعيل مخصوصًا بثلاث خصال – مع ما كان فيه من الخصال المحمودة -: كان قليل الكلام، وكان لا يطمع فيما عند الناس، وكان لا يشتغل بأمور الناس، كلُّ شغلِه كان في العلم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 448).

كرَم البخاري:

قال محمد بن أبي حاتم: كان يتصدق بالكثير، يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث، فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين، وأقل وأكثر، من غير أن يشعر بذلك أحدٌ،وكان لا يفارقه كيسه،ورأيته ناول رجلًا مرارًا صرةً فيها ثلاثمائة درهم – وذلك أن الرجل أخبرني بعدد ما كان فيها من بعد – فأراد أن يدعو، فقال له أبو عبدالله: ارفق، واشتغل بحديث آخر؛ كيلا يعلم بذلك أحدٌ؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 450).

حِلْم البخاري:

قال عبدالله بن محمد الصيارفي: كنت عند محمد بن إسماعيل في منزله، فجاءته جاريته وأرادت دخول المنزل، فعثرَتْ على محبرة بين يديه، فقال لها: كيف تمشين؟ قالت: إذا لم يكن طريقٌ كيف أمشي؟ فبسط يديه وقال: اذهبي فقد أعتقتك، قيل له: يا أبا عبدالله، أغضبَتْك، قال: فقد أرضيتُ نفسي بما فعلت؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 452).

أقوال العلماء في البخاري:

(1) قال نعيم بن حماد: محمد بن إسماعيل فقيهُ هذه الأمة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 419).

(2) قال عبدالله بن يوسف للبخاري: يا أبا عبدالله، انظر في كتبي، وأخبرني بما فيه من السقط،قال: نعم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 419).

(3) قال أحمد بن عبدالسلام: ذكرنا قول البخاري لعلي بن المديني – يعني: ما استصغرتُ نفسي إلا بين يدَيْ علي بن المديني – فقال عليٌّ: دعوا هذا؛ فإن محمد بن إسماعيل لم يرَ مِثلَ نفسه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 420).

(4) قال إسحاق بن راهويه: اكتبوا عن هذا الشاب – يعني: البخاري – فلو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس؛ لمعرفتِه بالحديث وفقهِه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 421).

(5) قال عليُّ بن حُجرٍ: أخرجت خراسان ثلاثةً: أبو زرعة، ومحمد بن إسماعيل، وعبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 421).

(6) قال أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله بن نمير: ما رأينا مِثلَ محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 421).

(7) قال أحمد بن حنبل: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة، والبخاري، وعبدالله بن عبدالرحمن، والحسن بن شجاع؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 423).

(8) قال محمود بن النضر الشافعي: دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة، ورأيت علماءها، كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضَّلوه على أنفسهم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 422).

(9) قال عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي: محمد بن إسماعيل أكيَسُ خلق الله، إنه عقَل عن الله ما أمره به، ونهى عنه في كتابه، وعلى لسان نبيه، إذا قرأ محمدٌ القرآن، شغل قلبه وبصره وسمعه، وتفكَّر في أمثاله، وعرَف حلاله وحرامه.

وقال أيضًا عندما سئل عن البخاري: محمد بن إسماعيل أعلمُنا وأفقهُنا وأغوصنا، وأكثرنا طلبًا؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 426).

(10) قال سليم بن مجاهد: لو أن وكيعًا وابن عيينة وابن المبارك كانوا في الأحياء، لاحتاجوا إلى محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 429).

(11) قال قتيبة بن سعيد: لو كان محمدٌ في الصحابة لكان آيةً؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 431).

(12) قال أبو حاتم الرازي: محمد بن إسماعيل أعلمُ مَن دخل العراق؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 431).

(13) قال أبو عبدالله الحاكم: محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 431).

(14) قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيتُ تحت أديم السماء أعلمَ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظَ له مِن محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 431).

(15) قال أحمد بن حمدون: رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة سعيد بن مروان، ومحمد بن يحيى الذهلي يسأله عن الأسامي والكنى والعلل، ومحمد بن إسماعيل يمرُّ فيه مثل السهم، كأنه يقرأ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 432).

(16) جاء مسلم بن الحجاج إلى البخاري فقال: دَعْني أقبِّل رجليك يا أستاذ الأستاذِين، وسيد المحدِّثين، وطبيب الحديث في عِلَله؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 432).

(17) قال أبو عيسى الترمذي: لم أرَ بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلمَ مِن محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 432).

(18) قال أبو زيد المروزي الفقيه: كنتُ نائمًا بين الركن والمقام، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الشافعي، ولا تدرس كتابي؟! فقلت: يا رسول الله، وما كتابك؟ قال: (جامعُ) محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 438).

ابتلاء البخاري:

بعث الأمير خالد بن أحمد الذُّهْليُّ والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل: أنِ احمل إليَّ كتاب (الجامع) و(التاريخ) وغيرهما لأسمع منك، فقال لرسوله: أنا لا أُذِلُّ العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلى شيء منه حاجةٌ، فاحضُرْ في مسجدي، أو في داري، وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطانٌ، فامنَعْني من المجلس، ليكون لي عذرٌ عند الله يوم القيامة؛ لأني لا أكتم العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن سُئِل عن علم فكتَمه، أُلجم بلجام من نار))، فكان سبب الوحشة بينهما هذا،فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره، حتى تكلَّموا في مذهبه، ونفاه عن البلد، فدعا عليهم، فلم يأتِ إلا شهرٌ حتى ورد أمر الطاهرية، بأن ينادى على خالد في البلد، فنودي عليه على أتان،وأما حريثٌ، فإنه ابتُلي بأهله، فرأى فيها ما يجلُّ عن الوصف،وأما فلان، فابتلي بأولاده، وأراه الله فيهم البلايا؛ (سير أعلام النبلاء جـ 464: صـ 465).

صحيح البخاري:

سبب تأليف صحيح البخاري:

قال البخاري: كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لسنن النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع ذلك في قلبي، فأخذتُ في جمع هذا الكتاب؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 401).

وقال أيضًا: أخرجت هذا الكتاب من زهاء ستمائة ألف حديث.

وقال أيضًا: ما وضعت في كتابي (الصحيح) حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك، وصليت ركعتين.

وقال أيضًا: ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح، وتركت من الصحاح كيلا يطول الكتاب؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 403).

كتب البخاري تراجم جامعه بين قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنبره، وكان يصلي لكل ترجمةٍ ركعتين؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 404).

مدة تصنيف صحيح البخاري:

قال البخاري: صنَّفت (الصحيح) في ست عشرة سنةً، وجعلته حجةً فيما بيني وبين الله تعالى؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 405).

البخاري يتبع خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم:

قال النجم بن الفضيل: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه يمشي، ومحمد بن إسماعيل يمشي خلفه، فكلما رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه، وضع محمد بن إسماعيل قدمه في المكان الذي رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 405).

عدد مَن سمع صحيح البخاري:

قال محمد بن يوسف الفِرَبْري: سمع كتاب (الصحيح) لمحمد بن إسماعيل تسعون ألفَ رجل، فما بقي أحدٌ يرويه غيري؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 398).

قال البخاري: كنتُ إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث، إن كان الرجل فهمًا، فإن لم يكن سألته أن يُخرج إليَّ أصلَه ونسخته؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 406).

قال البخاري: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذبُّ بها عنه، فسألت بعض المعبِّرين، فقال لي: أنت تذبُّ عنه الكذب! فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 9).

قال محمد بن أبي حاتم الوراق (كاتب البخاري): رأيتُ محمد بن إسماعيل البخاري في المنام يمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يمشي، فكلما رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه، وضع البخاري قدمه في ذلك الموضع؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 9).

شَهادة العلماء على صحيح البخاري:

قال أبو جعفر محمود بن عمرو العقيلي: لَمَّا ألَّف البخاري كتاب الصحيح، عرَضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة، إلا في أربعة أحاديث، قال العُقيلي: والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 9).

قال أحد الشعراء يصفُ صحيح البخاري:

صحيحُ البخاريِّ لو أنصفوه لَمَا خُطَّ إلا بماء الذهبْ هو الفَرْق بين الهدى والعمى هو السدُّ بين الفتى والعطب أسانيدُ مِثلُ نجوم السماء أمام متونٍ كمِثلِ الشُّهب به قام ميزانُ دِينِ الرسول ودان به العُجْم بعد العرب حجابٌ من النار لا شك فيه تميِّز بين الرضا والغضب وسترٌ رقيقٌ إلى المصطفى ونصٌّ مبينٌ لكشف الرِّيَب فيا عالمًا أجمع العالمون على فضل رتبته في الريب سبقتَ الأئمة فيما جمَعْت وفزتَ على رغمهم بالقصب نفَيْتَ الضعيف من الناقلين ومن كان متَّهمًا بالكذب وأبرزتَ في حُسنِ ترتيبه وتبويبه عجبًا للعجب فأعطاك مولاك ما تشتهيه وأجزَلَ حظك فيما وهب

(سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 471).

وفاة البخاري:

قال عبدالقدوس بن عبدالجبار السمرقندي: جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك (قريةٌ على فرسخين من سمرقند)، وكان له بها أقرباء، فنزل عندهم، فسمعته ليلةً يدعو وقد فرغ من صلاة الليل: اللهم إنه قد ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فاقبِضْني إليك، فما تم الشهر حتى مات، وقبره بخرتنك؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 466).

قال أبو منصور غالب بن جبريل، (وهو الذي نزل عليه البخاري ضيفًا): أقام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل عندنا أيامًا، فمرض، واشتد به المرض، حتى وجه رسولًا إلى مدينة سمرقند في إخراج محمد، فلما وافى تهيأ للركوب، فلبِس خفيه، وتعمم، فلما مشى قدر عشرين خطوةً أو نحوها وأنا آخذٌ بعضده، ورجلٌ أخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها، فقال – رحمه الله -: أرسلوني، فقد ضعُفت، فدعا بدعوات، ثم اضطجع، فقضى – رحمه الله – فسال منه العرق شيءٌ لا يوصف، فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه،وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا: أن كفنوني في ثلاثة أثواب بِيض، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ، ففعلنا ذلك،فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحةٌ غاليةٌ أطيب من المسك، فدام ذلك أيامًا، ثم علت سواريُّ بيضٌ في السماء مستطيلةٌ بحذاء قبره، فجعل الناس يختلفون ويتعجبون، وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر، ولم نكن نقدر على حفظ القبر بالحراس، وغُلِبنا على أنفسنا، فنصبنا على القبر خشبًا مشبكًا، لم يكن أحدٌ يقدر على الوصول إلى القبر، فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب، ولم يكونوا يخلصون إلى القبر، وأما ريح الطيب فإنه تداوم أيامًا كثيرةً حتى تحدث أهل البلدة، وتعجبوا من ذلك، وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته، وخرج بعض مخالفيه إلى قبره، وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا قد تكلموا به في مذهب البخاري؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 466: صـ 467).

قال عبدالواحد بن آدم الطواويسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، ومعه جماعةٌ من أصحابه وهو واقفٌ في موضع، فسلمت عليه، فرد عليَّ السلام، فقلت: ما وقوفك يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري، فلما كان بعد أيام بلغني موته، فنظرت، فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 468).

توفي البخاري ليلة السبت، ليلة الفطر، عند صلاة العشاء، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر، سنة ست وخمسين ومائتين، وعاش اثنتين وستين سنةً إلا ثلاثة عشر يومًا؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 468).

رحم الله الإمام البخاريَّ، وجمعنا معه في الفردوس الأعلى من الجنة، مع النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.