لحمد لله الذي خص شعبان بتشعب الخيرات والإحسان، وعظم حرمته على سائر الشهور بليلة نصفه العظيمة الشأن، نحمده سبحانه، فهو أهل الحمد ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44] من جماد وحيوان.

 

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ترجح الميزان، وتوصل إلى نعيم الجنان، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي نسخ برسالته الأديان، نبي بشرت به الأنبياء وخصه الله بالقرآن، ونصره الله بالرعب على مسيرة شهر من الزمان، نبي من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، فاللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.

 

أما بعد أيها الناس..

إن نعم الله -تعالى- قد عمت البوادي والأمصار، وإن نعم الله قد شملت البادين والحضار، وإن نعم الله علينا لا تحصى بِعَدّ ولا تُحَدّ بمقدار ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

 

فكم أسدى الله -سبحانه- للإنسان معروفًا! وكم أعان ملهوفًا! وكم والى لخلقه عطاءً ونوالا! فاشكروا عباد الله آلاء الله يزدكم من فضائله ونعمه ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]. واذكروا الله كثيرا، ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وتضرعوا عباد الله بألسنة الدعاء والافتقار، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، فاتقوا الله واحمدوه على كل حال، وارغبوا إليه في حراسة النعم عن الزوال. وتقربوا إلى الله يصالح الأقوال والأفعال، واحذروا المعاصي فإنها جالبة النقم ومغيرة النعم والأحوال ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].

 

ولا تغرنكم الدنيا فإن حظها مشئوم، وإن نعيمها وإن طال لا يدوم، ولا تصدنكم عما خُلقتم له من عبادة الحي القيوم، ولا يخدعنكم طول الأمل؛ فإن الأجل محتوم…..

 

• واعلموا أيها المؤمنون أنكم في مستهلّ شهر عظيم مشهور، وزمان جاء بفضله الأثر المأثور جعل الله سبحانه وتعالى لليلة النصف من شعبان مزية خاصة من حيث أنه جل في علاه يطلع فيها إلى جميع خلقه فيغفر لهم إلا مشرك حتى يدع شركه ويوحد رب السماوات والأرض، والمشاحن حتى يدع شحنائه ويصطلح مع من خاصمه.

 

• قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، و يدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه”.فاغتنموا فرصة هذا الشهر: شهر شعبان ، لجديد العهد والإيمان.

 

أيها المسلمون:

لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكثر صيام شعبان ليعطينا المثل، ويحفزنا لنقتدي، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: “ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان” (رواه البخاري ومسلم).

 

وورد أن أعمال العبد تعرض على رب العالمين، فعن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم”. (رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة).

 

ولمثل هذا فليعمل العاملون وفي مثله فليتنافس المتنافسون وجعلني الله وإياكم من الفائزين الآمنين وجنبني وإياكم موارد الظالمين.

 

وإن أحسن الكلام كلام الملك العلام والله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]، أعود بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].

 

فاحرصوا عباد الله على استقبال شعبان بما يليق به من أعمال صالحة، وعبادات ومعاملات ترقى بكم إلا مرضات الله.. وتهيأوا لأفضل الشهور تنالوا جوائز رب كريم غفور شكور.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم منه بالآيات والذكر الحكيم، وأجارني وإياكم من العذاب الأليم، وثبتني وإياكم على الصراط المستقيم، ويغفر الله لي ولكم ولكل عبد قال آمين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وفضّل بعض الأزمنة على بعض أياما وشهورا، وأعد للعاملين بها أجرا كبيرا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله.

 

أيها المسلمون:

ادخروا الراحة للقبور؛ فإن الدنيا دار أعمال لا دار جزاء، دار نهاية وفناء وليست دار خلود وبقاء، وقللوا من اللهو والنوم؛ فإنكم لله أُجَراء، فإن من ورائكم نومة صباحها يوم القيامة.

 

واحذروا عباد الله من غفلة قلوبكم عن خالقها؛ فإن مرض المعصية مرض خطير استعصى على أطباء النفوس، ومرض الغفلة أشد خطورة، واعلموا أن الآمر بالفحشاء والمنكر ومزينها هو: العدو الذي نبهنا له رب العالمين، وحذرنا من كيده وهمزه ونفخه وجنده وحزبه، فقال: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]، وقال -سبحانه-: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس: 60].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21].

 

يجدد الناس في مناسباتهم وأفراحهم وأعيادهم مساكنهم، وألبستهم ومراكبهم ومآكلهم ومشربهم وكل ما يتعلق بعيشهم … وهذا أمر مطلوب ومرغوب، لكن أغلبهم عن تجديد أمر الدين غافلون… عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: “قال ربكم – عز وجل -: لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أسمعتُهم صوت الرعد”.

 

وقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: “حسن الظن بالله من حسن العبادة”، وقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: “جددوا إيمانكم”. قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: “أكثروا من قول لا إله إلا الله “.

 

فجددوا إيمانكم بدخول شعبان!! هذه فرصتكم فاغتنموها؛ جددوا العهد مع الله، وأكثروا من ذكره والتفكر في آياته. تحابوا فيما بينكم، وإياكم ومعاشرة الغافلين، فإن الغفلة مرض مُعِدّ. وأكثروا من الصلاة والسلام على خير الأنام، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم أدخل علينا شعبان ونحن وأمة الإسلام بخير، اللهم اشغلنا فيه بما يرضيك، اللهم أعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا.

 

اللهم اشف مرضانا وفك أسرانا واقضِ الدين عن الغرماء منا وأصلح أبناءنا وشبابنا وبارك لنا في الصحة والأرزاق وارزقنا الأمن والأمان ونجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وانصر اللهم المجاهدين لإعلاء كلمتك، كلمة الحق والدين وباعد بيننا وبين عمل المفسدين، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/86790/#ixzz6J2z8z0qb