“الأنكحة التي تعقد بين الكفار صحيحة، تقبلها الشريعة، وتقرهم عليها إذا أسلموا بشرط أن تكون المرأة ممن يجوز نكاحها في الشرع، ولا يلتفت إلى كيفية إنشاء عقد النكاح عندهم، كما لا يُنظر إلى توفر الأركان، والشروط، بل يكفي اعتباره عندهم في جملة الأنكحة وليس سفاحاً، ولا خلاف في هذا بين أهل العلم.

قال ابن عبدالبر رحمه الله: (أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معاً في حال واحدة، أن لهما المقام على نكاحهما، إلا أن يكون بينهما نسب، أو رضاع، يوجب التحريم، وأن كل من كان له العقد عليها في الشرك، كان له المقام معها إذا أسلما معاً، وأصل العقد معفي عنه؛ لأن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا كفاراً فأسلموا بعد التزويج، وأقروا على النكاح الأول، ولم يعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام، وهذا إجماع وتوقيف) [1].

ومما يُستدل به من القرآن الكريم على اعتبار أنكحة الكافرين قوله تعالى في أبي لهب ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ [المسد: 1 – 5]، فإضافة المرأة إليه تقتضي لغة وعُرفاً أنها زوجته، وقد اعتبر القرآن هذه الزوجية مع أنها وقعت في الكفر.

“والصحابة رضي الله عنهم غالبهم إنما ولدوا من نكاح كان قبل الإسلام في حال الشرك، وهم يُنسبون إلى آبائهم انتساباً لا ريب فيه عند أحد من أهل الإسلام.

وقد أسلم الجم الغفير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمر أحداً منهم أن يجدد عقده على امرأته، فلو كانت أنكحة الكفار باطلة لأمرهم بتجديد أنكحتهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه لآبائهم، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام.

وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين زنيا، فلو كانت أنكحتهم فاسدة لم يرجمهما؛ لأن النكاح الفاسد لا يحصن الزوج”[2].

وهذا إذا أسلم الزوجان الكافران معاً فهما على نكاحهما وَأُقِرا عليه، أما إذا أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر، ففي المسألة تفصيل، فإن كان الذي أسلم هو الرجل، وكانت زوجته كتابية، أقر نكاحهما؛ لأنه يجوز للمسلم أن يتزوج من كتابية، وأما إذا أسلم الرجل ولم تكن زوجته كتابية كأن تكون ملحدة، أو وثنية فهذا نكاح لا يقر عليه؛ لأن الإسلام يمنع زواج المسلم من الكافرة خلا الكتابية.

وإن كان الذي أسلم هو المرأة، فلا تقر على نكاحهما؛ لأنه لا يجوز للمسلمة أن تبقى في عصمة كافر، سواء كان من أهل الكتاب أو من غيرهم.

واختلف العلماء فيما إذا أسلم أحدهما – أي الزوجين – ولم يقر على نكاحه لما ذكرنا، ثم أسلم الطرف الآخر بعد حين، فهل يحتاجان لتجديد العقد؟ أم يستمران على العقد الأول؟

ولعل الراجح ما قاله ابن القيم رحمه الله: (ولا نعلم أحداً جدد للإسلام نكاحه البتة، بل كان الواقع أحد أمرين، إما افتراقهما ونكاحها غيره، وإما بقاؤها عليه، وإن تأخر إسلامها أو إسلامه، وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة، فلا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بواحدة منهما مع كثرة من أسلم في عهده من الرجال وأزواجهن، وقرب إسلام أحد الزوجين من الآخر وبعده منه) [3].


[1] التمهيد لابن عبدالبر (12 /23).

[2] أحكام أهل الذمة لابن القيم (1 /218) بتصرف.

[3] زاد المعاد (5 /137).

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/98566/#ixzz64fpZNjja