الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

أيها الأنام؛ أفشوا السلام تدخلوا دار السلام بسلام.

فَضْلُ السَّلَام عند الله سبحانه وتعالى عظيم، فمن أسمائه السلام، وادخر لنا دار السلام، وأرشدنا سبحانه أننا إذا دخلنا بيوتا لأصحابنا أو منازلَ لأصدقائنا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 27].

حتى إذا دخلنا بيوتا غير مسكونة فلنسلم على أنفسنا، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور: 61].

فنسلم إذا دخلنا بيوتَنا التي فيها أهلونا، نسلم على والدينا، ونسلم على إخواننا وأخواتنا وأشقائنا وشقيقاتنا، ونسلم على زوجاتنا وعلى أولادنا، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86].

في هذه الآية يطلب منك أن ترد السلام بمثله أو بأحسن منه، فإذا قال لك أخوك: السلام عليكم، فقل: وعليكم السلام ورحمة الله، هذه أفضل منها، أو ردها بأن تقول: وعليكم السلام، لا تنقص منها إن لم تزد عليها.

إنها تحيتُنا نحن أهلَ الإسلام، تركها كثير منا في هذا الزمان، واستبدلناها بغيرها من مصطلحاتٍ غربية، وأخرى أجنبيةٍ وما إلى ذلك، كلمة السلام التي اختُصَّت بها هذه الأمة من بين الأنام.

وأوَّل من بدأ بهذه التحية –بالسلام- هو أبونا آدم عليه السلام، روى البخاري ومسلم والترمذي وأحمد ابن حنبل، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الدَّيْنِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (“خَلَقَ اللهُ عزَّ وجلّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا”)، قَالَ: (“فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الْآنَ، فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلهِ، فَحَمِدَ اللهَ بِإِذْنِهِ”). -أَيْ: بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ، أَوْ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، أَوْ بِتَيْسِيرِهِ وَتَوْفِيقِهِ [1].

(“فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ يَا آدَمُ”)، وفي رواية: (“يَرْحَمُكَ رَبُّكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ -وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ- فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ؟ فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ، قَالَ: فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ، وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ بَيْنَهُمْ”) [2].

إنَّ إفشاء السلام من حَقِيقَةِ الْإيمَان، ويورث المحبة بين المسلمين، روى مسلم والترمذي، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (“وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا”)، -أَيْ: إِيمَانًا كَامِلًا [3].

(“وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا”)، -أَيْ: لَا يَكْمُل إِيمَانكُمْ، وَلَا يَصْلُح حَالُكُمْ فِي الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ كُلٌّ مِنْكُمْ صَاحِبَهُ [4].

(“أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟! أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ”) [5].

(أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) أَيْ: أَظْهِرُوهُ، وأكثروا منه وانشروه بَيْنَ النَّاسِ لِتُحْيُوا سُنَّتَهُ صلى الله عليه وسلم.

والحديث -فِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاءِ السَّلَام، وَبَذْلِهِ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ؛ مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ، وَالسَّلَامُ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّآلُف، وَمِفْتَاحُ اِسْتِجْلَابِ الْمَوَدَّةِ، وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكُّنُ أُلْفَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ، وَإِظْهَارُ شِعَارِهِمْ الْمُمَيِّزِ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَةِ النَّفْسِ، وَلُزُومِ التَّوَاضُعِ، وَإِعْظَامِ حُرُمَاتِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ الله فِي صَحِيحه عَنْ عَمَّار بْن يَاسِر رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: “ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَان: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسك، وَبَذْل السَّلَام لِلْعَالَمِ، وَالْإِنْفَاق مِنْ الْإِقْتَار”. -قال البخاري رحمه الله:- وَبَذْلُ السَّلَام لِلْعَالَمِ، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، كُلُّهَا بِمَعْنَى وَاحِد [6].

وأوَّل حديثٍ تكلَّم به رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قدومه المدينة عندما هاجر إليها، أي إلى المدينة، أوَّل حديث سمعه أهل المدينة من النبي صلى الله عليه وسلم حديثُ إفشاءِ السلام، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ) -أَيْ: ذَهَبُوا مُسْرِعِينَ إِلَيْهِ-.

وَقِيلَ: (قَدِمَ رَسُولُ اللهِ، قَدِمَ رَسُولُ اللهِ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ؛ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ) -عليه الصلاة والسلام-؛ أَنْ قَالَ: (“أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”) [7].

ومن موجبات الجنة أمورٌ سهلةٌ ميسورة، مقدور عليها، سأل عنها أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْبِئْنِي عَنْ أَمْرٍ إِذَا أَخَذْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ)، قَالَ: “أَفْشِ السَّلَامَ، وَأَطْعِمْ الطَّعَامَ، وَصِلْ الْأَرْحَامَ، وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، ثُمَّ ادْخُلْ الْجَنَّةَ بِسَلَام” [8].

يا عبد الله! إنَّ عبادتك لله ناقصةٌ إنْ خلت من إطعام الطعام، وإفشاء السلام، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلَامٍ” [9].

والأمن والأمان، والسلامة والسلام في إفشاء السلام، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “أَفْشُوا السَّلَامَ تَسْلَمُوا” [10].

والسلام من طيب الكلام؛ الذي هو سببٌ في دخول جنة وصفها رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: (“إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا”)، -لماذا؟ قال:- -لِكَوْنِهَا شَفَّافَةً لَا تَحْجُبُ مَا وَرَاءَهَا [11].

فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: (لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!) قَالَ: (“لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ” [12].

هي -(لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ) أَيْ: لِمَنْ لَهُ خُلُقٌ حَسَنٌ مَعَ الْأَنَامِ، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾، فَيَكُونُ مِنْ عِبَادِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا، الْمَوْصُوفينَ بِقَوْلِهِ: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾.

(وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ) أَيْ: لِلْعِيَالِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْأَضْيَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

(وَأَدَامَ الصِّيَامَ) أَيْ: أَكْثَرَ مِنْهُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، بِحَيْثُ تَابَعَ بَعْضَهَا بَعْضًا، وَلَا يَقْطَعُهَا رَأسًا، قَالَهُ اِبْنُ الْمَلِكِ.

وَقِيلَ: أَقَلُّهُ أَنْ يَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ [13].

وفي إلقاء السلام الحسنات بالعشرات روى الإمام أبو داود، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)، (فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ جَلَسَ)، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: “عَشْرٌ”، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ)، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: “عِشْرُونَ”، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ)، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: “ثَلَاثُونَ” [14].

السلام حسنات بالعشرات، السلام ألفة ومودة بين المؤمنين، ونذكِّر أنفسنا وإخواننا بأن السلام لو فشى بيننا، وانتشر إطعام الطعام، والله لصلحت أحوالنا في الدنيا، وإذا أدمنا الصيام وأدمنا في الليل القيام لله عز وجل لصلحت لنا آخرتنا.

أخي الفقير! أخي المعدَم! يا من تبحث عن سداد دين قد أهمك! وعن لقمة عيش لأولادك! نحن مقبولون على مصالحة؛ نسأل الله أن يجعل فيها الخير، ونسأل الله أن يجعلها فتحًا على المسلمين، وأن يُقبِلَ الخيرُ والغنى والسعادة والرزق الحلال.

أخي الفقير المعدم! إذا فُتحت عليك الدنيا في الأيام المقبلة، فأصبحت غنيًّا فلا تنسَ إخوانَك ممن هم أمثالك، لا تنسهم بنفقة وإطعام الطعام وإفشاء السلام.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد:

من ألقى السلام وأكثر من هذه التحية المباركة الطيبة، فهو على ذكر لله، لأن السلامَ اسمٌ من أسماء الله، لذلك هذا الإنسان الذي ألقى السلام على قوم زاد درجة عليهم إن ردوا عليه، فإن لم يردُّوا؟؟

فلنستمع إلى ما رواه البزار في مسنده، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، وَضَعَهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ، وَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ إِذَا مَرَّ بِقَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ؛ بِتَذْكِيرِهِ إِيَّاهُمُ السَّلَامَ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ، رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هو خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ”[15].

أي من مخلوقات الله، وملائكة الله، يردون عليك يا من لم يرد عليك من سلمت عليه.

عبد الله؛ ابذل السلام على عباد الله، يا من غرقت في الذنوب والخطايا، وأثقلتك السيئات، وتريد مغفرة الله عز وجل؛ ابذل السلام على عباد الله، وأحسِن السلام على خلق الله.

السلام من موجبات المغفرة، روى الطبراني في الكبير، عَنْ هَانِئِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! دُلَّنِي عَلَى عَمِلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ)، قَالَ: “إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ، بَذْلَ السَّلَامِ، وَحُسْنَ الْكَلَامِ” [16].

والبادئُ بالسلام أولى الناس بالله، وأقربُهم إلى رحمته، وأعلاهُم منزلة، هذا من يبدأ بالسلام، روى أبو داود، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللهِ، مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ” [17].

وروى الترمذي أيضا، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! الرَّجُلَانِ يَلْتَقِيَانِ، أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ؟!) فَقَالَ: “أَوْلَاهُمَا بِاللهِ” [18].

• أَيْ: أَقْرَبُ الْمُتَلَاقِيَيْنِ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ [19].

أيها الإخوة في دين الله! إن أردتم أن يعلوَ أمرُكم، ويرتفعَ شأنُكم في الدارين، فأفشوا السلام بينكم، روى الطبراني في الكبير، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “أَفْشُوا السَّلَامَ كَيْ تَعْلُوا”.[20]

(تعلوا): يرتفع شأنكم.

أيها المؤمن! أيها المسلم! أكثِرْ من السلام في الدنيا، حتى يناديَك الله ويدعوَك إلى دار السلام يوم القيامة، ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]

إنّ الذين يفشون السلام في الدنيا؛ ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 127].

الذين يفشون السلام في الدنيا، يكونون يوم القيامة فيمن قال الله فيهم: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].

ألا واعلموا عباد الله! أن من كان في الدنيا من ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ* وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ* وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 20– 24]، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

اللهم صلى وسلم وبارك على نبينا محمد المبعوث رحمة للأنام.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم وحد صفوفنا، وألف بين قلوبنا، وأزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفقنا في الدنيا والآخرة لما تحبه وترضاه.

وأقم الصلاة فـ﴿… إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

——————————————————————————–

[1] تحفة (8/ 264).

[2] (خ) (3148)، (5873)، (م) (2841)، (ت) (3368)، (حم) (2270)، (8274)، (حب) (6167)، انظر (ظلال الجنة) (204)، وهداية الرواة (114).

[3] تحفة الأحوذي (6/ 302)

[4] شرح النووي (1/ 143).

[5] (م) (54)، (ت) (2688)، انظر صَحِيح الْجَامِع (7081)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (2694).

[6] شرح النووي (1/ 143).

[7] (ت) (2485)، (1855)، (جة) (1334)، (جة) (3251)، (حم) (23835)، صَحِيح الْجَامِع (7865)، الصَّحِيحَة (569).

[8] (حم) (7919)، (8279)، (10404)، انظر صحيح الجامع (1019)، والإرواء تحت حديث (777).

[9] (ت) (1855)، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[10] (حب) (491)، (الصحيحة) (1493)، (الإرواء) (777).

[11] تحفة الأحوذي (5/ 226).

[12] (ت) (1984)، (2526)، (حم) (1337)، صَحِيح الْجَامِع (2123)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (617)، (2692)، المشكاة (1233).

[13] تحفة الأحوذي (5/ 226)

[14] (د) (5195)، (ت) (2689)، (حم) (19962).

[15] أخرجه البزَّار كما في كشف الأستار (2/ 417، رقم 1999)، (خد) (989)، (طب) (10391)، انظر صَحِيح الْجَامِع (3697)، الصَّحِيحَة (184)، (1607).

[16] (طب) (ج 22 ص 180 ح 469)، (حب) (490)، (ك) (61)، انظر صَحِيح الْجَامِع (2232)، الصَّحِيحَة (1035).

[17] (د) (5197)، (حم) (22246)، صَحِيح الْجَامِع (6121)، الصحيحة (3382).

[18] (ت) (2694)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (2703).

[19] تحفة (6/ 495).

[20] أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (8/ 30)، صَحِيح الْجَامِع (1088)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (2701).