الحمد للّه الذي أكرمنا ببعثة سيّدنا محمّد خير الأنام، وأرسل الرسل والأنبياء هداة مَهْديين، يدعون الناس إلى عبادته سبحانه وحده ويحذّرونهم من معصيته. والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء سيّدنا محمّد مَنْ صلّى بالأنبياء إمامًا وكان لهم ختامًا وعلى آله وصحابته الطيّبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الحكمة من إرسال الأنبياء

اعلموا رحمكم اللّه بتوفيقه أن اللّه تبارك وتعالى بعث الأنبياء رحمة للعباد، إذ ليس في العقل ما يُستغنى به عنهم، لأن العقل السليم لا يستقلّ بمعرفة الأشياء التي تُنجي في الآخرة، لذلك كان من الحكمة بعثة الأنبياء الذين يُعلّمون الناس ما يُنجي في الآخرة وما يُهلك في الآخرة، قال اللّه تبارك وتعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ سورة البقرة/213، أي أن الناس كانوا كلّهم على دين واحد هو الإسلام، وكان ذلك في زمن نبيّ اللّه آدم عليه الصلاة والسلام فإنه بُعث نبيًّا ورسولًا إلى ذريته الذين كانوا جميعهم مسلمين على دين الإسلام، ثم بعد نبيّ اللّه إدريس عليه السلام حصل الاختلاف بين البشر، فبعث اللّه تعالى الأنبياء مبشّرين من آمن بالجنة ومنذرين من يكفر بدخول النار. قال اللّه سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ سورة الحديد/25، ومعنى ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي بالمعجزات الدّالة على صدقهم فيما يُبلّغون عن اللّه سبحانه.

النبوّة ليست مكتسبة

اعلم يا أخي المسلم أن النبوّة غير مكتسبة، فهي غير متعلقة بكسب للنبيّ، يقول اللّه تبارك وتعالى: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء﴾ سورة البقرة/269. ومعنى الحكمة في هذه الآية النبوّة والرسالة، فمن هنا ندرك أن النبوّة والرسالة لا تُنال ولا تُدرك بالعمل والاجتهاد في الطاعة والعبادة وحسن الخُلُق وإنما تُنال باصطفاء اللّه تعالى لمن شاء من عباده الأطهار، يقول اللّه عزّ وجلّ: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ سورة الأنعام/124 ويقول اللّه سبحانه: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)﴾ سورة آل عمران.

أول الأنبياء وآخرهم

وَلْيُعلم إخوة الإيمان أن اللّه تبارك وتعالى اختار واصطفى سيّدنا آدم عليه الصلاة والسلام -وهو أبو البشر- ليكون أول الأنبياء والرسل ثم خَتَم اللّه جلّ وعلا النبوّة بسيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم وفضّله على جميع أنبيائه، فكان صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وأفضلهم وكانت أمته أفضل الأمم على الإطلاق، والدليل على ذلك قوله تبارك وتعالى في القرءان الكريم: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ سورة آل عمران/110.

معنى النبوّة واشتقاقها

واعلموا إخوة الإيمان أن النبوّة في اللغة مشتقة من النَّبْوَةِ وهي الرّ‌فـْعَةُ، فيكون معناه أن الأنبياء درجاتهم مرتفعة عالية، أو مشتقة من النبأ وهو الخبر، فيكون إما فعِيلٌ بمعنى فاعلٍ أي أن النبيّ مخبِرُ عن اللّه بما يُوْحَى إليه، أو فعِيلٌ بمعنى مفعولٍ أي مُخْبَر عن اللّه أي يُخبِرُهُ المَلَكُ عن اللّه.

واعلم أخي المسلم رحمك اللّه بتوفيقه أن النبوّة خاصة بالبشر فليس في الملائكة ولا في الجن نبيّ، وأما الرسالة فهي ليست خاصة بالبشر بل تكون في البشر وتكون في الملائكة بدليل قوله تعالى في القرءان: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ سورة الحج/75، فاللّه تبارك وتعالى يختارُ من بين الملائكة رسلًا ومن بين البشر رسلًا فجبريل ملك الوحي عليه السلام سفيرٌ بين اللّه تعالى وبين الأنبياء والرسل من البشر وبين اللّه وبين الملائكة أيضًا، فافهم ذلك أخي المسلم واللّه يتولّى هداك.

الفرق بين النبيّ والرسول

وأما الفرق بين النبيّ والرسول عند علماء التوحيد فهو أن الرسول من البشر هو النبيّ الذي أوحي إليه بشرع يشتمل على حُكم جديد لم يكن في شرع الرسول الذي قبله، ومن هؤلاء الرسل الأطهار سيّدنا محمّد وعيسى وموسى وإبراهيم وغيرهم، فإن هؤلاء كل واحد منهم أُنزل عليه حُكمٌ جديد، ومثال ذلك يا إخوتي أن الصلوات التي فرضها اللّه تعالى على الأمم السابقة قبل أمّة سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم ما كانت هذه الصلوات تُصَلَّى إلا في مكان مخصوص، وأما في شرع سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم فإن اللّه سبحانه وتعالى أنزل على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم وأوحى إليه أن الأرض جُعِلتْ له مسجدًا بمعنى أن الصلاة تصح في المكان المخصوص كالمسجد وتصح في غيره من الأمكنة.

أما النبيّ غير الرسول فهو من أوحي إليه باتباع شرع الرسول الذي كان قبله وأُمر أيضًا بتبليغ ذلك لقومه، ولكنْ لم يُوحَ إليه بشرع جديد. ومن هنا يُعْلَمُ، أخي المسلم، أن كلّ رسول نبيٌّ ولكن ليس كلّ نبيّ رسولًا.

عدد الأنبياء والرسل

اعلموا إخوة الإيمان أن العلماء الأجلاء اختلفوا في بيان عدد الأنبياء فمنهم مَنْ حدّد عددهم محتجًّا بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو نعيم الأصبهاني عن الصحابي أبي ذر رضي اللّه عنه أنه قال: قلتُ: يا رسول اللّه كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا». قلت: يا رسول اللّه كم الرسل؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا» -أي كثيرًا- قال: قلتُ: يا رسول اللّه من كان أولهم؟ قال: «آدم» قلت: يا رسول اللّه أنبيّ مرسل؟ قال: «نعم خَلَقه اللّه بيده -أي بعنايته-، ونفخ فيه من روحه -أي من الروح المشرفة المكرمة عنده-، وكلّمه قِبلًا» أي سمع كلام اللّه الأزلي من غير واسطة، وقال اللّه تعالى في القرءان الكريم في حق آدم عليه الصلاة والسلام: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)﴾ سورة الحجر/29، وليس معنى هذه الآية أن اللّه روح وآدم جزء منه حاشا للّه، فاللّه عزّ وجلّ هو خالق الأرواح وهو ليس روحًا وليس جسمًا يتجزّأ، وإنما أضاف اللّه تعالى روح آدم إلى نفسه تشريفًا لآدم عليه الصلاة والسلام كما أضاف روح عيسى إلى نفسه تشريفًا لعيسى عليه الصلاة والسلام.

ومن العلماء مَنْ لم يُعَيّن عددًا معلومًا للأنبياء محتجًّا بأنه لم يَرِد في ذلك حديث قطعي الثبوت.

عدد الكتب المنزلة على الأنبياء

وليعلم، إخوة الإيمان، أن الكتب المنزّلة على الأنبياء مائة وأربعة كُتُب منها خمسون أُنزلتْ على نبيّ اللّه شيث عليه الصلاة والسلام، وثلاثون على نبيّ اللّه إدريس، وعشرة على نبيّ اللّه إبراهيم، وعشرة على نبيّ اللّه موسى عليه الصلاة والسلام قبل التوراة وأنزلت التوراة أيضًا على سيّدنا موسى، والزبور على داود، والإنجيل على سيّدنا عيسى، والقرءان على نبيّنا محمّد عليه وعلى جميع إخوانه الأنبياء أزكى الصلاة وأتم التسليم.

آدم عليه الصلاة والسلام نبيّ رسول

قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)﴾ سورة آل عمران، أي اختارهم واصطفاهم بالنبوّة.

واعلموا رحمكم اللّه بتوفيقه أن آدم عليه الصلاة والسلام هو أبو البشر وهو نبيّ رسول بإجماع الأمة وأئمتهم. ويدل عليه ما ذكرنا آنفًا مما رواه أبو نعيم عن النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه أجاب الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري لما سأله عن آدم عليه الصلاة والسلام أنبيّ مرسل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «نعم…».

فسيّدنا آدم -إخوة الإيمان- أوتي النبوّة والرسالة وهو عليه الصلاة والسلام أبو البشر وأول إنسان خلقه اللّه تعالى فهو أول النوع البشري الذي فضّله اللّه تعالى على سائر أنواع المخلوقات، فهو أفضل من النوع الملكي وأفضل من النوع الجنّي، وكان خَلْقُ آدم عليه الصلاة والسلام في الجنّة آخر ساعة من يوم الجمعة من الأيّام الست التي خلق اللّه فيها السماوات والأرض، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خُلِقَ آدم» رواه مسلم وغيره.

واعلم أخي المسلم رحمك اللّه بتوفيقه أن اللّه تبارك وتعالى خلق سيّدنا آدم عليه السلام جميل الشكل والصورة وحسن الصوت لأن جميع الأنبياء الذين بعثهم اللّه تعالى لهداية الناس كانوا على صورة جميلة وشكل حسن، وكذلك كانوا جميلي الصوت، قال النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم: «ما بعث اللّه نبيًّا إلا حَسَنَ الوجه حَسَنَ الصوت وإن نبيّكم أحسنهم وجهًا وأحسنهم صوتًا» رواه الترمذي.

واعلموا إخوة الإيمان أنه من الكذب الظاهر المخالف لعقيدة المسلمين ما شاع من نظرية باطلة فاسدة ابتدعها بعض كفار الغرب وتبعهم في ذلك المفتونون وهي أن أصل البشر يعنون آدم عليه الصلاة والسلام قرد أو يشبه القرود وهذا فيه والعياذ باللّه تكذيب للدين وتكذيب للقرءان، قال اللّه تعالى في القرءان الكريم: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾ سورة التين.

فسيّدنا آدم عليه الصلاة والسلام يا إخوتي هو أبو البشر وهو أول إنسان خلقه اللّه تبارك وتعالى ولم يكن أصله قردًا ثم ترقّى حتى صار إنسانًا، ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا (5)﴾ سورة الكهف.

فاعلم يقينًا أخي المسلم وأختي المسلمة أن نظرية داروين أو ما يسمّى بنظرية «النشوء والارتقاء»، التي تقول إن الإنسان الأول أصله قرد ثم ترقّى بسبب العوامل المجهولة حتى صار إنسانًا، هي نظرية باطلة فاسدة وواهية وهي أوهن من خيط العنكبوت ولا تقوم على أساس علمي وتردّها دلائل النقل والعقل وإن تلقّفها المفتونون بكل جديد ولو كان سخيفًا باطلًا يردّه العقل السليم.

الأنبياء كلّهم مسلمون

اعلموا رحمكم اللّه بتوفيقه أن دين الإسلام هو الدّين الحق الذي رضيه اللّه تعالى لعباده وأمرهم باتباعه، فأنبياء اللّه كلّهم مسلمون ودين اللّه واحد هو الإسلام، قال النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء إخوة لِعَلّات، أمهاتُهم شتّى ودينهم واحد» رواه البخاري وغيره. والإخوة لعلّات في اللغة هم الذين والدهم واحد وأمهاتهم مختلفات، والمعنى دينهم واحد في هذا الحديث الشريف أنّ الأنبياء كلّهم كانوا على دين واحد هو الإسلام، فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دعوا إلى دين الإسلام، وأمروا أقوامهم بعبادة اللّه وحده وعدم الإشراك به شيئًا والتصديق بأنبيائه وما أخبروا به عن اللّه تعالى، ولكن شرائع الأنبياء مختلفة، أي الأحكام العملية التي نزلت عليهم كانت مختلفة، فأصل دينهم واحد وهو التوحيد وعبادة اللّه وحده وإن اختلفت فروع شرائعهم.

ومثال ذلك إخوة الإسلام أنه كان جائزًا في شرع نبيّ اللّه آدم عليه الصلاة والسلام أن يتزوّج الأخ من أخته إن لم تكن توأمًا له، فإن سيّدتنا حواء زوجة آدم رضي اللّه عنها ولدت أربعين بطنًا، في كل بطن ذكر وأنثى إلّا بطنًا واحدًا حملت فيه بسيّدنا شيث عليه الصلاة والسلام الذي جعله اللّه نبيًّا بعد موت أبيه آدم عليهما السلام، وكان حرامًا أن يتزوّج الأخ بأخته التي هي توأمته من نفس البطن، ويجوز له التزوّج بأخته غير التوأم، ثم نسخ اللّه تبارك وتعالى هذا الحكم بعد موت آدم عليه السلام، وحرّم زواج الأخ بأخته إن كانت توأمًا له أو لم تكن. وكذلك كان مفروضًا في شرائع أنبياء بني إسرائيل كموسى عليه الصلاة والسلام صلاتان في اليوم والليلة، وأما في شرع نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم فخمس صلوات. فافهم ذلك أخي المسلم واللّه يتولّى هداك.

واللّه سبحانه وتعالى أعلم وأحكم وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.