” ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ”
يقول دكتور محجوب عبيد –رحمه الله- عالم الفضاء السوداني بناسا.

عندما قال الله تعالى ” ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ، ولو شاء لجعله ساكناً ، ثم جعلنا الشمس عليه دليلا . ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً . وهو الذي جعل الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً . ”
” ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ”
والمعني هنا واضح : ألم تنظر إلى بديع صنع الله وقدرته ، كيف بسط الظل ومده . والإشارة إلى وقت النهار ابتداءً من الزوال ، او منتصف النهار ، وهو وقت زيادة طول الظلال .
والتأمل المطلوب في كيفية مد الظل يقود للتفكير في سببه . فنجد أن سببه دوران الأرض حول نفسها في اتجاه الشرق والغرب.

ما وجدنا له سبباً سوى إرادة الله سبحانه وتعالي، ذلك أن أجراماً سماوية كثيرة لا تدور حول نفسها ، وهي إن دارت حول نفسها تدور في اتجاهات عفوية، فليس مما يناقض أي قانون طبيعي أن يكون دوران الأرض علي غير ما هو عليه، ولذلك جاءت الجملة اعتراضية : ” ولو شاء لجعله ساكناً “.
وهو إنما يكون ساكناً في حالتين فقط : في حالة سكون الأرض آو في حالة دورانها حول نفسها جنوباً وشمالاً . ويكون معني الجملة الاعتراضية : لو شاء الله لجعل الأرض ساكنة أو جعل دورانها شمالاً وجنوباً وإذن لما اختلت الظلال بل صارت ساكنة في نصف الأرض الذي يواجه الشمس ، ولتكدرت حياة الإنسان بالحر الدائم علي هذا النصف والبرد الدائم علي النصف الأخر. ولا يكون في ذلك ما يناقض ما يعلم الإنسان من القوانين الطبيعية .

ولقد راجعت استعمال التعبير ” ولو شاء ” في القران الكريم فوجدت في كل الحالات إن ما يرد بعد التعبير يكون مما لا يناقض حدوثه شيئاً مما نعلم من السنن والقوانين ، ولكنه لا يحدث في الواقع بسبب إرادة الله . من أمثلة ذلك :
” ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ”
” ولو شاء الله لجمعهم علي الهدي ”
” ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم ”
” ولو شاء ربك لآمن من في الأرض ”
” ولو شاء الله لسلطهم عليهم ” .. إلى أخر الآيات وهي كثيرة . بعد هذه الجملة الإعتراضية :
” ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ”
” وثم ” تفيد الترتيب والتوقيت ، أي بعد أن يكتمل مد الظل تحت أعيننا ، تكون الشمس دليلنا عليه ، وذلك قبيل الغروب بقليل بعد أن يتعذر علي الناس متابعة امتداد الظلال إذ تطول وتبعد وتخفت وتتداخل ، فيكون موضع الشمس دليلنا عليها ، وبالنظر للشمس وتحديد موضعها نستطيع أن نحسب طول الظل واتجاهه وحدوده مما كان متيسراً بالقياس المباشر من وقت الزوال حتى هذا الحين قبيل الغروب .
وتستمر الشمس دليلنا علي الظلال حتى ارتفاعها بعد الشروق قدراً يمكن الإنسان من متابعة الظل علي وجه الأرض بالقياس المباشر . فيراه الآن ينحسر ويتضاءل . ولذلك جاءت الآية :
” ثم قبضناه قبضاً يسيراً “.
ونلاحظ ” ثم ” مرة أخرى لمقتضى الترتيب والتوقيت . ويستمر انحسار الظل حتى وقت الزوال ، فنكون قد أكملنا يوماً كاملاً من الزوال إلى الزوال ، أي دورة كاملة من دورات الأرض حول نفسها شرقاً وغرباً . وهذا الدوران يحقق امتداد الظلال وانحسارها ، ويحقق أيضا الليل والنهار . لذلك جاءت الآية :
” وهو الذي جعل الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً ”
أي جعل دوران الأرض أيضا سبباً في الليل والنهار ، وبهما تستقيم الحياة ، إذ في الليل ستر وراحة للأبدان بالنوم وفي النهار انتشار الناس ومعايشهم .
ولكن نتساءل هل كل الدوران شرقاً وغرباً للأرض حول نفسها يحقق المعيشة الطيبة المستقرة بتعاقب الليل والنهار ؟ الإجابة أن لمعدل الدوران أهمية قصوى في هذا ، إذ هو الذي يحدد طول الليل وطول النهار . ولا يعرف الإنسان قانوناً طبيعياً يمنع أن تدور الأرض حول نفسها بمعدل عالٍ جداً . ففي السماء أجرام معلومة تدور حول نفسها بمعدل ثلاثين مرة في الثانية الواحدة ‍‍‍
ولكن تدبير الله سبحانه وتعالي جعل الأرض تدور حول نفسها بمعدل معين ، مكن من تعاقب الليل و النهار بحيث تحققت راحة الأبدان ليلاً وتحصيل المقاصد والمعايش نهاراً . ولقد أشار لذلك بغاية البيان والتبيان ، في لفظ ” يسيراً ” في الآية :
” ثم قبضناه قبضاً يسيراً ”
أي جعل الظل ينحسر شيئاً فشيئاً في تدرج ويسر وتأنٍ . تبارك الله أحسن الخالقين .
” ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ، ولو شاء لجعله ساكناً ، ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً . ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً . وهو الذي جعل الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً . ”
والله اعلم بمراده.