يقول ابن الجوزي رحمه الله:( أتدري من الرجل؟ الرجل والله من إذا خلـى بما يحبُ من المحرمِ وقدر عليه وتقلقل عطشاً إليه، نظر إلـى نظر الحق إليه فاستحيـى من إجالة همه فيما يكرهه فذهب العطش،).

يقول ابن الجوزى رحمه الله : (أتدرى من الرجل؟) أى: من الفتى؟ ليس الذكر, من الرجل؟ الذي لديه معدن الرجولة والفتوة والمروءة ”

(الرجل والله من إذا خلا بما يحب من المحرم وقدر عليه, وتقلقل عطشا إليه)فهذه ثلاث مراحل, يحب المحرم, يمكن يحبه ولا يقدر عليه, لكنه قدر عليه, وتقلقل عطشاً إليه سيموت كي يفعل ولكنه استحضر نظر الحق إليه.

هنا يتفاضل أهل الإيمان في هذه المسألة, في اعتبار نظر الحق تبارك وتعالي إليه,.

أولي الناس بهذا المثل صاحب المرأة في قصة أصحاب الغار, كما في حديث ابن عمر في الصحيحين.

وقصة أصحاب الغار, الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة ,حديث مشهور جداً أُشير إلي حديث الغار في القرآن في سورة الكهف, في قول الله تعالي : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا)( 9-الكهف).

هؤلاء هم أصحاب الرقيم, أصحاب الغار الثلاثة كما ورد في حديث النعمان ابن بشير عند أحمد وغيره. أن النبي-صلى الله عليه وسلم-:لما تلا هذه الآية قال: (أتدرون من أصحاب الرقيم؟ قالوا لا يارسول الله), فقص عليهم قصة أصحاب الغار..

وخلاصة هذه القصة:

ثلاثة كانوا يمشون في الجبل, ثم سقط عليهم المطر, فآواهم المبيت إلي غار, وعندما دخلوا الثلاثة الغار سقطت صخرة من الجبل من الصخر الذي يهبط من خشية الله, علي باب الغار فأغلقت الباب ولم تبق بصيصاً من النور فحاولوا تحريكها فلا فائدة من ذلك فأيقنوا بالهلاك فلم يبقي لهم , حيلة إلا بالله, فبدأ كل منهم يذكر عملاً كان خالصاً لله لعل الله يفرج كربهم بهذا العمل

قال الأول: ” اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران, وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا”, -الغبوق -شراب اللبن بالليل, -والصبوح -شراب اللبن بالصبح, فهذا راعي غنم ولم يكن أحد يشرب قبل أبوه وأمه أبدا, يأتي آخر النهار يحلب, يسقي أبوه وأمه, ثم يسقي أولاده وزوجته في هذا اليوم قال :نأي بي طلب الشجر يوما” يبحث عن مرعي للغنم فظل يسير علي غير العادة, حتى رجع متأخراً وجد والديه قد ناما, فالأود ينتظرون رجوع أبوهم حتى يحلبوا و يشربوا, فتعود أن يشرب أبويه فبعدما حلب وجدهما نائمين فظل واقفاً بجانب السرير واضعاً الإناء علي كفه وأولاده يبكون ولم يرق قلبه بالرغم من جوع أولاده يأبي أن يشرب أحدٌ قبلهما وظل واقفاً حتى برق الفجر ولم يوقظهما لئلا يفسد عليهما نومهما وظل واقفاً حتى استيقظا من أنفسهم فسقاهم ثم سقي أولاده قال “اللهم إن كنت تعلم أنى فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا مانحن فيه”, فانفرجت الصخرة قليلا, .

الثانى: قال:” اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم, وكنت أحبها كأشد مايحب الرجال النساء”, يعشقها والعاشق أصم وأعمى وليس عنده عقل, العاشق لايري إلا شيئاً واحداً فقط وهو من يحب, أما الدنيا كلها لاتساوى عنده شيئا, فهذا المرأة تحتاج لمال, فذهبت له لحاجتها فطلب منها أن تُخلي بينه وبين نفسها , إن كانت تريد النقود فرفضت ثم لما لم تجد من يعطيها فعادت له مرة ثانية ,أعطاها ستين دينارا علي أن تُخلي بينه وبين نفسها, قال “فلما قعدت منها مقعد الرجل من امرأته, قالت :اتق الله ياعبد الله ولاتفض الخاتم إلا بحقه, قال :فقمت عنها وهي أحب الناس إلي, وتركت لها المال”.

فهذا خلا بما يحب من المحرم وقدر عليه وهو متقلقل من زمن, فما بالك وقد ظفر, فلما قالت “اتق الله”, وقف عند حدود الله. هذا ليس له نظير, وأعطاها المال.

“اللهم إن كنت تعلم أنني فعلت هذا ابتغاء مرضاتك, ففرج عنا مانحن فيه, فانفرجت الصخرة قليلا غير أنهم لايستطيعون الخروج”.

وهناك مثل آخر: حديث رواه الإمام أحمد والترمذي وحسنه وصححه ابن حبان والحاكم, والحديث فيه نظر, إسناده ضعيف, لكن مثل منه سأنبه علي ضعفه وفي نفس الوقت فيه نفس المثل.

حديث بن عمر قال ” أنى سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-:”يقول لم اسمعه مرة ولا مرتين حتى عد عشرين مرة,” لكن الراوي عن ابن عمر سعد مولي طلحة وهذا مجهول, حتى أبو حاتم الرازى قال لا أعرفه إلا بحديث واحد هذا الحديث, ومجهول.

المهم قال :”كان الكفل رجلا من بني إسرائيل”, اسمه الكفل, وقع في بعض الكتب انه ذو الكفل, لكنه ليس النبي, حتى لو ثبت أنه ذو الكفل في الرواية فليس هو ذو الكفل النبي عليه السلام, لكن واحد من بني إسرائيل, “كان الكفل رجلا لايتورع عن ذنب إلا فعله”, امرأة جاءت تطلب منه مال, قال لها ممكن أعطيك الدنانير وتُخلي بينى وبين نفسك, وافقت, فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته, أٌرعدت وبكت, فقال لها “مالك, أأكرهتك؟”.

قالت له: “لا,” ولكن إنه شئ ما فعلته قط, ولكن دعاني إلي ذلك الحاجة”.

قال: “أنت تقولين هذا وأنا أفعل هذا؟”, فقام عنها وترك لها المال ومات من ليلته, فلما أصبح الناس وجدوا مكتوبا علي باب داره “إن الله قد غفر للكفل”.

إذا عندنا الهم بالمحرم, وانفعال الجوارح لفعل المحرم,.

ابن الجوزى يقول: ” إن الرجل إذا استتمت رجولته” الإنسان سواء كان رجلا أو كان امرأة, عندما نقول امرأة رجل يعنى بمعنى المرأة الفتية, وليس المرأة الرجل هذه جرأة, جرأة قبيحة, لأن رأس مال المرأة حياؤها, لكن الفتوة كما قلت لكم أنها الصفة التي تحدثت عنها.

فإذا جال بخاطره هذا المعنى يصرفه عنه. ولكن إذا جال بخاطره وحبس نفسه, يُعدُ أيضاً رجل, ولكن إذا قدر يصرفه يكون أكثر رجولة, وإن لم يستطع يصون جوارحه عن الانفعال, وإلا فكل حديث النفس مغفور مالم يفعل المرء أو يتكلم أو يدعو إلي هذا المحرم.

فيقول ابن الجوزى ” الرجل والله من إذا خلـى بما يحبُ من المحرمِ وقدر عليه وتقلقل عطشاً إليه، نظر إلـى نظر الحق إليه فاستحيـى من إجالة همه فيما يكرهه فذهب العطش،”

نقول من أثر ذلك أن الله عز وجل يرضيه, ويذيقه حلاوة الكف, وحلاوة الطاعة,.

تنبيه:

وبالمناسبة ننبه أيضا علي حديث مشهور جدًا, الناس بتقوله, وهو حديث منكر لايصح, “النظرة سهم من سهام إبليس, من تركها لأجلي أبدلته حلاوة يجدها في قلبه”, حديث مشهور نسمعه من كثير من الخطباء, وهو حديث منكر لا يصح.

والله تعالي أسأل أن يغفر لي وأن يغفر له, وليجعل ماقلته لكم زاداً إلي حسن المصير إليه, وعتاداً إلي يمن القدوم عليه, إنه بكل جميل كفيل, وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد, والحمد لله رب العالمين.