نفذت العديد من الدول الحجر الصحي على العائدين من الصين، بعد تفشي وباء كورونا القاتل ببعض مدن الصين، والحَجْر الصحي هو منع اختلاط مرضى الأمراض المعدية، بالأصحاء.

ويجري الحجر الصحي لمنع انتشار مرض معدي، إذا اشتبه في إصابة أحد أفراد مجموعة، أو انتشر وباء معدي في بلدة ما كما في مدينة ووهان في الصين، فإذا تأكدت الإصابة عزلت المجموعة كلها، ومنع اتصالها بالناس، ويجب أن يستمر الحجر مدة حضانة المرض.

ونبه النبي في العديد من نصوص السنة الواردة عنه صلي الله عليه وسلم عددا من المبادئ الأساسية للحجر الصحي، إذ نقلت كتب السنة عن النبي نهيه عن الدخول إلى البلدة المصابة بالطاعون، ومنع التام لأهل تلك البلدة من الخروج منها، ووجه التشدد النبوي في ذلك أن جعل الخروج من البلدة المصابة بالوباء كالفرار من الزحف وهو أمر من كبائر الذنوب، وأكد النبي أنّ للصابر على البقاء في بلدة الوباء له أجر الشهيد.

وروى البخاري في صحيحه قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين خرج إلى الشام، فلما وصل إلى منطقة قريبة منها يقال لها: (سرغ)، بالقرب من اليرموك، لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بأرض الشام، فقال عمر ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أنّ الوباء وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجتَ لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله، ولا نرى أن تُقْدِمَهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادعوا لي الأنصار، فدعاهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعاهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تُقْدِمَهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس إني مُصَبِّحٌ على ظَهْرٍ فأَصْبِحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟، فقال عمر لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيتَ لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟، قال: فجاء عبدالرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال إنّ عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه)، قال: فحمد الله عمر ثم انصرف”.

وروى الإمام أحمد عن عائشة قالت: قال رسول الله: (لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون، قلت: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟، قال: غدة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف)، وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله: (الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف).

وأوضح أزهريون ضرورة اتباع تعليمات الحجر الصحي تطبيقا للأحكام الشرعية الواردة في ذلك، تقول النائبة آمنة نصير، عميدة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر السابقة، إنّ الحجر الصحي ليس بدعا على الثقافة الإسلامية، إذ ورد في السنة النبوية منذ أكثر من 1400 سنة، وذلك بحث النبي منع خروج المواطنين من المدينة الموبوءة أو دخولها، فهذا أعظم أمر يمكن عمله لوقف أي انتشار للوباء، خاصة في العصور السابقة.

وأضافت: “أطالب المواطنين في كل مكان بالالتزام بتعليمات الحجر الصحي التي تفرضها الجهات المعنية، لأن ذلك أمر وجوبي شرعا وعقلا، وعلى الجميع التعاون مع جهات الحجر سواء في مصر أو في غيرها من البلدان وذلك حتى نعجل بإزالة الوباء أيا كان سواء كورونا أو غيره”.

وقال عبدالغني هندي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إنّ التعاون مع جهات الحجر بالمطارات والموانئ، أو في المدن للبلدان التي طالها الوباء كالصين أو ماليزيا أو غيرها من الدول، أمر مهم ويحث عليه الشرع، حتى تتمكن الدول من الحد من انتشار الوباء ومقاومته.

وتابع أنّ الشرع الإسلامي وضع أسس لحياة كريمة تقوم على قواعد واضحة على رأسها قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، وعدم اتباع التعليمات يمثل ضرر يوقعه الإنسان على نفسه وضرار لمجتمعه وبيئته المحيطة، لذا على الجميع الالتزام بتعليمات الحجر.