فضيلة الشيخ/ وحيد عبدالسلام بالي
فضيلة الشيخ/ وحيد عبدالسلام بالي

عدم لطم الخدود وشق الجيوب:

ففي الصحيحين عن عبدالله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا مَن لطم الخدود، وشَقَّ الجُيُوب، ودعا بدعوَى الجاهلية))[1].

عدم النياحة[2]:

ففي الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: أخَذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح[3].

روى مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخرُ في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة))، وقال: ((النائحة إذا لم تَتُبْ قبل موتها تُقام يوم القيامة وعليها سِرْبالٌ من قَطِرانٍ، ودِرعٌ من جَرَب))[4].

تكثير المصلين على الميت:

روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ميت تُصلي عليه أمَّةٌ من المسلمين يبلغون مائةً، كلُّهم يَشفَعون له، إلا شُفِّعوا فيه))[5].

روى مسلم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه مات ابنٌ له بقُدَيد أو بعُسْفان، فقال: يا كريبُ، انظر ما اجتمع له من الناس، قال: فخرجتُ فإذا ناسٌ قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول: هم أربعون؟ قال: نعم، قال: أخرِجوه؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يُشركون بالله شيئًا، إلا شفَّعهم الله فيه))[6].

روى أبو داود، والترمذي – وحسنه – عن مالك بن هبيرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مسلم يموتُ فيُصلي عليه ثلاثةُ صفوفٍ من المسلمين إلا أوجب))، قال: فكان مالك إذا استقلَّ أهلَ الجنازة جزَّأهم ثلاثةَ صفوفٍ للحديث[7].

أن يحملها الرجال دون النساء:

روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وُضِعت الجنازة واحتملها الرجالُ على أعناقهم، فإن كانت صالحةً قالت: قدِّموني، وإن كانت غيرَ صالحة قالت: يا ويلها، أين يذهبون بها، يسمع صوتَها كلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صَعِق))[8].

الإسراع بالجنازة إسراعًا وسطًا:

روى النسائي – بسند حسن – عن عبدالرحمن بن يونس، قال: شهِدتُ جنازة عبدالرحمن بن سَمُرة، وخرج زيادٌ يمشي بين يدي السريرِ، فجعل رجال من أهل عبدالرحمن ومواليهم يستقبلون السرير، ويمشون على أعقابهم، ويقولون: رويدًا رويدًا، بارك الله فيكم، فكانوا يدِبُّون دبيبًا، حتى إذا كنا ببعض طريق المِرْبَد لحِقنا أبو بكرة على بغلةٍ، فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم ببغلته، وأهوى إليهم بالسَّوط، وقال: خَلُّوا، فوالذي أكرم وجهَ أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، لقد رأيتُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنا لنكادُ نرمُل بها رملًا، فانبسَط القوم[9].

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تكُ صالحةً، فخيرٌ تقدِّمونها، وإن يكُ سوى ذلك، فشرٌّ تضعونه عن رقابكم))[10].

أن يمشي الراكب خلف الجنازة:

روى الترمذي – وقال: حسن صحيح – عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يُصلَّى عليه))[11].

ألا يتبع الجنازة بما يخالف الشريعة الإسلامية:

روى مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو في سِياقة الموت، فبكى طويلًا، وحوَّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، قال: فأقبل بوجهه، فقال: إن أفضل ما نعدُّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إني كنت على أطباق ثلاث: لقد رأيتني وما أحدٌ أشدَّ بُغْضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحبَّ إليَّ أن أكون قد استمكنتُ منه فقتلتُه، فلو مُتُّ على تلك الحال لكنت من أهل النارِ، فلما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسُطْ يمينَك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضتُ يدي، قال: ((ما لك يا عمرو؟))، قال: قلتُ: أردت أن أشترط قال: ((تشترط بماذا؟))، قلت: أن يُغفَر لي، قال: ((أما علِمتَ أن الإسلام يهدِمُ ما كان قبله، وأن الهجرة تهدمُ ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله))، وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أُطِيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سُئِلت أن أصفه ما أطقتُ؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مُتُّ على تلك الحال لرجوتُ أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحةٌ ولا نارٌ، فإذا دفنتموني فشُنُّوا عليَّ التراب شنًّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنحَر جزورٌ، ويُقْسَم لحمُها؛ حتى أستأنِس بكم، وأنظُر ماذا أراجع به رسل ربي[12].

روى ابن ماجه – بسند حسن – عن أبي بُرْدة، قال: أوصى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حين حضره الموت، فقال: لا تتبعوني بمِجْمَر، قالوا له: أَوَسمِعتَ فيه شيئًا؟ قال: نعم، من رسول الله صلى الله عليه وسلم[13].

ويستحب لمشيع الجنازة ألا يجلس قبل وضعها:

ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمَن تبعها، فلا يقعُد حتى تُوضع))[14].

وفي صحيح مسلم عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، أنه قال: رآني نافع بن جبير ونحن في جنازة قائمًا، وقد جلس ينتظر أن تُوضع الجنازة، فقال لي: ما يُقيمك، فقلت: أنتظر أن تُوضع الجنازة لِمَا يُحدِّث أبو سعيد الخدري، فقال نافع: فإن مسعود بن الحكم حدثني عن علي بن أبي طالب أنه قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد»[15].

الدعاء والاستغفار للميت:

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، وقال: ((استغفِروا لأخيكم))[16].

أن يثني عليها بالخير إن كانت أهلًا للثناء:

ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: مرُّوا بجنازة فأثنَوا عليها خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَجَبَتْ))، ثم مرُّوا بأخرى فأثنَوا عليها شرًّا، فقال: ((وجبَت))، فقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبَت؟ قال: ((هذا أثنيتُم عليه خيرًا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض))[17].

وفي رواية للبخاري عن أنس رضي الله عنه قال: مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال: ((وجبت))، ثم مُرَّ بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، أو قال: غير ذلك، فقال: ((وجبت))، فقيل: يا رسول الله، قلت لهذا وجبَت، ولهذا وجبت، قال: ((شهادة القوم، المؤمنون شهداءُ الله في الأرض))[18].

أن يقول الذين يُدخِلون الميت قبرَه: باسم الله وعلى سنة رسول الله:

روى أبو داود – وحسنه الألباني – عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: ((بسم الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم))[19].

تذكير الحاضرين والمشيعين بالموت وما بعده:

روى أبو داود – وصححه الألباني – عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولَمَّا يُلْحَد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسِنا الطيرَ، وفي يده عودٌ ينكتُ في الأرض، فرفع رأسه، فقال: ((استعيذوا بالله من عذاب القبر))، مرتين أو ثلاثًا، ثم قال: ((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزَل إليه ملائكةٌ من السماء بِيض الوجوه، كأن وجوهَهم الشمسُ، معهم كفنٌ من أكفان الجنة وحنوطٌ من حنوط الجنة، حتى يجلِسوا منه مَدَّ البصر، ثم يجيء مَلَكُ الموت عليه السلام حتى يجلِس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرُجي إلى مغفرة من الله ورضوانٍ، قال: فتخرج تسيلُ كما تسيل القطرة مِن فِي السقاءِ فيأخذها، فإذا أخذها لم يَدَعُوها في يده طرفةَ عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها بالذي يسُرُّك، هذا يومك الذي كنت تُوعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: ربِّ أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكةٌ سُودُ الوجوه، معهم المُسُوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرُجي إلى سَخَطٍ من الله وغضب، قال: فتُفَرَّقُ في جسده، ينتزعُها كما ينتزع السَّفُّود مِن الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يَدَعُوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتنِ ريحِ جيفةٍ وُجِدت على وجه الأرض، فيصعَدون بها، فلا يمرُّون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يُسمَّى بها في الدنيا، حتى يُنتهى به إلى السماء الدنيا، فيُستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾ [الأعراف: 40]، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سِجِّين في الأرض السفلى، فتُطرح رُوحه طرحًا، ثم قرأ: ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31]، فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكانِ فيُجلِسانه، فيقولان له: من ربُّك؟ فيقول: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولان له: ما دينُك؟ فيقول: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هاهْ هاهْ، لا أدري، فينادي منادٍ من السماء أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه مِن حرِّها وسمومها، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختَلِف فيه أضلاعُه، ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشِر بالذي يَسُوؤك، هذا يومك الذي كنت تُوعد، فيقول: مَن أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: ربِّ لا تُقِمِ الساعة))[20].

——————————————————————————–

[1] متفق عليه: رواه البخاري (1294)، ومسلم (103).

[2] في المطلع على أبواب الفقه لمحمد الحنبلي (ج1/ص121).

النياحة: اجتماع النساء للبكاء على الميت متقابلات، والتناوح: التقابل، ثم استعمل في صفة بكائهن بصوت ورنَّة وندبة، والله تعالى أعلم.

[3] متفق عليه: رواه البخاري (1306)، ومسلم (936).

[4] رواه مسلم (934).

[5] رواه مسلم (947).

[6] رواه مسلم (948).

[7] حسن: رواه أبو داود (3166)، وحسنه الترمذي (1028).

[8] رواه البخاري (1314).

[9] حسن: رواه النسائي (1912) بسند حسن.

[10] متفق عليه: رواه البخاري (1315)، ومسلم (944).

[11] حسن: رواه الترمذي (1031) وقال: حسن صحيح.

[12] رواه مسلم (121).

[13] حسن: رواه ابن ماجه (1487).

[14] متفق عليه: رواه البخاري (1310)، ومسلم (959).

[15] متفق عليه: رواه مسلم (962).

[16] متفق عليه: رواه البخاري (3880)، ومسلم (951).

[17] متفق عليه: رواه البخاري (1367)، ومسلم (949).

[18] رواه البخاري (2642).

[19] حسن: رواه أبو داود (3213)، وحسنه الألباني.

[20] صحيح: رواه أبو داود (4753)، وأحمد (17803)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1676).