ها نَحن نُودِّع رمضانَ المبارك بنَهارِه الجميل ولياليه العطرة، ها نَحن نُودِّع شَهْرَ القرآن والتَّقْوى والصَّبْر والرحمة والمغفرة والعتق من النار… وأنتم تذكرون في أولِ جُمُعة من هذا الشهر المبارك يومَ أن وَقفنا وقلنا: مرحبًا بك يا رمضان، مرحبًا بك يا شهر القرآن، وها نحن اليوم وفي آخر جمعة من رمضان نقف لنودِّعَه، ونقول له: السلام عليك يا شهرنا الكريم، السلام عليك يا شهر رمضان، السلام عليك يا شهر الصيام، والقيام، وتلاوة القرآن… السلام عليك يا شهرَ التَّجاوز والغُفْران، السلام عليك يا شهر البركة والإحسان، السلام عليك يا شهرَ الأمان، كنت للعاصين حبسًا، وللمتقين أنسًا، السلام عليك يا شهر الصيام والتَّهَجُّد، السلام عليك يا شهر التراويح، السلام عليك يا شهر الأنوار والمصابيح، فيا ليت شعري، هل تعود أيامُك أو لا تعود؟ وهل إذا عادت أيامُك، فسنكون في الوجود، وننافس أهلَ الركوع والسجود، أو سنكون قد انطبقت علينا اللُّحود، ومَزَّقَنا البِلَى والدود؟
فيا أسفًا على رحيلك يا رمضان، فيا شهرَنا، غير مُودَّع ودَّعناك، وغير مقلي فارقناك، كان نَهارك صدقة وصيامًا، وليلك قِراءَةً وقيامًا، فعليك منا تَحيةً وسلامًا، أتراك تعود بعدها علينا، أم يدركنا المنون، فلا تؤول إلينا؟ مصابيحنا فيك مشهورة، ومساجدنا منك معمورة، فالآن تُطْفأ المصابيحُ، وتنقطع التراويح، ونرجع إلى العادة، ونفارق شهر العبادة.
والله، حقٌّ على كل واحد منا أن يبكيَ عليه، وكيف لا يَبكي المؤمنُ رمضانَ، وفيه تفتح أبوابُ الجنان؟ وكيف لا يبكي المذنب ذَهابه، وفيه تغلق أبواب النيران؟ كيف لا يبكي على وقتٍ تُسَلْسَل فيه الشياطين، فيا لوعةَ الخاشعين على فُقدانه، ويا حرقة المتقين على ذَهابه.
هذا سيدنا علي – رضي الله عنه – كان يُنادي في آخر ليلة من رمضان: “يا ليت شعري، مَن المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه”… نعم والله، يا ليت شعري، مَن المقبولُ منا فنُهَنِّئه بحسن عمله، ومن المطرود منا، فنعزيه بسوء عمله.
أيها المقبولون، هنيئًا لكم، وأيُّها المردودون، جبر الله مُصيبَتكم، ماذا فات مَن فاته خيرُ رمضان؟ وأي شيء أدرك مَن أدركه فيه الحرمان؟ كم بين مَن حظُّه فيه القبول والغفران، ومَن حظُّه فيه الخيبة والخسران؟ متى يصلح من لم يصلح في رمضان؟ ومتى يَتَّعِظ ويعد ويَستفيد ويتغير ويغير من حياته مَن لَم يفعل ذلك في رمضان؟ إنَّه بحقٍّ مَدرسة للتغيير، نغير فيه من أعمالنا وسُلُوكِنا وعاداتنا وأخلاقنا المخالفة لشرع الله – جل وعلا -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
ونَحن نودِّع رمضانَ، تعالَ معنا؛ لنقفَ وقفاتٍ تنفعنا في الدنيا والآخرة، فالسعيدُ منا مَن ترك الدنيا قبل أن تتركه، وعمر قبره قبل أن يدخله، وأرضى رَبَّه قبل أن يلقاه.
الوقفة الأولى: تذكر رحيلك من الدنيا برحيل رمضان.
تذكر – أيها الصائم – وأنت تودع شهرك سُرعةَ مُرور الأيام، وانقضاء الأعوام، فإنَّ في مُرورها وسُرعتها عبرة للمعتبرين، وعِظَة للمتعظين؛ قال – عزَّ وجلَّ -: ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44]، فيا مَن ستودع رمضان، تَذَكَّر أنَّك ستودع الدُّنيا، فمَاذا قَدَّمْتَ لله؟ هل أنت مُستَعِد للقائه؟ إنَّ مَن عزم على سَفر، تَزَوَّد لسفره، وأعدَّ العدة، فهل أعْدَدْت زادًا لسفر الآخرة؟ فعجبًا لمن أعد للسفر القريب، ولم يعد للسفر البعيد؛ قال رجل للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أي المؤمنين أفضل؟ قال: ((أحسنهم خلقًا))، قال: فأيُّ المؤمنين أكيس؟ قال: ((أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لما بعده استعدادًا، أولئك الأكياس…))، قال حامد اللفاف: “مَن أكثر من ذكر الموت، أُكْرِمَ بثلاثةِ أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القوت، ونَشاط العبادة، ومَن نسي الموت، عُوقِب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وتَرك الرِّضا بالكفاف، والتكاسُل في العبادة”.
دخل رجلٌ على أبي ذر، فجعل يُقلب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: إنَّ لنا بيتًا نوجه إليه صالِحَ مَتاعنا، قال: إنَّه لا بُدَّ لك من متاع ما دمت ها هنا، قال: “إنَّ صَاحِبَ المنزل لا يدعنا فيه”، فتأمَّل – أخي – في هذا الفقه النبيه؛ إذ قال أبو ذر: “إن صاحبَ المنزل لا يدعنا فيه”، فالمنزل للدنيا، وصاحبها هو الله، وقد قال الله – تعالى -: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ [غافر: 39].
هذا رجل من الرجال المستعدين للرحيل، هذا الرجل هو عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – في يومٍ من الأيام صَلَّى بالناس العيد إمامًا، وبعد الصلاة مرَّ على مَقبرة، فنزل عن بغلته – هذا موكبه – وعنده بعضُ أصحابه، فقال لمن عنده: انتظروا، فذهب إلى المقبرة، وأخذ ينظر إلى القبور، وهو يقول: أيها الموت، ماذا فعلت بالأحبة؟ أيُّها الموت – يكلمهم – ماذا صنعت بهم؟ فلم يُجِبه أحد، ثم خرَّ على ركبتيه وهو يبكي ويردد شعرًا، فيقول:
أَتَيْتُ الْقُبُورَ فَنَادَيْتُهَا فَأَيْنَ الْمُعَظَّمُ وَالْمُحْتَقَرْ وَأَيْنَ الْمُذِلُّ بِسُلْطَانِهِ وَأَيْنَ الْمُزَكِّي إِذَا مَا افْتَخَرْ تَسَاوَوْا جَمِيعًا فَمَا مُخْبِرٌ وَمَاتُوا جَمِيعًا وَمَاتَ الْخَبَرْ تَرُوحُ وَتَغْدُو بَنَاتُ الثَّرَى فَتَمْحُو مَحَاسِنَ تِلْكَ الصُّوَرْ فَيَا سَائِلاً عَنْ أُنَاسٍ مَضَوْا أَمَا لَكَ فِيمَا مَضَى مُعْتَبَرْ
فإذا به يبكي بكاءً مرًّا، حتى اجتمع الناس حوله، حتى هدأ – رحمه الله.
إنَّها القبور، إنَّه منزلك يا أخي الكريم، مُرَّ عليه يومًا من الأيام وتفحصه، هل تَحمل معك أثاثًا، أو يدخل معك فيه أحد؟ بعد أيام ولعلَّه بعد لحظات سوف تسكُنه وأنت لا تَدري، غَفلة وأي غفلة.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 185]، القضية أكبرُ من هذا، لو كان موتًا، لكان هَيِّنًا؛ يقول الشاعر:
فَلَوْ أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَا لَكَانَ الْمَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيِّ وَلَكِنَّا إِذَا مِتْنَا بُعِثْنَا وَنُسْأَلُ بَعْدَهَا عَنْ كُلِّ شَيِّ
فاغتنم أيام عمرك قبل فواتِ الأوان ما دمتَ في زمن المهلة؛ قال عمر بن عبدالعزيز: “إنَّ الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما”، وقال ابن مسعود – رضي الله عنه -: “ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غَرَبت شمسُه، نَقَصَ فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي”.
الوقفة الثانية: احذر – أخي – أنْ تكونَ مثل بلعم بن باعوراء:
كان لسيدنا موسى – عليه السَّلام – صاحب من المقربين إليه، يُسَمَّى “بلعم بن باعوراء” عالم من علماء بني إسرائيل، وكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، لا يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إلاَّ أعْطَاهُ إيَّاهُ، بلغ من ثقةِ موسى فيه أنه قال له: يا بلعم، اذهب إلى أهلِ مدين، فبلِّغهم رسالاتِ الله، فلما ذهب بلعم ووقف بينهم خطيبًا ومرشدًا، قال له أهلُ مدين: كم يُعطيك موسى من الأجر على تبليغ هذا الكلام؟ فقال بلعم: إنَّما أبلغه ابتغاءَ مرضاة الله، لا أتَقَاضى على ذلك أجرًا، فساوموه وجعلوا له مقدارًا من الذهب والفضة، وعندئذٍ فَكَّرَ الرجلُ قليلاً، وبعد ذلك عاد إليهم، وترك نبيَّ الله موسى، وانقلب على عَقِبَيْه، وانتظره موسى؛ ليعودَ إليه، ولكنه لم يعُد إلى موسى، فقد أكلته الدنيا، وباع آخرته بدنياه.
وعندئذٍ قَصَّ الله – عزَّ وجلَّ – قِصَّتَه على نبينا مُحمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – وحذَّرنا من أن نكونَ مثله، فبعد أن ذاق حلاوةَ الإيمان، وآتاه الله آياته، انقلب على عقبيه، واشترى الضلالةَ بالهدى والعذابَ بالمغفرة، وانسلخ من آياتِ الله، كما تنسلخ الحية من جلدها، فقال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[الأعراف: 175 – 176].
وهذه التحذيرات القرآنية تنطبق على مَن ذاق حلاوةَ طاعة الله – تعالى – في رمضان، فحافظ فيه على الواجبات، وترك فيه المحرمات، حتى إذا انقضى الشهرُ المبارك، انسلخ من آياتِ الله، ونقض غزله من بعد قُوَّة أنكاثًا.
أيها المسلم، إنَّ كثيرًا من المسلمين يكونون في رمضان من الذين هم على صلاتِهم يُحافظون، فإذا انقضى رمضانُ، أضاعوا الصَّلاةَ، واتبعوا الشهوات، وكثير من المسلمين يَجتنبون في رمضان مُشاهدةَ المحرمات، وسَماع الأغاني، فإذا انقضى رمضان، عادوا إلى ما كانوا عليه من الباطل، وهؤلاء يُخْشَى عليهم أن يُختم لهم بالسيئات، أعاذنا الله وإياكم.
فيا مَن صام لسانُه في رمضان عن الغِيبة والنَّميمة والكَذِب، واصلْ مَسيرتَكَ، وجدَّ في الطلب، ويا من صامت عينُه في رمضان عن النظر المحرم، غضَّ طرفَك ما بقيت، يورثِ الله قلبَك حلاوةَ الإيمان ما حييت، ويا من صامت أذنه في رمضان عن سماع ما يحرم من القول، وما يُستقذر من سماع غيبة، أو نميمة، أو غناء، أو لهو، اتَّقِ اللهَ ولا تعد، اتَّقِ الله، ولا تعُد، ويا من صام بطنه في رمضان عن الطعام، وعن أكْلِ الحرام، اتَّقِ الله في صيامك، ولا تذهب أجرك بذنبك، وإياك ثم إياك من أكلِ الربا، فإن آكله مُحارِب لله ولرسوله، فهل تطيق ذلك؟ ولقد ذَمَّ السلفُ هذا الصنف من الناس، وهذا النوع من الأجناس، قيل لبشر: إنَّ قومًا يَجتهدون ويتعبدون في رمضان، فقال: “بئس القوم الذين لا يعرفون اللهَ إلاَّ في رمضان، إن الصالح يجتهد ويتعبد السَّنَةَ كلها”.
وعن علقمة قال: قلت لعائشة – رضي الله عنها -: “هل كان رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يَختص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، بل كان عمله ديمة”؛ البخاري (1987) ومسلم.
الوقفة الثالثة: اللهَ اللهَ بشباب المسلمين.
الغَيْرَة على المحارم من سِمَات المؤمنين، وكلما نَقَصَ الإيمانُ في قلب العبد، نَقَصَتْ وضَعُفت غَيْرتُه، وإذا ذهبت الغَيْرة بالكلية، صار ديوثًا، والدَّيُّوث هو الذي يرضى الخبثَ في أهله؛ ولذا استحَقَّ هذا الديوث أنْ يُحْرَم دخولَ الجنة؛ يقول – عليه الصلاة والسلام -: ((لا يدخل الجنة ديوث))؛ [رواه أحمد والنسائي].
ولا ندري أيُّها الأحبة، بماذا نفسر خروجَ النساء سافراتٍ مُتبَرِّجاتٍ في الأسواق والْمُجَمَّعات التِّجارية والأماكن العامة، هل يدُلُّ هذا على وجود غيرة عند الرجال، أو يدل على عكس ذلك؟
ترى أحيانًا امرأةً شابة كاشفة لوجهها، متزينة بأَبْهى زينة، وقد أخرجت شيئًا من شعرها، وربَّما تعطرت، فتكون في قمة الزينة والفتنة، ويكون معها زوجها إما بسيارته، أو يَمشي معها في المجمَّعات أو الأسواق، وكأنَّه يقول للشباب: انظروا وتَمتَّعوا بالنظر إلى زوجتي وإلى أخواتي.
سبحان الله! تصل الدياثة إلى هذا الحد، إنَّ كثيرًا من الحيوانات والبهائم تغار على أنثاها من أنْ يَقْرَبَها حيوان آخر، وهذا الرجل يرضى بأنْ يتمتعَ بالنظر إلى أنثاه كلُّ مَن مَرَّ بذلك المكان.
ماذا بَقِيَ لك – أيُّها الزوج – بعد أنْ فقدت الغيرة، والمصيبة أنَّ هذا المنظر لا يُعَدُّ آحادًا أو في حكم الشاذ، بل صار منظرًا مُتكررًا بالعشرات…
أيُّ دينٍ هذا؟ وأيُّ شرع هذا؟ وأيّ إسلامٍ يدَّعون هذا؟ ألَم يقل نبينا – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيما امرأة استعطرت، فمَرَّت على القوم؛ ليجِدُوا ريحَها، فهي زانية))؛ أخرجه أحمد.
قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: ألاَ تغارون؟ ألاَ تستحيون؟ فإنه بلغني أنَّ نساءكم يزاحِمْنَ العلوج – أي الأجانب – رَحِمَ اللهُ الخليفةَ الراشد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ليس الأمر أمر مُزاحمة الآن، بل تعدى ذلك بكثير… فأين غيرة المسلم على أهل بيته؟ فيا مَن تسمح لأهل بيتك بالخروج مُتبرجات، اتَّقِ الله – تعالى – احفظ نفسَك من الدياثة، واحفظ نساءَك من الفتنة والافتنان قبل أن يحل بنا ما حَلَّ بغيرنا من المصائب.
الوقفة الرابعة: تذكروا الأيتام يوم العيد:
إنَّ العيدَ على الأبواب، فإلى كل صائم وصائمة أُوَجِّه هذه العباراتِ؛ عَلَّ الله – عزَّ وجلَّ – أنْ يكتُبَها في ميزان الحسنات، أقول: وأنتم تشترون لأولادِكم وبناتكم ملابسَ العيد، وحلويات العيد، تَذَكَّروا ذلكم الطفلَ اليتيم، الذي ما وجد والدًا يشتري له ملابسَ العيد، ويبارك له بالعيد، ويُقبِّله، ويَمسح على رأسه، قُتل أبوه في جُرْح من جِرَاح هذه الأمة، وتذكروا تلكم الطِّفلة الصغيرة، حينما ترى بنات جيرانها يرتدين الجديد، وهي يتيمة الأب، إنَّها تخاطب فيكم مشاعِرَكم، وأحاسيسكم، إنَّها تقول لكم: أنا طفلة صغيرة، ومن حقي أنْ أفرحَ بهذا العيد، نعم، مِن حقي أن أرتدي ثوبًا حسنًا لائقًا بيوم العيد، من حقي أنْ أجِدَ الحنان والعطف، أريد قُبلةً من والدي، ومَسْحَةً حانية على رأسي، أريد حلوى، ولكن السؤال المرَّ الذي لم أجد له جوابًا حتى الآن هو: أين والدي؟ أين والدي؟ أين والدي؟!! فيا أخي، ويا أختي، قَدِّموا لأنفسِكم، واجعلوا فرحةَ هذا العيد المبارك تعُمُّ أرجاءَ بلادنا وبيوتنا.
أسألُ اللهَ العَلِيَّ القدير أنْ يتقبلنا بقَبول حَسن، وأنْ يُصْلِحَ قلوبَنا وأعمالنا، وأنْ يُعيدَ رمضان علينا باليمن والخير والبركات، إنَّه سَميع مُجيب، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.