محمد في الكتاب المقدس (عرض)
تأليف عبدالأحَد داود
ترجمة عرض
الأستاذ سيد محبوب علي شاه الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد
يقول المؤلِّف في مستهلِّ كتابه: أُريد أن أوضِّح أنَّ الآراء التي ستنشر في هذا البحث هي آرائي الشَّخصية، وأنا مسؤول عنها، إنَّني أُصرِّح بأنه لا يوجد لديَّ أية نَزْعة لجرح مشاعر أصدقائي النَّصارى؛ لأنَّنِي انطلاقًا من الإيمان، أُحِبُّ المسيح عيسى ابن مريَم، وإبراهيمَ، وموسى – عليهم السَّلام – كما أحبُّ محمدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – وجميع الرُّسل والأنبياء – عليهم السَّلام – قال الله – عزَّ وجلَّ -: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].
وكذلك لا أريد أن أفتح بابًا للخلافات الحادَّة بيني وبين الكنائس، إلاَّ أنَّني أدعوهم إلى بَحْث وُدِّي هادئ، حول هذا الموضوع المهم بروح المَحبَّة والنَّـزاهة، وإذا أراد النصارى أن يتركوا ما هم عليه، ويعتقدوا بوحدانيَّة الله المطلقة، فمن الممكن بل من المؤكَّد أن يجمع الطَّرَفين قدْرٌ مشترَك؛ لأنَّه إذا اتَّفَق الطَّرَفان على توحيد الله – عزَّ وجلَّ – عندئذٍ يبقى إمكانٌ قويٌّ لِحلِّ الاختلافات في زوايا النظر المختلفة.
مؤلِّف الكتاب: عبدالأحد داود، كان قسًّا كاثوليكيًّا روميًّا، اسْمه “بنيامين الكلداني”، اعتنق الإسلام بعد بَحْث وتأمُّل، وعن وعْيٍ واقتناع، فكان من القِلَّة الخيرة المؤمنة، من أهل الكتاب الموصوفة من الله بقوله: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 113 – 115]، فقد آمن عبدالأحد إيمانًا صادقًا عميقًا، وانضمَّ إلى الصفِّ المسْلِم، وقام بالدِّفاع عن الإسلام ورسوله.
نبذة موجزة عن معالم حياته:
• وُلِد عبدالأحد داود عام 1867م بأرميا بدولة “فارس”، ودرس الديانة الكاثوليكيَّة منذ الصِّغَر، وتفوَّق فيها.
• التحق في سنة 1892م بكلية “فايد” للدراسات الدينية والفلسفية بروما، وتَخرَّج فيها، وعُيِّن في سنة 1895م قسيسًا.
• مثَّل الكاثوليك الشرقيِّين في مؤتَمر “القربان المقدَّس” سنة 1897م.
• أوَّل من أصدر نشرة تبشيريَّة باللُّغة السريانية بعنوان: “صوت الحق”، وترجم “السلام المريمي” إلى عدَّة لغات، وكانت آخر خُطَبِه التبشيرية عام 1900 تَحْمل اسم “القرن الجديد والناس الْجُدد”.
• قدَّم استقالته من عمَلِه الديني حُرًّا مُختارًا – وباءت كلُّ جهود الكنيسة بالفشل للحيلولة دونها – بعد أن تيقَّن من بُعْدِ النَّصرانية عن طريق الحق، وعَمِل مراقبًا في البريد والجمارك، ثم عُيِّن مدرِّسًا لَدى الأمير محمد علي ميرزا.
• أعلن إسلامه في سنة 1904 بالقسطنطينيَّة، أمام شيخ الإسلام “جَمال الدين” بِحُضور جَمْعٍ من العلماء، وبقي فيها قرابة تسع سنوات، متفرِّغًا للبحث والدَّرس والدعوة للدِّين الذي اعتنقَه؛ إذِ اعتقده حقًّا، متجشِّمًا هجرة الأهل والأقارب، وضيق ذات اليد.
• من مصنَّفاته: الإنجيل والصَّليب، ويُعَدُّ فريدًا في بابه، انتهى فيه إلى أنَّ قضيَّة قتْل المسيح وصَلْبِه عبارة عن أسطورة منتحلة.
• والكتاب الذي نَعْرِض له “مُحمَّد في الكتاب المقدَّس” هو من خيرة الكتب القائمة على البحث العلميِّ، الهادئ والأمين في إثبات نبوَّة محمد – صلَّى الله عليه وسلم – من خلال “الكتاب المقدَّس”، على ما فيه من تحريفٍ وتضليل؛ لأنَّه كما يقول عبدالأحد نفسه: “إنَّه يتعين على من يتصدَّى لدينٍ من الأديان أن يكون قد أتقن – حسب الأصول – دراسةَ عقائد وأحكام الدِّين، الذي يردُّ عليه وينتقده، واستقراء أصوله وفروعه، وأن يبيِّن ما يشتمل عليه الدِّين الذي يدعو إليه من القدسيَّات الأخروية، والمُحسِّنات الدنيوية التي تؤمِّن السعادة الحقيقية، المادِّية والمعنويَّة لِنَوع البشر…”، وقد سلَكَ عبدالأحد ذلك، فقد درَس الكتاب المقدَّس في لغاته العبريَّة والآرامية والسريانيَّة، وثبت له التَّحريف والتبديل عند نقْلِه إلى اللُّغات الأخرى حالَ كونِه عمِل مدة غير قليلة بالدَّعوة للدِّين المسيحي؛ الأمر الذي يجعل لبحثه قيمةً كُبْرى.
• وقد طُبِع الكتاب باللُّغة الإنجليزيَّة بسنغافورة على نفقة رئاسة المَحاكم الشرعية والشُّؤون الدينية بدولة قطر، بناءً على طلبٍ من جَمعية “نَهضة الإسلام، برستو، سرواك”؛ ليعمَّ الانتفاعُ به بين حَمَلة هذه اللُّغة، سواءٌ أكانوا مسلمين أم غيْرَ مسلمين.
قسَّم المؤلِّفُ كتابه قسمين كبيرين:
القسم الأول: محمَّد في التوراة.
القسم الثاني: محمَّد في الإنجيل.
بحث المؤلِّفُ في القسم الأول من الكتاب “محمد في العهد القديم”، مبتدئًا بأهمِّ النِّقاط، وهي “الله – جلَّ جلاله – وصفاته”.
أثبت أن لفظة “الله” وردت في اللُّغة العبرية، وهي ذاتُ الله البارئ – عزَّ وجلَّ – الذي أوحى إلى آدم وسائر الأنبياء والمرسلين – عليهم السَّلام – المدبِّر للكون والإنسان والحياة، وأنَّ ذات الله لا تُدْرَك، وأن صفات الله ليست لَها كيانات مستقِلَّة عن ذاته، وهي كما وصَف بِها نفسه، وعلى عباده أن يدعُوه بأسمائه الْحُسنى، وبيَّن فساد المبدأ النَّصراني القائل: “باسم الأب والابن والرُّوح القدس، ثلاثة أقانيم في أقنوم واحد”، “في الثالوث الأقدس: أوَّل الثلاثة هو الخالق المدمِّر، والثاني هو المخلِّص، والثالث هو المعطي للحياة”.
وإن إعطاء الأب صفة الخالق المدمِّر، والابن صفة الفداء، والرُّوح صفة الحياة – يتضمَّن الاعترافَ بوجود ثلاثة كيانات غيْر كاملة، سواء أكانت منفردة أم مجتمعة؛ لأنَّ التفاضل بينها أساسُها، فالأب مقدَّم على الابن، والابن مقدَّم على الرُّوح القدس، ومُخالَفة هذا الترتيب في القربان المقدَّس يعدُّ ذنبًا عظيمًا.
وأوضح أنَّ وصْف القرآن الكريم للمسيح، بأنه “كَلِمَةٌ مِنْهُ” والتي تفسِّرها النَّصارى بأنَّها شيءٌ له كيان خاصٌّ، وقد اكتسى لَحمًا وظهر في شكل إنسان، بزعم أنَّها تؤيِّد ما ورد في كتابهم المقدَّس من انبثاق كلمته منه – ليس صحيحًا، فقد تبيَّن له بالاستقراء والتتبُّع لِمَدلول الكلمة في اليونانيَّة بالكتاب المقدَّس أنَّ حقيقة المراد منها: أنَّ الله لَمَّا أراد قال: كُنْ، فكان تكوُّنُ المسيح في رَحِم مريم.
وينتهي إلى: “أنَّ العهد القديم والقرآن يُنْكِران مبدأ الثَّالوث الأقدس، والعهد الجديد لا يؤيِّدُه صراحة، وأنَّ ما ورد فيه عن الثَّالوث الأقدس لا يُطْمَأنُّ إليه؛ لأنَّه لم يصدر عن المسيح عيسى ابن مريم، ولَم يُكتب في لغته، وإنَّما صدر بعد المسيح بقرنَيْن من الزمان على الأقل”.
فالله ليس أبًا لابن، وليس ابنًا لأب، وهو ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 3 – 4].
عيسى يبشِّر بِمُحمد:
• ثُم عرَض المؤلِّف لِمَجيء محمد خاتم الأنبياء والمرسلين – صلَّى الله عليه وسلَّم – وحقَّق كلمتَيْ “حمد، وسَلام” في العهد القديم، وأن المقصود بِهما الإنباء بالنبِيِّ الخاتم محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – فهو الرَّجُل المنتظر في الماليشيا “إحدى نُسَخ العهد القديم المكتوبة بالسريانيَّة”، فقد ورد فيها: “انظر سأرسل رسولي وسيهيِّئ الطريق أمامي، فجأة سيأتي إلى معبَدِه، وهو الصَّاحب العظيم الذي تُحبُّه، وهو رسول الْميثاق الذي ترضى به، خُذْ إنَّه آتٍ يقول: إله الجميع”، وطابق هذا على ما ورد في القرآن من قوله – تعالى -: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
• وبيَّن أن الإسراء والمعراج وحضور الأنبياء بِهَيئتهم الجسديَّة أمر مقبول ومعقول، طالَما كان بالإمكان أن يحضر موسى وإلياس على جبَل التجلِّي بِهَيئتهم الجسدية.
وأكَّد الصِّلة بين “حمد وأحمد”، وأن أصلها كلمة واحدة، وأنَّ القرآن الكريم، أخبر بمجيء أحمد على لسان عيسى ابن مريم – عليهما السَّلام – واستدلَّ بقوله – تعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].
وأوضح “أن تسمية آمنة لابْنِها اليتيم بـ “محمَّد” لَم تكن صُدْفة، وإنَّما كانت بأمرٍ من الله، وأنَّ هذا الاسم لم يسبق أن سُمِّي في التاريخ الإنساني كلِّه من قَبْل”، واعتبر ذلك معجزة كُبْرى في حقِّ الإسلام.
العهد لإسماعيل وليس لإسحاق:
• وتكلَّم عن مسألة حقِّ أسبقيَّة الميلاد والعهد السَّماوي: أثبت أسبقيَّةَ ميلادِ إسماعيل على إسحاق – عليهما السلام – وأنَّ إسْماعيل ولَدٌ شرعي لإبراهيم الخليل من زوجته هاجر، وأنَّ العهد جرى بيْن الله وإبراهيم وولَدِه إسماعيل عند ميلاده, وأنَّ مظهر ذلك ختان إسماعيل وتطهيره جاء في رواية: “بواسطتِك سوف يعمُّ فضْلُ الله سائرَ شعوب الأرض”، وفي قولٍ آخَر: “والذي يأتي منك يرثك”.
وقد تَمَّ هذا العهد عند ميلاد إسماعيل.
وأنَّ إسماعيل هو الذَّبيح، وأنَّ علماء بني إسرائيل حرَّفوا في كتُبِهم وأسفارهم، فأثبتوا اسم إسحاق، بدلاً من إسماعيل، وأغفلوا نعْتَ إسماعيل، فبقي شاهدًا على تَحْريفهم، فقد جاء في العهد القديم: “وبِما أنَّك لَم تبخل بابنك الوحيد؛ لذا سأُبارك في ذرِّيتك، وأُضاعفها مثل عدد النُّجوم والرِّمال على السَّواحل”، ونظيره قاله الملاكُ السَّماوي لهاجر في الصَّحراء: “سأُبارك في ذريتك وأضاعفها إلى عددٍ لا يُحصى، وإن إسماعيل سيصبح رجلاً مثمرًا”، وإن النصارى ترْجَموا الكلمة التي تعني “مثْمِر” من العِبْرية إلى كلمةٍ أخرى تَعْنِي “حمار البَر”.
واستدل بما ورد في “إنجيل برنابا” من أنَّ السيد المسيح – عليه السَّلام – وبَّخ اليهود الذين قالوا: إنَّ الرسول العظيم “المخلِّص الموعود” سيأتي من نَسْل مُلْك داود، وصارَحَهم السيِّدُ المسيح بأنَّ العهد وعْدٌ لإسماعيل، وليس لإسحاق، وأنَّ إسماعيل هو الذي أخذه أبوه؛ ليكون ذبيح الله، وقال لَهم: إن المقصود من كلمة “ابنك الوحيد” هو إسماعيل وليس إسحاق.
فساد رسائل القديس بولس:
إنَّ العهد القديم والقرآن يُنْكِران مبدأ الثَّالوث الأقدس، والعهد الجديد لا يؤيِّده، بصراحة: الرسول محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – هو الرجل المنتظر في الماليشيا “إحدى نسخ العهد القديم المكتوبة بالسريانية”.
وكشف المؤلِّفُ فساد رسائل وكتابات القديس “بولس”، وأنَّ لديه نـزْعةَ تنقيص لإسماعيل؛ إذْ يزعم حقَّ أسبقية الميلاد لإسحاق، حالَ كونه يَنْسب – بُهتانًا – إلى إبراهيم الخليل – عليه السَّلام – أنه تزوَّج من أخته “سارة”، وهي جريمة – إن صدقَتْ – عقوبتُها قتْلُ مرتكبها، وتجعل من إسحاق ابنًا غيْرَ شرعيٍّ.
ويقول المؤلِّف: “نتساءل: ألَم يقرأ هذا القدِّيسُ ذِكْرَ الجريمة اللاَّعنة والملعونة القائلة: لعنة الله على مَن يُباشر أخته في الفراش، وهي ابنة أبيه، أو ابنة أُمِّه، وليقل سائر الناس: آمين؟”.
وينتهي إلى أن إبراهيم – عليه السَّلام – كان نبيًّا ورئيسًا قبَليًّا، وأنَّ ابنه الأصغر “إسحاق” وَرِثَ مسكن أبيه، بينما مضى صاحب العهد “إسْماعيل”؛ ليحرس بيت الله الذي شارك في بنائه، واستوطن الحجاز، وآتاه الله النبوَّة، فدعا الناس إلى توحيد الله، وطبَّق الشريعة الصالحة لوقتها، وإن ذُرِّية إسماعيل انتشرَتْ وتكاثرت، ومنها بُعِث محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم.
محمد في التوراة:
• وعرض لوصف محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – “بشيلوه”: وأثبتَ أن كلمة “شيلوه” التي وردَتْ في العهد القديم تعني صاحب السُّلطة والشريعة، وهي بشارة عن مَجيء “محمَّد” خاتم النبيِّين؛ لأنَّ النصَّ قد ورد فيه “لا تُفارق السُّلطةُ يهوذا “ابن يعقوب”، حتَّى مجيء “شيلوه” وله يتبع الناس.
وبيَّن “أن قبيلة يهوذا اندثرَتْ مع سلطتها ونبوَّتِها ولغتها منذ آمادٍ بعيدة، ولَم يَعُد ثَمَّة أفراد أو جَماعات ينتمون إلى قبيلة يهوذا، فليس ليهودِ هذا اليوم الادِّعاءُ أنَّهم في انتظاره، وأنَّ المسيح عيسى ابن مريم – عليه السَّلام – أبلغ القوم أنه جاء مصدِّقًا لِما بين أيديهم من التوراة ومكملاً لَها، فلم يأْتِ بشريعة ناسخة للتوراة، بينما جاء محمَّد بن عبدالله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بالدِّين الخاتم، المشتمل على العقيدة القائمة على التوحيد الخالص، والشريعة التي نسخَتْ كلَّ الشرائع السابقة، ومنها شريعة موسى، وقد استطاع بسلطةٍ من الله أن يقيم دولة الإسلام الخيِّرة، فهو “شيلوه” صاحب السُّلطة والشريعة”.
• ودلَّل على مَظالِم “قُسْطَنْطين” الأكبر للنَّصارى الموحِّدين: ففسَّر الأنباء التي وردت في الباب السابع من كتاب “النبي دانيال” لِمُدَّة تزيد عن ألف سنة من تاريخ البشرية، قبل مولد الرَّسول العظيم، فقد تَمثَّلت الرُّؤيا من أربعة حيوانات، أوَّلُها الملك السَّماوي للنبي دانيال:
الأسد المُجنَّح: ويُمثِّل الإمبراطورية الكلدانيَّة القوية، السريعة في وَقْعها على أعدائها كسرعة العقاب.
والدُّب: يمثِّل الإمبراطورية القديمة لفارس، التي وصلَتْ إلى أثيوبيا، واستوْلَت على القارات الثَّلاث في نصف الكُرَة الشرقي من الأرض.
والنَّمِر ذو الأربعة الأجنحة والأربعة الرُّؤوس: يُمثِّل فتوحات الإسكندر؛ حيث انقسمَتْ بلاده الواسعة المترامية الأطراف بعد وفاته أربعَ مَمالك.
والحيوان ذو العشرة الأَقْرن في رأسه، وله أسنان حديدية: يمثِّل الإمبراطوريات العشر الرُّومانية، التي نكلت واضطهدَتْ النَّصارى الأوائل.
وأثبت أنَّ القرن الصغير الذي ضرب رأس الحيوان الرابع هو قُسْطنطين، الذي اعتنق المسيحيَّة في الظَّاهر، وأفسدها بإدخال عقيدة الثَّالوث الأقدس مرَّة، وبِمَرسومٍ منه بعد أن عقد مجمعًا عامًّا في “نيقة” حضرَه أكثر من ألف راهب، ونكَّل بالنَّصارى الموحِّدين، وصادر كتبهم، وأغلق كنائسهم، وقسمها بين كهَنةِ عقيدة الثَّالوث.
تفسير رؤيا دانيال:
• وتناول رؤيا دانيال، ووصف محمدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – بأنه “ابن الرَّجُل”: فبيَّن أن الشخص المنتظر في رؤيا دانيال، الموصوف بأنه سُلْطان الأنبياء، وهادي الإنسانيَّة: هو محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم.
وأن ما ورد في رؤيا دانيال عن مظهر “برناشا”؛ أيِ: ابن الرجل فوق السَّحاب، يُحاكي قصَّة معراج الرسول إلى السَّماوات العلا؛ لأنَّ الذي أَسْرى وعرَجَ به قادرٌ على كلِّ شيء، أخرجه من قانون الجاذبيَّة، إلى قوانين أخرى هو خالِقُها.
• وأورد أن النبِيَّ داودَ – عليه السَّلام – يذكر محمدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – بـ “سيدي”: كشف النصَّ الأصلي الوارد في التوراة لداود بأنه “قال مولاي لسيِّدي، اجلس إلى يَميني إلى أن أصفع أعداءَك تحت قدمَيْك”.
فبيَّن أن المقصود “بالمولى” هو الله، وأن “السيد” هو محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – وليس داود نفسه؛ لأنَّه كان ملكًا، ولا أحد الأنبياء السابقين عليه، كإبراهيم، ويعقوب، فَهُم “الآباء”، ولا مَن يرد من سلالة داود، فهم “الأبناء”.
وبيَّن فساد زعْم اليهود أنَّ المقصود من لفظة “سيِّدي” المسيح الموعود؛ لأنَّ المسيح عيسى ابن مريم تبَرَّأ من ذلك صراحةً، وأفهمهم قائلاً: “إذْ كيف يذكر داود ذلك الرَّجُل الموعود بقوله: “سيدي” إنْ كان ذلك الرَّجُل من أبنائه”، ويستَدِلُّ المؤلِّفُ من هذا النَّص على أنَّ المسيح عبْدُ الله ورسوله، وليس بإلهٍ أو ابنِ إله، وعلى النَّصارى عدم المغالاة في وصف المسيح.
ويؤكِّد المؤلِّف “أنَّ إنجيل برنابا – الممنوع تداولُه لدى الكنائس – أكثر الكتب النَّصرانية تَوضيحًا لِحَقيقة المسيح عيسى ابن مريم ورسالته”، وينقل القول الصحيح من المسيح – عليه السَّلام – في حقِّ محمَّد، ويبيِّن “أنَّ العهد جرى بيْن الله وإبراهيم وإسماعيل، وأنَّ خيْر البشرية سينحدر من نَسْل إسماعيل، وأن المسيح أخبر مرَّاتٍ عن محمَّد؛ لأنَّه رأى روحه في السَّماء”، وينتهي إلى أن “إنجيل برنابا أكثر موافَقةً للكتب السماوية من غيره”.
محمد رسول العهد السماوي:
• بيان حقيقة “السيد الرسول” في العهد السماوي:
صحَّح المؤلِّفُ المفهومَ الخاطئ لدى علماء النَّصارى وعامَّتِهم من المقصود بالنص: “سأُرْسل رسولي، وسيهيِّئ الطريق أمامي، وفجأة سيأتي إلى معبده ذلك السيد الذي تبحث عنه، والرسول الذي تحبُّه، انظر إنه آتٍ”، من أنَّ الرسول الأول هو يحيى، والرسولَ الثاني هو المسيح الموعود.
فبيَّن “أنَّ يحيَى لم يمهِّد الطريق، ولَم يتنزَّل عليه كتاب مقدَّس، ولم يأت بشريعةٍ جديدة، ولم يَنْسَخ شريعة موسى”، ويعدُّ ذلك أمرًا متَّفَقًا عليه بين الأناجيل الأربعة، على الرغم من تضارُبِها.
وبيَّن: “أن الرجل المقصود بالنبأ – بأشكاله المتعدِّدة – واحدٌ، وأنَّ السيد الرسول موصوف بأنَّه رسول العهد؛ “أي: مِن نسل إسماعيل”، وصاحب شريعة، وقائد باسل ومكرَّم عند الله، وعلى خلُقٍ عظيم، وهي صفات محمد – عليه الصَّلاة والسَّلام – لا صفات عيسى ابن مريم”.
وأوضح أنَّ أنبياء الحقِّ بلَّغوا الإسلام:
أكَّد المؤلف أن قوم إسرائيل أكثرُ الأقوام ادِّعاءً للنُّبوة كذبًا وبُهتانًا، وأنَّهم على نوعَيْن: الأوَّل: اعترَف بشريعة التَّوراة، ونسب لنفسه الوحْيَ والنُّبوة، والثاني: كان يتكهَّن باسم بَعْل أو آلهة أخرى، تحت إشراف مَلِك وثنِي إسرائيلي.
وأكَّد ما ورد على لسان آرميا في سِفْر تثنية الاشتراع من “أنَّ النبي الذي يتنبأ بالإسلام هو النبِيُّ المرسل من الله بالحقِّ” وأنَّ القرآن الكريم يبيِّن أن المرسلين والنبيِّين.
يقول المؤلف: من العبث أن يحاوِلَ باحثٌ إيجادَ قطعة بسيطة من رسالة عيسى الإنجيليَّة في لغته الأصلية، وتقع مسؤولية ضياع الإنجيل المقدَّس في لغته الأصلية على عنق مؤتمر مجلس نيقة.
جميعًا، من لدن آدم حتَّى الرسالة الخاتمة، بِمُحمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – بلَّغوا الإسلام، بأنْ دعَوْا إلى توحيد الله والالتزام بأوامره، والابتعاد عن نواهيه.
الإسلام مَمْلكة الله:
وبيَّن أن الإسلام مملكة الله في الأرض:
أثبت المصنِّف أن النصَّ الوارد في كتاب دانيال “المملكة والسُّلطان والسَّيطرة الشاملة تحت أديم السَّماء ستُعطَى إلى أنبياء الله – تعالى – وسلطتهم ستكون سلطة للأبد، وكلُّ السلطات ستخدمهم وتطيعهم”.
إنَّه يقصد به الإسلام بِمَعناه العامِّ؛ أيْ: لكلِّ دينٍ سابق قام على أساس التوحيد، وتحدد مملكته بإقليم النبِيِّ الدَّاعي، ولكن بِمَجيء محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – رسول الله للبشريَّة كافَّة تحقَّقت مملكة الله على الأرض؛ لأنَّه الدِّين المتمِّم والمكمل للأديان السابقة، والحاكم في الاختلافات الكائنة بين اليهوديَّة والمسيحية، والْمُصلِح بينهما ومدخلهما ضمْنَ دينه المكمل المتمِّم؛ ليكون الجميع سويَّة مسلِمين لله.
وجلَّى الأمر بأن المسيح وحواريِّيه بلَّغوا الناس حاكميَّة الله في الأرض: كشف الغطاء “بأنَّ النصارى واليهود على الرغم من ترديدهم في صلواتهم مجيءَ مَمْلكة الله على الأرض، بيْدَ أنَّ كُلاًّ منهم يفسِّرها حسب هواه، وأنَّها الكنيسة التي ينتمي إليها، وتُحقِّق الغلبة لها على غيرها من الكنائس”.
ويُحَصحص الحقّ في الترنيمة المقدَّسة لدى النَّصارى “سبحان الله في السَّموات، وجعل الأمن في الأرض، وجعل بين الناس حُسْن النية”، ويعلن الحقيقة التي أخبر بها المسيح – عليه السَّلام – وهي: “الحمد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللنَّاس أحمد”، فإنه قد خاطب الجمهور: بأن المخلِّص الموعود الذي يعتبره اليهود أنَّه سينحدر منهم كذب، وأنه سينحدر من نَسْل “إسماعيل” ويُسَمَّى “أحمد”، ويقيم مَمْلكة الله في الأرض، ويَحْكمها بِما أنزل الله، ويجاهد بنفسه، وهو ابن الرَّجل، الذي أرسله الله بالْهُدى ودين الحقِّ لِيُظهره على الدين كله، ويقيم دولةَ الإسلام القاضية على دولة الظلام.
ويقول المؤلِّف: إنَّ شريعةَ عيسى – عليه السَّلام – كانت خاصَّة ببني إسرائيل، وكان لَها طابَعٌ مادِّي وقومي، لكن علماءَهم ونُسَّاخهم – أُسْوة بتقاليد آبائهم – قاموا بالتحريف والتبديل.
لذا ذمَّ عيسى – عليه السَّلام – تلك التقاليد وتبَرَّأ من أولئك اليهود وزُعَمائهم، واتَّهمَهم بالخيانة وأنَّهم ذُرِّية الشيطان.
محمد في العهد الجديد:
أمَّا القسم الثاني: محمَّد في العهد الجديد “الإنجيل”، فقد أبان المؤلِّفُ “أن المسيحَ عيسى ابن مريم – عليه السَّلام – لم يترك إنجيلاً حقيقيًّا في لغته التي أنـزل بِها “اللغة الآرامية”، وأنَّ الأناجيل الأربعة لحواريِّي عيسى – عليه السَّلام – المتداولة، هي في حقيقتها مواعِظُ مُترجَمة إلى اللُّغة اليونانيَّة”، ودلَّل على وجهة نظَرِه بالتمسُّك بالنُّسخة المكتوبة باللِّسان السرياني “شيطِئا”، فقد وضع فيها اسم “كارونا” – أيْ: موعظة – مَحلَّ كلمة إنجيل، وأنَّ هذه المواعظ أو الكتب لَم يُضَف عليها صفة القداسة إلاَّ بقرار مجمع نيقة العامِّ، وألغى صفة القداسة عمَّا يربو على الخمسين من الأناجيل المختلفة والمتضادَّة مع إحدى وعشرين رسالة من رسائل لا تُعدُّ ولا تُحصى، فالعالَم المسيحيُّ كان مَحرومًا من العهد الجديد مدَّة 325 سنة؛ أيْ: إنَّه كان بغير كتاب.
﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ [الأعراف: 157].
ويقول المؤلِّف: ولذلك من العبَثِ أن يُحاول باحثٌ إيجادَ قطعة بسيطة من رسالة عيسى الإنجيليَّة في لغته الأصلية.
وتقع مسؤوليَّةُ ضياع الإنجيل المقدَّس في لغته الأصلية على عاتق مؤتَمرَيْ مجلس نيقة.
وعرض لوصف محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – بـ “أيودوكيا”:
كشف حقيقة كلمة “أيودوكيا” الواردة في كتاب لوقا، وأنَّها ليست ترجمة حرفيَّة لكلمة سريانية أو عبرانية؛ لأنَّ كتاب لوقا لم يترجم عن لسانٍ آخَر، فرجع إلى نسخة الإنجيل السرياني “بشيطِئا”، فتبيَّن له أن كلمة “أيودوكيا” ترجمت بِمَعنى أمل صالح، وهي لا تعدُّ ترجمة حرفية مطابقة لأصل الكلمة، ورجع إلى كتاب “قودشا”، باعتباره أقدمَ من الأناجيل الأربعة، فاتَّضح له أن كلمة “أيودوكيا” تعني بشارةً جديدة أو حسنة، وأنَّ حقيقة كلمة “أيودوكيا” أنَّها مركَّبة: شقُّها الأول “أيو” بمعنى “حسن”، و “دوكيا” ليست لها معنى في اللغة اليونانية، وأنَّها محرَّفة وصِحَّتُها “دوكوية” وهي بِمَعنى الحمد، وأنَّ الصفات المشتقَّة منها الفعل “دوكسا” هي: حمد، ومحمود، ومَمْدوح، وانتهى إلى أنَّه لا يعلم بوجود رجلٍ تاريخي يَحْمل اسم “أحمد” و”محمد” قبل ظهور النبِيِّ الأخير الأعظم – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأنَّ اختصاصه بهذا الاسم الجليل “محمد” لا يُمْكن أن يكون من قَبيل المصادفة والاتِّفاق.
يحيَى يبشِّر بمحمد:
وعرض لإخْبار يحيَى بِمَجيء رسولٍ عظيم:
أثبت أنَّ هذا الرسول ليس عيسى ابن مريم كما يرى النَّصارى، وإنَّما هو محمد بن عبدالله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ودلَّل على هذه الوجهة ببعض النُّصوص من الكتاب المقدَّس مع تَحفُّظه – الذي أكَّده كثيرًا – بوجود التحريف والتبديل فيه، وأنه لا يُمكن الوقوف على صحيحه من سقيمه إلاَّ من المنطلَق الإسلامي.
ورد في الإنجيل على لسان يحيَى: “سيأتي بعدي رسول”، فأوضح “أنَّ الرسول ليس عيسى؛ لأنَّ يحيَى وعيسى وُلِدا في عامٍ واحد، وأنَّ يحيى أخبَر اليهود عند سُؤالِهم إيَّاه: أهو المخلِّص الموعود؟ فأجابَهم بالنَّفي، وأن المخلِّص لَهم هو عيسى ابن مريم، وأنَّ هناك مُخلِّصًا آخر هو خاتم الأنبياء والمرسلين، صاحب المكانة العُظْمى لدى الله – سبحانه وتعالى – لدرجة أنَّ يحيَى لا يرى نفسه أهلاً لفكِّ رباط حذائه”.
واستدلَّ “بأنه لو كان عيسى ابنُ مريم هو آخِرَ الأنبياء، لاتَّبَعه يحيَى ومن معه من أصحابه، ولأَحْجَم عن وعظ قومه وتطهيرهم، وأنَّ يحيَى قد طهَّر عيسى ابن مريم في نَهْر الأردن كالناس العاديِّين”، ويتساءل: كيف يكون عيسى ابنُ مريم إذًا هو اللهَ أو ابْنَ الله؟!
يَطْمئنُّ المؤلف إلى ما ورد في إنجيل برنابا من “أنَّ عيسى ابن مريم – عليه السَّلام – أخبر عن روح محمَّد، وأنَّها خُلِقَت قبل كلِّ شيء”، وأنَّ هذا يوضِّح قول يحيَى: “الذي سيأتي بعدي أصبح قبلي؛ لأنَّه كان قبلي”.
وينتهي إلى أنَّ القول عن رسالة يحيى أنه كان ممهدًا لطريق عيسى، وأن عيسى – عليه السَّلام – هو الذي سيأتي بعده، وأنَّه الفاتح العظيم، الذي سيأتي فجأة إلى مسجده، ويَحْكم بدين الأمن والسَّلام، ويجعل القدس مع مسجده أكثر شأنًا، ادِّعاءات تَنْهار أمام الواقع، وبرهان من قول عيسى: “لَم تلد المرأةُ رجلاً أكبر من يحيَى، غير أنَّ آخِرَهم في ملكوت السَّماء هو أعظم من يحيَى”، يدلُّ على أنَّ آخر الأنبياء أعظَمُهم، وقد حقَّق محمَّدٌ – عليه السَّلام – ما لم يُحقِّقه الآخَرون جَميعًا في مدَّة قصيرة جدًّا؛ أيْ: في ثلاثة وعشرين عامًا.
ويوقف على حقيقة أنَّ “البارقليط” ليس روح القدس: فأثبت أنَّ كلمة “البارقليط” الواردةَ في العهد الجديد، كُتِبَت باليونانيَّة، وهي ليست أصْلَ لغةِ الإنجيل، الذي نزل باللُّغة الآراميَّة، وأنَّ المسيح عيسى ابن مريم – عليه السَّلام – بلَّغ رسالته إلى قومه بالْمُشافهة، وفقًا لِمَا يتطلَّبه كلُّ موقف.
وأنَّ لفظة “البارقليط” في اليونانيَّة تعني الْمُدافع عن القضيَّة أو روح قدس، وأن اللَّفظة نالَها تحريف، وأنَّ الكلمة الصحيحة لَها تعني “أحمد أو محمود”.
• وأوضح أن “البارقليط” تَعْني مُحمَّدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم -: عرَض لصِفات “البارقليط”، وقال: “يتَّضِح من بيان الإنجيل الرابع أن بارقليط رجلٌ مَخْصوص، ومخلوق ذو روحٍ طاهرة تسكن في قالبٍ إنساني لتنجز الأعمال المهمَّة التي لم يُنْجزها إلاَّ أمثال موسى وعيسى”، وأن “البارقليط” لا يتكلَّم من نفسه، وأنَّ ما ينطق به إنْ هو إلاَّ وحْيٌ يوحَى، ويُخْبِر عن أمور مستقبلة تتحقَّق.
وينتهي إلى أنَّ هذه الأوصاف لا تنطبق إلاَّ على محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم.
أوصاف محمَّد في الإنجيل:
وتكلَّم عن وصف محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – “ابن الرجل”:
كشف المؤلِّف عن التحريف في الإنجيل من خلال نسَبِ المسيح، فهو ابن يوسف بعد أن كان ابن مريم، وأصبح له عددٌ من الإخوة والأخَوات، ثم أصبح من أولادِ داود، ثم أصبح ابْنَ الرَّجُل، فابْنَ الله – مَعاذَ الله – ثُم أصبح الابنَ فقط، ثم أصبح المسيحَ، فالنِّعمةَ التي تفدي الإنسانيَّة!
وبيَّن “أن ما ورد في الإنجيل بابن الرَّجل لَم يَقُلها المسيح عيسى ابن مريم – عليه السَّلام – في شخصه، وإنَّما أراد بِها غيره؛ لأنَّه حذَّرَ بني إسرائيل وأمرهم بعبادة الله، وأن ينتظروا بصبْرٍ مَجيء “ابن الرجل”، الذي سينجيهم من أعدائهم إلى الأبد، وأنه صاحب يوم السبت؛ أيِ: الذي يُلْغِيه، وينسخ بشريعته شريعةَ موسى، وهو الذي ينجي خِرَاف بني إسرائيل الضالَّة “اليهود الذين أسلموا”، ويشتِّت الماعز منهم “الذين أصرُّوا على الكفر وجحدوا نبوته”، وأنَّ ابن الرجل يُقيم مَمْلكة الله في الأرض بالدين الخاتم ليوم القيامة”.
ويَنْتهي إلى أنَّ ابن الرجل هو وصْفٌ لِمحمد – صلَّى الله عليه وسلَّم.
• • •
خاتمة:
ينتهي المؤلِّف من كتابه إلى القول الفصل بأنْ نَجعل القرآن رائِدَنا، ونُحكِّمه في النُّصوص الواردة في الكتاب المقدَّس التي تثبت نبوَّة مُحمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأنه خاتم النبيين صاحب الشَّريعة النِّهائية للبشر، والذي جاهد في الله حقَّ جهاده، وأقام دولة الإسلام في الأرض، فأنار السبيل للإنسانية جَمعاء.
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالَمين.
تحميل الكتاب من هنا