وجهة نظري بخصوص إغلاق المسجد، المسجد فقط لأن هذا هو محل النزاع مع بعض مَن نرى أنهم يعترضون -وإن كان عن حسن قصد-:
أقول والله أعلم إن قضية إغلاق المساجد أمر مطلوب الآن كسائر المطلوبات، بل إنه صار واجبا لا لاعتبار منع الصلاة كما قد يُتَوَهَّم، بل لاعتبارات أخرى خارجة ترجح حكم المنع -المؤقت- في هذه الفترة على الحكم الأصلي -الدائم- الذي سيُرجَع إليه لاحقا، منها:
– أن الوعي المجتمعي ضعيف جدا، بل هناك مِن الناس مَن إذا مَرِض يشعر بالعار ويخاف من سخرية الناس وابتعادهم عنه، فيسعى إلى نشر المرض بين الناس لإخفاء تفرُّدِه، وهذا نشاهده في كثير من صور الحياة كالرسوب في الدراسة والفشل في العمل والمرض بمرض ما، كثيرا ما نجد بيننا هؤلاء المتكبرين عن مواجهة الوضع، الخائفين من توجه الأنظار إليهم، فيلجؤون إلى تطبيق قاعدة: (إذا عمَّت هانَت).
– إغلاق المسجد، والمقهى، والمدرسة، والمرافق التي يمكن الاستغناء عنها لتوُّفر بديلها (الصلاة جماعةً في البيت كمثال) أو لإمكان تأجيل مصلحتها (كالتعليم) درءا لهذه المفسدة العظيمة -فيروس كورونا- أمرٌ يتَّسِق مع الموازنة الشرعية التي تقتضي درء المفاسد العظمى بارتكاب الصغرى.
– التجهيزات الطبية لا تكفي لمرضى مسجد واحد في حي واحد (250 سريرَ إنعاشٍ في المغرب!!!)، فكيف ببلد بأكمله فيه زهاء أربعين مليون مواطن، إن هذا أمرٌ يستدعي استحضار الإمكانيات، وعدم الكذب على الذات، وهذا ما استشعرته الدولة فقامت بتطبيق مبدإ: (الوقاية خير من العلاج).
– الاتكال على الأدعية الوقائية وحدها يدل على خلل واجتزاء في فهم الشريعة، لأن الشارع جل في علاه الذي أمرنا بالدعاء، هو نفسه الذي أمرنا كذلك بعدم إلقاء النفس إلى التهلكة وبعدم تمني لقاء العدو، فالصواب هو مداومة الدعاء وإظهار الافتقار إلى الله تعالى مع فعل جميع الاحتياطات.
– طبيعة المرض تستلزم حظر الخروج لا مجرد إغلاق المسجد، لأن المرض مُعدٍ، هذا أولا، وسريع الانتشار هذا ثانيا، وقاتل هذا ثالثا، ولا دواء له بعدُ هذا رابعا، ولا سبيل إلى كبحِ جِماح انتشاره هذا خامسا، وتجربة غيرنا المتطور عنا تدل على أننا -بقياس الأَولى- لن نقف في وجهه أكثر من أيام قليلة جدا، ثم أخيرا، هذا المرض إذا استشرى واستحكم سينقرض النوع البشري، وعدد الوفيات في إيطاليا (أكثر من 2150 حالة وفاة) تدل على إمكان هذه النتيجة عقلا.
– القفز من إغلاق المسجد إلى المطالبة بإغلاق المراقص فيه مغالطة، ولا يتعارض مع مطالبتنا جميعا بإغلاقها لاعتبارها مَرتعا للشر والفساد، بل تتسق مع ما يراه كل مسلم من الرغبة في جلب الخير ودرء الشر، وهذا كامن الآن في إغلاق كل الأماكن التي يقع فيها التجمع بما فيها المسجد، لأن هذا من مظان وقوع الشر وسط الخير الذي فيه، فالشر في فتح المسجد ودخول المرضى إليه يجعله شرا متعدّيًا في هذه النازلة، في حين أن الخير في الإبقاء على المسجد مفتوحا تتحصل منه مصلحة قاصرة يجنيها الفرد، فتتعارض لدينا المفسدة العظيمة المتعدية مع المصلحة العظيمة القاصرة، والرجحان واضح لكل أحد، ثم إنه ليس في غلق المسجد ضياع مصلحة الأجر، بل يبقى الأجر تامًّا كما كان، لأن في شرعنا أن مَن دأَبَ على عمل صالح فمنعه عارض كتبَ الله له ما كان دائبا عليه، فلا يقلق أهل المساجد من فوات أجر الجماعة، فربنا كريم لن يضيعنا والحمد لله، قال نبينا محمد ﷺ: “إذا مَرِضَ العبدُ أو سافَر كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ مقيمًا صحيحًا” -رواه البخاري-. ويقاس على المريض خوف المرض كما ذكر بعض العلماء.
هذا فقط باختصار، ثم أخيرا، إن إغلاق المسجد لا يعني منع الصلاة، ولا يعني كذلك هدم المسجد، بل لا يعني حبس الأذان الذي سيبقى مرتفعا، ولا يعني كذلك أن هذا الغلق سيبقى بعد التغلب على المرض، كل ما في الأمر، أن الفعل مجرد تدبير وقائي طال جل مناحي الحياة مما يمكن الاستغناء عنه أو تأجيله أو مما له بديل.
ما علينا فعله الآن هو الهدوء، واتباع التعليمات، والتقليل من الاعتراض فقط من أجل الاعتراض، والكف عن النظر إلى الدولة بنظارة الشيطنة والعلمنة، فإن الأمر الآن خطير، والانضباط واجب، ولكل مقام مقال.
قال رسول الله ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. -رواه مسلم-.
والله أعلم.