عن ابن عباس (رضي الله عنه) أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني العشر – قالوا بارسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء))[1].
دل هذا الحديث على أن العمل في هذه الأيام أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء، وفي رواية ما من أيام العمل فيها أفضل . ففيها يكون العمل أفضل من غيره، وإن في غيرها مفضولًا، واستثني من ذلك المجاهد الذي خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك، فهذا الجهاد بخصوصه أفضل.
ومما يدل على فضل هذه الأيام، أن الله سبحانه وتعالى أقسم بها بقوله {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1-2]، والليالي العشر هي ليالي عشر ذي الحجة كما ذكره ابن كثير عن ابن عباس (رضي الله عنه) وابن الزبير ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف، وقيل فيها العشر الأول من محرم[2]، وقيل العشر الأخير من رمضان، والصحيح الأول كما ذكره ابن كثير.
ومن ذلك أيضًا اجتماع أمهات العبادات فيها: الصلاة والصوم، والصدقة والحج، والذكر والنسك.
وفيها أفضل الأيام عند الله وهو يوم النحر كما في الحديث: أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر))[3].
ومما يدل على فضلها أن بعض العلماء فضلها على العشر الأخير من رمضان، وقال آخرون بل أيام العشر الأول من ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأخير من رمضان لأن فيها يوم العرفة ويوم النحر ويوم التروية، وليالي العشر الأخير من رمضان أفضل لأن فيها ليلة القدر[4].
وإذا كان الأمر كذلك فماذا يشرع في هذه الأيام، الأعمال الصالحة على اختلافها مشروعة في هذه الأيام ومنها:-
الصيام، فيستحب صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها – وبالأخص يوم عرفة – ولاشك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال، وهو مما اصطفاه الله سبحانه وتعالى لنفسه، وفيه أيضًا حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: (( ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا ))[5]. وفي صيام يوم عرفة روى أبو قتادة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده ))[6].
التكبير في هذه الأيام، لقوله تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، وقد فسرت بأنها العشر، واستحب العلماء كثرة الذكر فيها لحديث ابن عمر: ((فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )) وذكر البخاري أن أبا هريرة وابن عمر كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما . ويستحب أن يقول في تكبيره: الله أكبر، الله أكبر، لاإله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد ……. أو يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.
كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وقد ثبت عن نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – أنه ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما[7].
ومن أراد أن يضحي ودخلت العشر فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، لما ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن قال: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره ))[8]، وفي رواية (( فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي )).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري
[2] ذكره ابن جرير ولم يعزه إلى أحد
[3] أخرج الإمام أحمد وأبو داود برقم 1765
[4] انظر: ابن القيم، زاد المعاد 1 / 57
[5] متفق عليه
[6] أخرجه مسلم
[7] متفق عليه
[8] أخرجه مسلم