شرح باب التعاون على البر والتقوى
من كتاب رياض الصالحين
قَالَ اللهُ تَعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1-3].
قَال الإمامُ الشَّافعِيُّ – رحِمه اللهُ – كلامًا معناه: إنَّ النَّاسَ – أو أكثرهم – في غفلة عن تدبر هذه السورة.
قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –:
قال المؤلف – رحمه الله تعالى -: «باب التعاون على البر والتقوى».
التعاون معناه: التساعد، وأن يعين الناس بعضهم بعضًا على البر والتقوى فالبر: فعل الخير، والتقوى: اتقاء الشر؛ وذلك أن الناس يعملون على وجهين: على ما فيه الخير، وعلى ما فيه الشر، فأما ما فيه الخير فالتعاون عليه أن تساعد صاحبك على هذا الفعل وتيسر له الأمر؛ سواء كان هذا مما يتعلق بك أو مما يتعلق بغيرك، وأما الشر فالتعاون فيه بأن تحذر منه، وأن تمنع منه ما استطعت، وأن تشير على من أراد أن يفعله بتركه وهكذا، فالبر فعل الخير، والتعاون عليه والتساعد على فعله، وتيسيره للناس، والتقوى اتقاء الشر والتعاون عليه بأن تحول بين الناس وبين فعل الشر وأن تحذرهم منه؛ حتى تكون الأمة أمة واحدة.
والأمر في قوله: ﴿ وتَعَاوَنُوا ﴾ أمر إيجاب فيما يجب، واستحباب فيما يستحب، وكذلك في التقوى أمر إيجاب فيما يحرم، وأمر استحباب فيما يكره.
وأما الدليل الثاني في التعاون على البر والتقوى، فهو ما ذكره المؤلف – رحمه الله- من سياق سورة العصر، حيث قال الله تعالى فأقسم الله: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ﴾ فأقسم الله – تعالى- بالعصر الذي هو الزمن، والناس فيه منهم من يملؤه خيرًا ومنهم من يملؤه شرًّا، فأقسم بالعصر لمناسبة المقسم به للمقسم عليه، وهو من أعمال العباد فقال: ﴿ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ الإنسان عام؛ يشمل كل إنسان، من مؤمن وكافر، وعدل وفاسق، وذكر وأنثى، كل الإنسان في خسر، خاسر كل عمله، خسران عليه، تعبٌ في الدنيا وعدم فائدة في الآخرة، إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ﴾ فأصلحوا أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح، وأصلحوا غيرهم بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
فالإيمان: هو الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، مما أخبر به الله ورسوله، وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره» ستة أركان.
وأما عمل الصالحات، فهو كل ما يقرب إلى الله، ولا يكون العمل صالحًا إلا بشرطين، هما: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ والمتابعة لرسول صلى الله عليه وسلم.
الإخلاص لله: بمعنى ألا تقصد بعملك مراءاة عباد الله، لا تقصد إلا وجه الله والدار الآخرة.
وأما المتابعة: فهي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا تأت ببدعة؛ لأن البدعة وإن أخلص الإنسان فيها مردودة «مَنْ عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ» والعبادة التي فيها الاتباع ولكن فيها رياء مردودة أيضًا، لقوله تعالى: «أنا أَغنَى الشُّركاءِ عَنِ الشِّركِ، ومَنْ عَمِلَ عملًا أشرك فيه معِي غيري؛ تركتُه وشِركَه” وهو حديثٌ قدسي.
وأما قوله: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ يعني أن بعضهم يوصي بعضهم بالحق، وهو ما جاءت به الرسل ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ﴾ لأن النفس تحتاج إلى صبر لفعل الطاعات وترك المحرمات، وأقدار الله المؤلمة.
قال الإمام الشافعي- رحمه الله -: لو لم ينزل الله على عباده سورة غير هذه السورة لكفتهم؛ لأنها جامعة مانعة.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين العاملين الصالحين، المتواصين بالحقِّ، المتواصين بالصبر. إنَّه سميع قريب.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2 /371 – 373)