سيصيب أمتي
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: (سيصيب أمَّتي داء الأمم، قالوا: يا نبيَّ الله، وما داء الأمم؟ قال: الأشَرُ والبَطَرُ، والتَّكاثر والتشاحن في الدُّنيا، والتَّباغض، والتَّحاسد حتى يكون البغي ثمَّ الْهَرْجُ
[رواه الحاكم وقال صحيح وأقروه، قال الحافظ العراقي: وسنده جيد(حسن) حديث: 3658 صحيح الجامع]
** قوله: (سيصيب أمتي داء الأمم) قبلهم، قالوا: يا رسول اللّه وما داء الأمم؟ قال: (الأشر) أي كفر النعمة (والبطر) الطغيان عند النعمة وشدة المرح والفرح (والتكاثر) من جمع المال (والتشاحن) التعادي (في الدنيا والتباغض والتحاسد) أي تمنى زوال نعمة الغير (حتى يكون البغي) أي مجاوزة الحد (ثمَّ الْهَرْجُ) القتل
وهو تحذير شديد من التنافس في الدنيا لأنها أساس الآفات ورأس الخطيئات وأصل الفتن، وعنها تنشأ الشرور، وفيه علم من أعلام النبوة فإنه إخبار عن غيب وقع.
** ولا يأتي زمانٌ إلا الذي بَعده شرٌّ منه، حتى تأتي الساعة فتقوم على شرار خلق الله، فإنها تقوم على أناس لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً.
وللبُخاريِّ عن الزُّبير بن عَدِي. قال: أتينا أنَساً، فشَكَوْنا إليه ما نلْقَى من الحجَّاج. فقال: (اصْبروا؛ فإنه لا يأتي عليكُم زمانٌ، إلا والذي بعدَه شرّ منه). سمعتُه من نبيِّكُم – صلى الله عليه وسلم.
** وقال صلى الله عليه وسلم: (يَتقارَبُ الزَّمان، ويَنْقُص العَمَل. ويُلْقَى الشُّح وتظهَرُ الفِتن. ويكثرُ الهَرج). قالوا: يا رسولَ الله! ما هو؟ قال: (القَتْل القَتْلُ)
** وقال الإمام أسماء بن عُبيد: أَدركنا أقوامًا، فجالسناهم فنفعنا الله بمجالستهم في ديننا ومعايشنا.فأصبحنا اليوم بين ظهراني قوم، نجالسهم فيُنَسونا ما سمعنا من أولئك
[الإشراف لابن أبي الدنيا، وسنده حسن]
وهذا عام، ولكن ليس معنى ذلك أن الشر يكون في كل فرد، ليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود النسبة، فإن الشر في المتأخرين نسبته أكثر من نسبته في المتقدمين، حتى يأتي الزمان الذي قبيل قيام الساعة، ولا يعرف أحد الله، ولا يذكر اسمه جل وعلا، ويتهارجون [يتناكحون] كتهارج الحمر، فهم شرار خلق الله، وعليهم تقوم الساعة.
** وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) رواه البخاري
قوله: (خير الناس قرني) قال الشافعي رحمه الله في رسالته عن الصحابة: “هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل، وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا”
وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين، كما أن لهم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين، فإنهم شهدوا الرسول والتنزيل وعاينوا الرسول، وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك. [ابن تيمية]
فإن السلف كانوا أعظم عقولاً، وأكثر فهومًا، وأحد أذهانًا، وألطف إدراكًا [ابن تيمية]
قوله: (تسبق شهادة أحدهم يمينه … ) هذا إشارة إلى السرعة في الشهادة واليمين، وذلك استخفافاً منه بالله عز وجل، واستهتار بمكانة الشهادة واليمين.
ففيه تحريم المسارعة في الحلف، لأن ذلك اسخفافاً بالله وتنقص لتعظيمه، وذلك منافٍ للتوحيد.
وقال إبراهيم النخعي: “كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار”. وذلك لكثرة علم التابعين، وقوة إيمانهم، ومعرفتهم بربهم، وقيامهم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقوله “على الشهادة” أي يضربوننا عليها إن شهدنا زوراً أو إذا شهدنا ولم نقم بأدائها.
** أخرج الطبراني عَن ابنِ عَباس -رضي الله عنهما-: مَا مِن عَام إلا وَيحدث النَّاس بدعَة وَيميتون سُنة حَتى تمَات السَنن وَتحيى البَدع.
** وقال -صلى الله عليه وسلم-:(ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا)، وعصر الصحابة أقرب إلى الهدى من عصر من بعدهم، والناس لا يحسون بالتغير; لأن الأمور تأتي رويدا رويدا، ولو غاب أحد مدة طويلة ثم جاء; لوجد التغير الكثير المزعج – نسأل الله السلامة -، فعلينا الحذر، وأن نعلم أن شرع الله يجب أن يحمى، وأن يصان، ولا يطاع أحد في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله أبدا مهما كانت منزلته، وأن الواجب أن نكون عبادا لله، تذللا وتعبدا وطاعة.
** قال الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ } [الواقعة:10-14]
هذا فيه بيان لانصراف الناس عن الدين في آخر الزمان، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه)، فبسبب بعد العهد عن الرسالات ينسى الناس كثيراً مما ذكروا به، كما قال الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} [الحديد:16] أي: طال عليهم الأمد بينهم وبين الرسل الذين كانوا يذكرونهم، فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون.
فبالبعد عن أزمنة الخير ينسي الناس كثيراً مما ذكروا به، فكما قال القائل: تزينت الدنيا لخطابها، فنسي الناس كثيراً مما ذكروا به، وانغمسوا في ملذاتها وشهواتها، فقل منهم الصابرون على تعاليم الدين، وقل منهم الصابرون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أصبحوا موضع اتهام لاتباعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! فطعن فيهم الطاعنون، وأرجف وضحك منهم المرجفون، كما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ } [المطففين:29-32]، فلم يصبر كثير من الناس على ازدراء أهل الغفلة، ولم يصبر كثير من الناس على ظلم أهل الظلم والعدوان، فنكصوا على أعقابهم، ورجعوا تاركين وراءهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وتاركين لكتاب ربهم، فقل أهل الفضل وأهل الخير، وقل أهل الثبات والصلاح في الأمم المتأخرة وأصبحوا غرباء.
فلذلك قال سبحانه وتعالى في شأن المقربين: {وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:14] أي: قلة قليلة من الأمم التي بعد عهدها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأخرت أزمانها عن أزمنة أصحابه رضي الله تعالى عنهم [سلسلة التفسير، مصطفى العدوي]
** قَالَ الفضيل بن عياض: “هَذَا زمَان احفظ فيه لسَانَك، وأخفِ مَكانك، وَعالج جفانَك، وخذ مَا تعرف وَدَع مَا تنكر لتصلح شأنكَ
** َقالَ الثوري: “هَذَا زمان السّكُوت، وَلزُوم البيُوت، والرّضا بالقوت إلى أن تَمُوت”
اللهم أصلح أحوالنا، ونجنا مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، وتوفنا وأنت راضٍ عنا.