هناك شبهات يكثر إثارتها حول الصوم في الإسلام لاسيما في شهر رمضان. فكثيرا ما يتساءل البعض مثلا عن وجود الشر في رمضان بالرغم من سلسلة الشياطين والإسراف في الأكل والشرب في ليالي رمضان واختلاف المطالع وطول ساعات الصوم في بعض البلدان وعدم تحديد ليلة القدر وتعبد المسلمين في رمضان وانقطاعهم بعده. وسنتناول في هذا المقال هذه الشبهات وغيرها بالرد والتعقيب باستفاضة إن شاء الله والله المستعان.
وجود الشر بالرغم من سلسلة الشياطين
قد يتساءل البعض عن حقيقة سلسلة الشياطين في رمضان نظرا لاستمرارية وجود الشر في حياة المسلمين وغيرهم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين” (رواه البخاري)
والحقيقة أن الشر في حياتنا ليس منبعه الشياطين وإنما ينبع من النفس البشرية إذا اتبعت الشياطين وأطاعتهم في السوء والفحشاء. فعن ذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة 168:2-169)
ولما كانت الشياطين هي التي تأمر النفس البشرية بالسوء والفحشاء، تعهد الله عز وجل بسلسلة هذه الشياطين في رمضان من قبيل تيسير الطاعة على المؤمنين وإعانتهم على الحد من المعصية. ولكن قد تعصي النفس البشرية ولا تطيع حتى في غياب الشياطين وسلسلتها وذلك ببساطة لأن النفس البشرية ميالة بطبيعتها إلى الشر وكذلك الخير. فالشياطين لا تبتدع الشر ولكن تزينه للنفس البشرية. والنفس البشرية قد تأمر بالسوء والفحشاء دون تدخل من الشياطين، وعن ذلك يقول الله تعالى:
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (يوسف 53:12)
ومن ثم، فإن الشر الموجود في رمضان ليس من عمل الشياطين وإنما من عمل النفس البشرية التي تميل إلى الشر. والفرق بين رمضان وغيره أن الشر في رمضان توجده وتحدثه النفس البشرية بدون تدخل من الشياطين، أما في غير رمضان فالشياطين تزين هذا الشر للنفس، ولذلك يكثر الشر في غير رمضان ويقل في رمضان.
الإسراف في الأكل والشرب في ليالي رمضان
يؤخذ على بعض المسلمين أنهم يسرفون في تناول الطعام والشراب في ليالي رمضان، وبذلك لا يكون رمضان بالنسبة لهم شهر الإمساك والتورع والزهد، بل يكون شهر أكل وشرب مثل سائر الشهور وربما فاق الإسراف في المأكل والمشرب في رمضان غيره من الشهور الأخرى.
ولا يخفى على أحد أن هذا السلوك ليس من الإسلام في شيء، وأن الإسراف خلق مذموم سواء في رمضان أو غيره، بل هو أكثر ذما في رمضان لأن المفترض في رمضان كبح جماح النفس ومقاومة شهواتها وترشيد رغباتها، ولذلك فهذا الإسراف يتنافى مع الحكمة من مشروعية صوم رمضان أصلا.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف 31:7)
ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في الأمور كلها لاسيما الطعام والشراب. فعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا، فَقَالَ: يَا نَافِعُ! لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ” (رواه البخاري ومسلم)
وإن رمضان هو شهر الإيثار والإحسان، فهو يعلم المسلم أن يحرم نفسه من الطعام والشراب وألا يرضى منهما إلا بالقليل الذي يبقيه على قيد الحياة وأن يستغل المال الذي استخلفه الله عليه في صلة ذوي القربى والإحسان إلى الفقراء والمساكين وأبناء السبيل. يقول الله تعالى:
وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا. (الإسراء 26:17-27)
الامتناع عن الجنس في نهار رمضان بالرغم من إباحته في الجنة
يتعجب البعض من غير المسلمين من الحكمة من تحريم الجماع في نهار رمضان. ويجتهد هؤلاء في استنباط هذه الحكمة وانتهى بعضهم إلى أن الحكمة من ذلك التحريم ربما تكون عدم جواز الجماع في حضرة الله لأن الصائم يكون في حضرة الله. ولكن يتعجب هؤلاء من جواز الجماع في الجنة حيث يكون في حضرة الله أيضا.
والحقيقة أن الصوم إمساك عن شهوتي الجسم الأساسيتين وهما شهوتا الفم والفرج. فحيث أن الحكمة من الصوم هي بلوغ التقوى بترشيد شهواتها ورغباتها وتقييدها والتحكم فيها، فكان لزاما أن تخضع شهوة الفرج لمثل ما تخضع له شهوة الفم، فلا فرق بينهما في ذلك.
ولقد ورد في حال الصائم عن أبي هريرة فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حكاية عن رب العزة سبحانه وتعالى: “… يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي…” (رواه البخاري)
وأما ما انتهى إليه بعض الأصدقاء من غير المسلمين من تحريم الجماع لأن الصائم يكون في حضرة الله وما افترضوه من التناقض المزعوم نظرا لإباحة الجنس في حضرة الله بالجنة، فهذا اجتهاد غير سديد ينم عن عدم المعرفة الكافية بدين الإسلام.
فالمسلم المؤمن يكون في حضرة الله تعالى في جميع أحواله سواء عند الجماع أو غيره. فالجماع لا يحول دون حضرة الله تعالى لأنه مما يبيحه بل يوجبه الله عز وجل على المسلم المستطيع. وهكذا، فالجماع ليس مدعاة للخزي والعار طالما أنه في نكاح مشروع. بل إن المؤمن يؤجر على جماعه أهله، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا” (رواه مسلم)
ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الامتناع عن جماع الزوجات بدون سبب أو عذر، وعاب على من فعل ذلك وأمر بهذا الجماع باعتباره حق الزوجة والمسلم مأمور بأن يعطي لكل ذي حق حقه. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل قلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا” (رواه البخاري)
اختلاف المطالع
إن الأصل في بدء شهر رمضان وانتهائه هو رؤية الهلال في أي بقعة من العالم. فإذا ثبتت رؤية الهلال، وجب البدء في الصوم إيذانا ببدء شهر رمضان أو الفطر إيذانا بانتهائه. فالتقويم الهجري مبني على التقويم القمري ولا يمكن أن يكون هناك تقويمان قمريان في آن واحد عند المسلمين.
فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ” (رواه البخاري)
إن الحديث السابق موجه لعموم المسلمين في كل زمان ومكان، فالمسلمون أمة واحدة لا تفرق بينهم البلدان أو الأمكنة. ولكن للأسف الشديد، فهم بعض المتقدمين والمتأخرين من علماء المسلمين أن على أهل كل بلد من بلاد المسلمين تحري الهلال، ولكن هذا الفهم غير صحيح لأننا في هذه الحالة علينا تعريف المراد بالبلد حيث أن هذا اللفظ لفظ عام يصدق على الكثير من المناطق الجغرافية. فعلى سبيل المثال، هل القاهرة بلد أم مصر بلد أم شمال أفريقيا بلد أم الشرق الأوسط بلد؟
وهكذا، فإن تعريف البلد سيقودنا إلى الكثير من الخلافات التي لا طائل من ورائها، والصحيح أن ثبوت الهلال في أي بقعة من العالم يؤذن ببداية ونهاية الشهور الهجرية، ولا فرق في ذلك بين بلد وآخر.
طول ساعات الصوم في بعض البلدان
يدعي البعض من غير المسلمين عدم إمكانية تطبيق الآية القرآنية التالية الخاصة بالصوم:
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ (البقرة 187:2)
فيزعم هؤلاء أن هناك بعض الأماكن تطول فيها ساعات الصوم بحيث لا يكون بين المغرب وفجر اليوم التالي سوى عدد قليل جدا من الساعات قد يصل إلى ثلاث ساعات فقط مثل الدنمارك والنرويج، بل إن هناك أماكن مثل بعض المدن في روسيا لا تغيب عنها الشمس، ومعنى ذلك أن على أهل هذه المدن من المسلمين الصيام المتواصل دون إفطار.
والحقيقة أن الحكم الشرعي ما هو إلا قاعدة تبنى على الغالب الأعم، ولهذه القاعدة استثناءات تؤخذ في الاعتبار. ولا يعني وجود بعض الاستثناءات عدم إمكانية تطبيق القاعدة، وإلا فلن يعمل بأي قاعدة أبد الدهر.
والإسلام هو أكثر الأديان والرسالات السماوية مراعاة للاستثناءات وأكثرها قبولا للأعذار ورفعا للحرج والمشقة، ولا أدل على ذلك من آيات تشريع الصوم نفسها، فإننا نلاحظ أن آيات فرض الصوم نفسها تراعي الاستثناءات والأعذار في نفس سياقها وليس في سياق منفصل. فنحن نقرأ في القرآن الكريم:
… فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ … وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة 184:2-185)
ومن ثم، فالإمساك عن المفطرات من طلوع الشمس حتى غروبها هو القاعدة الأصلية التي تسري على جميع المسلمين. أما إن طالت ساعات الصوم في بعض البلدان بحيث يتعذر على المسلمين في هذه البلدان الصوم، ففي مثل هذه الحالات، لا يطالب هؤلاء المسلمين إلا بما يطيقونه من ساعات الصوم سواء بالقياس على ساعات الصوم في أقرب الدول الإسلامية أو في مكة المكرمة.
عدم تحديد ليلة القدر
يتساءل البعض عن السر من وراء عدم تحديد ليلة القدر وكيف يرتب الله ثوابا عظيما على وقت غير محدد قد يصادفه من لا يستحقه ويفوته من قد يستحقه.
والحقيقة أن السر في عدم تحديد ليلة القدر هو حث المسلمين على الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من شهر رمضان. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان” (رواه البخاري)
فلو حددت ليلة القدر لصادفها من يستحق فضلها ومن لا يستحقه، ولكن الاكتفاء بالإشارة إلى أنها في العشر الأواخر من رمضان يضمن ألا يصادفها إلا من يستحق فضلها ومن اجتهد في العبادة حقا ولم تقتصر عبادته على هذه الليلة فقط.
وأما إمكانية مصادفة من لا يستحق فضل هذه الليلة لها، فهي منتفية تماما، وذلك ببساطة لأن فضل هذه الليلة قاصر على من قامها إيمانا واحتسابا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” (رواه البخاري)
ومعنى الحديث السابق أن الإيمان والاحتساب في قيام ليلة القدر وإحيائها بالعبادة شرط في نيل فضلها. فمن قام ليلة القدر بدون إيمان ولا احتساب أي بدون إيمان حقيقي بالله عز وجل وطمع حقيقي في مثوبته وثوابه لم يصب فضل هذه الليلة.
تعبد المسلمين في رمضان وانقطاعهم بعد رمضان
يقول البعض من غير المسلمين أنهم يلاحظون أن المسلمين يتعبدون في رمضان ولكنهم ينقطعون عن هذه العبادة بعد رمضان. والحقيقة أن هذا واقع بعض المسلمين فعلا، فنجدهم يجتهدون في العبادة في رمضان ولكن سرعان ما تفتر همتهم وعزيمتهم وإقبالهم على العبادة بعد انقضاء شهر رمضان.
ولا يخفى على أحد أن المسلم مأمور بالعبادة في رمضان وفي غيره. وإن اجتهاد المسلم في العبادة في رمضان أمر محمود. فإذا فتر هذا الاجتهاد بعد رمضان، فهذا أمر طبيعي لأن الإنسان لا يستطيع الاجتهاد في شيء طوال حياته، بل يحتاج إلى بعض الراحة والترويح.
فعَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَظَنَا فَذَكَّرَ النَّارَ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَافَقَ حَنْظَلَةُ، فَقَالَ: مَهْ فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فَقَالَ: يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ. (رواه مسلم)
ولكن ذلك لا يبرر التقصير في العبادة في غير رمضان. فالعبادات منها ما هو واجب ومفروض سواء في رمضان أو في غيره ومنها ما هو مندوب وسنة أي غير واجب ولكن من الأفضل القيام بها. فأما الواجب، فلا يجوز الإهمال أو التقصير فيه سواء في رمضان أو غيره مثل الصلوات الخمس. وأما السنن والمندوبات، فيجوز التخفيف منها في غير رمضان ولكن لا يجوز تركها بالكلية.
فعلى سبيل المثال، كان النبي محمد نفسه يجتهد في العبادة والصلاة والقيام والذكر في رمضان وفي غيره، ولكنه كان أكثر اجتهادا في رمضان لاسيما العشر الأواخر منه. فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ” (رواه مسلم)
وعنها –رضي الله عنها- قالت: “كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ” (رواه البخاري ومسلم)
وكان صلى الله عليه وسلم يتصدق في رمضان وفي غيره، ولكنه كان أكثر تصدقا وجودا في رمضان. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة” (رواه البخاري)
والحاصل أن للمسلم بعد رمضان أن يتخفف من بعض العبادات التي كان يجتهد فيها خلال شهر رمضان إذا كانت من قبيل السنن والمندوبات، ولكن لا يجوز له تركها بالكلية، كما أنه لا يجوز له ترك الواجبات والفرائض بعد رمضان.
_________
المراجع:
1- القرآن الكريم
2- صحيح البخاري
3- صحيح مسلم