الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد الصادق الأمين؛ أما بعد:
فالقصص القرآني هو أحسن القصص؛ كما قال سبحانه: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3].
وفيه عبر وفوائد عظيمة جدًّا لمن تأمل فيه ولمن تلا القرآن بخشوع؛ كما قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]، وسأذكر أمثلة للقصص القرآني الذي فيه عبرٌ للمعتبرين، ولكن قبله لعله يَحسُن ذكرُ شيءٍ من أهداف القصص القرآني؛ فمن هذه الأهداف الآتي:
1- ترسيخ عقيدة التوحيد والدعوة إليه من خلال بيان طريقة دعوة الأنبياء المرسلين لأقوامهم بابتدائهم بأهم شيء وهو التوحيد؛ قال سبحانه مبينًا ذلك: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36].
2- التثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة وللمؤمنين على ما لاقَوه من المشركين، وبيان أن العاقبة الحميدة لهم، وذلك ببيان ما لاقاه الرسل السابقون من إعراض أقوامهم وأذيَّتهم لهم، ثم بعد ذلك نصر الله للأنبياء وأتباعهم.
3- الدعوة للأخلاق الفاضلة وترسيخها.
4- بيان عظيم قدرة الله سبحانه.
أمثلة للقصص القرآني:
1- قصص عناد الكفار، وعدم استجابتهم لدعوة الرسل للتوحيد ونبذ المعاصي، وما حلَّ بهم بعد ذلك؛ مثل قوله سبحانه: ﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 39، 40].
هذه الآية التي فيها بيان حال بعض الكفار، وما حلَّ بهم من عظيم النَّكال – تعطينا درسًا بليغًا في ضرورة الحرص على طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودرسًا في الحرص على تحقيق التوحيد ونبذ الشرك بجميع صوره، ودرسًا آخرَ في الحذر الشديد من معصية الله، ومما قد يترتَّب عليها من العقاب الأليم للأمة وللفرد في الدنيا والآخرة، خاصة المجاهرة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- قصة نار النمرود، وكيف جعل الله سبحانه النار الملتهبة بردًا وسلامًا على إبراهيم عليه السلام – تعطيك درسًا عظيمًا في عظيم قدرة الله عز وجل، وأنه سبحانه لا يُعجزه شيء أبدًا مهما كبر وعظم في نظر البشر؛ قال سبحانه: ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 68 – 70].
3- قصة موسى عليه السلام مع تجلي الله سبحانه للجبل، وعدم صمود الجبل لعظمة الله سبحانه، وعدم تحمُّل موسى عليه السلام هذا المشهدَ المهيب العظيم؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 143].
تعطينا درسًا عظيمًا جدًّا في الإيمان بعظمة الله عز وجل؛ فنهابه هيبة عظيمة، ونعظِّم حُرماته وشعائره، ونستغفره كثيرًا، ونخشى عقوباته.
4- قصة زكريا لَمَّا دخل على مريم ووجَد عندها رزقًا مستغرِبًا كيف أتاها، فأخبرته أنه من الله سبحانه؛ قال عز وجل: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37].
تعطينا درسًا عظيمًا في التوكل التام على الله عز وجل، والاستغناء التام عن استجداء الخلق، والاكتفاء ببذل الأسباب فقط.
5- قصة هزيمة المسلمين في أُحُد تعطينا درسًا عظيمًا في الحذر من المعاصي كلها، وضرورة تجديد التوبة دائمًا؛ قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165]، فهؤلاء الصحابة الرماة نزلوا من الجبل عن اجتهاد، وليس عن تعمُّدٍ للمعصية، ومع ذلك حصلت الهزيمة بسبب ذلك، وذكَّرهم الله بهذا السبب؛ ليتعظوا ونتعظ نحن أيضًا.
6- قصة ابني آدم لَمَّا ﴿ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ … ﴾ [المائدة: 27] تعطينا درسًا مهمًّا جدًّا في ضرورة الإخلاص التام لله سبحانه، ودرسًا في خطورة الحسد، ودرسًا في خطورة التساهل بقتل المعصومين؛ قال سبحانه: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].
7- وقصة المرأة المجادلة تعطي درسًا في اجتناب الظلم، وفي قدرة الله سبحانه على إجابة دعاء المضطر وتفريج كربته، وفائدة عظيمة من اسمي الله سبحانه (السميع والبصير)، وما ينتج عنهما من الورع والتقوى؛ قال عز وجل: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].
انتهت الحلقة الأولى، وتليها إن شاء الله الحلقة الثانية.
حفِظكم الله ورزَقكم محبةَ القرآن والاعتبار بما فيه، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومَن والاه.