الفرق بين معجزات القرآن ومعجزات الهندوس –مثلاً-
الظاهرة القرآنية هي الظاهرة المستحيلة!
مستحيلة التكرار.
مستحيلة التحدي.
مستحيلة المقابلة.
مستحيلة المقارنة بغيرها.
ومجرد إتيان الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأمي بهذا الكتاب في دلائله وتشريعاته ومعجزاته وبيانه لمن أكبر الآيات على صدقه.
ثم عجْز المشركين عن معارضته أو حتى مجاراته؛ ثم إصلاح هذا الكتاب لأكبر مشكلتين في الوجود وهما “المعرفة والسلوك” مع المحافظة على النسق البياني البلاغي البديع؛ ومطابقة كل أمرٍ ونهيٍ في الكتاب للعدل والميزان والفطرة ومنهج الأنبياء قبله؛ لهي حججٌ بعضها فوق بعض لمن تدّبر.
وقد أوجدت الظاهرة القرآنية من الهباء أُمةً ضخمةً واستبقت على القرون جيلاً من الناس ما كانوا ليدخلوا التاريخ أبدًاً لولا نهوض هذه الظاهرة بهم!
وقد تقررت هذه الحقيقة في اللحظات التي كانت فيها الدعوة على المحك {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} ﴿٤٤﴾ سورة الزخرف.
ولم يستطع ملاحدة العصر أن يواجهوا الظاهرة القرآنية إلا بسخافاتٍ، كان صمتهم أفضل وأكثر تعقلاً من التصريح بها!
ومن هذه السخافات: زعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن من حدّادٍ نصراني مشتغلٍ في الحدادة، منهمك في مطرقته لا يعلم الكتاب إلا أماني، لسانه أعجمي.
وقال آخرون: ربما نقله من بحيرا الراهب حين قابله وهو طفل.
فيا له من منطقٍ كان السكوت أستر لهم!
ويأتي زعم آخر أن القرآن من حديث نفس محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- حيث أفاضت نفسه هذه المعارف، ويرد د.عبد الله دراز رحمه الله على هذا الادعاء المضحك فيقول: “نعم؛ إنها لعجيبة حقًّا: رجلٌ أمي بين أظهر قومٍ أميين، يحضر مشاهدهم -في غير الباطل والفجور- ويعيش معيشتهم مشغولًا برزق نفسه وزوجه وأولاده، راعيًا بالأجر، أو تاجرًا بالأجر، لا صلة له بالعلم والعلماء؛ يقضي في هذا المستوى أكثر من أربعين سنة من عمره، ثم يطلع علينا فيما بين عشيةٍ وضحاها فيكلمنا بما لا عهد له به في سالف حياته، وربما لم يتحدث إلى أحدٍ بحرفٍ واحد منه قبل ذلك، ويبدي لنا من أخبار تلك القرون الأولى مما أخفاه أهل العلم في دفاترهم وقماطرهم.
أفي مثل هذا يقول الجاهلون: إنه استوحى عقله واستلهم ضميره؟
أي منطقٍ يسوغ أن يكون هذا الطور الجديد العلمي نتيجة طبيعية لتلك الحياة الماضية الأمية؟
إنه لا مناص في قضية العقل من أن يكون لهذا الانتقال الطفري سرٌ آخر يلتمس خارجًا عن حدود النفس وعن دائرة المعلومات القديمة.
وإن ملاحدة الجاهلية وهم أجلاف الأعراب في البادية كانوا في الجملة أصدق تعليلًا لهذه الظاهرة وأقرب فهمًا لهذا السر من ملاحدة هذا العصر، إذ لم يقولوا كما قال هؤلاء: إنه استقى هذه الأخبار من وحي نفسه، بل قالوا: إنه لا بد أن تكون قد أمليت عليه منذ يومئذٍ علومٌ جديدة، فدرس منها ما لم يكن قد درس، وتعلم ما لم يكن يعلم { {وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون} ﴿١٠٥﴾ سورة الأنعام.
ولقد صدقوا؛ فإنه درسها، ولكن على أستاذه الروح الأمين، واكتتبها، ولكن من صحفٍ مكرمةٍ مرفوعةٍ مطهرةٍ، بأيدي سفرة، كرامٍ بررة.
{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون} ﴿١٦﴾ سورة يونس.
ذلك شأن ما في القرآن من الأنباء التاريخية، لا جدال في أن سبيلها النقل لا العقل، وأنها تجيء من خارج النفس لا من داخلها.” -1-
والظاهرة القرآنية بُعيد كل هذا هي في استقلالٍ تام عن ذات موضوع النبي-صلى الله عليه وسلم-، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- يتعرض لنكباتٍ ونكبات –مثل موت خديجة وعمه أبي طالب-، ولا نجد لذلك أثراً في القرآن.
أيضًا لا نجد أسماء زوجاته في القرآن الكريم مع تعلقه بخديجة إلى آخر لحظةٍ في حياته؛ وفي المقابل نجد اسم السيدة مريم تكرر قرابة 34 مرة.
وأيضًا لو نظرت إلى المجاز القرآني لوجدته بعيدًا تمامًا عن خيال العربي الذي ينشد في معلقاته وأشعاره الغزل ووصف المرأة والخمر، فالمجاز القرآني لوحة شاملة رائعة تختلط فيها الأنهار التي تجري في المروج الخضر مع الظلمات التي في البحار اللجية.
وداخل هذه الوحدة الأدبية تتوافر الدقة العلمية والدقة المعرفية لأنه كتابٌ موحىً به من خالق السماء والأرض.
وفي إطار حديثنا عن الدقة العلمية. فالقرآن الكريم هو الكتاب المقدس الوحيد على وجه الأرض الذي يخلو من خطأ علمي واحد وهذا بحد ذاته أعظم إعجاز علمي على الإطلاق.
في المقابل أعطني كتيب أو مطوية صغيرة مكتوبة منذ مائتي عام فقط تصف أية مسألةٍ علمية وسأُخرج لك منها أخطاء صريحة.
فقد كَتب أرسطو ثلاثة كتب علمية “في الطبيعيات، في السماوات، في الأرض” هذه الكتب الثلاثة لا توجد اليوم فيها جملة واحدة صحيحة علميًا، فقد كان أرسطو طبقًا لهذه الكتب يرى أن:
أسنان المرأة تختلف في العدد عن أسنان الرجل!
وأنه يوجد في صدر المرأة ثلاثة ضلوع فقط!
وأن وظيفة المخ تبريد الدم بينما وظيفة القلب تسخينه! -2-
وكان أرسطو يرى أن المياه الجوفية تتكون نتيجة فجوة في قلب الأرض تنقل مياه المحيط إليها!
وما إلى ذلك من الخرافات العلمية التي تملأ كتبه. بينما يقول القرآن في هذه المسألة الأخيرة مثلاُ–تكّون المياه الجوفية- خلاصة ما توصل له العلم منذ عقودٍ قليلة فقط، وهو أن المياه الجوفية مصدرها مياه الأمطار {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } ﴿٢١﴾ سورة الزمر.
فمصدر الميـاه الجوفيه هو الينابيع المتكونة من الأمطـار، وليس فجوة أرسطو التي في عمق القارة.
فمعجزة الضبط العلمي للقرآن الكريم هي أعظم معجزة علمية على الإطلاق!
وطبقا للمبدأ البوكيلي Bucaillism – الذي قام بصكه موريس بوكاي منذ عقودٍ قليلة- فإن القرآن الكريم بعد مراجعة علمية دقيقة هو الكتاب الوحيد الذي لا يوجد به خطـأ علمي واحد رغم أن عمره 1400 عام. -3-
مع أن القرآن كتاب إصلاح للمعرفة والسلوك في المقام الأول.
ولو ترّحلت عن القرآن الكريم إلى غيره من الكتب فأنعمت النظر في منحى الدقة العلمية في تلك الكتب. لوجدت نصوصًا تقطع بالوضع –التحريف- في تلكم الكتب!
فلك أن تتخيل! لو أن نصًا واحدًا من كتاب مثل الفيدا – الكتاب المقدس للهندوس- كان موجودًا في كتاب الله ؟
وسأعرض الآن بين يديك شيئًا من نصوص كتب الأسبقين:
تقول الفيدا أن: الأرض ثابتة لا تتحرك ” الريج فيدا 2-12-12″.
وخلق الله الأرض ثابتة. “ياجور فيدا 32-6″.
والشمس تدور حول الأرض داخل عربة ذهبية يقودها سبعة أحصنة. ” ياجور فيدا 33-43″.
والثور يُثبت السماء. “ياجور فيدا 4-30”.
-والياجور فيدا هي أحد الكتب الأربعة القانونية المقدسة لدى الهندوس-.
ويقول الفيشنو بارانا أن الشمس تبتعد عن الأرض 800 ألف ميل، بينما المسافة علميًا 93 مليون ميل.
ويقول الآثارفا فيدا: وفي خضم الماء يدور القمر. “آثارفا فيدا 18-4-89”.
وغيرها الكثير؛ فالحمد لله على الدين الخاتم المعصوم المحفوظ، الذي بلغه لنا أشرف الخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم، كاملاً غير منقوص.
ولو نظرنا إلى تقرير الظاهرة القرآنية لجانب العقيدة والتوحيد. فالقرآن هو منتهى الرقي في تنقية العقيدة التوحيدية من أية شوائب كفرية؛ يقول د.الطيب بو عزة: “يؤكد القرآن دائماً دور الكتب المقدسة في المسألة التوحيدية، ومع ذلك يؤكد القرآن دائماً على إخراج الذات الإلهية من نطاق الأنانية اليهودية – حيث الرب القومي لليهود -، والتعدد المسيحي – حيث عقيدة الثالوث الموغلة في التشويش والارتياب -، فالله ربُّ العالمين واحدٌ أحدٌ ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، ولذا فقد خرجت التعديلات اللاهوتية اللاحقة على اليهودية والمسيحية على يد توما الاكويني وموسى بن ميمون كإفراز لقراءتهم المنشور الإسلامي في عقيدته الصافية بالله، والتي شوهتها معاصى اليهود والمسيحيين، فحاول الرجلان تنسيق ديانتيهما بما يتناسب مع المنشور الجديد الذي سيجذب كل أتباع الديانات إليه إذا لم يحدث تدخل سريع لمواربة الصدع ومحاولة التقرب من عقيدة الإسلام النقية، وإثبات أن كلتا العقيدتين الأخريتين بناؤهما الأصلى وعمادهما أيضاً على توحيد الله في الصيغة النهائية، فالتحسينات التي أُدخلت على العقيدتين لم يكن منها مناص لإيقاف أفواج الداخلين في الدين الجديد.” -4-
وفي الختام هل تبقى دعوى لمدعٍ أن القرآن من صنع محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؟
يقول دكتور محمد عبد الله دراز –رحمه الله-: “القرآن إذن صريح في أنه لا صنعة فيه لمحمدٍ – صلى الله عليه وسلم- ولا لأحدٍ من الخلق، وإنما هو منزلٌ من عند الله بلفظه ومعناه ومن العجب أن يبقى بعضُ الناس في حاجةٍ إلى الاستدلال على الشطر الأول من هذه المسألة وهو أنه ليس من عند محمد .
في الحق أن هذه القضية لو وجدت قاضيًاً يقضي بالعدل لاكتفى بسماع هذه الشهادة التي جاءت بلسان صاحبها على نفسه.
وأي مصلحةٍ للعاقل الذي يدَّعي لنفسه حق الزعامة ويتحدى الناس بالأعاجيب والمعجزات لتأييد تلك الزعامة، أي مصلحةٍ له كي ينسب بضاعته لغيره ولو انتحلها لما وجد من البشر أحدًاً يعارضه ويزعمها لنفسه؟
بل وشهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على نفسه بالعجز {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون} ﴿١٦﴾ سورة يونس.” -5-
إنها قضية عادلة، قضية محايدة، قضية يقتضيها العقل والمنطق ألا وهي: التسليم بأن القرآن الكريم موحىً به من عند الله سبحانه.
——————————–
1- النبأ العظيم، د.عبد الله دراز، ص40.
2- http://chsi.harvard.edu/bok/06.html
3- Bucaillism at wikipedia
4- من وحي بعض مقالات د. الطيب بو عزة على منتدى التوحيد –بتصرف-.
5- النبأ العظيم ص 21.