اتهام النبي صلى الله عليه وسلم
بالجنون والسحر والكهانة
قولهم عن النبي صلى الله عليه وسلم (ساحر، كاهن، مجنون): هذه الصفات التي وصفه بها كفار قريش لما جاءهم بالحق ولم يستطيعوا له رد فجنحوا إلى هذه التهم والأوصاف حتى يصدوا الناس عنه، إذ إنه لا يجلس إليه أحد فيعرض عليه الإسلام ويقرأ القرآن على مسامعه إلا أخذ بلب جليسه وأسر قلبه فأراد المعاندون بإثارة هذه الشبهة أن يصدوا الناس عن الجلوس إليه وسماعه خاصة في المواسم التي يجتمع فيها الناس من أنحاء الجزيرة العربية.
هذا عتبة بن ربيعة جاء مندوباً لقريش لمفاوضة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يترك دعوته فيقول له: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السِّطَةِ في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم، ثم عرض عليه المال والملك وعرض عليه ما استطاعه من الإغراء حتى إذا فرغ عتبة من كلامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه فقال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني. قال: أفعل. فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وقد ألقى عتبة يديه وراء ظهره معتمداً عليهما وهو يسمع منصتاً حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد، ثم قال: (قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك) [1]!!
وعاد عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله قد جاءكم أبا الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، أطيعوني واجعلوها لي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقولـه الذي سمعت منه نبأ عظيم.
فهذا عتبة بن ربيعة وهو من صناديد قريش وسادتهم بعدما سمع القرآن وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون شاعراً أو كاهناً أو ساحراً.
وهذا النضر بن الحارث سيد آخر من سادة قريش وكبير من كبرائهم ممن كفر حسداً وحقداً يقوم في قريش ذات يوم ويقول: يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، فقد كان فيكم محمد غلاماً حدثاً، أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغه الشيب. وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم. وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه. قلتم مجنون لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه. يا معشر قريش فانظروا في شأنكم فإنه والله قد نزل لكم أمر عظيم. فهذه شهادتين من أعدى أعداءه تثبت كذبهم وافتراءهم عليه [2].
——————————————————————————–
[1] سيرة ابن هشام.
[2] سيرة ابن هشام.