ملكات اليمين والسبايا رحمة

 بدايةً لابد من تحليل قضية الرق من داخل التاريخ ذاته كالتالي :

أولاً : العبودية هي مرحلة أساسية في تاريخ الجنس البشري، ومن مقتضيات عصور بشرية أصيلة.

ثانيًا: لا يوجد في تاريخ البشرية ديانة ولا فلسفة ولا مذهبًا ولا فِرقة، إلا وأجازت الرق واعتبرته بديهة وجودية .

ثالثًا: اختفاء الرق في القرن الماضي كان فقط لظهور المكائن – الآلات التي حلت محل البشر – وإلا فالرق كان وسيظل موجودًا ما وُجد الإنسان.

رابعًا: لا يوجد مانع ديني ولا أخلاقي ولا مادي ولا علمي ولا فلسفي ولا إلحادي يمنع من ممارسة الرِق بمفهومه الإسلامي –الذي هو أقرب للتبني- كما سنبين بعد قليل.

خامسًا: لم يتوقف الرق فجأةً لضجر العبيد أو لرهافة إحساس الأسياد، ولكن فقط نتيجة استغناء مباشر عن العبيد بالمكائن التي ظهرت في القرن الماضي .

سادسًا: لم يعرف التاريخ ناقدًا للعبودية على طول الخط وانتهاء العبودية جاء فقط كنتيجةٍ بديهيةٍ لعدم الحاجة إليهم، ولذا قال نيتشه: “لو أمطرت السماء حرية لأمسك العبيد مظلات”.

 

وفلاسفة الدنيا كلها أطبقوا على أن مفهوم الرق في أصله مفهومٌ مقبول وسنذكر بعض الأمثلة :

1- كان أرسطو يرى أن العبودية أمر بَدَهِيٌ وكان من أشد المؤيدين لها والحريصين عليها

2- قال أرسطو : الذي يخضع للقانون هو أيضا عند مستوىً ما من العبودية.

3- جمهورية أفلاطون الفاضلة لا تخلو من العبيد.

4- يؤيد هيجل العبودية بشدة ويرى أن العبد يحقق متعته في خدمة سيده.

5- يقول كارل ماركس بدون عبيد لا وجود لأمريكا الشمالية.

http://www.marxists.org/archive/marx/410.htm

 

سابعًا: يرى هيجل أن الغريزة الأساسية في الإنسان هي الرغبة في نيل الإعتراف-ينال قيمته-، وفي هذا الإطار فالعبد يحقق غايته تمامًا، حيث أن العبد يحقق متعته في خدمة سيده وهو في ذلك يسعى إلى الرغبة في الاعتراف، والعبد لا يتمرد على سيده أبدًا لأنه أصلاً لا يعرف أنه ينقصه شيء، فهو رغباته المادية يحققها من أموال سيده ورغباته فوق المادية مثل الرغبة في الاعتراف يحققها ببراعته في عمله، بل وكلما كان أكثر إخلاصًا لسيده كان أكثر تحقيقًا لهذه الرغبة، لذا فالعبد لا يشعر أنه عبد، بل يتحرك في إطار عقلاني يستوعبه ويستوعب سيده، لذا لم يتمرد العبيد. فالعبد في البداية والنهاية مسوقٌ إلى الدور المطلوب منه – كالسيد تمامًا – .

 

ثامنًا: يقول مؤسس الدولة المدنية جون لوك: “الملوك في أمريكا القديمة والذين كانوا يملكون أراضٍ شاسعة هم أفقر ماديًا من عامل إنجليزي في ورش مانشستر”.

لكن الملك لديه من يعترف به فتزداد سعادته، فالسعادة قيمة نسبية لا علاقة لها بالوسائل المادية المتاحة، وإنما هدف السعادة المادية هو نيل الاعتراف وهذا متحقق للعبد ماديًا!

 

تاسعًا: في لحظةٍ ما عندما نحتاج للعبيد سيعود العبيد، خاصًة وأنه بعد اختراع الأسلحة النووية ظهرت في الأدب العالمي فكرة احتمالية أنه في أي لحظة يمكن أن يخسر العالم كل التكنولوجيا الحديثة ونعود للخيل والجِمال مرًة أخرى، وفي فيلم محارب الطريق the road warrior للمنتج الاسترالي جورج ميلر، نرى حضارة مستقبلية قائمة على الخيل والعربات التي تجرها الحيوانات.

المصدر : نهـاية التاريخ، فرانسيس فوكوياما، ص 86.

 

عاشرًا: الذي ينتقد العبودية هو حتمًا سينتقد منظومة العمل والحياة الوظيفية الآن، فالحياة الوظيفية هي رِق جزئي –عبودية جزئية-، وفي تعريفها الرسمي: استقطاع ساعات معينة من وقت الموظف لصالح مؤسسة أو شركة أو شخصٍ ما، مقابل تقاضي أجر محدد أو منفعةٍ محددةٍ.

لكن الإنسان المعاصر يستسيغ المنظومة الوظيفية الآن ولا يستسيغ مسألة الرق فقط بسبب المعاصرة – فهو معاصر للمنظومة الوظيفية ولم يعاصر مسألة الرق -.

بل إن الفرق الجوهري بين الرق والمنظومة الوظيفية هو فرق زمني لا قِيمي، فالمنظومة الوظيفية هي رِق وقتي، وسخرة جزئية كما يتفق على ذلك المُشرعون!

أيضًا الرق ليس بالصورة التي يرسمها ويروِّج لها العصرانيون، وإنما ربما تنطبق تلك الصورة على ما كان يجري في الدولة الرومانية، بينما في بلادنا كان الرقيق أئمة الدنيا وعلماء الدين. ودولة الممالك خير شاهدٍ عبر الزمان.

 

إذن الرق أمر بَدَهِيٌ عبر التاريخ وعبر الجغرافيا، والحفاظ على حقوق الرقيق هو الوصية العاشرة من الوصايا العشر في التوراة: ” سفر التثنية 5-21 “.

والحفاظ على حقوق الأسياد ووجوب طاعتهم مِن قبل العبيد هو وصية الإنجيل: ” الرسالة إلى أفسس 6:5 “.

ولم يكن الإسلام بِدعًا من الأديان، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- بِدعًا من الرسل فقد جاءت الوصية مباشرةً بحفظ حقوق الرقيق في الإسلام.

 

حفظ حقوق الرقيق في الإسلام:

1- قال الله تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} ﴿النساء36﴾ .

2- وقال تعالى {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف } ﴿النساء25﴾ .

فأمر سبحانه مَن أراد أن يتزوج من أمته أن ينكحهـا بإذن أهلهـا وأن يعطيهـا مهرهـا كاملاً!

3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي”. صحيح مسلم.

4- وقال صلى الله عليه وسلم: “إنّ إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم”. متفقٌ عليه

 

ولذا صار الرقيق في الدولة الإسلامية ملوكًا وحُكـامًا، وأصبحت فترات تاريخية كاملة في حِكرًا على الرقيق [ دولة المماليك في مصر ].

 

ولا يعرف تاريخ الإنسانية دينـًا أشد حرصًا على الرقيق من الإسلام، يكفي أن تعلم أن هناك ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين يوم القيامة كما في نص الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

1- رجل آمن بالكتاب الأول والكتاب الآخر ، ثم أدركني فآمن بي

2- ورجل كانت له أمة فأعتقها وتزوجها

3- وعبد أدى حق الله وحق مواليه .

متفقٌ عليه.

 

إذن الرجل لو أعتق جاريته وتزوّجها له أجره مرتين.

والعبد الذي يطيع سيده له أجره مرتين.

ولذا قال أبو هريرة رضي الله عنه في الحديث المُتفق عليه: “والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك .”

 

 

لكن هنا قد يطرح العلماني تساؤلاً هامًا وهو: ما مصدر الرقيق وكيف يتحول الحر إلى عبد؟

ولماذا يتحول الأحرار إلى عبيد؟

لا يعرف الكثير من العلمانيين أن الرق هو في الاصل رحمة!

فالرق ينحصر في أرض المعركة وساحة القتال، فالكافر المقاتِل يُقتل، والكافرة المقاتلة تُسبى ولا تُقتل وبالتالي تصبح في باب الرق أو السبي أو ملك اليمين وكلهااصطلاحات لها نفس المعنى.

 

لكن لماذا نقوم باستراقاق النساء؟

هذا كما قلنا من باب الرحمة، لأن الذي جاء يقاتلك ويحاربك لابد أن تقاتله، هذه بديهة تتفق عليها جميع الدساتير والشرائع!

أما المرأة التي جائت لتقاتلك فلا يجوز لك أن تقاتلها إلا لو باشرت قتلك!

فالمرأة لا تُقتل، لأن الإسلام لا يُجيز لك قتل النساء ولا الأطفال ولا الشيوخ ولا أصحاب الحرف الذين لم يأتوا إلى ساحة المعركة لمحاربة المسلمين وإنما لممارسة حرفهم مع أنهم كفار ومع أنهم في ساحة المعركة!

فمن رحمة الإسلام بالمرأة أنها لا تُقتل -لأنها ضعيفة ولا تباشر قتل المسلمين في الغالب- بل تُسبى.

 

والمرأة تُسبى حتى يتم فدائها بأس